صحوة الميلاد المزيّفة

صحوة الميلاد المزيّفة

يستيقظُ السامريّ الصالح في نفوس المسيحيّين مرتّين في السنة: في عيد الميلاد وفي زمن الصوم. ويعود إلى رقاده بعدها، مرتاح الضمير، لأنّه تمّم "واجباته" وساعد الفقراء. ومن المُلفت أنّ جمعيّات العمل الاجتماعي تنشط في حملاتها في هذه المدّة من السنة، كونها "موسمٌ" يتذكّر فيه الناس أنّ شيئًا ممّا يملكون هو حقُّ الفقراء.

أمّا الغريب فهو الهجوم الإعلامي على أعمال المحبّة، حيثُ تتحوّل المؤسّسات الإعلاميّة، التي لا تبتغي إلّا الربح، إلى ساحات من "الشحادة" لأجل مساعدة هذا أو ذاك، ناهيك عن البرامج الطويلة التي تُريك بطولات هذا الإعلامي أو تلك "المغنيّة-الراقصة" في مساعدة إحدى العائلات، بميزانيّةٍ لا تتعدّى عِشر الميزانيّات المخصّصة لديكور برامج تافهة أخرى.

فهل المحبّة أصبحت سلعةً إعلاميّةً تُباع وتُشترى في زمن الميلاد كونه "موسمُ" عمل الخير؟ وهل أصبحت المحبّة بالنسبة لنا، نحن المسيحيّين، حالة نرتديها في زمنٍ معّينٍ لأنّ "الدّين" أوجب علينا ذلك؟ ولماذا في الميلاد؟ ومن شوّه لنا عاداتنا الجميلة وفتك بروحانيّتنا الصادقة.

ليس كلامي استخفافًا بعمل الخير وليس هو بدعوةٍ لوقف مساعدة الفقراء، إنّما هو وخزٌ للضمائر لكي تستفيق. ليس الميلاد وحده زمن الفقير. كلُّ زمنٍ للفقيرِ هو. لا ينفع أن نكون رأسماليّي التفكير، ونساوي باقي الناس بجراء الكلاب التي لا تقتات إلّا بما يتساقطُ عن موائدنا. فالموائدُ لم تعُد لها أسياد، وفي المسيح، من حسب نفسه سيّدًا، قام لخدمة الآخرين.

ميلاد الربّ يسوع الفقير، وإن نتذكّره في نهاية كانون الأوّل، هو يومٌ سرمديٌّ لا ينتهي. وفي كلّ يومٍ يولد على بابك، في كلّ محتاجٍ تلقاه. فإمّا أن تكون سامريًّا صالحًا حقًّا، وإمّا لا تكون. إيّاك والرياء!

أيّها الإعلاميون، باسم كلّ فقراء لبنان : لملموا أموالكم الفاسدة والملطّخة، فلا أحد يحتاجها. كفّوا عن التجارة بفقر الناس وأسكِتوا إدّعاءاتكم الجشعة وصلاحكم المزيّف. أتذكرون ما قال المسيح في العطاء؟ أن لا تعلم يُسراك بما تفعله يُمناك؟ إن كان فيكُم الصلاح الذي تدّعون، فخصّصوا الميزانيات الدائمة لعمل الخير! واخرسوا!