كَسر الكلمة - الرسائل -53- الأحد الرابع عشر من زمن العنصرة

كَسر الكلمة - الرسائل -53- الأحد الرابع عشر من زمن العنصرة

مرتا ومريم
الآيات (1 تس 2: 1-13)
1 وأَنْتُم أَنْفُسُكُم تَعْلَمُونَ، أَيُّهَا الإِخْوَة، أَنَّ دُخُولَنَا إِلَيْكُم لَمْ يَكُنْ باطِلاً.
2 ولـكِنْ، كَمَا تَعلَمُون، بَعْدَ أَنْ تَأَلَّمْنَا وشُتِمْنَا في فِيلِبِّي، تَجَرَّأْنَا بإِلهِنَا أَنْ نُكَلِّمَكُم بإِنْجِيلِ الله، في جِهَادٍ كَثِير.
3 ولَمْ يَكُنْ وَعْظُنَا عَنْ ضَلال، ولا عَنْ نَجَاسَة، ولا بِمَكْر،
4 بَلْ كَمَا إخْتَبَرَنَا اللهُ فَأَمَّنَنَا على الإِنْجِيل، هـكَذَا نَتَكَلَّم، لا إِرْضَاءً لِلنَّاسِ بَلْ للهِ الَّذي يَخْتَبِرُ قُلُوبَنَا.
5 فَإِنَّنا ولا مَرَّةً أَتَيْنَاكُم بِكَلِمَةِ تَمَلُّق، كَمَا تَعْلَمُون، ولا بِدَافِعِ طَمَع، واللهُ شَاهِد،
6 ولا طَلَبْنَا مَجْدًا مِنْ بَشَر، لا مِنْكُم ولا مِنْ غَيرِكُم،
7 معَ أَنَّنَا قادِرُونَ أَنْ نَكُونَ ذَوِي وَقَار، كَرُسُلٍ لِلمَسِيح، لـكِنَّنَا صِرْنَا بَيْنَكُم ذَوِي لُطْف، كَمُرْضِعٍ تَحْتَضِنُ أَوْلادَهَا.
8 وهـكَذَا فَإِنَّنَا مِنْ شِدَّةِ الـحَنِينِ إِلَيْكُم، نَرْتَضِي أَنْ نُعْطِيَكُم لا إِنْجِيلَ اللهِ وحَسْب، بَلْ أَنْفُسَنَا أَيْضًا، لأَنَّكُم صِرْتُم لَنَا أَحِبَّاء.
9 وإِنَّكُم تَتَذكَّرُون، أَيُّهَا الإِخْوَة، تَعَبَنَا وكَدَّنَا: فَلَقَد بَشَّرْنَاكُم بِإِنْجيلِ الله، ونَحْنُ نَعْمَلُ لَيْلَ نَهَار، لِئَلاَّ نُثَقِّلَ عَلى أَحَدٍ مِنْكُم.
10 أَنْتُم شُهُود، واللهُ شَاهِد، كَيْفَ كُنَّا مَعَكُم، أَنْتُمُ الـمُؤْمِنِين، في نَقَاوَةٍ وبِرٍّ وبِغَيرِ لَوم،
11 نُعامِلُ كُلاًّ مِنْكُم، كَمَا تَعْلَمُون، مُعَامَلَةَ الأَبِ لأَوْلادِهِ.
12 وكُنَّا نُنَاشِدُكُم، ونُشَجِّعُكُم، ونَحُثُّكُم على أَنْ تَسْلُكُوا مَسْلَكًا يَلِيقُ بالله، الَّذي يَدْعُوكُم إِلى مَلَكُوتِهِ ومَجْدِهِ.
13 لِذلِكَ نَحْنُ أَيضًا نَشكُرُ اللهَ بغيرِ إنْقِطَاع، لأَنَّكُم لَمَّا تَلَقَّيْتُم كَلِمَةَ الله الَّتي سَمِعْتُمُوهَا مِنَّا، قَبِلْتُمُوهَا لا بِأَنَّهَا كَلِمَةُ بَشَر، بَلْ بِأَنَّهَا حَقًّا كَلِمَةُ الله. وإِنَّهَا لَفَاعِلَةٌ فيكُم، أَيُّهَا الـمُؤْمِنُون.

مقدّمة
في الأحد الرَّابع عشر من زمن العنصرة، نتأمَّل في مفهوم التلمذة للمسيح في شقَّين: الرسالة (مرتا)، والإصغاء (مريم). ففي نصّ الرسالة (1 تس 2: 1-13)، يعرض بولس بعض صعوبات الرسالة وشروطها الَّتي تتطلَّب بحدّ ذاتها إصغاءً إلى "كلمة الله"، لئلَّا تتحوَّل الرسالة إلى "كلمة بشر".

شرح الآيات
1 وأَنْتُم أَنْفُسُكُم تَعْلَمُونَ، أَيُّهَا الإِخْوَة، أَنَّ دُخُولَنَا إِلَيْكُم لَمْ يَكُنْ باطِلاً.
الكلمة اليونانيَّة لــ"دخولنا" هي eisodos، وهي تشير إلى زيارة بولس إلى تسالونيكي. وربَّما كان بولس يشير هنا إلى القوَّة الموجودة في الإنجيل الَّذي بشَّر به أهل تسالونيكي عند مجيئه إليهم. لذلك، لم تكن زيارته بلا فائدة، أو "دخوله إليهم لم يكن باطلًا". كلمة "باطل" مأخوذة من الكلمة اليونانيَّة kenos، الَّتي تعني "من دون غاية"، أو "من دون فائدة".
عبارة "أنتم أنفسكم تعلمون"، تعود إلى ما جاء سابقًا (راجع 1 تس 1: 5)، عن المعلّمين الكذبة في تسالونيكي، الَّذين ادَّعوا بأنَّ بولس كان يعلّم مقابل المال. لذا يوضح بولس هنا بأنَّ أهل تسالونيكي يعرفون كيف عاش وعلَّم، بالمقارنة مع ما يقوله الآخرون.

2 ولـكِنْ، كَمَا تَعلَمُون، بَعْدَ أَنْ تَأَلَّمْنَا وشُتِمْنَا في فِيلِبِّي، تَجَرَّأْنَا بإِلهِنَا أَنْ نُكَلِّمَكُم بإِنْجِيلِ الله، في جِهَادٍ كَثِير.
ربّما تشير عبارة "كما تعلمون"، إلى ما أخبر به بولس أهل تسالونيكي عندما كان معهم. لكن، قبل ذهابه إلى تسالونيكي، "تألَّم" بولس، "وشُتِم في فيليبّي" (راجع أيضًا أعمال 16: 16-40). هذا التعذيب، كان من ضمنه الجَلْد، والسجن، ووضع أرجله بالأغلال (راجع أعمال 16: 23-24).
بالرغم من العذابات الَّتي ذاقها في فيليبّي، أظهر رفاقه "جرأةً" في الكرازة "بإنجيل الله". وكلمة "جرأة" مأخوذة من الكلمة اليونانيَّة parrêsiázomai، الَّتي تعني "التعبير بحريَّة". واجه بولس وغيره معارضةً كبيرة في تسالونيكي. فكلمة "جهاد"، هي من الكلمة اليونانيَّة agôn، الَّتي تصف المباريات في الألعاب الأولمبيَّة، وتُستعمل للكلام على الصراع الخارجيّ (راجع فل 1: 30)، أو على القلق الداخليّ (راجع قول 2: 1). لكنّ بولس كان يتكلّم، هنا، على الصراع الخارجيّ.
فقد استطاع بولس ورفاقه أن يكلّموهم "بجرأة...بإنجيل الله"، لأنَّ الله مكَّنهم من ذلك (راجع 2 تس 3: 16).

3 ولَمْ يَكُنْ وَعْظُنَا عَنْ ضَلال، ولا عَنْ نَجَاسَة، ولا بِمَكْر،
يجيب بولس هنا على التّهم الكاذبة الَّتي وُجّهَت إليه من بعض المعلّمين الكذبة في تسالونيكي. كان هؤلاء المعلّمون يرتكبون ذنوب الــ"ضلال"، و"النجاسة"، و"المكر"، لكنَّهم اتَّهموا بولس بذلك.
الكلمة اليونانيَّة paráklêsis، الـمُترجَمة هنا "وعظ"، تعني بالأحرى "تشجيع"، وتُشير إلى الرسالة الَّتي بشَّر بها بولس في تسالونيكي. قال بولس إنَّ التشجيع لم ينبع من "الضلال"، و"النجاسة"، و"المكر". بالإضافة إلى ذلك، كان يشير إلى النجاسة الأخلاقيَّة، كالأنشطة الجنسيَّة المحرَّمة الَّتي تحيط بكثيرٍ من الهياكل الوثنيَّة، كهيكل "أفروديت" في قورنتس. أراد بولس أن يوضح أنَّ رسالته لم تأتِ عن "مكر" (dólos)، أي إنَّه لم يأتهم بالحيلة، الَّتي كانت من صفات الوعَّاظ المتجوّلين، الَّذين كانوا يعتاشون على حساب مستمعيهم، ويستجدون المال باستمرار. 

4 بَلْ كَمَا إخْتَبَرَنَا اللهُ فَأَمَّنَنَا على الإِنْجِيل، هـكَذَا نَتَكَلَّم، لا إِرْضَاءً لِلنَّاسِ بَلْ للهِ الَّذي يَخْتَبِرُ قُلُوبَنَا.
لم يعمل بولس ومعاونوه بما اتُّهِموا به، بل على العكس، تكَّلموا بإيجابيَّةٍ، "لا إرضاءً للناس بل لله الَّذي يختبر قلوبهم". فعل "يختبر" مأخوذٌ من الفعل اليونانيّ dokimazô، وهو يعني ما يتمّ اختباره واعتماده، بمعنى أنَّ بولس ورفاقه قد اختُبروا من الله لكي يبشّروا بالكلمة.
لم يحاول بولس إرضاء الناس؛ بل على العكس، طلب رضى الله الَّذي "يختبر القلوب" (راجع أيضًا إر 11: 20). ولم يُعِر الَّناس الَّذين يتَّهمونه ظلمًا أيَّ انتباه، لأنَّه كان على أتمّ الاستعداد لأن يقف أمام إلهه.

5 فَإِنَّنا ولا مَرَّةً أَتَيْنَاكُم بِكَلِمَةِ تَمَلُّق، كَمَا تَعْلَمُون، ولا بِدَافِعِ طَمَع، واللهُ شَاهِد،
"التملُّق" هو استعمال المديح لغاياتٍ خسيسة. كان بعض المبشّرين يؤثّرون على الإخوة لكي يدعموهم ماديًّا، أو لكي يحصلوا على المديح كمبشّرين عظام. كذلك أيضًا، عبارة "بدافع طمع"، الَّتي تأتي من الكلمة اليونانيَّة prófasis. فــ"دافع الطمع" هو امتدادٌ لـ"كلمة التملُّق"، الَّتي يغطّي بها الشخص نواياه الحقيقيَّة. زد على ذلك، أنَّ الطمع هو رغبةٌ مبالغٌ فيها، تهدف إلى الربح الماديّ، وتجعل النَّاس يقومون بكلّ ما هو ضروريّ للحصول عليها. لذا، قال بولس إنَّ تلك الرغبة لم تكن دافعًا له ولرفاقه، عندما كانوا في تسالونيكي، و"الله شاهد". 

6 ولا طَلَبْنَا مَجْدًا مِنْ بَشَر، لا مِنْكُم ولا مِنْ غَيرِكُم،
7 معَ أَنَّنَا قادِرُونَ أَنْ نَكُونَ ذَوِي وَقَار، كَرُسُلٍ لِلمَسِيح، لـكِنَّنَا صِرْنَا بَيْنَكُم ذَوِي لُطْف، كَمُرْضِعٍ تَحْتَضِنُ أَوْلادَهَا.

لم يسعَ بولس وراء "المجد"، أو مديح أهل تسالونيكي، كما ولم يطلب ذلك "من غيرهم"، بالرغم من سلطته كرسول. كلمة "وقار" (1 تس 2: 7) مأخوذة من الكلمة اليونانيَّة báros، وقد تعني فرض وصايا الرسول أو حقّه في إصدار الأوامر. مع ذلك، لم يستعمل هذه السُّلطة مع أهل تسالونيكي، بل كان هو ومعاونوه "ذوي لطفٍ، كمُرضعٍ تحتضن أولادها".
كلمة "مُرضعٍ" مأخوذة من الكلمة اليونانيَّة trofós، الَّتي تعني بكلّ بساطة "تُرضِع". وعبارة "تحتضن أولادها" مأخوذة من thálpô، وفيها الرابط العاطفيّ القويّ. قارن بولس نفسه هنا بالأمّ "الـمُرضعة" الَّتي "تحتضن أولادها"، لكي يوضح كم كان قريبًا من أهل تسالونيكي، وليس غريبًا عنهم.

8 وهـكَذَا فَإِنَّنَا مِنْ شِدَّةِ الـحَنِينِ إِلَيْكُم، نَرْتَضِي أَنْ نُعْطِيَكُم لا إِنْجِيلَ اللهِ وحَسْب، بَلْ أَنْفُسَنَا أَيْضًا، لأَنَّكُم صِرْتُم لَنَا أَحِبَّاء.
شارك بولس "لا إنجيل الله وحسب" (البشرى السَّارَّة)، بل "نفسه أيضًا". بمعنى أنَّ حبَّه للإخوة، الَّذين "صاروا له أحبَّاء"، كان عميقًا بما فيه الكفاية، ليبذل نفسه لأجل خلاصهم.
الكلمة اليونانيَّة psuchás، الـمُترجَمة هنا "أنفسنا"،  لا تعني أن يقدّم بولس ورفاقه حياتهم فقط، بل أن يرغبوا في أن يقدّموا حياتهم، ويضعوها تحت تصرّف أهل تسالونيكي من دون أيّ تحفُّظ. فمعنى النصّ أعمق بكثير، لأنَّ وجود بولس ورفاقه لم يكن تعليميًّا فقط، بل أيضًا استعدادًا للجُودِ بالنَّفس على مثال معلّمهم. 

9 وإِنَّكُم تَتَذكَّرُون، أَيُّهَا الإِخْوَة، تَعَبَنَا وكَدَّنَا: فَلَقَد بَشَّرْنَاكُم بِإِنْجيلِ الله، ونَحْنُ نَعْمَلُ لَيْلَ نَهَار، لِئَلاَّ نُثَقِّلَ عَلى أَحَدٍ مِنْكُم.
تذكّر هذه الآية بما قاله بولس سابقًا (1 تس 2: 3)، حيث اتُّهم بولس بأنَّه كان يحاول أن يضلّل أهل تسالونيكي. وهنا بدلًا من أن يسمح لآخرين بتقييمه وهم غائبون، قال بولس إنّ الإخوة "يذكرون تعبه وكدَّه". فقد عَمِل لدعم نفسه ماديًّا (راجع أعمال 18: 3؛ 2 تس3:7-10)، حتَّى لا يكون عبئًا على أحد. في الواقع، كان بولس يعمل "ليل نهار" ليقوم بعمله التبشيريّ ويكسب قوتَه اليوميّ.
كلمة kópon اليونانيَّة، الـمُترجَمة هنا "تعبنا"، هي العمل الشَّاقّ والمضني، وكلمة móchon، الـمُترجَمة "كدَّنا"، هي المعاناة الَّتي تعبّر عن الألم. والكلمتان، من دون شك، تبرزان في "العمل ليل نهار". فلم يكن هدف بولس استغلال أهل تسالونيكي، بل خدمتهم.

10 أَنْتُم شُهُود، واللهُ شَاهِد، كَيْفَ كُنَّا مَعَكُم، أَنْتُمُ الـمُؤْمِنِين، في نَقَاوَةٍ وبِرٍّ وبِغَيرِ لَوم،
قال بولس إنَّه، عندما كان على الإخوة أن يكونوا "شهودًا" له، تصرَّف معهم "في نقاوةٍ" (مكرّسًا نفسه لخدمة الله)، "وبرٍّ" (عاش في تناغمٍ مع شريعة الله)، "وبغير لوم" (لا يمكن أن يُلام بأنَّه أهمل شريعة الله). 

11 نُعامِلُ كُلاًّ مِنْكُم، كَمَا تَعْلَمُون، مُعَامَلَةَ الأَبِ لأَوْلادِهِ.
قال بولس سابقًا (1 تس 2: 7)، إنّه كان بمثابة "الأم المرضعة الَّتي تحتضن أولادها" لأهل تسالونيكي، وهنا يستعمل صورة "الأب" الَّذي يهتمُّ بـ"أولاده". ففي صورة الأم، ركَّز على "اللُّطف"، والحنان، أمَّا في صورة "الأب" فيركّز على صفة الأبوَّة المربّية الَّتي تظهر في الآية التالية.

12 وكُنَّا نُنَاشِدُكُم، ونُشَجِّعُكُم، ونَحُثُّكُم على أَنْ تَسْلُكُوا مَسْلَكًا يَلِيقُ بالله، الَّذي يَدْعُوكُم إِلى مَلَكُوتِهِ ومَجْدِهِ.
دور الأب هو "المناشدة"، و"التشجيع"، و"الحثّ"، ليحيوا في ما هو لله، أو "أن يسلكوا مسلكًا يليق بالله".  يُشير فعل "نحثُّكم" (marturómenoi)، في اللغة اليونانيَّة، إلى "الحضور للشهادة"، أي إنَّ الله هو الشاهد الوحيد لعمل الانسان، خاصَّةً عندما يتوجَّه المتكلّم إلى أشخاصٍ يُعتبرون كسالى، أو يتوانون عن القيام برسالتهم.
الرَّبّ الشاهد على عملهم، هو الَّذي "يدعوهم إلى ملكوته ومجده"؛ بمعنى أنَّهم يعكسون مجد الرَّبّ على الأرض (راجع 2 قور 3: 18)، ولكنَّهم سيشاركون في مجدٍ أعظم (راجع قول 3: 4).

13 لِذلِكَ نَحْنُ أَيضًا نَشكُرُ اللهَ بغيرِ إنْقِطَاع، لأَنَّكُم لَمَّا تَلَقَّيْتُم كَلِمَةَ الله الَّتي سَمِعْتُمُوهَا مِنَّا، قَبِلْتُمُوهَا لا بِأَنَّهَا كَلِمَةُ بَشَر، بَلْ بِأَنَّهَا حَقًّا كَلِمَةُ الله. وإِنَّهَا لَفَاعِلَةٌ فيكُم، أَيُّهَا الـمُؤْمِنُون.
يشكر بولس "الله بغير انقطاع"، أو باستمرار، ويقدّر الطريقة الَّتي تلقَّى بها أهل تسالونيكي "كلمة الله". ففعل "تلقَّيتم" (paralabóntes)، والفعل الآخر الَّذي يُلازمه عادةً، "تسلَّم" (paradídômi) – هنا استخدم بولس فعل "سمعتم" (akoês) – كانت كلُّها مصطلحات فنيَّة تقريبًا لتسليم الإيمان المسيحيّ واستلامه.
يعترف بولس بأنَّ "كلمة الله فاعلة فيهم"، مستخدمًا الفعل اليونانيّ energeîtai، الَّذي يعني أنَّ كلمة الله الَّتي تفعل فيهم، هي مِن قِبَل الله، "لا كلمة بشر".
لم يَقبل أهل تسالونيكي الكلمة الَّتي بشّر بها بولس، لأنَّهم أحبُّوه؛ فهُم لم يقبلوا "كلمة بشر"، بل عرفوا حقًّا أنَّها "كلمة الله".

خلاصة روحيَّة
تكلَّم مار بولس، في هذا النصّ (1 تس 2: 1-13)، على اختباره الرسوليّ. فتراه يورد الصعوبات الَّتي واجهته في أداء رسالته: "الألم"، و"الشتم"، و"الجهاد الكثير" (1 تس 2: 2)، و"التعب والكدّ" (1 تس 2: 9). كما ويعدّد شروط أداء هذه الرسالة: "الجرأة في إعلان إنجيل الله" (1 تس 2: 2)، "إرضاء الله لا النَّاس" (1 تس 2: 4)، "عدم التملُّق" (1 تس 2: 5)، "عدم طلب المجد من النَّاس" (1 تس 2: 6)، "اللُّطف" (1 تس 2: 7)، الاتّكال على الذَّات في المسائل الماديَّة (راجع 1 تس 2: 9)، "النقاوة والبرّ" (1 تس 2: 10)، "التشجيع على سلوك مسلكٍ يليق بالله" (1 تس 2: 12)، و"الشكر" (1 تس2: 13).
أن يكون بولس شاهدًا للمسيح، لم يكن بالأمر السهل، لا على مستوى الشُّروط، ولا على مستوى الصُّعوبات؛ فقد تألَّم وجاهد في سبيل نشر البشارة، لأنَّ "الجرأة في إعلان الكلمة" (1 تس 2: 2)، هي في رأس شروط الرسالة، وهي تعني المثابرة على الشهادة في كلّ الظروف والأوقات، انطلاقًا من الحرص على تتميم مشيئة الله، وهي وصول بشرى الخلاص إلى كلّ النَّاس.


تحميل المنشور