كَسر الكلمة - العهد القديم -6- أحد البيان ليوسف

كَسر الكلمة - العهد القديم -6- أحد البيان ليوسف

أحد البيان ليوسف
سِفْرِ أشعيا: 7 / 10 – 15
10 وعادَ الرَّبُّ فكَلَّمَ آحازَ قائِلًا:
11 "سَلْ لِنَفسِكَ آيةً مِن عِندِ الرَّبِّ إِلهِكَ، سَلْها إِمَّا في العُمْقِ وإِمَّا في العَلاءِ مِن فَوقُ". 
12 فقالَ آحاز: "لا أَسأَلُ ولا أُجَرِّبُ الرَّبّ". 
13 فقالَ أَشَعْيا: "إِسمَعوا يا بَيتَ داوُد. أَقليلٌ عِندَكم أَن تُسئِموا النَّاسَ حتَّى تُسئِموا إِلهي أَيضًا؟ 
14 فلِذلك يُؤتيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُه آيَةً: "ها إِنَّ الصَّبِيَّةَ تَحمِلُ فتَلِدُ ٱبنًا وتَدْعو ٱسمَه عِمَّانوئيل.
15 يَأكُلُ لَبَنًا حَليبًا وعَسَلًا إِلى أَن يَعرِفَ أَن يَرذُلَ الشَّرَّ ويَخْتارَ الخَير".

مقدّمة
إِنَّ الإِطَارَ الَّذي يَحْوِي هَذَا النَّصَّ، يَتَضَمَّنُ أَحْدَاثًا تُشْبِهُ أَحْدَاثَ الإِطَارِ الَّذِي كَانَ يَعِيشُ فِيهِ يُوسُفَ ابْنَ دَاوُدَ خِطِّيب مَرْيَمَ العَذْرَاء. فَفِي زَمَنِ الـمَلِكِ آحَازَ، ضَعُفَ إِيمَانُ الشَّعْبِ بِالرَّبّ الَّذِي وَعَدَهُم بِالخَلَاصِ. وَانْحَرَفَ الـمَلِكُ عَنْ شَرِيعَةِ الرَّبّ، فَلَجَأَ إِلَى أَشُّورَ مَلِكِ الفُرْسِ الوَثَنِيِّ، لِقِلَّةِ إِيمَانِهِ (رَاجِع أَش 2مل 15 / 38 – 16 / 20). إِلاَّ أَنَّ الرَّبَّ اخْتَارَهُ، هُوَ بِالذَّاتِ، لِيُولَدَ مِنْ صُلْبِهِ الـمَسِيحُ الـمَلكُ، كَمَا يُعْلِنُ أَشَعْيَا النَّبِيُّ في الآيَةِ 14 مِنْ هَذَا النَّصّ.
وَفِي زَمَانِ هِيرُودُسَ مَلِكِ اليَهُودِيَّةِ، كَانَ رُؤَسَاءُ الشَّعْبِ الرُّوحِيِّينَ قُسَاةَ القُلُوبِ وَبِدُونِ رَحْمَةٍ، قَدَّمُوا شَرَائِعَهُمُ الخَاصَّةَ عَلَى شَرِيعَةِ الرَّبّ. لِهَذَا، ضَعُفَ إِيمَانُ الشَّعْبِ وَتَزَعْزَعَت أُسُسُ الإِيمَانِ القَوِيمِ وَتَشَوَّهَتِ الحَقِيقَةُ.
فِي هَذَا الجَوِّ الضَّبَابِيِّ، فَكَّرَ يُوسُفُ أَنْ يُطَلِّقَ مَرْيَمَ خِطِّيبَتَهُ، خَوْفًا مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ القَاسِيَةِ الَّتِي تَقْضِي بِرَجْمِ الزَّانِيَةِ حَتَّى الـمَوت. إِلاَّ أَنَّ الرَّبَّ أَرْسَلَ مَلَاكَهُ إِلى يُوسُفَ لَيلاً لِيُنِيرَ ضَمِيرَهُ وَيُنْقِذَهُ مِنَ الضَّيَاعِ وَالأَفْكَارِ السَّوْدَاوِيَّةِ، وَيُعْلِنَ لَهُ سِرَّ حَبَلِ مَرْيَمَ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ، هِيَ العَذْرَاءُ الَّتِي تَنَبَّأَ عَنْهَا أَشَعْيَا لِآحَازَ الـمَلِكِ (متى 1 / 22 - 23).
فَالحَدَثَانِ، القَدِيمِ وَالجَدِيدِ، يَتَمَحْوَرَانِ حَوْلَ كَلِمَاتِ النُّبُوءَةِ عَنْ العَذْرَاءِ الَّتِي تَحْبَلُ وَتَلِدُ العِمَّانُوئِيلَ، أَي اللهُ مَعَنَا.

تفسير الآيات
10 وعادَ الرَّبُّ فكَلَّمَ آحازَ قائِلًا:
11 "سَلْ لِنَفسِكَ آيةً مِن عِندِ الرَّبِّ إِلهِكَ، سَلْها إِمَّا في العُمْقِ وإِمَّا في العَلاءِ مِن فَوقُ".
إِنَّ النَّصَّ الَّذِي تَخْتَارُهُ كَنِيسَتُنَا الـمَارُونِيَّةُ لِهَذَا الأَحَدِ، هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ حِوَارٍ بَيْنَ الرَّبِّ أَو مُرْسِلِهِ أَشَعْيَا النَّبِيِّ، وَالـمَلِكِ آحَازَ. هَذَا الأَخِيرُ وَرِثَ الحُكْمَ مكانَ أَبِيهِ، عَلَى يَهُوذَا، بَينَ (735 – 716 ق.م.)، أَبُوهُ هُوَ يُوتَامَ الَّذِي مَلَكَ بِاسْتِقَامَةٍ أَمَامَ الرَّبِّ وَكَانَ يَسْلُكُ بِحَسَبِ الشَّريعَةِ (2أخ 27 / 1 - 9). أَمَّا آحَازَ ابْنُهُ، إِذْ كَانَ ابْنَ عِشْرِينَ سَنَةٍ حِينَ تَسَلَّمَ الـمُلْكَ، كَانَ ضَعِيفَ البُنْيَةِ، غَيْرَ نَاضِجٍ، يَخَافُ مِنَ الـمَمَالِكِ الـمُحِيطَةِ بِهِ، قَلِيلَ الإِيمَانِ بِالرَّبِّ وَجَاهِلٌ لِقُدْرَتِهِ العَظِيمَةِ الَّتِي لَطَالَمَا خَلَّصَت إِسْرَائِيلَ مِنْ أَعْدَائِهِ. وَلِصِغَرِ سِنِّهِ، كَانَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى هَذِهِ الـمَسْؤُولِيَّةِ، فَتَدَخَّلَ الرَّبُّ لِإِنْقَاذِهِ وَتَشْجِيعِهِ.
إِنَّ عِبَارَةَ "عَادَ الرَّبُّ وَكَلَّمَ آحَازَ"، تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّبَّ سَبَقَ وَحَاوَلَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ أَنْ يُكَلِّمَ آحَازَ مَلِكِ يَهُوذَا، بِالكَلاَمِ عَيْنِهِ (آ 11). وَكَأَنَّ الرَّبَّ يُصِرُّ إِصْرارًا عَلَى آحَازَ لِيَطْلُبَ آيَةً مِنْهُ، مَهْمَا كَانَتْ وَمِنْ أَيِّ نَوْعٍ، أَرْضِيَّةٍ أَمْ سَمَاوِيَّةٍ. إِنَّهَا الـمَرَّةُ الوَحِيدَةُ الَّتِي يَطْلُبُ اللهُ فِيهَا أَنْ يُجَرَّبَ مِنْ مُلُوكِ شَعْبِهِ، وَهَذَا دَلَالَةٌ عَلَى خُطُورَةِ قِلَّةِ الإِيمَانِ الَّتِي أَوْدَتْ بِالـمَلِكِ آحَازَ أَنْ يَلْجَأَ إِلَى أَشُورَ بَلَدِ الوَثَنِيِّينَ. بِالإِضَافَةِ إِلَى أَنَّ آحَازَ كَانَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ، وَالرَّبُّ أَقْسَمَ بِوِلاَدَةِ الـمَسِيحِ مِنْ هذَا النَّسْلِ، بِالتَّحْدِيدِ، فَلِهَذَا أَعَادَ الرَّبُّ مُحَاوَلاَتِهِ أَمَانَةً مِنْهُ لِعَهْدِهِ مَعَ دَاوُدَ الـمَلِكِ. إِلاَّ أَنَّ آحَازَ كَانَ قَدْ تَرَكَ الرَّبَّ وَسَجَدَ لِمَلِكِ أَشُورَ تِغْلَتْ فَلاسَّر الثَّالِث، فَجَاءَ جَوَابُهُ عَلَى طَلَبِ الرَّبِّ كَمَا يَلِي.

12 فقالَ آحاز: "لا أَسأَلُ ولا أُجَرِّبُ الرَّبّ".
13 فقالَ أَشَعْيا: "إِسمَعوا يا بَيتَ داوُد. أَقليلٌ عِندَكم أَن تُسئِموا النَّاسَ حتَّى تُسئِموا إِلهي أَيضًا؟

مُحَاوَلاتُ الرَّبِّ بَاءَتْ جَمِيعُهَا بِالفَشَلِ، لِأَنَّ جَوَابَ الـمَلِكِ آحَازَ جَاءَ تَعْبِيرًا عَن عَدَمِ إِيمَانِهِ بِالرَّبِّ وَعَدَمِ ثِقَتِهِ بِهِ. فَبِقَوْلِهِ "لا أَسْأَلُ وَلا أُجَرِّبُ الرَّبَّ"، يُعْلِنُ آحَازُ رَفْضَهُ القَاطِعَ بِالتَّواصُلِ مَعَ الرَّبّ، فَهُوَ لا يُرِيدُ أَيَّةَ عَلَاقَةٍ مَعَهُ، لِأَنَّهُ أَعْلَنَ وَلَاءَهُ لإِلَهٍ آخَرَ هُوَ أَشُور. فَإِذَا سَأَلَ الرَّبَّ، سَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالخِيَانَةِ مِنَ سَيِّدِهِ مَلِكِ أَشُور. وَأَيْضًا، لأَنَّ الِانْفِتَاحَ عَلَى الرَّبِّ يُظْهِرُ الحَقِيقَةَ، وَهِيَ أَنَّ إِلَهَ يَهُوذَا هُوَ الـمُخَلِّصُ، وَهَذَا مَا يَخَافُهُ آحَازَ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ لِلرَّبِّ وَلِضُعْفِ إِيمَانِهِ.
أَمَامَ هَذَا الجَوَابِ، يَتَكَلَّمُ النَّبِيُّ مُدَافِعًا عَنِ الرَّبِّ بِعِبَارَاتٍ قَاسِيَةٍ. يُوَجِّهُ أَشَعْيَا كَلاَمَهُ إِلَى كُلِّ بَيْتِ دَاوُدَ، بِلَهْجَةِ التَّنْبِيهِ: "إِسْمَعُوا يَا بَيْتَ دَاوُدَ". بِمَا أَنَّ الـمَلِكَ آحَازَ هُوَ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ، فَهُوَ يَنُوبُ عَنْ سُلَالَتِهِ، وَتَوْبِيخُ النَّبِيِّ يَطَالُ جَمِيعَهُم، فَرْدًا فَرْدَا. إِنَّ بَيْتَ دَاوُدَ مَا اكْتَفُوا بِأَنْ يُسْئِمُوا النَّبِيَّ أَشَعْيَا، وَهُوَ يُمَثِّلُ شَعْبَ يَهُوذَا الَّذِي لَا قُدْرَةَ لَهُ وَلَا قَرَار. مُحَاوَلَاتُ الرَّبِّ الـمُتَكَرِّرَةِ بِوَاسِطَةِ نَبِيِّهِ أَشَعْيَا، ذَهَبَتْ جَمِيعُهَا سُدًى، وَهَذَا الأَمْرُ أَسْأَمَ النَّاسَ وَإِلَهَ أَشَعْيَا. نُلاَحِظُ أَنَّ النَّبِيَّ اسْتَعْمَلَ عِبَارَةَ "إِلَهِي" وَلَيْسَ "إِلَهَكَ" أَيْ إِلَهَ آحَازَ وَبَيْتَ دَاوُدَ، هَذَا، لِأَنَّهُ رَفَضَ الرَّبَّ نِهَائِيًّا. أَمَّا أَشَعْيَا فَمَا زَالَ يَعْتَرِفُ بِالرَّبِّ وَاثِقًا بِهِ وَمُؤْمِنًا بِهِ.

14 فلِذلك يُؤتيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُه آيَةً: "ها إِنَّ الصَّبِيَّةَ تَحمِلُ فتَلِدُ ٱبنًا وتَدْعو ٱسمَه عِمَّانوئيل.
15 يَأكُلُ لَبَنًا حَليبًا وعَسَلًا إِلى أَن يَعرِفَ أَن يَرذُلَ الشَّرَّ ويَخْتارَ الخَير".

مِنْ طَبِيعَةِ النُّبُوءَاتِ الوَارِدَةِ فِي أَسْفَارِ العَهْدِ القَدِيمِ أَنْ تَتَحَقَّقَ فِي زَمَانَيْنِ، أَلأَوَّل فِي الـمُسْتَقْبَلِ القَرِيبِ وَالثَّانِي فِي الـمُسْتَقْبَل ِالبَعِيدِ. وَنُبُوءَةُ العَذْرَاءِ وَالعِمَّانُوئِيلَ هِيَ أَشْهَرُ هَذِهِ النُّبُوءَاتِ. فِي الـمُسْتَقْبَلِ القَرِيبِ لِلنُّبُوءَةِ، فَهِمَ مُعَاصِرُو النَّبِيِّ أَشَعْيَا أَنَّهُ يَتَنَبَّأُ عَنْ حَدَثٍ مُزْدَوِجٍ، أَلأَوَّلُ هُوَ خَرَابُ أَرْض يَهُوذَا وَالثَّانِي مَوْتُ رَصِين مَلِكِ أَرَامَ وَفَقَح مَلِكِ إِسْرَائِيلَ. لَقَدْ فَهِمُوا كَلِمَاتِ هَذِهِ النُّبُوءَةِ هَكَذَا، لِأَنَّهَا تَتَحَدَّثُ عَنْ مَثَلٍ وَاقِعِيٍّ وَحَدَثٍ حَاضِرٍ فِي كُلِّ وَقْت، أَي مِنَ الـمُمْكِنِ أَن يُوجَدَ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَو مَكَانٍ، عَذْرَاءٌ مَجْهُولَةُ الهُوِيَّةِ تَتَزَوَّجُ وَتَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتُسَمِّيهِ عِمَّانُوئِيلَ. إِلاَّ أَنَّ هَذَا الـمَولُودَ يَتَمَيَّزُ عَنْ سَائِرِ الـمَولُودِينَ، بِعَلَامَةٍ فِي نَوْعِيَّةِ طَعَامِهِ إِذْ يَأْكُلُ لَبَناً حَلِيبًا وَعَسَلاَ، أَيْ طَعَامًا يُسْتَخْرَجُ مِنَ البَقَرِ وَالغَنَمِ وَالنَّحْل وَلَيْسَ مِنَ الأَرْضِ الَّتي مِنَ الـمُفْتَرَضِ أَنْ تَكُونَ هِيَ مَصْدَرُ الطَّعَام. إِلاَّ أَنَّ النُّبُوءَةَ تُعْلِنُ حُلُولَ اللَّعْنَةِ عَلَى الأَرْضِ بَدَلَ البَرَكَةِ، فَهَذِهِ الأَطْعِمَةُ إِذًا، تَدُلُّ عَلَى حُلُولِ الجَفَافِ وَالخَرَابِ وَالجُوعِ فِي البِلاَد وِمَوتِ عَدَدٍ كَبِيرٍ مِنَ السُّكّانِ وَسَبِي البَقِيَّةِ (رَاجِع 2أَخ 28 / 16 - 19). أَمَّا رُوحُ التَّمْيِيزِ الَّذِي يَتَمَتَّعُ بِهِ مَوْلُودُ العَذْرَاءِ، بِرَفْضِهِ الشَّرَّ وَاخْتِيَارِهِ الخَيْرَ، وَهوَ ابْنُ ثَلاثِ سِنِين، فَيَدُلُّ عَلَى حَدَثِ مَوتِ رَصِينَ عَلى يَدِ مَلِكِ أَشُور (رَاجِع 2مل 16 / 9) وِفَقَح عَلى يَدِ هُوشَع (رَاجِع 2مل 15 / 30) بَعْدَ ثَلاثِ سَنَوَاتٍ مِنْ هَذِهِ النُّبُوءَة.
أمَّا حَدَثُ تَمَامِ هَذِهِ النُّبُوءَةُ فِي الـمُسْتَقْبَلِ البَعِيدِ، فَنَجِدُهُ كَامِلاً فِي حَدَثِ حَبَلِ العَذْرَاءِ مَرْيَمَ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ الَّذي حَفَظَ عُذْرِيَّتَهَا، وَوَلَدَتِ ابْنَهَا عِمَّانُوئِيل أَيْ اللهُ مَعَنَا (رَاجِع متى 1 / 23). وَهَذَا الحَدَثُ تَمَّ بِحُضُورِ وَمُسَانَدَةِ يُوسُفَ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ، كَمَا وَعَدَ الرَّبُّ عَبْدَهُ دَاوُدَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّه نَاتَان (راجِع 2صم 7 / 12 - 13). 

خُلاصةٌ روحيّة
بِوَاسِطَةِ يُوسُفَ البَتُولِ تَجَدَّدَ وَعْدُ الرَّبِّ لِبَيْتِ دَاوُدَ، لِأَنَّهُ آمَنَ بِوَحْيِ الـمَلاكِ لَهُ، رَغْمَ عِظَمِ سِرِّ حَبَلِ مَرْيَمَ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ وَالَّذي يَفُوقُ قُدْرَةَ اسْتِيعَابِ العَقْلِ البَشَرِيِّ. قَبِلَ يُوسُفُ البَتُولُ أَنْ يُغَامِرَ بِحَيَاتِهِ وَبِحَقِّهِ كَزَوجٍ وَوَالِدٍ، فَاخْتَارَ مَشْرُوعَ اللهِ الخَلَاصِيِّ، "ولَمَّا قَامَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْم، فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاكُ الرَبِّ وأَخَذَ امْرَأَتَهُ" (متى 1 / 24). أَمَّا آحَازَ فَفَضَّلَ مَصْلَحَتَهُ عَلَى مَشْيئَةِ الرَّبِّ، سَعَى لِلْحِفَاظِ عَلَى سُلْطَتِهِ فَصَارَ عَبْدًا لِلأَشُورِيِّينَ، رَفَضَ إِلَهَ آبَائِهِ فَسَقَطَ فِي فِخَاخِ آلِهَةٍ وَثَنِيَّةٍ، فَحَطَّمَ جَمِيعَ آنِيَةِ بَيْتِ الرَّبِّ وَأَغْلَقَ أَبْوَابَهُ، وَمَارَسَ كُلَّ قَبَائِحِ الأُمَمِ (رَاجِع 2أخ 28 / 1 - 27).
أَمَامَ نَصَّي أَشَعْيَا النَّبِيّ وَمَتَّى الإِنْجِيلِيِّ، وَأَمَامَ قِصَّتَي آحَازَ وَيُوسُفَ، لَا يُمْكِنُنَا إِلاَّ أَنْ نَطْلُبَ مَعَ بُولُسَ الرَّسُولِ سِرَّ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ وَالإِيمَانِ بِهِ (أَف 3 / 1 - 13). مِنْ هُنَا تَدْعُونَا هَذِهِ القِرَاءَاتُ الثَّلاث إِلَى الانْفِتَاحِ عَلَى إِلْهَامَاتِ الرَّبِّ الَّذِي يُحَدِّثُنَا بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ، هَذَا بِوَاسِطَةِ الأَشْخَاص، ذَاكَ مِنْ خِلَالِ الأَحْلَامِ، وَآخَرَ بِوَاسِطَةِ الوَحِي. فَلْنَبْحَثْ نَحْنُ بِدَوْرِنَا عَنْ لُغَةِ وَطَرِيقَةِ تَوَاصُلِنَا مَعَ الرَّبِّ، لِأَنَّنَا هَكَذَا نَعْرِفُ مَشِيئَتَهُ وَنَعْمَلُ بِهَا.


تحميل المنشور