أنا مسيحي... أقتلوني!

أنا مسيحي... أقتلوني!

ولو أنّ الإعلام يسكتُ اليوم عن الكثير من الإعتداءات بحقّ المسيحيّين ولا يُظهرُ إلّا ما يخدم التيّارات السياسيّة التي تقف وراءه، فالواقع أنّ المسيحيّين حول العالم يتعرّضون للإضطهاد يوميًّا بشتّى الأشكال. 

في "الكتاب الأسود لواقع المسيحيّين في العالم" الذي هزّ العالم أرقامٌ صادمة، وأحاديثٌ عن اضطهاداتٍ وعن إباداتٍ جماعيّةٍ في دولٍ لا نعرف حتّى مكانها على الخارطة. وفي الواقع أن 80% من المضطَهَدين بسبب دينهم حول العالم هم من المسيحيّين، وفي كلّ 11 ثانية يُقتل مسيحيّ حول العالم، لذنبٍ وحيدٍ اقترفه، أنّ اسم المسيح دُعي عليه.

وفي شرقنا نشهدُ كلّ يومٍ على تهجيرٍ قصريِّ لمسيحيّين، وعلى أنواعِ عُنفٍ كثيرة تمارس بحقّهم، إمّا من متطرّفين إسلاميّين، وإمّا من دولٍ انتهجت التطرّف الإسلامي ومارست العنف المُستّر باسمه. حتّى في الدول التي تتمتّع باسقرارٍ نسبي، والتي يستفيدُ فيها المسيحيّون من حريّة المعتقد، يُعاني المسيحيّون من إضطهادات سياسيّة وضغوطات تهدفُ إلى تحجيم دورهم في الساحة المدنيّة، أو حتى إلى ترحيلهم البطيء عن أرضهم.

ما يعانيه المسيحيّون مؤلمٌ ومحزنٌ، لكنّه متوقّع. فيسوع لم يعدنا بحياةٍ ورديّة مع أبناء هذا العالم، وقال لنا صراحةً أنّ من يتبعه يُضطهَد، ويُساق إلى المجامع ليُحاكم، ويُسجن ويُرجم لإيمانه. وإن كان هو المسيح قد لقي الصلب، فكم بالحريّ نحن تلاميذه. إذن، الإضطهاد طبيعيّ، وإذا لم يُضطَهَد المسيحي الذي يعيش في بيئةٍ تعدّديّة، فلا بدّ من وجود مشكلةٍ ما!

أمّا أسباب اضطهاد المسيحيّ فهي كثيرة، ألخّصها بواحدة فقط : أنّ المسيحيّة هي حبٌّ... مجّاني ومجنون. فهذا الكمّ من الحبّ لا يُمكن للعالم أن يفهمه أو أن يقبله. ويقول يسوع في إنجيل يوحنّا أنّ النور جاء إلى العالم لكنّ العالم فضّل أن يبقى في الظلام. لأنّ الحبّ الذي يُعطيه المسيحيّ إلى العالم يُزعجُ العالم. الحبّ يُنير... لكنّ العالم يفضّل الظلمة التي تستر له عيوبه في هذا الدهر.

وأنا اليوم باسم المسيحيّين المُضطَهَدين أحمِلُ رسالةً وجيزةً لجزّارهم : 

يا صديقي، المسيحيّ يغفر. هل تعرف ماذا يعني الغفران؟ ربّما سمعت العبارة من قبل. أنا اليوم أريدُ أن أشرحها لك. يوم مات يسوع على الصليب غفر لقتّاليه. هذا يعني أنّه لن يسمح لتلك الخطيئة أن تدينهم، وأكثر، بدمه المهراق على الصليب، لم يكتفِ أن يخلّص خاصّته، بل منح الخلاص لقاتليه. فالحبّ المجانيّ لا يشترطُ شيئًا ولا يُمنَح لأحدٍ دون سواه. والمسيحيّ، كما سيّده، يغفر. وهو يوم يُضطَهَد، يسامح خطيئة جزّاره، ويقدّم ذاته قربانًا، مشاركًا في ذبيحة المسيح، التي أراد فيها خلاص كلّ إنسان وكلّ الإنسان.

أيّها الأصوليّ المتطرّف المتعصّب، يُمكنك أن تقتل آلاف المسيحيّين، لكنّك لن تقتُل المسيح! وفي كلّ مرّة تقتل مسيحيًّا يولد لنا شفيعٌ في السماء ويُزهر خلفه آلاف المسيحيّين على الأرض. لا يُخيفنا الموت، فلا شيء يفصلنا عن محبّة المسيح، لا ضيقٌ ولا شدّة ولا جوعٌ ولا سيف.

هيّا حزّ عنقي واطرب لصرير عظامي وتلذّذ بدمائي! أنا أشتهي أن أكون مع المسيح، وأنا مؤمنٌ أنّ الآب الذي أقام ابنه من الموت، يُقيمني أنا أيضًا. أنا لي آبٌ في السماء، أمّا أنت فرفضته منذ زمنٍ بعيد... أنا حزينٌ من أجلك لأنّك جعلت ذاتك يتيمًا، وليس من أجل حياتي التي تراق. أتعلم؟ أنا أغفرُ لك... "عنجد"، بل أكثر من ذلك، أنا أقدّم ذاتي قربانًا من أجلك، لأنّي أحبّك. فأنا مسيحي وهذا جوهري