ألبعد النّسكي الرّهباني في الليتورجيا المارونيّة

ألبعد النّسكي الرّهباني في الليتورجيا المارونيّة

من "معهد التّراث السّرياني المارونيّ"، أتشارك معكم حول موضوع "ألبُعد النُّسكي-الرّهباني في الليتورجيا المارونيَّة". هذا البُعد الّذي عاشهُ قدّيسينا، شربل، رفقا، نعمة الله وإسطفان وغيرهم. والقدّيسة رفقا عاشتهُ بطريقةٍ مميَّزة. فهي إبنةُ الشَّعب المارونيّ المؤمن بعقيدة خلقيدونيا 451، المعترفة بأنَّ يسوع المسيح هو إنسانٌ كاملٌ وإلهٌ كامل. هي شهيدةٌ من شُهداءِ هذا الشَّعب وراهبةٌ إبنةُ مار مارون النّاسِك. عاشَت حياتها في الرُّهبانيَّة اللّبنانيّة المارونيّة، حسَبَ القوانين القديمة للأديار المحصَّنة، بينَ أخواتها الرّاهبات، ناسكةً على فراشِ الألم، وحيدةً مع الوحيد، زاهدةً بكلِّ مُقتناها حتَّى جسَدَها ودمَها، مُبتسِمةً دائمًا بَسمَةَ الرَّجاءِ ومُتَّحدةً بحبيبها المصلوب. أحبَّت القدّيسة رفقا يسوع المصلوب، تمثُّلاً بروحانيّة أجدادِها الموارنة الَّذينَ عُرِفوا بــ"جماعة الصَّلبوت بكنيسة النّاسوت"، هكذا لقَّبَهُم العلاّمة يواكيم مبارَك [1]. وهي اليوم، تُعيِّدُ في السَّماء عهدَ حُبِّ الرَّبِّ لها ولرهبانيَّتِها ولشَعبِها اللبنانيّ المارونيّ. فيا أيَّتُها الأُختُ الحبيبةُ رفقا، تشفَّعي لنا عندَ عريسِكِ السَّماويّ، ليَهَبَنا نعمةَ الحكمة، فيُعلِّمنا جميعًا، كيفَ نَبني في قلوبِنا صومعَةَ صلاةٍ واتِّحادٍ بهِ. آمين.

يتألّف موضوع اليوم، من قسمَين: القسم الأوّل "الحياة الرهبانية النّسكية وأبعادها الليتورجيّة" والقسم الثاني بعنوان "الليتورجيا المارونيَّة والبُعد النّسكيّ-الرّهبانيّ".

القسم الأول: ألحياة الرهبانيّة النّسكيّة وأبعادها الليتورجيّة

مقدّمة: اذا أردتُ التّحدُّث عن البُعد النّسكي-الرّهباني في الكنيسة المارونيّة، أجد نفسي امام تاريخٍ متشابِكٍ، وغنيٍّ بالأحداث. طبعًا، ساعتَينِ من الوقت لَن تكونا كافيتَينِ لِقولِ كُلِّ شيء. ولهذا، انتَقَيتُ بعض النِّقاط الّتي اعتبرتُها أساسيّة ولتكونَ زوّادةً روحيَّة وعلميَّة لهذا المساء. والبُعد النّسكي-الرهبانيّ يَفرِضُ على الموضوع، جوَّ الصّلاةِ وشعورَ الانذهال أمامَ جنونِ العِشقِ الإلهيّ، الّذي عبَّر عنهُ راهباتْ ورهبانْ أديارنا ونسّاكُ جبالِنا وأوديتِنا، في طُرقِ اتّباعِهِم للمسيحِ ابنِ الله. 

1- نشأة الحياة الرهبانيّة والنّسكيّة بحسب الإنجيل
بما أنَّ منبع الحياة الرّهبانيّة هو الإنجيل، كلمة الله، اخترتُ نصّ الشّاب الغنيّ للتّعريف عن ديناميكيَّة هذه الحياة الّتي تميِّزُها عن مختلف أنواع الحياة الأخرى. إذ الحياة الرّهبانيّة تختلف عن الحياة العائليّة والعالميّة، لأنّها تحيا في العالم ولكنَّها ليسَت منهُ (يو15/18). كيف؟

دعوة الرّبّ يسوع للشّاب الغنيّ (متى 19/21؛ مر10/ 21؛ لو18/22)
في هذا النّص، نجدُ الآية الّتي جذَبَت العديد من آباءِنا النُّسّاك والرّهبان إلى اعتِناق الحياة الرّهبانيّة، نذكُر منهُم القدّيس أنطونيوس كوكَب البريّة. ومن هذه الآية نعتَبِر أنَّ الحياة الرّهبانيّة نشأت ونمَت بمشيئةِ وبأمر إنسانٍ واحد، هو ربّنا يسوع المسيح، إذ جاوب الشّاب الغنيّ الّذي سألهُ عن طريق الحياة الأبديّة، قائلاً: "إذهب وبِعْ كلّ مقتناك وتعال اتبعني!" (متى 19/21؛ مر10/ 21؛ لو18/22) [2]. اخترنا الصّيغة الأصليَّة للآية، لأنَّ الكلمات الأخرى تتبدَّل في نصوص الأناجيل الإزائيّة، بينما هذه الصّيغة الصّغيرة فتبقى أساسيَّة.
هذه الآية مُركَّبة من ثلاثة أقسام:
إذهَب وبِعْ        ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  ὕπαγε πώλησόν
                 كلَّ مقتناك     ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ   σου τὰ ὑπάρχοντα
وتعالَ اتبَعني      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ   καὶ δεῦρο ἀκολούθει μοι

نلاحِظ أنَّ القِسمَين الأوّل والثّالث يتألَّفان من أفعال أمر: إذهَبْ، بِعْ، تعالَ، اتبَعني. أمَّا القِسم الثاني فيتألَّف من جملة إسميَّة: كُلّ مقتناك.
إذا تأمَّلنا عن قُرب في الأفعال، نكتَشِف أنَّها مبنيَّة على قاعدتَين. القاعدة الأولى، ألتّناقُض: إِذهَب | تعال. فَفي فعلَي "الذَّهاب والِإياب" يُريدُ الرّبّ يسوع أن يترُكَ للإنسان حُرّيّتهُ في قرارِه، فأفعال الأمر هذه، مفتوحةٌ على إرادة الفاعِل ولَيسَت أفعال أمر نهائيّ يوجِبُ بهِ الرّبُ الإنسان على القيام بأمرٍ إجباريّ لا يحترم حريّتهُ. أمَّا الأفعال الباقية، فهي مبنيّة على قاعدة الأمر الّذي يُخاطب إرادة الإنسان الجذريّة: بِعْ، اتبَعْني. وهذان الأمران أيضًا، تركَهُما الرّب يسوع لحريّة الإنسان. إلاّ أنَّ ألقرار فيهِما عليه أن يكون جذريًّا، فالبَيع أو التّخلّي سيكون للأبد، كما اتّباع يسوع أيضًا، سيكون للأبد، من دون رجوع. كما قال الرّب يسوع: "مَنْ يضَعُ يده على المحراث ويلتَفِت الى الوراء، لا يصلُح لملكوت الله" (لو9/62). ونلاحِظ أنّ هذَين القِسمَين متوازيَين بطريقة الصّياغة اللّغوية، بعَدد الأفعال وبالتّراتبيَّة. وهما يَضُمّان في وسْطِهما "جملةً إسميَّة" تؤلِّف القسم الثاني وهو القِسم المحوريّ للآية، أي القسم الّذي يَحوي رسالة الآية الإنجيليّة وجوهرها، وَإليه يريدُ الإنجيليّون لفتَ الانتباه. هذا القسم يتألَّف من إسم "كُلّ" وهي كلمة تدلُّ على الشّمول، ومن كلمة "مقتنى". منَ الأهميّة معرفتُه هو أنَّ الجملة الإسميَّة، لا فعلَ فيها، فلا ديناميكيَّة، معها تتوقَّفُ الحركة ويُسيطرُ الجُمود. لهذا السّبَب يجدرُ بنا البحث في معناها وخاصّةً في الكلمة الأساسيَّة فيها.
 فالكلمة الأساسيّة في هذا القسم المحوريّ، "مقتنى" وجذرُها اللُّغويّ "ق ن ى". وتعني "إتّخاذ الشيء لنفسه، إمتلاكِه، فهو ليس للتّجارة"، الأمر الّذي يُهدِّدُ حريّة الإنسان. لأنَّ التَّعلُّق بالشيء، يُميلُ القلب والاهتمام الى هذا الشيء، فيُصبح الإنسان سجينًا وعبدًا لمقتناه. والمقتنى لا يعني فقط الأمور الخارجيّة: كالمال والصّداقات والبيوت والقصور والأشياء الشّخصيَّة وغيرها. هذه، بالحقيقة، معرَّضة في كلِّ وقتٍ، للفناء والزّوال أو للسَّرقة أو للضّياع، فطُرق التَّخلّي عنها حتميَّة ومهما تعلَّق بها الإنسان، فسيأتي الموت ويسرقها منهُ حتّى ولو عن غيرِ إرادتِه. وَلكنْ عبارة "مُقتنى" لها معنًى أعمق بكثير، إذ تطال حريّة الإنسان أي جوهر الكَيان البشريّ. وهذا هو المعنى الذي أوحِيَ لآباءِنا الرّهبان والنُّسّاك الّذين اعتنقوا الحياة الرهبانيّة والنُّسكيَّة، مُتخلّين بكاملِ حرّيتهم عن كُلّ شيء ليَتبعوا الرّب بكلّ قواهُم وقلوبهم وضمائرهم، فجاوبوا عليهِ كما يلي:
يقول المقتنى للحياة الرّهبانيّة: "هل من مُقتنى أَعَزّ منَ "الإِرادة الذَّاتيّة"؟" إنّها تُعبِّر عن قوّة الإنسان الّتي يستمدُّها من كونِهِ مخلوقًا حُرًّا. أمّا الحياة الرُّهبانيّة فتُجاوبُ: "نَذر الطاعة هو أعزّ". أتّخذ أمثلتي من حياة القدّيسة رفقا، فهي كانت دائمًا مُستسلمة لإِرادة رئيسَتِها وطاعتُها كانت كاملة. فمن أقوالها الـمُعبّرة عن تخلّيها الكامل عن إرادتها الذّاتيّة: "على الرّاهبة أن تكون في يدِ رئيستِها، مثل العَصا في يدِ الأعمى" وأيضًا، "ما أَحسَنَ وأَفضلَ أن تُميتَ الرّاهبةُ إرادتَها مُتنازلةً عنها لرئيسَتِها، مُسلِّمةً نفسَها بتمامِها إليها، فإِنَّها ترتاحُ راحةً تامَّة" [3].
ويُعاود المقتنى محاولتهُ قائلاً: "هل مِن مُقتنى يُغري أكثر من "الجسد ورغباتِه"؟" فتجاوبُه الحياة الرّهبانيَّة: "نذرُ البتوليَّة يُغويني أكثر". إنَّ الرُّهبان والنُّسّاك زهدوا في الدّنيا وملذّاتها، فذهبوا إلى القِفار والصّحاري، حاملينَ أجسادهم وما فيهم من رغباتٍ جيّدة وشاذّة ليُدرّبوهم على العيشِ في الوحدةَ والعُزلة. هناك، حيثُ قوتُ الحاجةِ الجسديّة هو اللاّشيء وحيثُ الجوابُ على التّجربة والرّغبات هو الصّمتُ لِصَمتِ الله، الى أن تمُرَّ التّجربة.
ويُحاوِل المقتنى إِثبات نفسِهِ، بسؤالِهِ الأخير: "هَل من مُقتنى جذَّاب أكثر من "تحرُّكات القلب"؟" ألقلب هو مركزُ العواطف وهو أكثر الأعضاء تقلُّبًا. أحيانًا، تتفجَّر منهُ العاطفة والحبّ وأحيانًا أُخرى يُسيطر عليه الجفاف والبُرودة، فمنهُ تنبثقُ المحبّة وأيضًا، الكراهية، منهُ الإعجاب وأيضًا اللاّمبالاة. يعلِّمنا الكتاب المقدّس: "يا بنيّ، أَعطِني قلبَك" (أم23/26) و"حيث يكون كنزُك فهناك يكون قلبُك" (متى6/21). ومن هذا الـمُنطلق، تُجاوب الحياة الرّهبانيَّة: "إنَّ نذر الفقرِ يَجذِبُني أَكثر، فاذَهَب عنِّي أيُّها الـمُجرِّب، فلَن تَجدَ لديَّ أيَّ اهتمام". إنَّ آباءنا الرّهبان النُّسّاك ذهبوا بعيدًا في الصّحراء والكهوف والجبال، حيثُ الكنزُ الوحيد هو الله والعيش بحسبِ مشيئتِه، ضمن نذرِ الفقر. ابتَعدوا إلى هناك لِيُؤمِّنوا قلوبهم منَ الانقِسام ومن التّجارب، ولِيُنقّوها من الشّوائب، فيحفظوها آنيةً فقيرةً تغتني بِخالِقها.
نستَخلِص مـمّا جاء، أنَّ دعوة الرّب يسوع للشّاب الغنيّ هي دعوةٌ للتَّكرُّس لـما هو لله بكامل الحريّة، وهذا ما سَعَت لهُ الحياة الرّهبانيّة والنُّسكيّة وهذا ما سعَت لتحقيقه القدّيسة رفقا. ولكي تتّحد أكثر بعريسها السّماوي طلبَت منه أن يُشركها بصليب الآلام، لتصل به الى ذروة الحُبّ لـمَن أحبَّها حتى الموت. كما أنّ دعوة الرب يسوع هي أيضًا، دعوةٌ الى يَقظةِ النّفس والعقل للتّمكُّن من محاربة تيّارات "القِنية" التي تُكبِّلُ الإنسان في نِطاق العالم الفاني وتَسلُبهُ حرّيتهُ. فأختنا رفقا ما كانت تملك شيئًا أبدًا، كلَّ ما كان باستعمالها، ما كانت تنسِبُه لها، بل تقول: المغزال، الصنارة، ...
وليتورجيّتنا المارونيّة تستعملُ أيضًا أسلحتها لتَرُدَّ على هجماتِ عدوِّ حريّة الإنسان، فتُشجِّع الراهب المصلّي على اليقَظة والسَّعي الى المقتنى الأكمل أي النِّعَم الرّوحيّة. نختار نصوصًا من كتاب صلاة الشّحيمة في هذا الإطار.
ففي صلاة عطر ستّار الخميس نُصلِّي: "إرتضِ أيُّها الرّب أن تسكُن وتحلَّ فينا واملأنا حكمةً وجبروتًا. وزيِّن نفوسَنا برحمَتكَ، وأجسادَنا بقداسَتِك. فإذا تحرَّرنا من ثِقل الآلام الجسديَّة والنَّفسيّة، واستَنرنا كُلّ آنٍ بمعرفتِكَ، نُقرِّبُ الى عظمتك التّسابيح والمدائح، والتَّعظيم، بعقولٍ يقظة وضمائر صافية وألسنة نقيّة. أيُّها الآب والابن والرّوح القُدس، لك المجد الى الأبد"[4].
وفي ختام صلاة نصف اللّيل نُصلّي: نطلبُ منكَ أيُّها الرّب الإله، اليَقِظ دائمًا، لا ينامُ ولا يرقُد. هو الّذي يحرِّك جميع القوات السّماويَّة لخدمته. هؤلاء الّذين لا ينامون ولا ينقطعون عن تسبيحه. أنت ربّي قوِّنا نحن الضُّعفاء الحقيرين، لكي بيقَظةٍ نقيَّة وغير منحرفة للشّرور، وبصفاء الأفكار الطّاهرة والرّوحيّة، المطهَّرة من أعمال هذا العالم الزائل، تتحرَّر قلوبنا أيضًا بهذا اللّيل الّذي يسود فيه الصّمت والهدوء على جميع البرايا...
في هذه الصّلوات، نلاحظ أنَّ المصلّي يسعى لاقتناء المواهب الرّوحيَّة وللتفلُّت من مقتنيات الأرض الزائلة.
ألحياةُ الرّهبانيّة إذًا، وُلِدَت من روحِ الإنجيل، لِتُخبِرَ عن البُعد الرّوحيّ الّذي يتحلّى به الإنسان. أسلِحتُها في معركةِ الحياة هي المشورات الإنجيليّةِ: الطاعة والعفّة والفقر، الّتي تَرفَع الإنسان الى مُستوى الحُريّةِ الحقَّة، فَتَرُدَّ لهُ جمالَهُ الأوَّل. وأُفُقُها هو ملكوت الله تتَّصِلُ بهِ منذُ الآن، وتشترك بليتورجيا السّماء من خلال ليتورجيا الأرض.
والآن ننتقل للتَّعرُّف على هويّة الرّاهب، من هو؟

2- تعريف عن الرّاهب أو النّاسِك أو المتوحِّد
هي ثلاث عبارات تدُلُّ على الشَّخص عينِه. من حيثُ بنية الكلمات، نلاحظ أنَّ "راهب" و"ناسك" مبنيَّانِ على قاعدة "إسم الفاعل". فالراهب، هو المكرَّس لله الذي اعتزل في أَحدِ الجمعيَّات أو المؤسّسات الرّهبانيّة. و"النّاسِك" هو الشَّخص الذي يُمارِس النُّسك أي الزُّهد والتّخلّي الكامِل. وهو أَيضًا، "ساكنُ المنسكَة" لا يُفارِقُها، لأنَّه زهِدَ في الدّنيا، فيعيشُ فيها وحدتَهُ مع الله. أمَّا كلمة "متوحِّد" وجذرها (و ح د) أي "أحد، مُفرد"، فَتُعبِّرُ خيرَ تعبيرٍ عن هويَّة الراهب والنّاسك. في اللّغة السّريانيّة، ألمتوحِّد هو يحيدُيُا أي "وحيد". ويسوع المسيح هو بَر الُوهُا يحيدُيُا أي "إبن الله الوحيد". فالمتوحّد هو إذًا، الإنسان الّذي يعيشُ مع ابن الله الوحيد يسوع المسيح، في رباطِ صداقةٍ وعِشقٍ روحيّ. ألوحدةُ إذًا، هي في جوهر الدّعوة الرّهبانيّة، والراهب هو الشَّخص الذي يُصادقُ الوحدة، لأنَّها مكانُ لقائه، وحيدًا مع الوحيد. 

3- ألدّعوة الى الوحدة في الحياة الرّهبانيَّة
كانت القدّيسة رفقا تميلُ الى حياة الوحدة والاستقرار والانعزال عن العالم لتكون في خدمة الله وحدهُ، فقد كاشَفت مرشِدها يومًا قائلةً: أريد أن أعيش في الدّير بكلِّيتي ليسوع، بنفسي وجسدي، بعقلي وقلبي، أُصلّي وأخدم الراهبات والكنيسة حيث يُقيم يسوع في القربان الأقدس، فأتأمَّل في حياته وموته وقيامته وأُقيم عند قدمَيه مثل مريم أُخت لعازر [5]. وَالوحدة في حياة القدّيسة رفقا كانت مصدَر حياةٍ للجماعة، فهي لم تلجأ قطّ، الى الوحدة كفعلِ أنانيَّةٍ وانقِسامٍ عن الجماعة، إذ كانت تعلم أنَّ العيش الفرديّ يقتُل الجماعة.
والصّورة الأمثل للوحدة هي صورة الثالوث الأقدس وصلاةُ يسوع الكهنوتيَّة: "ليكونوا واحدًا كما نحن واحد" (يو17/22). فالمتوحِّد عليه أن يبحث عن الوحدة كمكان لقاءٍ بالله، ولكن بحسَب فكر المسيح، أي بإخلاء ذاتهِ، كما تُعلِّمنا الرّسالة الى أهل فيليبّي (فيل2/ 2-11). بحسب القدّيس بولس، الوحدة بين المؤمنين هي كُفرٌ بالنفس وخدمة للآخَرين على مثال يسوع المسيح ابن الله الوحيد، مثالُ المتوحِّدين: "فهو مع كونِه في صورة الله، لم يَحسَب مُساواته لله غنيمة، بل أخلى ذاته، مُتَّخذًا صورة العبد، صائرًا في شبه البشر" (فيل2/ 6-7).
ولليتورجيا الدّور الأهمّ في تشجيع المؤمنين للصلاة لأجل الوحدة. فليتورجيَّتنا المارونيَّة تصلّي لأجل وحدة الكنائس ووحدة أبناء الله. ففي صلاة الختام لِصباح الجمعة، نصلّي:
"إقبل أيُّها الرّب الإله، مع هذه الصّلاة التي قدّمناها إليك، إنفتاحَ قلوبنا. أرسِل إلينا من لدنك الضّروريّ الّذي نحتاج إليه، ولا تحرمناه لأجل خطايانا. وكما أتمَمت في مثل هذا اليوم الخلاص في منتصف الأرض، أتمَّ لنا في هذا النّهار عينه خلاصًا ثانيًا، من الشّيطان وحِيَلِه. فإذا تحرّرنا نُصبح شعبًا كاملاً لك، وجماعةً مخلَّصة، وقطيعًا واحدًا، يعترف بتدبيرك الخلاصيّ، ويرفع إليك المجد والى أبيك وروحك القدّوس، الآن والى الأبد".

1.3- بعض محطّات تاريخيَّة أظهرت ثمار عيش الوحدة
ألتّاريخ يَشهد أنَّه، منذ فجر المسيحيَّة أي حوالي القرن الثاني، تفجَّرت الحياة النّسكيّة التّوحديَّة في شرقِنا. فنبَتَت في الِقفار والمناسِك، وعشَّشَت في العراء على العواميد والأشجار. مِن بينِ هؤلاء الزُّهّاد، مَن سُمُّوا بالعاموديّين والبكّائين والعشّابين والجوّالين وأساليب أُخرى عديدة، اختاروها زُهدًا في الدُّنيا، ليتعلّقوا بالوحيد يسوع المسيح. ومن هؤلاء النّساك، كان مارون الذي اختار نمطَ "النُّسكِ في العراء"، فتتلمذ على يده الكثيرون، رجالاً ونساءً. حتّى إنَّهم بَنوا ديرًا على اسم معلِّمهم مار مارون ومعهم بدأت تظهر ملامح الحياة الرهبانيّة المشتركة [6].
يجمع المؤرِّخون، أنَّ الحياة الرّهبانيّة السّريانيّة الإنطاكيّة تميَّزت في المرحلة الأولى، بعيش أنماط النُّسك والوحدة، إلى جانب أعمال الكرازة والتّبشير والرّسالة. فرهبان دير مار مارون دافعوا عن تعاليم المجمع الخلقيدونيّ المنعقد سنة 451. فقال فيهم المطران يوسف الدّبس: لم تقتصر حياة رهبان دير القدّيس مارون على النُّسك والتكامل في الفضيلة فقط، بل كانوا يطوفون المدن والقرى مُنادين بكلمة الله ومحرّضين الشَّعب على اقتفاء الفضائل والتّحاشي عن الرّذائل[7]. منذُ بدايتِها إذًا، اعتُبرت الحياة التوحُّديّة النّسكيّة في الشّرق جوهرَ الحياة الرّهبانيّة، إذ لم يقُم قطُّ بين الدّير والمحبسة، وبين الوحدة مع الله والحياة المشتركة، فَواصل أو حواجِز. فالمحبسة كانت محطَّ آمال الرّهبان، يستقرُّ فيها مَن تمرَّس تمرُّسًا عميقًا بالأعمال النُّسكيّة وبلغ درجةً متقدّمة من قُدرة السّيطرة على الذّات، ومن التواضع والنّقاوة، تؤهّله لحياة الصّمت والتّأمل ولحياة الوحدة مع الله [8]. واستمرَّت هذه الميزة المزدوجة للحياة الرّهبانية في الكنيسة الإنطاكيَّة وصَحبَت تأسيس الكنيسة المارونيَّة في أواخر القرن السابع. يجمع المؤرّخون واللاّهوتيّون على أنَّ دير مار مارون برهبانه ومؤمني الجوار، شكّلوا النّواة الأولى لنشأة الكنيسة المارونيّة وقد قيل في هذا: إنّها ظاهرة فريدة في تاريخ الكنيسة الجامعة، أنَّ "كنيسة الموارنة تخرج من دير". فمن الطّبيعي إذًا، أن تتميّز كنيسة الموارنة بروحانيّة نسكيّة ورهبانيّة وأن يتشابك تاريخها بمصير الحياة الرّهبانيّة [9]. ففي نشأة الكنيسة المارونيَّة من دير رهبان مار مارون المتوحِّدين، نجدُ مثلاً صحيحًا لعيش الوحدة بعيدًا عن الأنانيَّة، إذ أثمرت شعبًا رهبانيًّا وكنيسةً جديدة.
وفي التاريخ، نجدُ مثلاً آخر لعيش الوحدة في تاريخ الحياة النسكية والرّهبانيَّة، أدّى الى طُغيان الحياة المشتركة على الحياة النُّسكيَّة، بسبب مفهوم مغلوط عن عيش الوحدة.
يجمع المؤرِّخون أنَّهُ، حتّى نهاية القرن السّابع عشر وقيام التّنظيم الرّهبانيّ الجديد سنة 1695، كان النّاسك الحبيس متروكًا لمبادراتِه الشّخصيَّة، فلا يخضع لِقوانين. فكان بإمكانه أن يعيش حياة العُزلة حيثما أراد وكما أراد خاضعًا، من بعيد، لتوجيهات المرشد، -إذا وُجِد- ولطاعة السيّد البطريرك أو الأسقف. ومنذ 1695 سنة الإصلاح الرهباني حتى 1732 قبيل انعقاد المجمع اللبنانيّ : خلال هذه المرحلة، وضع الأب عبدالله قرألي قانونًا للحياة النسكية. وأهمّ ما جاء فيه: *أنَّ كلّ راهب ناذر، صحيح الجسم، قضى في الدير 5 سنوات، يستطيع أن يعتزل في المنسكة ليسلك حياة الصّمت والصلاة والاتحاد بالله. ولكن يخضع لرئيسه الرهبانيّ ويرتبط بالدّير والجماعة. كما يجب ألاّ يكون الحبيس وحيدًا بل جمهور المحبسة يتألف من اثنين أو ثلاثة حبساء. وُضع القانون بهذه الطريقة، خوفًا من مفهوم الوحدة، كإنفراديّة وعزلة لا تمتُّ بأي صلة مع مفهوم الحياة التوحديّة. أما من سنة 1732 وحتى 1810: هذه الفترة حدَّت وضيَّقَت أكثر على مبادرات النّساك الفرديّة. كما طُلِبَ من الرؤساء الحَدّ من طلبات التّرشيح ومتابعة السّهر على الحبساء حتّى داخل المحابس. إذ ظهرَ بين النُّساك مَن لَيسوا أهلاً للمحبسة، لأنَّهم أرادوا التّخلُّص من العمل الصّعب ومنَ الحياة الجماعيَّة ولم يستحبسوا حُبًّا بالله أو بحثًا عن الوحدة مع المسيح. ومنذ الفترة الواقعة بين سنة 1810 حتى 1958، يتخلّلها إصدار الحقّ القانوني الشّرقي: أُضيفَ على قانون النّساك بنودًا جديدة حدَّث أكثر من سابقاتها الدّعوات التوحديَّة النّسكية، فارتفع شأن الحياة المشتركة. وتحوّلت في هذه الفترة، أكثر الرّهبنات النّسكيَّة التأمّليّة الى مؤسّسات رسوليّة عمليَّة. وإذ بالحقّ القانوني الشّرقيّ يذكر النُّسّاك بطريقة هامشيَّة وأَلزمَ النّسّاك بقوانين الرهبان ودمجَ حياة النُّسك بالحياة الرّهبانيَّة العامَّة. هذه القوانين الجديدة لِلمحبسة وللحياة المشتركة، أعطَت خير ثمارٍ للكنيسة المارونيَّة. فَظهرت براعم القداسة داخل الأديار وفي الجماعات الدّيريَّة والحياة المشتركة كقدّيسي الرّهبانيّة اللبنانية، شربل، رفقا، نعمة الله والطّوباويّ إسطفان [10]. إنَّ القدّيس شربل مثلاً، تنسَّكَ على القوانين الجديدة وَاستُدعِيَ مرّات عدة، للابتعاد عن المحبسة للذهاب الى أمام أسرّة المنازعين ليُصلّي لهم. إنّما كان يحمل المحبسة في قلبه، قبل أن تحتويهِ هي، هذا هو النّاسك الحقيقيّ [11].
نستخلِص من هذه المحطّات التّاريخيّة السَّريعة، أنَّ الدّعوة الى الوحدة في الحياة الرُّهبانيَّة هي دعوةٌ للقاء الآخر، تبدأ بالعمل على إخلاء الذّات من الأنانيَّة والامتلاء من فكر المسيح الّذي تركَ عرشَهُ ليَلبَسَ جسدًا ويصيرَ خادمًا ومخلِّصًا لجِنسِنا البشريّ. ومن ثمار هذه الوحدة النَّابعة من فكر المسيح، نَشْأة الكنيسة المارونيَّة التّي دافعَت عن عقيدة خلقيدونيا 451، الـمُعترفة بطَبيعَتَي الرّب يسوع الإنسانيَّة والإلهيَّة. وأيضًا، إعلان قدّيسين موارنة عاشوا الوحدة داخل جماعاتهم الدّيرية وشَهِدوا لحالة إخلاء الذّات التي ترفعُ الإنسان الى مستوى الألوهة. فالحياة الرّهبانية هي علامة لعيش الوحدة في بُعدَيها الجماعيّ واللّيتورجيّ، أي من خلال العيش في قلب الجماعة الدّيريّة، ومن خلال الصلاة، لأجل عيشٍ مُستقيمٍ للوحدة. لكي تزلّ كنيستنا المارونيّة وأديارنا تثمر ثمار قداسة لتمجيد الله، وهذا ما يدعونا إليه السينودس الجديد "لنسير معًا".
وكنيستنا المارونيّة ككلّ الكنائس الشّرقية، لا تملّ من الابتهالات الحارّة، في كلّ ذبيحة وصلاة، ليحفظ الله كنيستهُ في الوحدة: في ليل الأربعاء تصلّي جماهيرُ أديارنا: "إقبل يا ربّ هذه الطّيوب التي نقدّمها لك بتذكار أمِّكَ المباركة والقدّيسة، واغفر بها لبيعتكَ المقدسة المشتراة بدمك الأقدس، واحفظ جماعتها بنطاق الحبّ، اربطنا برباط الإيمان الحقّ، ووفِّقنا جميعًا".
والقدّيسة رفقا خيرُ مثال لعيش الوحدة في قلب الجماعة ولأجلها. ففي وحدتها أو خلوتها مع الرّب تدرَّجت في سلَّم الكمال وفي معرفة الرّب معرفةً جوهريَّة، فاتَّحدت به مصلوبًا. وفي وحدتها مع أخواتها، كانت العنصر الأكثر خدمةً وتضحيةً وحبًّا لجماعتها. أَختم القسم الأوَّل مع قبَس من شهادات عن "عيش الوحدة" في حياة القدّيسة رفقا:
"قالت الأخت مارينا صادر عن التّعويض الذي كانت تقوم به رفقا، حتّى في مرضها. فهي لم تضيّع لحظة واحدة من أجل السّماء: كانت تبذل جهدها لتساعد الراهبات في الشّغل وتخفّ عنهنَّ. وكانت تصلّي لأجلهنَّ، وتقول: "لو كانت صلاتي تُقبل بدل فرضكنّ لكنتُ أصلّي عِوَضكنًّ بما أنَّكنّ تشتغلنَ وأنا لا أشتغل"" [12]. قالت أيضًا: "كانت رفقا تحبّ كلّ الراهبات على السّواء محبّةً إلهيَّة، وكانت قبلَ أن تتكرسَح، عندما تُقاصص الرئيسة إحدى الراهبات تُطلُب منها أن تصفح عنها، أو أن تأذن لها بعمل القصاص عوضها، وكثيرًا ما رأيتها تُلقي عصاها على الأرض وتركع لتتمم قصاص إحدى رفيقاتها، أو لتساعدها فيه" [13].

ألقسم الثاني: ألليتورجيا المارونيَّة والبُعد النّسكيّ-الرّهبانيّ
مقدّمة: كما أنّ نشأة الحياة الرهبانيّة جاءت تحقيقًا لأمرِ الرّبّ: "إذهب وبعْ كل مقتناك وتعال اتبعني"، هكذا أيضًا وُلدتِ اللّيتورجيا بمشيئة وبأمر ربنا يسوع المسيح، الإنسان والإله، حينَ أوصانا قائلاً: "صلّوا ولا تملّوا"، و"اصنعوا هذا لذكري حتى مجيئي""[14]. إنَّ كلمة ليتورجيا مشتقَّة من اليونانيّة، من كلمة λειτυργία المركّبة من: λειτον أي جماعيّ وجمهوريّ و εργον خدمة، عمل، مهمّة. ولهذه الكلمة معنًى مُتحرِّك، أعني: إمّا أن تقوم الجماعة بالخدمة، إمَّا أن تكون الخدمة لمصلحة الجماعة، فكما يقول الأباتي الرّاحل عمانوئيل خوري: "الجماعة تَخدُم وتُخدَم". فالليتورجيّا إذًا، نبعُ حياةٍ وغِنًى للجماعة المصلّية.

1- ألمعنى الحقيقيّ لليتورجيا
ما هي الليتورجيا بالحقيقة؟ ألليتورجيا ليست فقط مظاهر سطحيّة خارجيّة ونواميس وشرائع، تراتبيّة واحتفال رائع وعمل طقسيّ. بل في جوهرها، هي عملٌ خلاصيّ، إنَّها حقبةٌ جديدة في تاريخ خلاص الإنسان، تمتدُّ من العهد القديم الى العهد الجديد، وتستعرض مراحل تدخُّل الله في حياة الإنسانيَّة ليَجذبها إليه ويُعيدها الى أَصلها أي على صورة الله ومثاله، فتشترك معه في حياته الإلهيّة.
كما نرتِّل في صلاة نصف نهار يوم الثلاثاء في الشّحيمة:
يا مَن أَرجعَ أبانا آدم، ففرح اليقِظون برجوعه، أرجِعنا الى التّوبة، فيفرحَ اليقظون والملائكة، يا مَن أقامَ من الـمِزبَلة أيّوب الرّجل الصّديق، أقِمنا من سقطة الخطيئة وارحَمنا.
يا مَن وَهبَ حنَّةَ (إبنها) صموئيل، ورفعَ عنها الكآبة، لاشِ الحزنَ والكآبة، من السّاجدين للصّليب، يا مَن مدَّ يدهُ لسمعان، وانتشَلهُ من الأمواج، مدَّ لنا يد مراحمِكَ وانتَشِلنا من الشُّرور.
وتدخُّل الله تمَّ في العهد القديم بواسطة الأنبياء، أمّا في العهد الجديد، فقد تدخّل بذاته في تاريخ الإنسان لابسًا جسدًا بشريًّا هو الإله يسوع المسيح. واليوم، ما زال حاضرًا معنا، بعد قيامته، بواسطة علامات حسيّة: في الأشخاص أي الكهنة، في الأشياء أي الخبز والخمر والماء والزيت وفي الكلمات أي الأسرار [15].
في صلاة صباح يوم الثلاثاء، تُرتِّل ليتورجيّتنا المارونيَّة: باعوت مار يعقوب
يدخلون الكهنة بعطرِ المبخرات أمام عظمتِكَ، والأجواق تهلِّل بتراتيل الرّوح القُدس، أيضًا العفيفات بأصوات المجد الّتي لكنّاراتهم، وبِطِلبات كلّ المتضرّعين.
في صلاة مساء يوم الثلاثاء، نرتِّل: لحن ككرو
هللويا، يا ديّانَ الديّانين، لا تُخفِض رأسي، في المحكمة بسبب ذنوبي، الّتي خطئتُ وأغضَبتكَ، وإذا الغفران لا أستحقّ، إغفِر لي لأجلِ جسدِكَ، ودمكَ الـمَطمورَينِ فيَّ، إيّاكَ أحبَبتُ ولصليبِكَ سجدتُ، وبجسدِكَ ودمكَ تطيَّبتُ، بهم ارضَ واترُك لي، ذنوبي وخطاياي.

2- اللّيتورجيا المارونيّة
 يقول الأباتي يوحنَّا تابت: "لن نفهم أيَّ بُعدٍ من أبعاد كنيسَتِنا المارونيَّة بدون العودة إلى البدايات. وأعني بهذا، العودة إلى الجذور. فالخلقيدونيَّة، عقيدةُ التَّناغم والتكامل والوحدة بين الطَّبيعتَين الإلهيَّة والبشريَّة في شخص يسوع المسيح ابن الله المتجسّد، هي الَّتي قفزت بالموارنة إلى واجهة الأحداث الكنسيّة الشّرقيّة الإنطاكيَّة. فمجمع خلقيدونيا أعطى الموارنة دورًا مميَّزًا وفتح لهم نافذةً على الغرب، أطلُّوا منها على روما وعلى البابا لاون". "لقد التزموا الدّفاع عن هذا المجمع، فتحوّل ديرهم الضّخم إلى مدرسة لاهوتية، فيها مكتبة شهيرة، خرَّجت بطاركة أنطاكيين عُلماء، ومنهم البطريرك الإنطاكي أفرام أميد (سنة 529-545). استماتوا جميعهم في سبيل العقيدة الخلقيدونيّة وكان بينهم الشهداء 350 وعيدهم في 31 تموز"[16]. إنطلاقًا من كلمة الأباتي تابت، نفهم: أنَّ البُعد النُّسكي-الرّهبانيّ طَبعَ كنيسَتِنا المارونيّة وليتورجيَّتنا المارونيَّة بِبُعدٍ كريستولوجيٍّ بامتياز، فصارَت دعوة الكنيسة المارونيّة وبالتّالي الشّعب المارونيّ وَدعوة الحياة الرّهبانيّة في شرقِنا السّريانيّ-الأنطاكيّ دعوةٌ واحدة، هي "ألشَّهادة لِطبيعَتَي يسوع المسيح الإنسانيّة والإلهيّة". ونفهم أيضًا، أنَّ البُعد النُّسكي-الرّهبانيّ في كنيستنا المارونيّة إنّما هو دعوةٌ لعيش التّناغُم بين الجسد والرّوح، وَبينَ العمل والصّلاة. وَ"التّقليد الشّرقي مُتوازنٌ جدًّا في كيفيّة التَّقارب بين هذين القُطبَين، العمل والتأمّل". فقد علَّمنا الخوري الرّاحل "أبونا مكرم قزاح" قائلاً: " ما يميّز الحياة الرّهبانيّة ذات التّراث السّريانيّ الإنطاكيّ، أنَّه ما من فَصلٍ بين الحياة التّأمّليّة والحياة الرّسوليّة. فالراهب أو يحيدُيُا هو الّذي يعيشُ وحدتهُ في بُعدَيها النُّسكيّ والرّسوليّ" [17]. فَماذا يحصَل إذا وُجدَ شعبٌ بكاملِهِ رُهبانيّ؟ ألا تمتلئُ الأرضُ كلُّها، صلاةً وإيمانًا؟ ألا يعيش الإنسان حياةً متناغمة بين العمل والصّلاة؟ ألا يَشهدُ شعبٌ صغير بين شعوب الأرض للعيش الـمُتناغم؟
فليتورجيَّتُنا المارونيَّة تُرنِّم في كتاب الشّحيمة ليوم الخميس، صلاة نصف النَّهار مُعلنةً إيماننا بِعقيدة مجمع خلقيدونيا 451:
هللويا، لتحديد إيمان الثلاثمئة والثمانية عشر الآباء الّذين نُطيعُهم: الآب الّذي لا بدءَ له خالقُ العلى والعُمق وما يُرى وما لا يُرى والإبن الوحيد الّذي منهُ، الّذي تنازل ولبسَ جسدًا وصار إنسانًا لأجل خلاصِنا والرّوح القدُس المعزّي، الـمُفقِّه ما كان وما سيكون. هللويا في السّماءِ وعلى الأرضِ.
وفي صلاة نصف اللّيل أيضًا، نعترف مرنِّمين:
الآب الوالد الخفيّ الّذي بدون بداية، الإبن الكلمة الّذي تجلّى بالجسد الّذي به تعطَّف، وبالكيان الحقير الّذي أخذه من جنسنا، ذاق الموت بحبّه لأجل خلاصِنا.
وصُلبَ بإرادتِه لأجلنا على الخشبة، وبكيانه ثابر عندما لم يتغيّر، شاملٌ بالاثنَتَين (الطّبيعتَين) إلهٌ وإنسان، بالحشا وبالعالم، بالصّليب وبالقبر.

3- العلاقة بين الحياة الرّهبانيّة والليتورجيا
نقلاً عن الأباتي يوحنّا تابت حول العلاقة بين الحياة الرّهبانيّة والليتورجيا، قال: "حين انبثق فجر الحياة الرّهبانيّة في الكنيسة، في أوائل القرن الرّابع تقريبًا، كان النّهج الرّهباني على النّحو التالي: نساك يعيشون في عزلة -في مناسك وليس في دير- يلتقون أحيانًا وخاصّة يوم الأحد للإفخارستيا. وحين تجمَّعت الجماعات في الكوينونية، أي في الشّركة الدّيرية، ظلّ الاجتماع اللّيتورجي محورًا للسيرة الرّهبانيّة، رغم التّنوع في التّعبير عنه، إن في الصّلاة أو القدّاس. لذا، لا يمكن الفصل مطلقًا بين هاتين الحياتَين: اللّيتورجيَّة والرّهبانيّة. فواحدة منها تستلزم الأخرى، ولا مجال لنجاح الواحدة وإخفاق الأخرى. هذا يعني أنّ كلا الجماعَتَين -اللّيتورجية والديريّة- مبنيّتان، إن صحَّ التَّعبير، على الإفخارستيا الإلهيّة" [18] أي على احتفال الجماعة بسرّ خلاصِ الله. فالوحدة بين هاتَين الحياتَين، هي رباطٌ أبديّ، لأنّه، كما سنرى لاحقًا، في اللّيتورجية كما في الحياة الرّهبانيّة، نصلّي بوحدةٍ مع الأجواق السّماويّة. إذ ليتورجيا الأرض تلتقي بليتورجيا السّماء.
فترتّل الجماعة معلنةً أمام الرَّب وحدتها النّابعة من علاقتها بالّذي دعاها الى الحياة معهُ:
"وحَّدت يا ربُّ لاهوتك بناسوتنا وناسوتنا بلاهوتك، حياتك بموتنا وموتنا بحياتك. أخذت ما لنا ووهبتنا ما لك، لتحيينا وتخلّصنا. لك المجد الى الأبد".
فأفراد الجماعة الرّهبانيّة، جميعًا، متساوون أمام الرّب، وجميعهم يرجونه الحياة الأبديّة والخلاص، بسرّ الإفخارستيا الذي وحَّدهم جسدًا وروحًا بالابن الوحيد.
ويقول الأباتي عمانوئيل خوري:"كلُّ كنيسة، أينما وُجدَت، كُلّ جماعة مسيحيَّة، كلّ رعيّة، هي قبل كُلّ شيء جماعةٌ ليتورجيّة، لها طقسها الكاتدرائي المميّز، تحتفل فيه بذكرى الرّبّ مُنتظرةً مجيئه الثاني، مُتحسِّسةً عمل الرّب فيها، مُكتشفةً يومًا بعد يوم، قصدهُ وحضورهُ في كلّ علامةٍ ورمز. إنّما الجماعةُ الرُّهبانيّة، في طقسها الرُّهبانيّ الخاصّ، تبدو متفرّغةً لهذا العمل؛ فهي لا تعيشُ مع الرّبّ ساعةً تكون مُلتئمةً في الكنيسة للصّلاة فحسب، بل على مدى برنامجها اليوميّ وعلى تنوُّع نشاطاتِها الى أن يأتي الرّب يسوع" [19]. للملاحظة: "لم تكن الليتورجيا، في مرحلةٍ من تاريخ التّقليد الرُّهبانيّ، لأجل ملء فراغ النّظام اليوميّ؛ بل كانت حاجةٌ الى لقاء المسيح، ووسيلةَ تَحوُّلٍ إليه ورجوع مستمرّ إليه، خلال ساعات النّهار والليل، وبالتالي هي تعبيرٌ عن هذه الحاجة وهذا التّحوُّل. من هنا كانت ضرورة التّفتيش عن الأصول اللاهوتيّة لليتورجيا الرّهبانيّة، لكي نُعطيها منزلتها الضّروريّة، في نظامنا اليوميّ وفي حياتنا الرُّهبانيّة" [20].
فترتِّلُ الجماعة الرُّهبانيَّة في صلاة صباح يوم الثلاثاء، معبّرةً عن حاجتها المستمرّة، للقاء الرّب: لحن: عم خلهون شميُنِا
مع كلّ السّماويّين رتّلوا المجد والشُّكران، لذاكَ الذي السّماوات ممتلئةٌ منهُ و(الذي) يمجّدهُ الملائكة، تعالوا نُبارك ونسجُد له ونمدَح ونُعظِّم، الله بكلّ الأوقات.

1.3- ألليتورجيا الأرضية إستباقٌ لليتورجيا السّماء
يعلِّمنا الخوري الراحل مكرم قزاح: أنَّ "الراهب هو مَن اختبَرَ ليتورجيّا السّماء في قلبه وجعل من اللّيتورجيا الأرضيّة استِباقًا لهذه الليتورجيا السّماويّة، وهكذا تكون الصّورة أقرب ما يُمكن الى الأصل" [21].
ففي صلاة ستّار يوم الخميس، نرنِّم الإسكاتولوجيا، معبّرين عن اختبارنا لليتورجيا السّماء في عبارات ليتورجيَّتنا الأرضيَّة: لحن فشيطو
هللويا، بذلكَ الوقت عندما تنحلُّ، السّماء والأرض، ويطيرُ الأبرار بالغيوم، لملاقاة ابنِ سيّدهم، أُخلُطني ربّي، بأجواق الأنبياء، وبصفوف الرُّسل والشّهداء، فأخرجُ للقائكَ بفرحٍ، في يوم تجلّيك، وعن يمين عظمتِكَ، أُرتّلُ لكَ المجد.
هللويا، أيُّها السّيد الّذي اعترفتُ بكَ، لا تكفُر بي، بذلك اليوم المخيف إذ كُلُّ إنسان، للغفرانِ محتاج، لا تقُل لي، لا أعرفُكَ، في ذلك الوقت، الّذي فيه تدينُني، إرحَمني يا ألله، بحسَبِ نعمتِكَ، وأقمني عن يمينِكَ، مع الأبرار الَّذين أحبّوك.
نلاحظ أنَّ تركيبة هذه التّرنيمة، هي على شكل حوار فرديّ يقوم به المصلّي، وكأنَّه منذ الآن يُشاهد يوم دينونته ويُبصر الرّب يسوع ويتضرَّع أمامه لكَسبِ الغفران. هكذا رهبان وراهبات أديارنا، يهذّون ليل نهار، في يوم لقاء الرّب في الإسكاتولوجيا، من خلال تعابير صلواتهم الليتورجية.
يقول الأباتي الرّاحل عمانوئيل خوري: "لا يمكننا أن نتناسى صفة الليتورجيا الـمَعادية أو الإسكاتولوجية وعلاقتها بالحياة الآتية. إنها انفتاحُ الزّمن للأبديّة، وانفتاح الأبديّة للزمن. إنّ سفر الرؤيا، وخاصّة الفصل الخامس منه، يفتح أمامنا باب الليتورجية الأبديّة".
يصف لنا هذا الفصل من الرؤيا، ليتورجيا السّماء المتّصلة بليتورجيا الأرض: على عطور البخور التي تملأ كؤوس الذَّهب، يرنّم القدّيسون: "إنّك مستحقٌّ أن تأخذ الكتاب وتفتح ختومه، لأنّك ذُبحتَ وافتديتنا لله بدمك من كلّ قبيلةٍ ولسان وشعبٍ وأمَّة، وجعلتنا لإلهنا مملكةً وكهنة، وسنملكُ على الأرض" (رؤ5/ 8-10).
ثمَّ سُمع صوت الملائكة الكثيرين حول العرش والأحياء والشّيوخ وكان عددهم عشرات عشرات الألوف وألوف الألوف، وكأنَّهم يكوِّنون الجوق الثاني في الليتورجيا، فيقولوا بصوت عظيم: "مستحقٌّ هو الحمل المذبوح أن يأخذ القوّة والغنى والحكمة والقدرة والكرامة والمجد والبَركة". فحين سمعت الخلائق في السّماء والأرض وتحت الأرض هذه الصّلاة، سجدوا جميعًا وقالوا: آمين.
 كما أنّ الدّستور الليتورجي عبَّر عن هذه الحقيقة في البند الثامن حيث يقول: "وإننا إذ نحتفل بالليتورجيا الأرضية، نشتركُ بالذّوق مسبقًا في تلك الليتورجيا السّماويّة التي يُحتفل بها في المدينة المقدّسة أورشليم التي نجِدُّ في السّير إليها، حيث المسيح خادم الأقداس، والمسكن الحقيقي الجالس عن يمين الله، وننشِد مع جميع الجنود السّماوية أنشودة المجد للرَّب، ونأمَل ونحن نكرِّم ذكرى القدّيسين أن نحظى صُحبتَهُم بنصيبِهم، منتظرين المخلِّص الرّب يسوع المسيح، حتّى يظهر الّذي هو حياتنا، ونظهر نحن معهُ في المجد" [22].
ففي صلاة ختام صباح يوم الأحد، نصلّي:
"إقبَل ربّي خدمتنا الواهنة، مع خدمة الملائكة (القديرة) ورؤساء الملائكة، والحكّام وجميع السّلاطين، والطّغمات العلويّة والطّبائع العقليَّة. بواسطة تضرّعات الأنبياء القدّيسين، الّذين خدموا سرَّ مجيئك في الأجيال منذ القديم. والرّسل الّذين بشَّروا بظهورك الشّعوب في أقطار الأرض. والشّهداء والمعترفين والآباء القدّيسين، الّذين ثبتوا في الإيمان، وقرَّبوا أجسادهم للعذابات ولأمشاط الحديد لأجل حبّكَ. واجعل مراحمك على جمع السّاجدين لك بواسطة صلواتهم الطّاهرة والمقدّسة، أيّها الابن المسجود له والممجّد مع أبيه وروحه القدّوس، الآن وكلّ أوانٍ الى الأبد. آمين".
في هذه الصّلاة الختاميَّة، نذكر جميع أجواق الأبرار والصّديقين والقدّيسين، فتتصوَّر أمامنا أورشليم السّماويَّة بكلِّ مجدها. فيتذوَّق المصلّي منذ الآن طعم المجد الذي حظِيَ به هؤلاء، ويتمنّى أن يختلط بهم يوم انتقاله. ويقول الأباتي يوحنّا تابت في هذا المضمار: "الجماعة الرّهبانيّة تنبع من داخل العمل الليتورجيّ، لأن الجماعة الرهبانيّة روحيّة في الأساس. آفاقُها كنسيّة، دائمًا مشدودة الأنظار الى العالم الآخر، رغم اهتمامها الكبير بهموم العالم الأرضيّ. هذه الناحية الإسكاتولوجيّة هي واضحة في طقوسنا السّريانيّة المارونيّة"[23].

2.3- المجمع الفاتيكاني الثاني والليتورجيا
مع المجمع الفاتيكاني الثاني، كوَّنت الكنيسة تحديدًا جديدًا ومعاصرًا للحياة الرّهبانيّة، وهو يتضمَّن عناصر شبيهة بعناصر تحديد اللّيتورجيا. يقول المجمع: "إنّ السّعي الى المحبّة الكاملة عن طريق المشورات الإنجيليّة ينبثقُ من تعاليم المعلّم الإلهيّ وأمثلَتِه، وهو مِنَّةٌ إلهيّة قَبِلتها الكنيسة من ربّها وتُداوم على حفظِها بنعمتِه؛ وبالتّالي تبدو كعلامةٍ من شأنها أن تجذب أعضاء الكنيسة بل أن تدفعهُم الى تتميم واجبات دعوتهم المسيحيّة" [24]. "هذه المعطيات اللاّهوتيّة المجمعيّة، أظهرت أنّ بين الحياة الليتورجية والحياة الرّهبانيّة قرابة منشأ، ورفقة طريق، نحو هدفٍ واحد ووسائل مشتركة لبلوغ الهدف. لكلاهِما نواةٌ بيِّنة في الإنجيل، نصوصٌ وطقوس تعود الى عهد الرُّسل وتراثهم ودورٌ في إعداد الملكوت الحاضر وتذوُّق مُسبَق لواقع الملكوت الآتي" [25]. ألا عُدنا الى النَّبع الذي منه نرتوي التّعليم الصَّحيح أي الكتاب المقدَّس والتّقليد وصُغناهم بحلّة الألفيّة الجديدة؟
أَختم موضوع هذا المساء بصلاةٍ من الشّحيمة لأجل هذه الحقبة من تاريخ كوكبنا، فيه انتَشر الوباء وتسلَّط الرؤساء المدنيّون على شعوبهم بالاستغلال والاضطّهاد، فلنهتف مع كنيستِنا المارونيَّة في صلاة مساء يوم الثّلاثاء: لحن ككرو
هللويا، الكنيسة بالألم والدّموع، تهتفُ يا ربَّنا، لأجلِ أولادِها الـمُضايَقين بكُلِّ الكُروب، ها إنَّ الجوع والطّاعون (الأمراض)، والجلَدات الصّعبة، واللّكمات من الـمُضطّهدين، ها هم يُعذّبون أولادَها، أظهِر ربّي نعمتكَ، وخلاصكَ يُدركُ ساجديك، وكلَّ الشّعوب تُصعِدُ لك، المجدَ والشُّكر.

الخاتمة: ألبُعد النّسكي والرّهباني الماروني هو حياةُ الليتورجيا المارونيَّة، فإذا توقَّف الراهبات والرهبان عن الصلاة، توقّف قلبُ الكنيسة المارونيّة، وإذا صلّى الراهبات والرهبان من أديارهم سَرَت في عروق الكنيسة المارونيّة دورةُ الحياة وتجدَّدت. وأُذكّر أنّ الشعب الماروني بأكمله هو شعب رهبانيّ، فماذا يحصل إذا صلّى هذا الشّعب جميعه في لبنان وفي الاغتراب؟
ونُنهي مساءَنا بهذه التّرنيمة من صلاة سّتار يوم الخميس، على لحن فشيطو:
هللويا، في المساءِ أطبعُ رسمَ الصّليبِ، في أعضائي طاردًا خُبثَ الـمُريب، نصفَ اللّيلِ يغدُرُ الغادِر، يلقى وَسمَ الصّليب القادر، يهوي للحالِ يُرمَى في الظُّلمات، أغدو الصُّبح أشدوكَ ربَّ الحياةِ. هللويا صليبَ الأنوار.


المراجع:
[1] الخوري يواكيم مبارك، "الموارنة وعلامات الأزمنة"، في المجلّة الكهنوتيّة 16/2 (1986) 57.
[2] راجع الأباتي عمانوئيل خوري، "الليتورجيا والجماعات الرهبانية" (ليتورجيات؛ منشورات معهد الليتورجيّا في جامعة الروح القدس 22؛ الكسليك-لبنان 1998) 198.
[3] راجع الأخت دولّي شعيا (ر.ل.م.)، "رفقا... إلى مُرتقى الحُبّ" دير مار الياس الراس، مزرعة الرّاس-كسروان، 2019، 169-199.
[4] الشّحيمة الزّمن العادي، الكسليك-لبنان، 1982، 228.
[5] راجع المرجع نفسه، 209.
[6] راجع ألمجمع البطريركي الماروني، "ألملف الثاني: ألتّجدد الرّاعوي والرّوحي في الكنيسة المارونية، في الأشخاص"، لبنان 2006، 7-8.
[7] راجع المرجع نفسه، الحاشية رقم 12.
[8] راجع الأباتي بولس نعمان، "محطات مارونيّة من تاريخ لبنان" (الكنيسة في الشرق 6؛ نسبيه-غوسطا 1998) 123.
[9] راجع ألمجمع البطريركي الماروني، "ألملف الثاني: ألتّجدد الرّاعوي والرّوحي في الكنيسة المارونية، في الأشخاص"، لبنان 2006، 8-9.
[10]  راجع الأباتي بولس نعمان، "محطات مارونيّة من تاريخ لبنان" (الكنيسة في الشرق 6؛ نسبيه-غوسطا 1998) 128-133.
[11]  راجع ميشال حايك، "طريق الصحراء، الأب شربل 1828-1898" (بول عنداري، تنسيق وترجمة؛ جونيه 2013) 126.
[12] راجع الأخت دولّي شعيا (ر.ل.م.)، "رفقا... إلى مُرتقى الحُبّ" دير مار الياس الراس، مزرعة الرّاس-كسروان، 2019، 291.
[13] راجع المرجع نفسه، 290-291.
[14] راجع عمانوئيل خوري (الأباتي)، "الليتورجيا والجماعات الرهبانية" (ليتورجيات؛ منشورات معهد الليتورجيّا في جامعة الروح القدس 22؛ الكسليك-لبنان 1998) 198.
[15] راجع عمانوئيل خوري (الأباتي)، "الليتورجيا والجماعات الرهبانية" (ليتورجيات؛ منشورات معهد الليتورجيّا في جامعة الروح القدس 22؛ الكسليك-لبنان 1998) 195-196.
[16] الأباتي يوحنا تابت، "بعض مظاهر الزّهد الماروني" (مئة محاضرة رهبانية، منشورات اليوبيل المئويّ الثالث للرّهبانية اللّبنانية المارونية؛ دير مار أنطونيوس-غزير 1993) 255-256.
[17] راجع المرجع نفسه.
[18] الأباتي يوحنا تابت، "الليتورجيا والحياة الدّيريّة" (مئة محاضرة رهبانية، منشورات اليوبيل المئويّ الثالث للرّهبانية اللّبنانية المارونية؛ دير مار أنطونيوس-غزير 1993) 171-172.
[19] عمانوئيل خوري (الأباتي)، "الليتورجيا والجماعات الرهبانية" (ليتورجيات؛ منشورات معهد الليتورجيّا في جامعة الروح القدس 22؛ الكسليك-لبنان 1998) 198-199.
[20] عمانوئيل خوري (الأباتي)، "الليتورجيا والجماعات الرهبانية" (ليتورجيات؛ منشورات معهد الليتورجيّا في جامعة الروح القدس 22؛ الكسليك-لبنان 1998) 199.
[21] الخوري مكرم قزاح والأخت ماري-أنطوانيت سعادة، "البيان الرعوي" (أعمال مؤتمر التراث السرياني الخامس؛ التّرهب في التراث السّرياني في القرون المسيحيّة الأولى من القرن الثاني حتى مطلع القرن السابع؛ الجزء الثاني النصوص العربيّة؛ لبنان 1998) 29.
[22] عمانوئيل خوري (الأباتي)، "الليتورجيا والحياة الرهبانية" (ليتورجيات؛ منشورات معهد الليتورجيّا في جامعة الروح القدس 22؛ الكسليك-لبنان 1998) 217-211.
[23] الأباتي يوحنا تابت، "الليتورجيا والحياة الدّيريّة" (مئة محاضرة رهبانية، منشورات اليوبيل المئويّ الثالث للرّهبانية اللّبنانية المارونية؛ دير مار أنطونيوس-غزير 1993) 184-186.
[24] المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، الوثائق المجمعيّة، دستور عقائدي في الكنيسة (1991)  43-44.
[25] عمانوئيل خوري (الأباتي)، "الليتورجيا والجماعات الرهبانية" (ليتورجيات؛ منشورات معهد الليتورجيّا في جامعة الروح القدس 22؛ الكسليك-لبنان 1998) 198.