كَسر الكلمة - الرسائل -32- الأحد الثالث من زمن القيامة

كَسر الكلمة - الرسائل -32- الأحد الثالث من زمن القيامة

أحد ظهور يسوع لتلميذَي عمَّاوس 
الآيات (2 طيم 2: 8-13)
8 يا إخوَتِي، وأَنْتَ يا ابْنِي، تَذَكَّرْ يَسُوعَ المـَسِيحَ الَّذي قَامَ مِنْ بَينِ الأَمْوَات، وهُوَ مِنْ نَسْلِ دَاوُد، بِحَسَبِ إِنْجِيلِي،
9 الَّذي فِيهِ أَحْتَمِلُ المـَشَقَّاتِ حَتَّى القُيُودَ كَمُجْرِم، لكِنَّ كَلِمَةَ اللهِ لا تُقَيَّد.
10 لِذلِكَ أَصْبِرُ على كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَجْلِ المـُخْتَارِين، لِيَحْصَلُوا هُم أَيْضًا على الخَلاصِ في المَسِيحِ يَسُوعَ مَعَ المـَجْدِ الأَبَدِيّ.
11 صَادِقَةٌ هِيَ الكَلِمَة: إِنْ مُتْنَا مَعَهُ نَحْيَ مَعَهُ،
12 وإِنْ صَبَرْنَا نَمْلِكْ مَعَهُ، وإِنْ أَنْكَرْنَاهُ يُنْكِرْنَا،
13 وإِنْ كُنَّا غَيرَ أُمَنَاءَ فَهُوَ يَبْقَى أَمِينًا، لأَنَّهُ لا يَقْدِرُ أَنْ يُنْكِرَ نَفْسَهُ!

مقدّمة
في الأحد الثَّالث من زمن القيامة نتأمَّل بشخصيَّات ثلاث: طيموتاوس في الرسالة (2 طيم 2: 8-13) وتلميذَي عمَّاوس في الإنجيل (لو 24: 13-35)؛ إنّهم أشخاصٌ اختبروا المسيح قائمًا من بين الأموات وطُبِعَت حياتهم به.
في الفصل الثَّاني من الرسالة الثانية إلى تلميذه طيموتاوس، استعار بولس صوَرًا كثيرة مثل: "جندي" (2: 3، 4)، "مُصارِع" (2: 5)، "حارِث" (2: 6)، "عامِل" (2: 15)، و"إناء" (2: 21). وحَول هذه الصُّوَر، بنى بولس شخصيَّةً جميلة للفضائل الَّتي على تلميذ المسيح أن يتحلَّى بها. لم يكن طيموتاوس في حاجةٍ إلى التمتُّع بتلك الفضائل فحَسْب، بل أيضًا إلى أن يساعد الآخرين على عيشها.

شرح الآيات
8 يا إخوَتِي، وأَنْتَ يا ابْنِي، تَذَكَّرْ يَسُوعَ المـَسِيحَ الَّذي قَامَ مِنْ بَينِ الأَمْوَات، وهُوَ مِنْ نَسْلِ دَاوُد، بِحَسَبِ إِنْجِيلِي،
في هذا الفصل من الرسالة، قدَّم بولس لطيموتاوس سبع ميزات وجب أن يتصَّف بها: أن "يتشدَّد بالنَّعمة الَّتي في المسيح يسوع" (2 طيم 2: 1)، لأنَّه ما مِن مبشّر يستطيع أن يفعل شيئًا من دون المعونة الإلهيَّة، ولا بدَّ له من أن يبني علاقة شخصيَّة مع الله؛ أن "يستودع هذه الحقائق لأناسٍ أمناء" (2 طيم 2: 2) ليتشدَّدوا هم أيضًا؛ أن "يحتمل المشقَّات كجندي صالح للمسيح يسوع" (2 طيم 2: 3)؛ أن "يُصارع حسب الأصول" (2 طيم 2: 5)؛ أن يكون "الحارث الَّذي يتعب" (2 طيم 2: 6)، لأنَّه من دون تعبٍ في الخدمة، لا يمكنه أن يضمن الثمار المرجوَّة؛ أن يرجع دومًا إلى الرَّبّ "ليعطيه فهمًا في كلّ شيء" (2 طيم 2: 7)؛ وأن "يتذكَّر يسوع المسيح الَّذي قام من بين الأموات" (2 طيم 2: 8) في قدرته (المسيح القائم يشجّع النفوس القلقة، ومحبَّته تعطي الحياة)؛ وذريَّته ("من نسل داود" الَّذي لا يرتبط بالمسيح فقط، بل أيضًا بالذريَّة الَّتي توصف كجزءٍ من تدبير الله الخلاصيّ) ووعوده (خلاص الجميع).
قام المسيح نفسه بهذا الصراع ضدَّ الموت، فدخل إليه لكي يكسر شوكته في عقر داره. فقد تجسَّد المسيح لكي يدخل بالجسد إلى الموت، ولا يستطيع الموت أن يحبسه ولا الفساد أن يقترب منه. قام بسلطانه لكي يُقيمنا معه ويُدخلنا الحياة الأبديَّة. هذا هو موضوع كرازة بولس، إذ يقول: "بحسب إنجيلي". 

9 الَّذي فِيهِ أَحْتَمِلُ المـَشَقَّاتِ حَتَّى القُيُودَ كَمُجْرِم، لكِنَّ كَلِمَةَ اللهِ لا تُقَيَّد.
10 لِذلِكَ أَصْبِرُ على كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَجْلِ المـُخْتَارِين، لِيَحْصَلُوا هُم أَيْضًا على الخَلاصِ في المَسِيحِ يَسُوعَ مَعَ المـَجْدِ الأَبَدِيّ.

إحتمل المسيح المشقَّات حتَّى القيود كمذنبٍ وفاعل شرّ (راجع يو 18: 30)، مع أنّه البارّ الَّذي لم يعرف الخطيئة (2 قور 5: 21). كذلك، احتمل بولس "المشقَّات حتَّى القيود كمُجرِم". كانت قيود بولس تشمل، على الأقلّ، "قيودًا"، في زمنٍ ربّما كان فيه البعض يخجلون من قيوده (راجع 2 طيم 1: 16). أعطى بولس أسباب آلامه في هاتَين الآيتَين. لا يمكن لأحد أن يجد السُّرور في السجن، ولكنَّ فرح بولس ممكن لأنَّ "كلمة الله لا تُقيَّد" (2 طيم 2: 9؛ راجع أيضًا فل 1: 15-20). لا يمكن للإنسان أن يسيطر أو أن ينتصر على كلمة الله. الكلمة الَّتي هي في قلب بولس أطلقته من أسوار سجنه. لم تكن هناك قوَّةٌ بشريَّة لتنتَزع منه هذه الحرّيَّة، لأنَّها كلمة الله لا كلمته.
بعد أن قدَّم بولس المسيح مثالًا على احتمال الآلام والقيود من أجل خلاصنا، عاد ليقدّم نفسه مثلًا اقتفى آثار سيّده، إذ يقول: "لذلك أصبر على كلّ شيءٍ من أجل المختارين، ليحصلوا هم أيضًا على الخلاص في المسيح يسوع مع المجد الأبديّ" (2 طيم 2: 10). عرف بولس ما كان يفعل، وآلامه لم تكن حماقة. آلامه جعلت الآخرين يؤمنون. تألَّم بولس وهو راضٍ، لأنَّه إن كان الله اختارهم فإنَّه يليق به أن يحتمل كلَّ شيءٍ من أجلهم لينالوا هم الخلاص.

11 صَادِقَةٌ هِيَ الكَلِمَة: إِنْ مُتْنَا مَعَهُ نَحْيَ مَعَهُ،
12 وإِنْ صَبَرْنَا نَمْلِكْ مَعَهُ، وإِنْ أَنْكَرْنَاهُ يُنْكِرْنَا،
13 وإِنْ كُنَّا غَيرَ أُمَنَاءَ فَهُوَ يَبْقَى أَمِينًا، لأَنَّهُ لا يَقْدِرُ أَنْ يُنْكِرَ نَفْسَهُ!

يختم بولس كلامه على الجنديَّة الروحيَّة بنشيد الغلبة والانتصار. هذا هو النَّشيد الذَّي يليق بكلّ جنديٍّ روحيّ ليسوع المسيح، أن يتغنَّى به أثناء صراعه ضدَّ الموت. إنَّه نشيد الإيمان بالمسيح القائم من بين الأموات. فيه نُعلن قبولنا الموت معه لنتمتَّع بالحياة فيه؛ نحتمل الآلام بصبرٍ لكي نملِكَ معه؛ ونعترف به أمام الناس، لكي يعترف بنا هو أيضًا أمام أبيه، و"إن أنكرناه يُنكرنا" (راجع متَّى 10: 32-33).
نحن واثقون من قوَّة فادينا: "صادقةٌ هي الكلمة". هذه العبارة استخدمها بولس غالبًا (راجع 1 طيم 1: 15؛ 3: 1؛ 4:8، 9؛ 2 طيم 2: 11؛ طي 3: 8). ووراء عبارة بولس هذه، نرى رغبته في تشجيع طيموتاوس وجميع المسيحيّين على أن يكونوا أمناء بغضّ النَّظر عن محنتهم. لأنَّه: "إن مُتنا معه نحيَ معه" (2 طيم 2: 11). فالموت ليس خبيثًا إذا كان يقود إلى الحياة مع الرَّبّ. 

خلاصة روحيَّة
رسالة القدّيس بولس الثانية إلى تلميذه طيموتاوس غنيَّة جدًّا بتوجيهاتٍ عمليَّة، لكلّ من يريد اتّباع المسيح في حياته اليوميَّة، وليس فقط في المناسبات والأعياد. يدعو بولس تلميذه طيموتاوس، في مطلع المقطع الَّذي اختارته الليتورجيَّا المارونيَّة لهذا الأحد (2 طيم 2: 8-13)، إلى "تذكُّر يسوع المسيح الَّذي قام من بين الأموات" (2 طيم 2: 8). يتذكَّر الانسان حدثًا أو شخصًا لم يتعرَّف إليه أو لم يستَعِد ذكراه، فيعود إلى أعماق ذاكرته باحثًا عمَّا يشير إليه أو يربطه فيه. فمن خلال طيموتاوس، يدعو القدّيس بولس كلَّ واحدٍ منَّا إلى "تذكُّر يسوع المسيح". ربَّما قد نُجيب: "لم ننسَ المسيح كي نتذكَّره"! ليس المطلوب طبعًا تذكُّر الرَّجل التاريخيّ يسوع الَّذي "تألَّم ومات وقبر وقام"، بل سؤال الذَّات في عمق أعماقها حول مدى تأثُّرها بهذا الإله المتجسّد "من أجلنا ومن أجل خلاصنا" (قانون الإيمان)، ومدى سعينا لعيش تعاليمه عمليًّا مع الناس.
المؤمن ما هو إلَّا "جندي صالح" (2 طيم 2: 3) مكلَّفٌ بأن "يصارع" تحت راية المسيح من دون أن "ينهمك في الأمور المعيشيَّة" (2 طيم 2: 4؛ راجع أيضًا متَّى 25: 6-34). والصراع يجب أن يكون "حسب الأصول" (2 طيم 2: 5)، أي أن لا نسرق من الرَّبّ يسوع عطاياه وننسبها إلى أنفسنا، فإذا ما جلسنا عند قدمَي يسوع سنأخذ حياةً، وغلبةً، وقوَّةً، وتعزيةً؛ لكن علينا أن لا ننسُب كلَّ هذا إلى أنفسنا. "فكلُّ عطيَّةٍ صالحة هي نازلة من فوق من عند أبي الأنوار" (يع 1: 17). أمَّا طريق المؤمن لـــ "تذكُّر يسوع المسيح الَّذي قام من بين الأموات" (2 طيم 2: 8)، فهو سبر أغوار "الكلمة الَّتي لا تُقيَّد" (2 طيم 2: 9)، لــ "يضطرم القلب" (لو 24: 32) كما اضطرم قلب التلميذَين على طريق عمَّاوس. 


تحميل المنشور