كَسر الكلمة -55- الأحد الخامس بعد عيد الصليب

كَسر الكلمة -55- الأحد الخامس بعد عيد الصليب

الأحد الخَامِس بعدَ عيدِ الصَّليب
مثل العذارى العشر
(متّى 25/ 1-13)
1 يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَمَاوَاتِ عَشْرَ عَذَارَى أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وخَرَجْنَ إِلى لِقَاءِ العَريس،
2 خَمْسٌ مِنْهُنَّ جَاهِلات، وخَمْسٌ حَكِيمَات.
3 فَالجَاهِلاتُ أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ ولَمْ يَأْخُذْنَ مَعَهُنَّ زَيْتًا.
4 أَمَّا الحَكِيْمَاتُ فَأَخَذْنَ زَيْتًا في آنِيَةٍ مَعَ مَصَابِيْحِهِنَّ.
5 وأَبْطَأَ العَريسُ فَنَعَسْنَ جَمِيعُهُنَّ، ورَقَدْنَ.
6 وفي مُنْتَصَفِ اللَيل، صَارَتِ الصَيحَة: هُوَذَا العَريس! أُخْرُجُوا إِلى لِقَائِهِ!
7 حينَئِذٍ قَامَتْ أُولئِكَ العَذَارَى كُلُّهُنَّ، وزَيَّنَّ مَصَابِيحَهُنَّ.
8 فقَالَتِ الجَاهِلاتُ لِلحَكيمَات: أَعْطِينَنا مِنْ زَيتِكُنَّ، لأَنَّ مَصَابِيحَنَا تَنْطَفِئ.
9 فَأَجَابَتِ الحَكيمَاتُ وقُلْنَ: قَدْ لا يَكْفِينَا ويَكْفِيكُنَّ. إِذْهَبْنَ بِالأَحْرَى إِلى البَاعَةِ وابْتَعْنَ لَكُنَّ.
10 ولَمَّا ذَهَبْنَ لِيَبْتَعْنَ، جَاءَ العَريس، ودَخَلَتِ المُسْتَعِدَّاتُ إِلى العُرْس، وأُغْلِقَ البَاب.
11 وأَخيرًا جَاءَتِ العَذَارَى البَاقِيَاتُ وقُلْنَ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ، افْتَحْ لَنَا!
12 فَأَجَابَ وقَال: أَلحَقَّ أَقُولُ لَكُنَّ، إِنِّي لا أَعْرِفُكُنَّ!
13 إِسْهَرُوا إِذًا، لأَنَّكُم لا تَعْلَمُونَ اليَوْمَ ولا السَاعَة.

مُقَدِّمَة
مَعَ هَذا الأَحَدِ الخامِسِ بَعدَ عيدِ الصَّليبِ، تَدْعُونا كَنيسَتُنا الـمَارونِيَّة لِلتَّأَمُّلِ بِمثَلِ العَذارى العَشْر الخَاصِّ بِالإِنْجيلِيِّ مَتَّى، وَمَعَهُ تُعَلِّـمُنا أَمْرًا جَديدًا عَن مَلَكوتِ السَّماواتِ. كَمَا أَشَرْنا سابِقًا، أَنَّ الـمَثَلَ يَنْطَلِقُ مِن مَواقِفِ الحياةِ اليَومِيَّة، لِيُؤَلِّفَ قِصَّةً حِكَمِيَّةً بَسيطَة. يَتَمَيَّزُ هَذا الـمَثَلُ بِأَنَّهُ يَسْتَعْمِلُ صُورَةَ العَذارَى أَي صُورَةَ الـمَرأَةِ لِيُخْبِرَنا عَنِ الِاسْتِعْدَادِ لِـمَجيءِ مَلَكُوتِ السَّماوات، ضِمْنَ قِصَّةٍ تَدُورُ حَوْلَ مَوْكِبِ عُرْسٍ. يَظْهَرُ الإِنْجيلِيُّ مَتَى شَفَّافًا في سَرْدِهِ لِهَذا العُرْسِ، فَفِيهِ يُظْهِرُ دَوْرَ الـمَرْأَةِ الـمُهِمِّ في احْتِفَالاتِ الأَعْراس. فَهِيَ الَّتي تَنْتَبِهُ لِلأُمورِ الصَّغيرَةِ وَالأَسَاسِيَّةِ، تُشْعِلُ الـمَصَابيحَ لِتُنِيرَ الدَّرْبَ أَمَامَ العَريسِ القَادِم وَتُؤَمِّنَ الزَّيْتَ الكَافِيَ لِلاحْتِفَالِ، وَهِيَ الَّتي تَنْتَبِهُ لِئَلاَّ يَنْقُصَ الفَرَحُ وَالنُّورُ وَهيَ تُزَيِّنُ العُرْسَ بِحُضُورِهَا وَخِدْمَتِهَا الـمُمَيَّزَة. وَلَكِنْ، لا تَتَمَتَّعُ جَمِيعُ النِّسْوَةِ بِهَذِهِ الصِّفَات، كَمَا يُخْبِرُنا هَذا المثَل، فَهُنَاكَ اللَّواتِي يُؤَدِّينَ دَورَهُنَّ بِـمَسْؤُولِيَّةٍ كَنِسْوَةٍ حَكِيمَات وَمِنْهُنَّ مَنْ يَعْتَرِيهِنَّ الخُمُول وَالجَهْلُ الأَعْمَى. 

تَفسيرُ الآيَات
1 يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَمَاوَاتِ عَشْرَ عَذَارَى أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وخَرَجْنَ إِلى لِقَاءِ العَريس،
2 خَمْسٌ مِنْهُنَّ جَاهِلات، وخَمْسٌ حَكِيمَات.
3 فَالجَاهِلاتُ أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ ولَمْ يَأْخُذْنَ مَعَهُنَّ زَيْتًا.
4 أَمَّا الحَكِيْمَاتُ فَأَخَذْنَ زَيْتًا في آنِيَةٍ مَعَ مَصَابِيْحِهِنَّ.

يَبْدَأُ الـمَثَل بِفِعْل "يُشْبِهُ" لِيَنْتَبِهَ القَارِئُ إِلى مُحْتَوَى النَّصّ، إِذ هُوَ وَصْفٌ رَمْزِيٌّ غَيْرُ واقِعِيٌّ. فَهَذِهِ القِصَّةُ تُخْبِرُنا عَنْ مَلَكوتِ السَّماواتِ الَّذي يُدْخَلُ إِلَيهِ مَعَ مَوكِبِ العَريسِ. وَلَكِن هَذا الـمَثَل لا يَسْتَنْفِدُ كُلَّ التَّعْليمِ عَنِ الـمَلَكوت، بَلْ يُعْطِينا فِكْرَةً بَسيطَةً عَنْهُ، فَهوَ (كَـ)ـالعُرْس. فَنَرَى مَشْهَدَ العُرْسِ هَذا نَاقِصٌ جِدًّا، فَأَيْنَ العَازِفون، الرَّقص، وفَرْحَةُ العُرس؟ أَيْنَ هيَ العَروسُ؟ لِماذا الزَّيْتُ نَاقِصٌ معَ الـمَدْعُويِّن؟ لِماذا يَنْقُصُ التَّحْضيرُ لِلْعُرس؟ وَهَلْ يُعْقَلُ تَأخِيرُ العَريسِ حَتَّى مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ؟
 أَلـمُعْطَيات الَّتي يُقَدِّمُها لَنا هَذا الـمَثَل هِيَ، أَلأَشْخاص: أَلعَريس، أَلعَذارَى العَشْر حَامِلاتُ الـمَصابيحِ، ألأَشْخاصُ الَّذينَ يَصيحُونَ وَيُعْلِنُونَ وُصولَ العَريسِ وَأَخيرًا، أَلبَاعَةُ. أَلـمَوقِعُ الَّذي فيهِ يَتِمُّ الـمَشْهَد يُقْسَمُ إِلى ثَلاثَة أَمْكِنَة: أَلـمَكان الأول:  الَّذي مِنْهُ سَيَأتي العَريس، ألـمَكانً الثاني: الَّذي تَجْتَمِعُ فيهِ العَذارَى العَشْر مَعَ مَصَابيحِهِنَّ، ألـمَكانُ الثالث: حَيثُ بَاعَةُ الزَّيتِ وَأَخيرًا، قَاعَةُ العُرْسِ الَّتي يُدْخَلُ إِلَيها مِنَ البَاب. وَهُنا، مِيزَةٌ خاصَّةٌ لِهَذا البَاب، إِذ أَنَّهُ يُفْتَحُ مَرَّةً واحِدَةً فَقَط لِلدُّخولِ بِرِفْقَةِ العَريس وَمِنْ بَعْدِهَا يُغْلَقُ نِهائِيًّا. وَالعُنْصُرُ الأَهَمُّ لِهذا العُرس هُوَ زَيْتُ الـمَصَابيحِ، فَهُوَ زِينَةُ العَذارَى وَحُلَّتَهُنَّ. فَالزَّيتُ الكَثيفُ الـمَوضوعُ في الآنِيَةِ عَلى حِدَى، هُوَ رَمزُ الحِكْمَةِ (العَذارَى الحَكِيمَات) أَمَّا الزَّيتُ القَلِيلُ رَمزٌ لِلجَهْلِ (العَذارَى الجَاهِلات).

5 وأَبْطَأَ العَريسُ فَنَعَسْنَ جَمِيعُهُنَّ، ورَقَدْنَ.
مَعَ هَذِهِ الآيَةِ الرَّمْزِيَّةِ نَفْهَمُ مَقْصَدَ الإِنْجيلِيِّ مَتّى، إِذ مِنَ الـمُسْتَغْرَبِ أَنْ يُبْطِئَ العَرِيس. أَلفِعْلُ "أَبْطَأَ" يَدُلُّ عَلَى أَمْرٍ إِرادِيٍّ وَمَقْصُودٍ. فَالعَريسُ لَمْ يَتَأَخَّر لِسَبَبٍ مُهِمٍّ أَو لِضَرورَةٍ مَا، بَلْ "أَبْطَأَ" في قُدُومِهِ، تَارِكًا العَذارَى في انْتِظَارٍ طَويلٍ، فَنَعِسْنَ وَرَقَدْنَ. فَالعَريسُ إِذًا، لَيسَ شَخْصًا عَادِيًّا بَلْ هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ وَقَد وَصَفَ مَتَّى تَوقِيتَ مَجيئِهِ بِالحُرِّ الإِرادِيِّ فَما مِنْ وَقْتٍ مُحَدَّدٍ، لِأَنَّ يَومَ مَجِيئِهِ هُوَ قَرارٌ خَاضِعٌ لإِرادَةِ الآبِ وَحْدَهِ. مِنْ هُنا نَفْهَم، أَنَّ: العَذارَى العَشْر يُـمَثِّلْنَ جَميعَ النُّفوس الَّتي تَنْتَظِرُ عَريسَها المسيح. وَالـمَصَابيحُ هُم صُورَةٌ مَجازِيَّةٌ عَن ما تَحْمِلُ هَذِهِ النُّفوسُ مَعَها لِلِقَاءِ العَريس أَي الحُلَّةُ الَّتي تَتَزَيَّنُ بِها النُّفوس. وَالزَّيْتُ هُوَ رَمْزٌ لِلْدَّلالَةِ عَلى نَوعِيَّةِ الحَياةِ الَّتي عاشَتْها العَذارَى أَو نَوعِيَّةُ الحُلَّةِ الَّتي يَتَزَيَّنَّ بِها النُّفوس. فَالزَّيتُ الـمُعَبَّأُ في الآنِيَةِ هُوَ عَلامَةٌ عَلى حُسْنِ اسْتِثْمَارِ الحَياة فَتُعْطِي ثِمَارًا كَثيرَةً (هُنا، فَيْضٌ مِنَ النُّور)، أَمَّا غِيابُ الآنِيَةِ يَدُلُّ عَلى نَوعِيَّةِ حَياةٍ اسْتُثْمِرَت بِطَريقَةٍ خَاطِئَة فَلَم تُعْطِ ثِمارًا (يُعَبَّرُ عَن هَذِهِ الحَالَةِ هُنا، بِالظُّلْمَة).

6 وفي مُنْتَصَفِ اللَيل، صَارَتِ الصَيحَة: هُوَذَا العَريس! أُخْرُجُوا إِلى لِقَائِهِ!
7 حينَئِذٍ قَامَتْ أُولئِكَ العَذَارَى كُلُّهُنَّ، وزَيَّنَّ مَصَابِيحَهُنَّ.

ألصَّيْحَةُ تُعْلِنُ وُصُولَ العَريسِ وتَدْعُو الـمَدْعُوِّينَ الـمُنْتَظِرينَ لِلخُروجِ لِلِقَائِهِ. وَصَلَ العَريسُ في مُنْتَصَفِ اللَّيل، في سَاعَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ جِدًّا، فيهَا يَكونُ الجَميعُ في ثُبَاتٍ عَمِيقٍ. وَلَكِنَّ الصَّيْحَةَ أَيْقَظَتِ الجَميع وَأَيْضًا العَذارَى العَشْر، فَبَدَأْنَ يُحَضِّرْنَ زِينَتَهُنَّ الـمُؤَلَّفَةَ مِنْ الـمَصَابِيحِ الـمُمتَلِئَةِ زَيْتًا وَالـمُشِعَّةِ لِتُنيرَ لِلعَريسِ الآتي. بَيْدَ أَنَّ طَريقَةَ انْتِظارِهِنَّ تَدْعو لِلْعَجَبْ كَمَا أَيْضًا، تَوقِيتُ وُصُولِ العَريس. ماذا يَقْصِدُ الإِنْجيلِيُّ مَتَّى بِرُقَادِ العَذارَى وَبِوُصُولِ العَريسِ في مُنْتَصَفِ اللَّيل؟ كَما أَشَرْنا سَابِقًا، في هَذا الـمَثَلِ، يُحَاوِلُ الإِنجيلِيُّ وَصْف شَيءٍ مَا مِنْ سِرِّ مَلَكُوتِ اللَّهِ، فَيُرَكِّزُ الانْتِبَاهَ عَلى رَمْزِيَّةِ حَدَثِ العُرْس. ما يَعْني، أَنَّهُ يَهْتَمُّ بِجَذْبِ الانْتِباهِ نَحْوَ التَّحْضِيرِ لِلِقَاءِ الـمَسيحِ الآتِي وَالدُّخُولِ مَعَهُ إِلى الـمَلَكوت، وَلَيسَ يَهْتَمُّ بِتَفاصِيلِ حَفْلِ عُرْسٍ طَبِيعِيٍّ. فَرَمْزِيَّةُ الآيَتَينِ (آ4-5) هِيَ أَنَّ الـمَسِيحَ سَيَأْتِي في وَقْتٍ غَيْرِ مُتَوَقَّعٍ كَـمُنْتَصَفِ الَّليلِ، أَي حِينَ يَكونُ النَّاسُ غَيْرَ مُسْتَعِدِّينَ البَتَّةَ، مُسْتَسْلِمِينَ لِلنَّومِ العَميقِ، شِبْهَ غَائِبِينَ عَنِ الحَياةِ. أَمَّا رُقَادُ العَذارَى (آ 5)، يُعَبِّرُ عَن طُولِ وَقْتِ انْتِظَارِ مَجيءِ الـمَسيحِ الَّذي لا بُدَّ أَنْ يُؤَثِّرَ عَلى قُوَّةِ وَصَبْرِ وَسَهَرِ الجَميعِ، فَسَيَتْعَبُونَ وَيَسْتَسْلِمونَ لِلرَّاحَةِ وَلِلنَّوم.

8 فقَالَتِ الجَاهِلاتُ لِلحَكيمَات: أَعْطِينَنا مِنْ زَيتِكُنَّ، لأَنَّ مَصَابِيحَنَا تَنْطَفِئ.
9 فَأَجَابَتِ الحَكيمَاتُ وقُلْنَ: قَدْ لا يَكْفِينَا ويَكْفِيكُنَّ. إِذْهَبْنَ بِالأَحْرَى إِلى البَاعَةِ وابْتَعْنَ لَكُنَّ.
10 ولَمَّا ذَهَبْنَ لِيَبْتَعْنَ، جَاءَ العَريس، ودَخَلَتِ المُسْتَعِدَّاتُ إِلى العُرْس، وأُغْلِقَ البَاب.

إِنَّ تَصَرُّفَ العَذَارَى الجَاهِلاتِ غَرِيبٌ، فَفي الثَّوانِي الأَخيرَةِ فَقَط، يُلاحَظْنَ أَنَّ الزَّيْتَ يَنْقُصُ مِن مَصَابيحِهِنَّ الَّتي تَكادُ تَنْطَفِئُ. فَلِـمَاذا لَمْ تُلاَحِظْنَ هَذا النَّقْصَ سَابِقًا؟ أَلإِنْجيلِيُّ يَكْتُبُ بِطَريقَةٍ ذَكِيَّةٍ، فَهَوَ يُريدُ أَنْ يُنَبِّهَنَا بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَينا أَن نَكونَ عَلى اسْتِعْدَادٍ دائِمٍ لِـمَجيءِ الـمَسيحِ الـمُفَاجِئِ، في كُلِّ عَمَلٍ وَفِكْرٍ وَكَلِمَةٍ، في يَقْظَتِنا وَفي رُقَادِنا. لِأَنَّهُ حِينَ يَأْتي لَنْ يَنْتَظِرَ أَبَدًا الـمُتَأَخِّرينَ، فَلَقَد سَبَقَ وَأَبْطَأَ في الـوُصُولِ وَوَهَبَنا وَقْتًا طَويلاً جِدًّا لِكَي يَكُونَ الجَميعُ عَلى اسْتِعْدَادٍ تَامٍّ لِلدُّخُولِ مَعَهُ إِلى الـمَلَكوت. وَجَوابُ العَذارَى الحَكِيماتِ يَدُلُّ عَلى أَنَّ الزَّيْتَ هُوَ رَمزٌ لِنَوعِيَّةِ الاسْتِعْدادِ الواجِب، إِذ يُنَالُ فَقَط، بِالجَهْدِ الفَرْدِيِّ وَالتَّعَبِ الشَّخْصِيِّ وَالـمُثابَرَةِ الخَاصَّةِ بِكُلِّ شَخْصٍ. إِذًا، هَذا الزَّيْتُ لا يُشْتَرَى وَلا يُبَاعُ وَلا يُتَاجَرُ بِهِ، إِنَّهُ خَاصٌّ بِكُلِّ إِنْسَانٍ. أَمَّا البَاعَةُ في مُنْتَصَفِ اللَّيلِ، هُم رَمْزٌ لِـمَصْدَرٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ، إِذ أَيُّ نَوعٍ مِنَ البَاعَةِ يَفْتَحُونَ دَكَاكِينَهُم في مُنْتَصَفِ اللَّيل؟ وَأَيُّ نَوعِيَّةِ بَضَاعَةٍ يَبِيعُون؟ بِـمُخْتَصَرٍ سَريعٍ، هَذِهِ الآيَاتُ تُبَيِّنُ أَنَّ العَذارى الجَاهِلاتِ، أَي النُّفوسُ غَيرُ المُسْتَعِدَّةٍ لِلِقاءِ المسيحِ الآتي هُمْ في مَأْزَقٍ كَبيرٍ وَلا سَبيلَ لِلْخَلاصِ وَلا حَتَّى بِالحِيلَةِ. فَلَقَد دَخَلَتِ الـمُسْتَعِدَّاتُ إِلى العُرْسِ (الـملَكُوتِ) وَهُنَّ بَقِينَ خَارِجَ البابِ أَي خَارِجَ الـمَلَكوت.

11 وأَخيرًا جَاءَتِ العَذَارَى البَاقِيَاتُ وقُلْنَ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ، افْتَحْ لَنَا!
12 فَأَجَابَ وقَال: أَلحَقَّ أَقُولُ لَكُنَّ، إِنِّي لا أَعْرِفُكُنَّ!
13 إِسْهَرُوا إِذًا، لأَنَّكُم لا تَعْلَمُونَ اليَوْمَ ولا السَاعَة.

هَذِهِ الآيَاتُ الأَخِيرَةُ تُظْهِرُ هُوِيَّةَ العَرِيسِ، فَهُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ المسيحُ. أَمَّا الحِوارُ بَينَهُ وَبَيْنَ العَذَارَى اللَّواتِي بَقِينَ خَارِجَ البَابِ يَبْقَى غَرِيبًا: فَكَيْفَ هُنَّ يَعْرِفْنَهُ وَيَدْعُونَهُ "يا رَبُّ، يا رَبُّ!" وَهُوَ يُجَاوِبُهُنَّ "بِالحَقِيقَةِ، أَنا لا أَعْرِفُكُنَّ"؟ لِمَاذا جَعَلَهُنَّ غَرِيبَاتٍ؟ مَا الحِكْمَةُ الَّتي يَنْقُلُهَا لَنَا الإِنْجِيلِيُّ مَتَّى في نِهَايَةِ هَذا الـمَثَل؟ مُشْكِلَةُ العَذارَى الجَاهِلاتِ، أَنَّهُنَّ يُرِدْنَ دُخُولَ الـمَلَكُوتِ في الوَقْتِ الَّذي يَخْتَرْنَهُ بِأَنْفُسِهِنَّ، لا يَحْتَرِمْنَ الرَّبَّ وَكَلِمَتَهُ. يُرِدْنَ نَيْلَ الزَّيتَ وَالـمَلَكُوتَ بِالحِيلَةِ وَالغِشِّ. وَلَكِنْ هَذِهِ الأَسَالِيبُ لا تَنْفَعُ يَومَ مَجِيءِ الرَّبِّ وَحُلُولِ مَلَكُوتِهِ، لأَنَّ الرَّبَّ نُورٌ وَصِدْقٌ لا غِشَّ فِيهِ وَالَّذِينَ سَيَكُونُونَ مَعَهُ في مَلَكُوتِهِ، عَلَيْهِم أَنْ يَتَنَقَّوا مِنْ كُلِّ غِشٍّ وَرِيَاءٍ وَخُبْثٍ. فَلْنَسْهَر إِذًا وَلْنَكُنْ مُسْتَعِدِّينَ مُطَهِّرِينَ ذَواتَنَا مِنْ كُلِّ ظُلْمٍ وَظُلْمَةٍ، وَلْنَسْعَى دَائِمًا لِلْعَيشِ في النُّورِ وَالحَقِيقَةِ لِنَلْقَى الرَّبَّ عِنْدَمَا يَجِيءُ. 

خُلاصَةٌ روحِيَّة
يَدْعُونا هَذا الـمَثَلُ لِـمُرَاجَعَةِ حَيَاتِنا: هَلِ النُّورُ الَّذي فِينَا هُوَ نُورٌ حَقِيقيٌّ؟ أَمْ النُّورُ الَّذي فِينَا هُوَ ظَلامٌ؟ مَعَ أَيٍّ مِنْ هَؤُلاءِ العَذَارَى نَجِدُ أَنْفُسَنا؟
فِي نِهَايَةِ نَهَارِنَا، عِنْدَمَا يَحِلُّ الـمَسَاءُ وَتَقِفُ عَجَلَةُ العَمَلِ وَالصَّخَبِ وَنَبْقَى وَحِيدِينَ، هَلْ نُرَاجِعُ تَصَرُّفَاتِنَا وَأَعْمَالَنا؟ هَلْ نَضَعُهَا عَلَى نُورِ كَلِمَةِ الرَّبِّ وَوَصَايَاهُ؟ وَثُمَّ نَتَسَاءَلُ: هَلْ نُورُ مِصْبَاحِي مُضَاءٌ وَالزَّيْتُ يَكْفِي طُوالَ اللَّيْلِ؟ أَمْ مِصْبَاحِي خَالٍ مِنَ الزَّيتِ؟ عَلامَةُ التَّمييزِ هِيَ مُرَاقَبَةُ مَشَاعِرِنا: فَالهُدُوءُ وَالفَرَحُ، السَّلامُ وَصَفَاءُ الأَفْكارِ هي عَلامَةُ رِضًى. أَمَّا الاضْطِّرَابُ وَالقَلَقُ، التَّشْوِيشُ وَالأَفْكَارُ الـمُظْلِمَةُ هي عَلامَةٌ لِعَدَمِ الرِّضَى.
فَلْنَسْتَثْمِرَ حَيَاتَنا بِمَا يَؤُولُ لِلْخَيْرِ وَالسَّلام، وَلْنَرْذُلْ عَنَّا الخُمُولَ وَالرَّغَبَاتِ الشِّرِّيرَة، لِأَنَّ الرَّبَّ آتٍ في سَاعَةٍ لا نَعْرِفُهَا.


تحميل المنشور