نداء راعويّ لمناسبة زمن الصوم الكبير

نداء راعويّ لمناسبة زمن الصوم الكبير

نداء راعويّ لمناسبة الصوم الكبير
المطران أنطوان بو نجم،
راعي أبرشيّة أنطلياس المارونيّة

نداءٌ إلى الآباءِ الكهنةِ والرهبانِ، وكلّ المكرّسين والعلمانيّين في أبرشيّةِ أنطلياس المارونيّةِ،

"أُنَاشِدُكُم، أَيُّهَا الإِخْوَة، بِمَرَاحِمِ الله، أَنْ تُقَرِّبُوا أَجْسَادَكُم ذَبيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً لله: تِلْكَ هيَ عِبَادَتُكُمُ الرُّوحِيَّة! ولا تتَشَبَّهُوا بِهـذَا الدَّهْر، بَلْ تَغَيَّرُوا بِتَجْديدِ عُقُولِكُم، لِكَي تُمَيِّزُوا مَا هِيَ مَشِيئَةُ الله، أَيْ مَا هُوَ صَالِحٌ ومَرْضِيٌّ وكَامِل."(رو 12/ 1-2)

مع بدايةِ زمنِ الصّومِ الكبيرِ نستذكرُ وإيّاكم هذا النّداءَ من رسالةِ مار بولس إلى أهلِ روما، الّذي فيه تذكيرٌ لما هي العبادةُ الروحيّةُ الحقيقيّةُ المرضيّةُ لله. خصوصًا ونحن غارقون في أزماتٍ كثيرةٍ منها الإقتصاديّة، المعيشيّة والسياسيّة، وغيرها الكثير... السؤال الذي يُطرَح علينا الآن أمام هذه الأزمة: 

ما هي أولوياتنا؟ 
إذا كانتْ في البحثِ عن الحلولِ البشريّةِ، هذا بحدِّ ذاتِه واجبٌ حَسَنٌ، لكنَّهُ وبالنِّسبةِ لنا كمؤمنين يبقى ناقصًا إذا ما سبَقَه التجدُّدُ الرُّوحيُّ  الذي يدعونا إليه مار بولس، وهذا التجدّدُ الرُّوحيُّ هو بحدِّ ذاتِهِ الهدفُ الأساسُ من الصَّومِ. إنّه كفيلٌ بأن يُساعدنا على تخطّي الأزماتِ الّتي نعيشُها دونَ الاستسلامِ والرُّضوخِ لها! 

فكيف السَّبيلُ إلى هذا التَّجدّدِ الرُّوحيّ؟
 الصَّومُ هو أكثرُ من مجرَّدِ امتناعٍ وانقطاعٍ عن المأكلِ محدودٌ بعددِ ساعاتٍ معيّنةٍ، هو بالحقيقةِ مسيرةٌ روحيّةٌ بالعمقِ تُعاشُ بتجرّدٍ وتقشُّفٍ وتتجلّى بالبساطةِ وعيشِ الفقرِ الإنجيلي. نعيشُ الصومَ كما عاشَه يسوع  متغلّبين على الشّرِّ وطُرُقِهِ الملتويةِ جاعلين منه إنطلاقةً جديدةً يقودُها الرُّوحُ كما جعلَ منه الرَّبُّ إنطلاقةً لرسالتِهِ في قلبِ العالمِ (لو 4 : 14 – 15).  من هنا نفهمُ أنَّ الصّومَ هو وسيلةٌ لمواجهةِ الشَّرِّ ومقاومتِه في داخلِ كلِّ واحدٍ منّا وفي عالمِنا، الصَّومُ هو أيضًا فِعلُ تضامُنٍ مع الأكثرِ حاجةً، الّذين أٌجبِروا على الصَّومِ، بسبب أوضاعهم المعيشيّة، وما أكثرهم في أيَّامِنا هذه. أدعو إخوتي هؤلاء إلى عيش هذه الأزمنة بإيمانٍ ورجاء.   

كما يسوع نعيشُ صومَنا بالصَّلاةِ ونعملُ الخيرَ. 
الصّلاةُ هي المساحةُ الّتي نخلُقُها في داخلِنا لنختلي باللهِ، هي الجبلُ الدَّاخليُّ الّذي نَصْعَدُ إليه ليتجلّى المسيحُ فينا ونسمعُ صوتَه وكلماتِه عِوضًا من الالتهاءِ بالكلماتِ والأصواتِ التي يحاوِلُ العالمُ اجتياحَنا بها: كلماتُ العنفِ والكَذِبِ والاستغلالِ. فصوتُ المسيحِ الّذي يَهمِسُ في داخلِنا يقودُنا إلى مشاركةِ خيراتِنا مع الإخوةِ المحتاجين كما جاءَ في كتابِ أعمالِ الرُّسُلِ: "كانَ كلُّ شيءٍ مٌشتَرَكًا بَينَهم... فلَم يَكُنْ فيهم محتاجٌ" (أع 4 : 32، 34) وما غايةُ هذه المُشاركةِ إلّا التَّضامن مع إخوتِنا في الإنسانيّةِ وصونِ صورةِ اللهِ ومثالهِ في كلِّ واحدٍ منهم والحفاظ على كرامتِهم وعيشِهم الكريمِ.  

لذلك في بدايةِ هذا الزَّمنِ المباركِ أدعوكُم إلى خوضِ هذه المسيرةِ بجديّةٍ من خلالِ ممارسةِ الصَّومِ بشكلٍ جذريٍّ والمشاركةِ بكثافةٍ في الصَّلواتِ اللّيتورجيةِ والسُّجودِ للقربانِ والمسبحةِ الورديّةِ في رعاياكمِ على نيّةِ لبنانَ حتَّى نستطيعَ محاربةَ الشّرّ المتربّصِ بعالمِنا، لكي نعبرَ معًا إلى ميناءِ الخلاصِ ونُعيِّد قيامةَ لبنانَ مع قيامةِ المسيحِ. 

أحد عرس قانا الجليل 
قرنة شهوان في 19/02/2023


تحميل المنشور