يا بنّي أعطني قلبك

يا بنّي أعطني قلبك

لماذا نصلّي؟

جلست أمّك في السرير بالقرب منك وأنت صغير، وراحت تعلّمك كيف ترسم إشارة الصليب، وكيف تتلو الأبانا والسلام. ومذّاك لم تتوقف عن تلاواتهما في كلّ مساء، وحُبُّكَ للصلاة ارتبط بحبّك لأمّك وحنينك لأيّام الطفولة. أمّا إذا لم تكُن أمّك من المتديّنات، فالمدرسة الكاثوليكيّة التي نشأت فيها أمّنت لك البديل وزوّدتك بأدوات الصلاة. وقد يحدث أن يكون لقاؤك الأوّل بالصلاة حدث وأنت راشدٌ وقررّت وقتها أن تواظب عليها في كلّ صباحٍ أو مساء.

أصبحت مصليًّا. تصلّي ما تعلّمته. أشياء كثيرة تعرفها. قد لا تعرف معناها، لكنّك تعرفها. تردّدها كثيرًا حين تحتاج أن يحقّق لك اللّه شيئًا، وقليلًا حين لا تحتاجه. تبحثُ عن الإطار الأنسب والجوّ الأفضل لكي تصلّي "أفضل"، فأراك تذهب إلى مزارات القدّيسين، فهناك اللّه يسمعك أكثر كما تظن، وربّما السماء أقرب. وتصلّي ما تعلّمته في طفولتك وتضعه عند أقدام تمثال القدّيس وتنساه هناك أحيانًا.

أصبحت مصليًّا أكثر. لا تعرف السبب ربّما، لكنّك اليوم تصلّي أكثر. اشتريت لك مسبحة لتصليّها بأكملها، واقتنيت كُتُب التساعيات وسير القدّيسين. قرّرت أن تكون أكثر صلاحًا ورُحت تصلّي. لكنّك تواجه الصعاب مرارًا، لأنّك تشعر بالروتين لتكرار الصلوات نفسها. أحيانًا تقودك الأفكار إلى أماكن بعيدة جدًّا، فتشعرُ أنّ وقت الصلاة لم يعُد إلّا وقتًا ضائعًا، تُفكِّرُ فيه بأمور الدنيا كلّها وتنسى اللّه الذي جئت تكلّمه. تراودك أفكار الشكّ: "كيف لي أن أعرف أنّ الله يسمع؟ إذا كان يسمعني لما لم يستجب لي بعد وأنا أسائله في كلّ مساء منذ أشهرٍ طويلة؟"

لم تعد تصلّي. لأنّك فشلت والفشل مؤلم. في كلّ مرّةٍ تتوقّف فيها عن الصلاة، تحاول العودة كثيرًا. تبحث عن أنواع صلاةٍ جديدة. تلتقي بفريق صلاةٍ أو بمرشدٍ روحيٍّ، تتشجّع وتقوم لتُبحرَ في عالم الصلاة من جديد. وترى الصعاب تقاومك أكثر، وكأنّك لن تصل يومًا لتكون رجل الصلاة الذي تحلم به كثيرًا.

...ياصديقي! لكي تصلّي عليك أن تعرف لماذا تصلّي أوّلًا. بكلِّ بساطة لأنّك تُحبُّ الله. إذا لم تكن تحبّه لا يمكنك أن تكلّمه. تصلّي لأنّك تندهش أمام عظمته ومجده، وفي كلِّ مرّةٍ تجلس أمامه لا تتوقّف عن تسبيحه وتمجيده. إذا جالسنا من نُحبّ نشعرُ بحلاوة اللقاء ونتمنّى ألّا ينتهي. إذا تعلّقت قلبونا بالربّ، أصبحنا حينها رجال صلاةٍ حقيقيّين.

ليست الصلاة هدفًا بذاتها : اللقاء الشخصي بيسوع هو الهدف. الصلوات التي تعلّمتها وورثتها من بيئتك المسيحيّة هي وسائل تساعدك لشقّ الطريق نحو اللقاء الخاص الحميم بيسوع. الأماكن التي تزورها هي إطار مساعد، ولكنّها ليست المكان الوحيد للصلاة، وليست المكان الوحيد لتفكّر بمن تُحبّ.

يوم يُصبح قلبك مع الله، ستصلّي في حينه وفي غير حينه. كلُّ الأماكن والأوقات تصير صلاة. سيعلّمك الله وسائل جديدة لم تعهدها من قبل. سترى نفسك تمضي ساعات مع من تُحبّ والفرح يغمر قلبك. طبعًا ستواجه الصعاب، لأنّ الحياة الروحيّة جهادٌ مستمر، لكنّ الجهاد رائعٌ إذا أحببت. لن توقفك الصعاب بعد اليوم، لأنّ من يحبّ يملك السلاح الأقوى. لا يريد الله منك شيئًا سوى أن تكون له، هو من قال لك: "يا بُني أعطني قلبك". (أمثال 23، 26)