المشروع الكهنوتي للخوري مارون عاطف شمعون

المشروع الكهنوتي للخوري مارون عاطف شمعون

"لا تَخَفْ! مِنَ الآنَ، سَأَجْعَلُكَ صَيَّادَ بَشَرٍ" (لو 5/ 10)
سيادة المطران أنطوان بو نجم راعي أبرشيّة أنطلياس المارونيّة السّامي الاحترام،
تحيّة بنويّة وبعد؛
أنا الموقع أدناه، مارون عاطف شمعون، من مواليد بلدة جوار الحوز – قضاء بعبدا. 
وضعني الرّبُّ في عائلة مسيحيّة شاهدة لموت الرّبِّ وقيامته في حياتها. منذ حداثة سنّي، ساعدني والداي على الالتزام بالحياة الرعويّة في كنيسة مار يوحنا المعمدان – جوار الحوز. أحببت خدمة بيت الرّبّ، فما توانيتُ يومًا عن التّردّد على الكنيسة والمشاركة في النّشاطات الرّعويّة وخدمة مذبح الرّب. وكان الخوري بطرس شمعون، رحمه الله، مثال الكاهن الأمين والغيور على خدمته الكهنوتية. وقد تعلّمت منه أن أبكي على خطيئتي وأن أُعلن عِظم محبّة الرّبّ وعنايته بي.
ولكنّي أردت دائمًا الأبعد والأكثر، فأنا ما زلت أَذكُرُ جيّدًا ذلك الاندفاع الدّاخليّ عندما دَخَلْتُ المدرسة الإكليريكيّة البطريركيّة في غزير منذ ثمانيَ عشرة سنة؛ شَعَرْتُ حينها أنّني اختَرتُ النّصيبَ الأفضل، وأنّي أَسلُكُ الطّريقَ المُستَقيم. ورويدًا رويدًا بدأت علاقتي بالرّب تنضج وأدركتُ كم هو يحبّني، وعلّمني أن أُحبّ ذاتي الضّعيفة وأن أحنو عليها وأُنمّيها. واكتشفت أنّني مدعوٌّ قبل كل شيء كي أشهد لقيامة الرّب في حياتي.
بعد مرحلة التّنشئة في الإكليريكيّة، منحني الرّبّ نعمة العمل في الحياة التربويّة، فاكتشفت دور المعلّم ومدى تأثير كلامه وأعماله على مستقبل كل تلميذ يوضع بين يديه؛ فازداد تعلّقي بيسوع المسيح المعلّم الأوّل الذي بكلمته يعطي حياة أبديّة لمحبّيه.
تعرّفتُ بساندي وليد أبو حيدر وعلى مثال عائلة النّاصرة، بدأنا معًا مسيرتنا الزوجيّة وَرَزَقَنا الله صبيًّا بِكرًا أَسميناهُ أنطوني. وفي السنوات الثلاث الفائتة، أدركنا، كعائلة، أهميّة الشّراكة الزّوجيّة وأن مشروعنا الخاص ينضوي ضمن مشروع الله، وكل ذلك لمجد الله وخلاص النفوس.

أمّا اليوم، فأنا مدعوٌّ لأنال سرَّ الكُهنوت المقدّس لكي أخدم كلّ معمّد وكل إنسان مدعوّ للخلاص في وطنٍ:
- يُقتَلُ الآباءُ فيه بالبطالة لا بالرّصاص؛
- تَنزُفُ عيونُ الأمهات دمًا على رحيل أولادهنّ ولا أمل بالعودة؛
- يَصرخُ أطفالُه وهُم جياعٌ ولا حليب؛
- يَسهرُ شيوخُهُ مَرضى في اللّيالي ولا كهرباء؛
- يقفُ الجِياعُ ساعات في الطوابير ولا خبز؛
- يموت مَرضاهُ وهم متوجّعون ولا دواء؛
- يُشَرَّدُ شبابُهُ في أصقاع الأرض ولا مِنْ مسؤول يُحاسَب؛
- تُفَجَّرُ عاصمَتُهُ ولا مِنْ دَليل؛
- تُهَجَّر قُراهُ باليأس ولا مِنْ مُعين.
نعيشُ اليوم في فوضى وظلمة وظلم وخسارة... نعيش في خلاء وخواء. لكنّنا على ثقة من أنّ الله لن يتركنا، بل هو يسير معنا ودائمًا معنا... نحن في تلازم معه وهو في اتحاد معنا... هو خالقنا ومخلّصنا.
في هذا الوطن المصلوب سألني الرّبّ ألا أخاف وأن ألبّيَ دَعْوَتَهُ وأن أدخل في مشروعه لخِدمة شعبِهِ في هذا الوقت الدّقيق من تاريخه... وها أنا أرى نفسي أقتدي بالقدّيس بطرس وأسمعُ الرّبّ يقول لي: "لا تَخَفْ! مِنَ الآنَ، سَأَجْعَلُكَ صَيَّادَ بَشَرٍ" (لو 5/ 10).
الرّبّ هو صاحب المشروع، وأنا مدعوٌّ لكي ألبّي نداءه في وقت فشلي وخطيئتي وضَعفي وانعدام إمكانيّاتي، أي عندما أعود كبطرس من الصّيد قائلاً: "تعبنا الّليل كلّه، يا معلّم، وما اصطدنا شيئًا. ولكنّي ألقي الشّباك إجابة لطلبك" (لو 5/ 5). بعد صعود يسوع إلى مركب بطرس، استجاب هذا الأخير لكلام الرّب وَقَبِلَ الدّخول في المشروع وجعل من مركبه مكانًا لإعلان كلمة الرّبّ. أطلبُ منك يا سيّدي يسوع أن تجعلني مركبًا لإعلان كلمتك فأسمع ما تقوله من خلالي، وألتزم الصّيد في العمق (لو5/ 4) ولا أتوانى عن تبنّي مشروعك فيكون لي به ملء الحياة.
بعد أن أدرك بطرس وَفْرَة الصّيد، عَرِفَ أنّه خاطِئ. عرِفَ أنّه كان يبحث عبثًا عن فرحه بقواه الذاتيّة، فاستسلم وركع أمام الرّبّ وقال له: "أنا رجلٌ خاطئ" (لو5/ 8 ب). فبعد سماع كلمة الرّب ورؤية عمل يديه، ما كان على بطرس إلاّ الرّكوع وهي وضعيّة التلمذة بامتياز. أطلبُ منك يا سيّدي يسوع أن تكون أعمالك في حياتي مكانًا لأكتشف خطيئتي وأفرح بحضورك الدائم معي، وأبقى التلميذ الأمين لك إلى الأبد.

يَتَمَحْوَرُ مشروعي الكهنوتيّ حول يسوع فيكون كلامه رفيق كهنوتي وبرقليطي في أوقات ضَعفي. سَأَسْمَعُهُ دائمًا يقول لي أربع كلمات:
1- لا تَخَفْ: يذكُر الكتاب المقدّس 365 مرّة عبارة "لا تخف"؛ وهذا يشكّل لي تعزية كبيرة لأنّني مع طلوع كل شمس أدركُ مجانية عناية الرّبّ بي. الرّب معي في كل حين. الرّبّ معي، فمن عليّ؛ فمع صاحب المزمور أصرخ وأقول: "إن سِرْتُ في وادي ظلال الموت لا أخاف سوءًا لأنّك معي" (مز23/ 4).
2- مِنَ الآن: إلهنا إلهٌ غيور ويريدنا أن نتبعه ولا نلتفت إلى الوراء؛ يقول يسوع في هذا السياق: "مَن يضعْ يدَهُ على المحراثِ ويلتفتْ إلى الوراءِ، لا يصلُحْ لملكوتِ السماوات" (لو 9/ 62). هذا ما نسمّيه "جذريّة الإتّباع". الله يريدنا له وحده وهو سيعيلنا ويعطينا خبزنا كفاف يومنا (خر16/ 4). فبهذا كلّه عليّ الاتّكال عليه وحده في خدمتي لأنّه أمين لوعوده.
3- سَأَجْعَلُكَ: حياتي الكهنوتيّة حياة التزام بيسوع. يسوع دعا الرّسل ليس فقط لدعوة النّاس إلى ملكوت الله بل ليصيروا بكلّيتهم في خدمة الملكوت. قبل الانطلاقة هنالك تحوّل: عليّ أن أقبل هذا التّغيير، هذا التحوّل. عليّ أن أترك ... إذ لا يمكن لله أن يعطيني ذاته وأنا متمسّك بأشياء أخرى. عليّ الالتزام بحياتي الكهنوتيّة والدّخول في مشروع الرّب والتّماهي به. كهنوتي سيتماهى بكهنوت المسيح، فهو كهنوت متألّم.
فيا ربُّ، اجعلني صامتًا في ذروة ضعفي وأسمعني صوتك يقول لي: "تكفيك نعمتي، في الضَّعف تظهر قوّتي" (2 قور 12/ 9).
4- صَيَّادَ بَشَر: في التّقليد اليهوديّ يرمزُ البحر للشّر؛ وعمليّة صيدِ البشر ما هي إلاّ مساعدة الناس على الخروج من خطيئتهم ونيل الخلاص. تجدر الإشارة إلى أنّ يسوع لم يميّز بين اليهوديّ والوثنيّ. فالخلاص كان للجميع؛ وأنا ككاهن مرسلٌ للجميع، وعليّ أن أتخطّى كل الحواجز وأساعد كل إنسان كي يخلص. العالم في يد الإنسان وليس في يد الله فقط... فلا للإتّكاليّة والحتميّة والقدر... والإنسان يستطيع أن يخلق عالماً كلُّه حبٌّ وتضامن. والله يعمل فينا ومن خلالنا... لسنا وحدنا... فأنا مدعوٌّ لأصنع التّاريخ معه. وبالرّغم من كل الضّيقات التي سأواجهها سأكافح كي أنتصر على الظلم. لن أتعب ولو تَعِبَ التَّعبُ، وسأعمل جاهدًا كي أخدم رعيّتي في التّقديس والتّعليم والتّدبير؛ فراحتي الحقيقيّة هي في يسوع.
وكما ترك بطرس ومن معه كلَّ غلال الصّيد و"تبعوا يسوع" (لو5/ 11)، هكذا أريد أن أسير في "الطّريق"، في مشروع خلاصِكَ، ليصبح مشروعُك مشروعي. أصرخ وأقول لك:

 يا ربّ، اجعلني فرِحًا لكي أكون شاهدًا أمام رعيّتي وخاصة أمام الدّعوات المكرّسة.
 يا ربّ، ساعدني على بناء إنسان يبحث عن الحقيقة وعن المعنى لكي يلتقي بك.
 يا ربّ، علّمني الاتّحاد بك وعدم التّخلّي عنك، فأقبل أنّ المشروع هو مشروع ألم وموت وقيامة.
 يا ربّ، علّمني أن أشكرك على كل شخص ساهم وسيساهم في قربي منك.
 يا ربّ، ثبّت عائلتي الصّغيرة واجعل منّا عائلة كهنوتيّة مقدّسة.
 يا ربّ، لست لذاتي ورغباتي بل ها حياتي ملكك.
 يا ربّ، أريد أن أموت كاهنًا.