كَسر الكلمة - الرسائل -56- الأحد الأوّل بعد عيد الصليب

كَسر الكلمة - الرسائل -56- الأحد الأوّل بعد عيد الصليب

إبنا زبدى
الآيات (2 طيم 2: 1-10)
1 وأَنْتَ، يا ابْنِي، تَشَدَّدْ بِالنِّعْمَةِ الَّتي في الـمَسِيحِ يَسُوع.
2 ومَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِحُضُورِ شُهُودٍ كَثِيرِين، إِسْتَودِعْهُ أُنَاسًا أُمَنَاء، جَدِيرِينَ هُم أَيْضًا بِأَنْ يُعَلِّمُوا غَيْرَهُم.
3 شَارِكْنِي في احْتِمَالِ الـمَشَقَّاتِ كَجُنْدِيٍّ صَالِحٍ لِلمَسِيحِ يَسُوع.
4 ومَا مِنْ جُنْدِيٍّ يَنْهَمِكُ في الأُمُورِ الـمَعِيشِيَّة، إِذا أَرادَ أَنْ يُرْضِيَ مَنْ جَنَّدَهُ.
5 ومَنْ يُصَارِعُ لا يَنَالُ إِكْلِيلاً إِلاَّ إِذا صَارَعَ بِحَسَبِ الأُصُول.
6 والـحَارِثُ الَّذي يَتْعَبُ لَهُ الـحَقُّ بالنَّصِيبِ الأَوَّلِ مِنَ الثَّمَر.
7 تأَمَّلْ في مَا أَقُول: والرَّبُّ سَيُعْطِيكَ فَهْمًا في كُلِّ شَيْء!
8 تَذَكَّرْ يَسُوعَ الـمَسِيحَ الَّذي قَامَ مِنْ بَينِ الأَمْوَات، وهُوَ مِنْ نَسْلِ دَاوُد، بِحَسَبِ إِنْجِيلِي،
9 الَّذي فِيهِ أَحْتَمِلُ الـمَشَقَّاتِ حَتَّى القُيُودَ كَمُجْرِم، لـكِنَّ كَلِمَةَ اللهِ لا تُقَيَّد.
10 لِذـلِكَ أَصْبِرُ على كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَجْلِ الـمُخْتَارِين، لِيَحْصَلُوا هُم أَيْضًا على الـخَلاصِ في الـمَسِيحِ يَسُوعَ مَعَ الـمَجْدِ الأَبَدِيّ.

مقدّمة
في هذا الفصل من الرسالة، قدَّم بولس لطيموتاوس سبع ميزات وجب أن يتصَّف بها: أن "يتشدَّد بالنَّعمة الَّتي في المسيح يسوع" (2 طيم 2: 1)، لأنَّه ما مِن مبشّر يستطيع أن يفعل شيئًا من دون المعونة الإلهيَّة، ولا بدَّ له من أن يبني علاقة شخصيَّة مع الله؛ أن "يستودع هذه الحقائق لأناسٍ أمناء" (2 طيم 2: 2) ليتشدَّدوا هم أيضًا؛ أن "يحتمل المشقَّات كجندي صالح للمسيح يسوع" (2 طيم 2: 3)؛ أن "يُصارع حسب الأصول" (2 طيم 2: 5)؛ أن يكون "الحارث الَّذي يتعب" (2 طيم 2: 6)، لأنَّه من دون تعبٍ في الخدمة، لا يمكنه أن يضمن الثمار المرجوَّة؛ أن يرجع دومًا إلى الرَّبّ "ليعطيه فهمًا في كلّ شيء" (2 طيم 2: 7)؛ وأن "يتذكَّر يسوع المسيح الَّذي قام من بين الأموات" (2 طيم 2: 8) في قدرته (المسيح القائم يشجّع النفوس القلقة، ومحبَّته تعطي الحياة)؛ وذريَّته ("من نسل داود" الَّذي لا يرتبط بالمسيح فقط، بل أيضًا بالذريَّة الَّتي توصف كجزءٍ من تدبير الله الخلاصيّ) ووعوده (خلاص الجميع).

شرح الآيات
1 وأَنْتَ، يا ابْنِي، تَشَدَّدْ بِالنِّعْمَةِ الَّتي في الـمَسِيحِ يَسُوع.
يبدأ القدّيس بولس الفصل الَّثاني، من رسالته الثَّانية إلى تلميذه طيموتاوس، باستخدام المفردات المتعلّقة بالجنديَّة. لكن لا يُطلب من طيموتاوس أن يكون قويًّا جسديًّا، إنَّما أن "يتشدَّد بالنعمة الَّتي في المسيح يسوع". يستخدم بولس، باللُّغة اليونانيَّة، صيغة المضارع endunamou en tê cháriti "تشدَّد بالنّعمة"، ليُشير إلى عمليَّةٍ مستمرَّة. فالقوَّة تتدفَّق من "قدرة قوَّة" (أف 6: 10) الرَّبّ يسوع المسيح. وما الانسجام مع تلك القدرة الإلهيَّة، سوى الاستعداد لأخذ "السلاح الكامل" (أف 6: 11).

2 ومَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِحُضُورِ شُهُودٍ كَثِيرِين، إِسْتَودِعْهُ أُنَاسًا أُمَنَاء، جَدِيرِينَ هُم أَيْضًا بِأَنْ يُعَلِّمُوا غَيْرَهُم.
لا تتوقَّف أمانة طيموتاوس عند جهاده واهتمامه بخلاص الآخرين، وأن يُتلمذ الآخرين ليقوموا  بالعمل نفسه، إنَّما مسؤوليَّته جسيمة، لأنَّ عليه أن يستودع التعليم "لأناسٍ أمناء"، أي قادرين على التَّعليم الصحيح. وهذا هو الجهاد الحقيقيّ السليم، ليستطيع "الأمناء" بدورهم "أن يعلّموا غيرهم". هذا ما يُسمَّى بتسليم التقليد المقدَّس. إنَّه تلمذة غير منقطعة عبر الأجيال لقبول "وديعة الإيمان" الحيّ العمليّ، من دون انحراف.

3 شَارِكْنِي في احْتِمَالِ الـمَشَقَّاتِ كَجُنْدِيٍّ صَالِحٍ لِلمَسِيحِ يَسُوع.
4 ومَا مِنْ جُنْدِيٍّ يَنْهَمِكُ في الأُمُورِ الـمَعِيشِيَّة، إِذا أَرادَ أَنْ يُرْضِيَ مَنْ جَنَّدَهُ.
5 ومَنْ يُصَارِعُ لا يَنَالُ إِكْلِيلاً إِلاَّ إِذا صَارَعَ بِحَسَبِ الأُصُول.
6 والـحَارِثُ الَّذي يَتْعَبُ لَهُ الـحَقُّ بالنَّصِيبِ الأَوَّلِ مِنَ الثَّمَر.

في هذه الآيات الأربع، يُقدّم الرسول بولس ثلاثة أمثلة للجهاد: "الجنديّ الصالح ليسوع المسيح" (2 طيم 2: 3-4)، "المصارع بحسب الأصول" (2 طيم 2: 5)، و"الحارث الَّذي يتعب" (2 طيم 2: 6).
يعتزُّ "الجنديُّ الصَّالح" (2 طيم 2: 3) بأمانته لـمَن يُحارب من أجله "للمسيح يسوع". ومتى قَبِل الجنديّ هذه الجنديَّة، يلزمه "ألَّا ينهمك في الأمور المعيشيَّة" (2 طيم 2: 4)، لا لأنَّها غير مهمَّة، إنَّما لأنَّها لا تليق بالمجنَّدين الَّذين كرَّسوا كلَّ حياتهم لخدمة كلمة الله وتعليمها وتسليمها خالصة وبأمانة.
إن كان الرياضيّون يناضلون ويتسابقون في الألعاب الرياضيَّة من أجل نوال الإكليل، ويحتملون تدريبًا يوميًّا، ويمتنعون عن بعض الأطعمة والملذَّات حتَّى ينعموا بالفوز، فكم بالحريّ "المصارع حسب الأصول" (2 طيم 2: 5)، أي حسب تدريب معلّمه يسوع المسيح، لكي ينال "إكليلًا لا يفنى" (1 قور 9: 25)؟
"الحارث الَّذي يتعب"، من أجل "الثمر" (2 طيم 2: 6)؛ إن كان هو أوَّل من يُجاهد في الزارعة وحِراثة الأرض، فإنَّه يستحقُّ نصيبه من الثَّمر، حتَّى وإن كان هو زرع وغيره حصد. فطيموتاوس الَّذي جاهد، يستحقُّ المكافأة، حتَّى وإن كان الثَّمر لا يُحصد إلَّا بعد رحيله.
شجّع بولس طيموتاوس من خلال أمثلةٍ ثلاثة. ففي المثل الأوَّل، أكّد على التزام طيموتاوس بالجهاد من أجل المسيح؛ وفي المثل الثَّاني، ليُجاهد قانونيًّا بحسب شريعة الرَّبّ؛ وفي المثل الثَّالث، ليُجاهد من أجل الثَّمر، حتَّى وإن كان متأخّرًا.

7 تأَمَّلْ في مَا أَقُول: والرَّبُّ سَيُعْطِيكَ فَهْمًا في كُلِّ شَيْء!
8 تَذَكَّرْ يَسُوعَ الـمَسِيحَ الَّذي قَامَ مِنْ بَينِ الأَمْوَات، وهُوَ مِنْ نَسْلِ دَاوُد، بِحَسَبِ إِنْجِيلِي،

في نهاية نصّ الرسالة، يوصي بولس طيموتاوس قائلًا له: "تأمَّل في ما أقول". لكنَّ طيموتاوس لا يقدر أن يتأمَّل مليًّا بوصيَّة بولس، كما ينبغي، ما لم "يعطه الرَّبُّ فهمًا في كلّ شيء" (2 طيم 2: 7). لأنَّ الرَّبَّ هو المعين بنعمته، ليس فقط في الجهاد، وإنَّما أيضًا في الفهم.
بعدما حثَّ بولس طيموتاوس على الجهاد الروحيّ في الرَّبّ، مصلّيًا من أجله، لكي يهبه الرَّبُّ فهمًا، قدَّم له "يسوع المسيح" (2 طيم 2: 8) مثلًا. قام المسيح نفسه بهذا الصراع ضدَّ الموت، فدخل إليه لكي يكسر شوكته في عقر داره. فقد تجسَّد المسيح لكي يدخل بالجسد إلى الموت، ولا يستطيع الموت أن يحبسه ولا الفساد أن يقترب منه. قام بسلطانه لكي يُقيمنا معه ويُدخلنا الحياة الأبديَّة. هذا هو موضوع كرازة بولس، إذ يقول: "بحسب إنجيلي". 

9 الَّذي فِيهِ أَحْتَمِلُ الـمَشَقَّاتِ حَتَّى القُيُودَ كَمُجْرِم، لـكِنَّ كَلِمَةَ اللهِ لا تُقَيَّد.
10 لِذـلِكَ أَصْبِرُ على كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَجْلِ الـمُخْتَارِين، لِيَحْصَلُوا هُم أَيْضًا على الـخَلاصِ في الـمَسِيحِ يَسُوعَ مَعَ الـمَجْدِ الأَبَدِيّ.

إحتمل المسيح المشقَّات حتَّى القيود كمذنبٍ وفاعل شرّ (راجع يو 18: 30)، مع أنّه البارّ الَّذي لم يعرف الخطيئة (2 قور 5: 21). كذلك، احتمل بولس "المشقَّات حتَّى القيود كمُجرِم". كانت قيود بولس تشمل، على الأقلّ، "قيودًا"، في زمنٍ ربّما كان فيه البعض يخجلون من قيوده (راجع 2 طيم 1: 16). أعطى بولس أسباب آلامه في هاتَين الآيتَين. لا يمكن لأحد أن يجد السُّرور في السجن، ولكنَّ فرح بولس ممكن لأنَّ "كلمة الله لا تُقيَّد" (2 طيم 2: 9؛ راجع أيضًا فل 1: 15-20). لا يمكن أن يسيطر الإنسان أو أن ينتصر على كلمة الله. الكلمة الَّتي هي في قلب بولس أطلقته من أسوار سجنه. لم تكن هناك قوَّةٌ بشريَّة لتنتَزع منه هذه الحرّيَّة، لأنَّها كلمة الله لا كلمته.
بعد أن قدَّم بولس المسيح مثالًا على احتمال الآلام والقيود من أجل خلاصنا، عاد ليقدّم نفسه نموذجًا اقتفى آثار سيّده، إذ يقول: "لذلك أصبر على كلّ شيءٍ من أجل المختارين، ليحصلوا هم أيضًا على الخلاص في المسيح يسوع مع المجد الأبديّ" (2 طيم 2: 10). عرف بولس ما كان يفعل، وآلامه لم تكن حماقة. آلامه جعلت الآخرين يؤمنون. تألَّم بولس وهو راضٍ، لأنَّه إن كان الله اختارهم فإنَّه يليق به أن يحتمل كلَّ شيءٍ من أجلهم لينالوا هم الخلاص.

خلاصة روحيَّة
في هذا المقطع من الرسالة (2 طيم 2: 1-10)، يتوجَّه القدّيس بولس إلى تلميذه طيموتاوس بإرشاداتٍ ضروريَّة لتكملة المسيرة في نشر كلمة الله. وقد استودعه، لهذه الغاية، ثلاث وصايا، وثلاث صوَر:
وصايا ثلاث
1. أن "يتشدَّد بالنّعمة الَّتي في المسيح يسوع" (2 طيم 2: 1): لأنَّه لا يستطيع إكمال مسيرته من دون الاتّكال على نعمة الرَّب.
2. أن "يستودع ما سمعه" (2 طيم 2: 2): لينقل بشارة الكلمة إلى كلّ الناس، شرط أن يكونوا هم أيضًا "أمناء" عليها، وعلى البشارة بها، حيث أعمالهم تُطابق كلامهم.
3. أن "يُشارك في احتمال المشقَّات" (2 طيم 2: 3): ألَّا يتراخى، وألَّا يخاف من مشاركة معلّمه المشقَّات، فما من بشارةٍ بالكلمة من دون مشقَّات، وما من حياةٍ مسيحيَّة من دون عناء.

صُوَرٌ ثلاث
1. "الجنديّ الصَّالح" (2طيم2: 3): لا يمكنه أن ينهمك فقط بالأمور المعيشيَّة، وينسى أنَّه في حربٍ مسالِمة لنشر الكلمة.
2. "المصارع حسب الأصول" (2 طيم 2: 5): لا يمكنه أن يصارع إلَّا "حسب الأصول". فلا غشّ، ولا رياء؛ لا انسحاب، ولا حِجج. فلن يحصل على إكليل النَّصر، ما لم يُصارع داخل الحلبة.
3. "الحارث الَّذي يتعب" (2 طيم 2: 6): يتعب ويجِدّ، والرَّبُّ لا ينسى أيَّ جهدٍ بذله في سبيل نشر الملكوت، بل يعطيه "النَّصيب الأوَّل من الثَّمر" (2 طيم 2: 6).
بعد الصَّليب، وبعد المشقَّات، يدعو بولس تلميذه طيموتاوس إلى "تذكُّر يسوع المسيح القائم من بين الأموات" (2 طيم 2: 8). وفي هذه الخُلاصة رجاؤنا: بعد الصَّليب، نرى قيامة الرَّبّ نورًا يسطع على دربنا؛ نعمةً تشدّد عزيمتنا، واستباقًا لِما ينتظرنا.


تحميل المنشور