كَسر الكلمة - الرسائل -46- الأحد التاسع من زمن العنصرة

كَسر الكلمة - الرسائل -46- الأحد التاسع من زمن العنصرة

برنامج الرسول 
الآيات (2 قور 5: 20-6: 10)
20 إِذًا فَنَحْنُ سُفَرَاءُ الـمَسِيح، وكَأَنَّ اللهَ نَفْسَهُ يَدْعُوكُم بِوَاسِطَتِنَا. فَنَسْأَلُكُم بِإسْمِ الـمَسِيح: تَصَالَحُوا مَعَ الله!
21 إِنَّ الَّذي مَا عَرَفَ الـخَطِيئَة، جَعَلَهُ اللهُ خَطِيئَةً مِنْ أَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ فِيهِ بِرَّ الله.
1 وَبِمَا أَنَّنا مُعَاوِنُونَ لله، نُنَاشِدُكُم أَلاَّ يَكُونَ قَبُولُكُم لِنِعْمَةِ اللهِ بِغَيْرِ فَائِدَة؛
2 لأَنَّهُ يَقُول: "في وَقْتِ الرِّضَى إسْتَجَبْتُكَ، وفي يَوْمِ الـخَلاصِ أَعَنْتُكَ". فَهَا هُوَ الآنَ وَقْتُ الرِّضَى، وهَا هُوَ الآنَ يَوْمُ الـخَلاص.
3 فإِنَّنَا لا نَجْعَلُ لأَحَدٍ سَبَبَ زَلَّة، لِئَلاَّ يَلْحَقَ خِدْمَتَنَا أَيُّ لَوْم.
4 بَلْ نُظْهِرُ أَنْفُسَنَا في كُلِّ شَيءٍ أَنَّنَا خُدَّامُ الله، بِثَبَاتِنا العَظِيمِ في الضِّيقَاتِ والشَّدَائِدِ والـمَشَقَّات،
5 في الضَّرَبَات، والسُّجُون، والفِتَن، والتَّعَب، والسَّهَر، والصَّوْم،
6 وبِالنَّزَاهَة، والـمَعْرِفَة، والأَنَاة، واللُّطْف، والرُّوحِ القُدُس، والـمَحَبَّةِ بِلا رِيَاء،
7 في كَلِمَةِ الـحَقّ، وقُوَّةِ الله، بِسِلاحِ البِرِّ في اليَدَيْنِ اليُمْنَى واليُسْرَى،
8 في الـمَجْدِ والـهَوَان، بالصِّيتِ الرَّدِيءِ والصِّيتِ الـحَسَن. نُحْسَبُ كَأَنَّنَا مُضِلُّونَ ونَحْنُ صَادِقُون!
9 كأَنَّنَا مَجْهُولُونَ ونَحْنُ مَعْرُوفُون! كأَنَّنَا مَائِتُونَ وهَا نَحْنُ أَحْيَاء! كأَنَّنَا مُعَاقَبُونَ ونَحْنُ لا نَمُوت؛
10 كَأَنَّنَا مَحْزُونُونَ ونَحْنُ دَائِمًا فَرِحُون! كأَنَّنَا فُقَرَاءُ ونَحْنُ نُغْنِي الكَثِيرِين! كأَنَّنَا لا شَيءَ عِنْدَنَا، ونَحْنُ نَمْلِكُ كُلَّ شَيء!

مقدّمة
في الأحد التاسع من زمن العنصرة، نتأمَّل ببرنامج الرسول من خلال برنامج عمل يسوع الخلاصيّ (لو 4: 14-21). فبعد أن تكلَّم الرسول بولس على مميّزات الرسول (رسالة الأحد السَّابق: روم 8: 1-11)، يؤكّد لنا في رسالة هذا الأحد (2 قور 5: 20 – 6: 10) أنَّنا "سفراء المسيح" (2 قور 5: 20).
خدمة بولس هي "خدمة المصالحة" (2 قور 5: 18)، لأنَّ كلَّ جانبٍ من جوانب خدمته كان موجَّهًا نحو تحقيق السَّلام، والمصالحة بين الله والانسان. وهو أيضًا "سفير المسيح" (2 قور 5: 20)، الَّذي لا يتكلَّم باسمه الخاصّ، بل يُمثّل المسيح الَّذي أرسله. لذا، عليه أن يقدّر عظمة العطايا الَّتي يُغدقها الله عليه، وأن يميّز "وقت الرضى" و"يوم الخلاص" (2 قور 6: 2)، الَّذي هو عمل الله من أجل شعبه على مدى التاريخ؛ وألَّا "يجعل لأحدٍ سبب زلّةٍ" (2 قور 6: 3)، وألَّا يفتخر بما لديه بل أن "يُظهر نفسه في كلّ شيءٍ أنَّه خادم الله، بثباته العظيم في الضيقات والشدائد والمشقَّات" (2 قور 6: 4).

شرح الآيات
20 إِذًا فَنَحْنُ سُفَرَاءُ الـمَسِيح، وكَأَنَّ اللهَ نَفْسَهُ يَدْعُوكُم بِوَاسِطَتِنَا. فَنَسْأَلُكُم بِاسْمِ الـمَسِيح: تَصَالَحُوا مَعَ الله!
الله هو المبادِر و"يدعو بواسطة سفراء المسيح" أن "يتصالح الجميع مع الله". فإن كان الرسل هم "سفراء المسيح"، فهذا يعني أنَّهم يمثّلون مَن أرسلهم، لا ذواتهم. ومع ذلك، فهُم يمارسون سلطة مُرسِلِهم، لأنَّهم كُلّفوا بمهمَّةٍ خاصَّة "باسم المسيح" وهي أن يُعلنوا إرادة الآب، ويكشفوا عن حبّه الفائق للبشر.
بما أنَّ بولس هو "سفير المسيح"، فلم يحمل إلى أهل قورنتس آراءه الخاصَّة واعتقاداته، بل عمل "من أجل المسيح"، و"مكان المسيح". لذا، لم يتكلَّم بالكلمات وحسب، بل بحياته بكاملها.

21 إِنَّ الَّذي مَا عَرَفَ الـخَطِيئَة، جَعَلَهُ اللهُ خَطِيئَةً مِنْ أَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ فِيهِ بِرَّ الله.
في هذه الآية تعاكسٌ بلاغيّ، إذ يُشدّد فيها القدّيس بولس على عبارة "جعله الله خطيئةً " وذلك "لأجلنا" لنتحوَّل من "خطأة" إلى "أبرارٍ فيه":

أ. إنَّ الَّذي 

ب. ما عرف الخطيئة

ج. من أجلنا

د. جعله الله خطيئةً

ج`. لنصير نحن

ب`. برَّ الله

أ`. فيه

كلمة "خطيئة" الـمُترجَمة هنا من اليونانيَّة hamartía تحمل المعنى الَّذي ورد في الترجمة السبعينيَّة للعهد القديم، خاصَّةً في سِفرَي الخروج واللَّاويّين (أو الأحبار)، أي "ذبيحة خطيئة". هذا يعني أنَّ المسيح قَبِلَ إراديًّا أن يكون ذبيحة خطيئةٍ عن كلّ البشر، هم الَّذين وضعوا أيديهم عليه ليحمل كلَّ ثقل خطاياهم. بهذا الخلاص العظيم، أخذ المسيح موضع الانسان، فـ"جُعِل هو خطيئة"، ليهب الانسان موضعهُ فيحمل برّ المسيح. فبعبارة "جعله الله خطيئةً"، نلجُ نواة عمل المسيح الخلاصيّ، ونقف مندهشين أمام أعمق سرٍّ في الكون.

1 وَبِمَا أَنَّنا مُعَاوِنُونَ لله، نُنَاشِدُكُم أَلاَّ يَكُونَ قَبُولُكُم لِنِعْمَةِ اللهِ بِغَيْرِ فَائِدَة؛
أمام الخلاص العظيم، الَّذي عرضهُ بولس في نهاية الفصل الخامس من رسالته الثَّانية إلى أهل قورنتس، يبدأ الفصل السَّادس بإرشاداتٍ تذكّر الرسول بأنَّ برنامج رسالته يجب أن يتناغم مع هدفها: "المصالحة مع الله". فعندما تتناغم الدعوة مع هدف الرسالة، لا يكون عمله باطلًا ولا "قبوله لنعمة الله بغير فائدة".
بقوله "وبما أنَّنا معاونون لله"، يعني بولس أنَّ الرسول يعمل مع الله وبقيادته، ولحساب ملكوته. لذلك يُضيف فعل "قبولكم لنعمة الله"، ولا يقول "استخدامكم لنعمة الله". فالرسول لا يستخدم نعمة الله لمنفعته الخاصَّة، بل يقبله كعطيَّةٍ مجَّانيَّة من الله، وهي في حدّ ذاتها غنىً لا يُقدَّر بثمَن، لأنَّها التمتُّع بالله نفسه الساكن في الرسول.

2 لأَنَّهُ يَقُول: "في وَقْتِ الرِّضَى إسْتَجَبْتُكَ، وفي يَوْمِ الـخَلاصِ أَعَنْتُكَ". فَهَا هُوَ الآنَ وَقْتُ الرِّضَى، وهَا هُوَ الآنَ يَوْمُ الـخَلاص.
باقتباسه عن أشعيا النبيّ بحسب الترجمة السبعينيَّة (أش 49: 8)، الَّتي تُترجم النصّ العبريّ بدقَّة، يشرح بولس لماذا على أهل قورنتس ألَّا يدعوا "قبولهم لنعمة الله بغير فائدة" (2 قور 6: 1). وبذكره الضَّمير المتكلّم الجمع "نحن (إنَّنا)" (2 قور 6: 1)، يشمل بولس ذاته، ويتكلَّم ضمنيًّا على رسالته الخاصَّة الَّتي تتطابق مع اقتباس أشعيا (49: 8)، الـمُستقى من النشيد الثَّاني لـ"عبد يهوه المتألّم" (أش 49: 1-13)، الَّذي يطبّقه العهد الجديد على المسيح.
فهناك ثلاثة جوانب من رسالة بولس تتطابق مع نصّ أشعيا (49: 1-6)، وتجعل حياة بولس متماثلة لحياة المسيح:

بولس
أش 49: 1-6
"فرزَني مُذ كنتُ في بطن أمّي، ودعاني بنعمته" (غل 1: 15-16)
"إنَّ الرَّبَّ دعاني من البطن وذكر اسمي من أحشاء أمّي" (أش 49: 1) 
"الَّذي جبلني من البطن عبدًا له" (أش 49: 5)


رسالته إلى اليهود وإلى الأمم (راجع أعمال 9: 15؛ 22: 15؛ 26: 17)

"لأردَّ يعقوب إليه" (أش 49: 5)

"لتُقيم أسباط يعقوب، وتردَّ المحفوظين من إسرائيل" (أش 49: 6)

"إنّي قد جعلتُكَ نورًا للأمم، ليبلغ خلاصي إلى أقاصي الأرض" (أش 49: 6)




بعض الشكوك حول نتائج رسالته (راجع 1 تس 3: 5؛ غل 2: 2؛ 4: 11؛ فل 2: 16)
"إنّي باطلًا تعبتُ، وسُدىً وعبثًا أتلفتُ قوَّتي. إلَّا أنَّ حقّي عند الرَّبّ، وأجري عند إلهي" (أش 49: 4)

ليس هذا وحسب، بل إنّ ما جاء في اقتباس أشعيا، الَّذي استخدمه بولس في هذه الآية، قد أثَّر في فهم بولس لهويَّته الرسوليَّة، الَّتي لا تنتهي بالشكوك واليأس، بل بالنصرة: "في وقت الرضى استجبتُكَ، وفي يوم الخلاص أعنتُكَ" (أش 49: 8).

وبقول بولس: "فها هو الآن وقت الرضى، وها هو الآن يوم الخلاص"، يعني أنَّ يوم الخلاص هو اليوم وكلّ يومٍ يقبل فيه الانسان خلاص الله بالصَّليب ويتجاوب معه. وكأنَّ الَّذي سبق واشتهاه أشعيا النبيّ قد تحقَّق الآن بيسوع المسيح، وقد سُلمّ إلى الرسل ليكونوا سفراء المصالحة مع الله.

3 فإِنَّنَا لا نَجْعَلُ لأَحَدٍ سَبَبَ زَلَّة، لِئَلاَّ يَلْحَقَ خِدْمَتَنَا أَيُّ لَوْم.
إيمان بولس، وغيرته الـمُتَّقدة، وعمله الدائم من أجل أهل قورنتس، حقائق جعلت بولس "لا يسبّب لأحدٍ زلَّة"، لأنَّه كان حريصًا كلَّ الحرص على ألَّا يعثر اليهود أو الأمم، وقد مات المسيح من أجل الجميع. و"لئلَّا يلحق خدمته أيَّ لوم"، كان بولس - حين يتكلّم على الشريعة- يحرص  على التأكيد بأنَّها صالحة، وأنَّه لا يقاوم الشَّريعة، بل "الحرف الَّذي يقتل" (2 قور 3: 6). وفي الوقت عينه، لكي يربح الأمم، يؤكّد أن لا حاجة للفرائض والتطهيرات الحرفيَّة الرمزيَّة.

4 بَلْ نُظْهِرُ أَنْفُسَنَا في كُلِّ شَيءٍ أَنَّنَا خُدَّامُ الله، بِثَبَاتِنا العَظِيمِ في الضِّيقَاتِ والشَّدَائِدِ والـمَشَقَّات،
يتابع بولس كلامه، مُظهرًا أنَّه، هو ومعاونوه في الرسالة، يبذلون قصارى الجهد من أجل تحقيق "خدمة المصالحة" الموكلة إليهم، مهما كلَّفتهم من ثمنٍ باهظ. فلا يتحاشون فقط "سبب الزلَّة" (2 قور 6: 3)، بل يعملون كخدَّامٍ حقيقيّين في "ثباتهم العظيم في الضيقات والشدائد والمشقَّات"، مقارنةً مع "الإخوة الكذبة" (2 قور 11: 26)، الَّذين يُرضون سامعيهم، ويطلبون كرامةً زمنيَّةً ومديحَ النَّاس.

5 في الضَّرَبَات، والسُّجُون، والفِتَن، والتَّعَب، والسَّهَر، والصَّوْم،
يقدّم لنا سفر أعمال الرسل شهادةً حيَّةً عمّا تعرَّض له بولس وسائر الرسل من "ضرباتٍ وسجون"، ومن "فتنٍ" مسلَّحة ضدَّهم بسبب كرازتهم بالإنجيل وشهادتهم للمسيح. لم يكفُّوا عن "التَّعب" بسبب العمل المستمرّ في كلّ مدينة بغية نشر كلمة الله. زد على ذلك "السهر" الَّذي لم يعرفوا فيه راحةً للجسد، من أجل رعاية شعب الله والصلاة من أجله. إضافةً إلى "الصوم"، ربَّما بسبب عدم توفّر الطعام، أو بإرادتهم، لكي تعمل نعمة الله فيهم.

6 وبِالنَّزَاهَة، والـمَعْرِفَة، والأَنَاة، واللُّطْف، والرُّوحِ القُدُس، والـمَحَبَّةِ بِلا رِيَاء،
"بالنزاهة"، أي بطهارة الفكر والسيرة العفيفة الَّتي يتطلّبها الإنجيل. و"المعرفة" هنا لا تعني المعرفة العلميَّة، بل معرفة مشيئة الله ومطابقة المشيئة الشخصيَّة معها. ومهما بدت الظروف مثيرة كانوا يستخدمون "الأناة"، لكن ليس عن جبنٍ أو احتمالًا لمن يحاولون إثارتهم، بل كانوا يُواجهون "بلطفٍ"، قابلين ما يصدر عن مضطهديهم لعلّهم يخلّصون نفوسهم. لذا لا يمكنهم الاتّكال على قواهم الذاتيَّة، بل على "الروح القدس" الَّذي يهبهم "المحبَّة، والفرح، والسلام" (غل 5: 22، 23). هذا ما يجعلهم يُنفقون حياتهم من أجل خلاص الآخرين وامتداد ملكوت الله في "محبَّةٍ بلا رياء".

7 في كَلِمَةِ الـحَقّ، وقُوَّةِ الله، بِسِلاحِ البِرِّ في اليَدَيْنِ اليُمْنَى واليُسْرَى،
"في كلمة الحقّ"، أي في الشهادة بكلمة الله، بسلطان الله "وقوَّته"، فتنطلق الكلمة من القلب إلى القلب لتحرّك كلّ كيانه بالقوَّة الإلهيَّة. ليس المقصود هنا بـعبارة "قوَّة الله" مجرَّد فعل المعجزات، إنَّما القدرة الإلهيَّة الَّتي تعمل في الرسول لتجديد إرادة سامعيه وشوقهم لقبول كلمة الله. وهذا كلُّه لا يتمُّ بأسلحةٍ بشريَّة، بل "بسلاح البرّ"، لا بل بسلاح الله الكامل (راجع أف 6: 13-17)، "في اليدين الـيُمنى واليسرى"، أي في وقت الفرح كما في وقت الحزن، أو في مقاومة الشرّ الخارجيّ، كما في مقاومة البرّ الذاتي.

8 في الـمَجْدِ والـهَوَان، بالصِّيتِ الرَّدِيءِ والصِّيتِ الـحَسَن. نُحْسَبُ كَأَنَّنَا مُضِلُّونَ ونَحْنُ صَادِقُون!
"في المجد والهوان"، أي في مدح النَّاس لهم أو في إهانتهم لهم، لن يؤثّر ذلك على رسالتهم وغيرتهم لخلاص النفوس. ولا "بالصيت الرديء والصيت الحسن". فإن نالتهم إهانات، يحسبوا ذلك سببًا لكي يتمجّد الله فيهم، ويدركوا أنَّ كلَّ نجاحٍ هو مِن قبل الله. "نحسب كأنَّنا مُضلُّون ونحن صادقون"، فلا يضطربون حين يُتَّهمون بأنَّهم يقدّمون تعاليم باطلة مُضلَّة، لأنَّهم واثقون من الحقّ الَّذي قبلوه من الرَّبّ.

9 كأَنَّنَا مَجْهُولُونَ ونَحْنُ مَعْرُوفُون! كأَنَّنَا مَائِتُونَ وهَا نَحْنُ أَحْيَاء! كأَنَّنَا مُعَاقَبُونَ ونَحْنُ لا نَمُوت؛
"كأنَّنا مجهولون ونحن معروفون": قد يستخفُّ الناس بهم، ويحسبونهم جهلاء، بلا مركزٍ مرموقٍ في المجتمع، لكنَّهم كانوا معروفين من قِبَل الله والمؤمنين الصادقين؛ لأنَّهم لم يبشّروا خفيةً في خوفٍ وخجل، بل شهدوا للخلاص علانيةً وأينما وُجدوا.
"كأنَّنا مائتون وها نحن أحياء!": تستمرُّ المخاطر، والاضطهادات، والأتعاب، حيث يختبرون الموت أحيانًا كثيرة، لكنَّهم في هذا كلّه يختبرون الحياة الجديدة، الَّتي توهب لهم في شركتهم مع المسيح القائم.
كأنَّنا معاقبون ونحن لا نموت": يظهرون كأنَّهم عصاةٌ يستحقُّون التأديب حتَّى الموت، لكنَّهم يحيون لأنَّهم يرضون الله. 

10 كَأَنَّنَا مَحْزُونُونَ ونَحْنُ دَائِمًا فَرِحُون! كأَنَّنَا فُقَرَاءُ ونَحْنُ نُغْنِي الكَثِيرِين! كأَنَّنَا لا شَيءَ عِنْدَنَا، ونَحْنُ نَمْلِكُ كُلَّ شَيء!
"كأنَّنا محزونون ونحن دائمًا فرحون": لا يفارقهم الفرح بالرغم من كلّ الظروف، لأنَّهم يتمتَّعون بالنصرة (راجع ما قاله بولس في اقتباس أشعيا في 2 قور 6: 2).
"كأنَّنا فقراء ونحن نغني الكثيرين": يُحتقر الرسول لأنَّه فقير، لا يقتني شيئًا من هذا العالم، لكنَّه يُقدّم للعالم من "غنى المسيح الَّذي لا يُستقصى" (أف 3: 8).
"كأنَّنا لا شيء عندنا، ونحن نملكُ كلَّ شيء": في مظهرهم لا يملكون شيئًا، ولكن في أعماقهم يتمتّعون بغنىً فائق، لأنَّهم أغنياء بالعالم الآخر.

خلاصة روحيَّة
يعرض القديس بولس، في رسالة هذا الأحد (2 قور 5: 20 – 6: 10)، ميّزات "سفير المسيح" (2 قور 5: 20). فإن أراد أن يضع برنامجه للرسالة، عليه أن ينطلق أوَّلًا "باسم المسيح" (2 قور 5: 20). لذا، ما عليه إلَّا أن يُقدّر عظمة عطايا الله الَّتي يُغدقها عليه، وأن يقبل "وقت الرضى" (2 قور 6: 2)، الَّذي هو عمل الله من أجل شعبه على مدى التاريخ.
على الرسول ألَّا يكون "سبب زلَّة" (2 قور 6: 3)، لأنَّه مجرَّد متطوّع، عليه أن يعيش حياةً لا تسبب عائقًا لأحد. وكخادمٍ لله، تظهر قوَّة الله فيه، فتصبح شهادته للمسيح مكفولةً بقوَّة الروح القدس (2 قور 6: 6)، لئلَّا يفتخر بما لديه ويتعلَّق بمظهره. فغناه الروحيّ ليس مصدر فخرٍ له لأنَّه ليس منه. ويمكن أن يظهر على خلاف حقيقته، فليس له أن يحزن أو أن يدافع عن نفسه، لأنَّ الَّذي أرسله سفيرًا، هو يقوّيه ويوجّه أنظاره نحو الرسالة فقط.


تحميل المنشور