كَسر الكلمة -31- الأحد السادس من زمن القيامة

كَسر الكلمة -31- الأحد السادس من زمن القيامة

الأحد السادس بعد القيامة
ظهور يسوع للرسل في العلّيّة
(لو 24/36-48)
36. وفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِهـذَا، وَقَفَ يَسُوعُ في وَسَطِهِم، وقَالَ لَهُم: "أَلسَّلامُ لَكُم!".
37. فارْتَاعُوا، واسْتَوْلى عَلَيْهِمِ الـخَوْف، وكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُم يُشَاهِدُونَ رُوحًا.
38. فقَالَ لَهُم يَسُوع: "مَا بَالُكُم مُضْطَرِبِين؟ وَلِمَاذَا تُخَالِجُ هـذِهِ الأَفْكَارُ قُلُوبَكُم؟
39. أُنْظُرُوا إِلى يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ، فَإِنِّي أَنَا هُوَ. جُسُّونِي، وانْظُرُوا، فإِنَّ الرُّوحَ لا لَحْمَ لَهُ وَلا عِظَامَ كَمَا تَرَوْنَ لِي!".
40. قالَ هـذَا وَأَرَاهُم يَدَيْهِ وَرِجْلَيْه.
41. وَإِذْ كَانُوا بَعْدُ غَيْرَ مُصَدِّقِينَ مِنَ الفَرَح، وَمُتَعَجِّبِين، قَالَ لَهُم: "هَلْ عِنْدَكُم هُنَا طَعَام؟".
42. فَقَدَّمُوا لَهُ قِطْعَةً مِنْ سَمَكٍ مَشْوِيّ، وَمِنْ شَهْدِ عَسَل.
43. فَأَخَذَهَا وَأَكَلَهَا بِمَرْأًى مِنْهُم،
44. وقَالَ لَهُم: "هـذَا هُوَ كَلامِي الَّذي كَلَّمْتُكُم بِهِ، وَأَنا بَعْدُ مَعَكُم. كانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ كُلُّ مَا كُتِبَ عَنِّي في تَوْرَاةِ مُوسَى، وَالأَنْبِيَاءِ وَالـمَزَامِير".
45. حِينَئِذٍ فَتَحَ أَذْهَانَهُم لِيَفْهَمُوا الكُتُب.
46. ثُمَّ قالَ لَهُم: "هـكذَا مَكْتُوبٌ أَنَّ الـمَسِيحَ يَتَأَلَّم، وَيَقُومُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ في اليَوْمِ الثَّالِث.
47. وبِاسْمِهِ يُكْرَزُ بِالتَّوْبَةِ لِمَغْفِرةِ الـخَطَايَا، في جَمِيعِ الأُمَم، إِبْتِدَاءً مِنْ أُورَشَلِيم.
48. وأَنْتُم شُهُودٌ عَلى ذـلِكَ.

مقدّمة
يلي هذا النص رواية تلميذي عمّاوس، وتقوم الآية الأولى منه " وفِيمَا التَلامِيذُ يَتَكَلَّمُونَ  بِهذَا"بدور الربط بين الظهورين. عاد تلميذي عمّاوس إلى الرسل وأخبروهما بما حصل لهما في الطريق. وأخبرهما الرسل عن ظهور الرب لبطرس (لا تحفظه النسخة النهائية من إنجيل لوقا).
ويقدّم هذا النصّ لرواية الصعود في إنجيل لوقا التي تليه، فيصبح فسحة بين الروايتان يعطي فيها المسيح تعاليمه الأخيرة للرسل والتلاميذ. وتجري حميع هذه الأحداث في يومٍ واحد، يوم القيامة.

شرح الآيات
36. وفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِهـذَا، وَقَفَ يَسُوعُ في وَسَطِهِم، وقَالَ لَهُم: "أَلسَّلامُ لَكُم!".
37. فارْتَاعُوا، واسْتَوْلى عَلَيْهِمِ الـخَوْف، وكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُم يُشَاهِدُونَ رُوحًا.
يقف يسوع في وسطهم ويلقي عليهم السلام. يعيد الكاهن هذا الفعل في أحد القيامة حين يلقي السلام الفصحي، سلام القائم من بين الأموات، على المؤمنين بالكنيسة، فيباركهم بالصليب الذي يرفع من كفن الجمعة العظيمة.

غير إن مفعول هذا السلام غريب لدى الرسل والتلاميذ. فهم يرتاعون ويظنون أنهم يرون روحًا.  يستعمل لوقا كلمة phantasma  في اليونانية (حرفيًا شبح)، ويذكرنا ذلك بخوف الرسل في متى 14 حين رأوا يسوع ماشيًا على الماء وظنّوه خيالاً (pneuma  روحًا).  يعني الأنجيلي بذلك كيانًا من العالم المخفي، العالم الآخر. يبتدأ إنجيل لوقا بزكريا مذعورًا من ظهور الملاك في الهيكل، وينتهي بالتلاميذ مذعورين من ظهور القائم من بين الأموات. يستغرب يسوع، كما القارئ، ردّة فعلهم، فهم منذ لحظات كانوا يتكلمون عن ظهوره لبطرس وتلميذي عمّاوس.

38. فقَالَ لَهُم يَسُوع: "مَا بَالُكُم مُضْطَرِبِين؟ وَلِمَاذَا تُخَالِجُ هـذِهِ الأَفْكَارُ قُلُوبَكُم؟
39. أُنْظُرُوا إِلى يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ، فَإِنِّي أَنَا هُوَ. جُسُّونِي، وانْظُرُوا، فإِنَّ الرُّوحَ لا لَحْمَ لَهُ وَلا عِظَامَ كَمَا تَرَوْنَ لِي!".
40. قالَ هـذَا وَأَرَاهُم يَدَيْهِ وَرِجْلَيْه.
41. وَإِذْ كَانُوا بَعْدُ غَيْرَ مُصَدِّقِينَ مِنَ الفَرَح، وَمُتَعَجِّبِين، قَالَ لَهُم: "هَلْ عِنْدَكُم هُنَا طَعَام؟".
42. فَقَدَّمُوا لَهُ قِطْعَةً مِنْ سَمَكٍ مَشْوِيّ، وَمِنْ شَهْدِ عَسَل.
43. فَأَخَذَهَا وَأَكَلَهَا بِمَرْأًى مِنْهُم،

أمام ذهول الرسل والتلاميذ يكشف لهم المسيح هويّته بقوله. "أنا هو":  إن استعمال النصّ اليوناني ل ego eimi المعتادة في إنجيل يوحنا، يعلن أيضًا ألوهية يسوع القائم من بين الأموات، فهي الترجمة اليونانية السبعينية لإسم الله في العهد القديم الذي يكشفه لموسى (خروج 3:3 أنا هو الذي هو).
يسرع يسوع إلى طمأنة الرسل والتلاميذ من ناحيتين. يؤكد لهم هويته من خلال الجراح الموجودة في يديه ورجليه، وفي هذه الآية صدى لدعوة يسوع لتوما في يوحنا 20/20 للمسه ووضعه اصبعه في جراحات يديه وجنبه. فالحاضر بينهم هو يسوع نفسه الذي رافقوه في رسالته التبشيرية والذي صلب ومات وقام من بين الأموات. عند معرفة ذلك ينقلب خوفهم إلى فرح وتعجّب، غير أنهم يبقون غير مصدّقين.
أما القسم الثاني فيأكل فيه يسوع أمام التلاميذ ليؤكد أنه ليس روح أو خيال. وقد يعود ذلك بحسب بعض الشرّاح لمحاربة الغنوصية التي كانت تدعو إلى رذل الجسد كمكوّن شرّير يحبس الروح التي تعود لله. غير أن الشرح المرجح هو في تطابق هذه الرواية مع باقي تقليد كتابات لوقا في الإنجيل وأعمال الرسل وخصوصًا هذين المقطعين:
أعمال الرسل 3:1 "وأَظهَرَ لَهم نَفْسَه حَيًّا بَعدَ آلامِه بِكَثيرٍ مِنَ الأَدِلَّة، إِذ تَراءَى لَهم مُدَّةَ أَربَعينَ يَوماً، وكَلَّمَهُم على مَلَكوتِ الله."
أعمال الرسل 40:10-43 "هو الَّذي أَقامَه اللهُ في اليومِ الثَّالِث، وخَوَّلَه أَن يَظهَر لا لِلشَّعْبِ كُلِّه، بل لِلشُّهودِ الَّذينَ اختارَهُمُ اللهُ مِن قَبلُ، أَي لَنا نَحنُ الَّذينَ أَكَلوا وشَرِبوا معه بَعدَ قِيامتِه من بَينِ الأَموات. وقَد أَوصانا أَن نُبَشِّرَ الشَّعْب ونَشهَدَ أَنَّه هو الَّذي أَقامَه اللهُ دَيَّانًا لِلأَحياءِ والأَموات. ولَهُ يَشهَدُ جَميعُ الأَنبِياءِ بِأَنَّ كُلَّ مَن آمَنَ بِه يَنالُ بِاسمِه غُفرانَ الخَطايا".
فرغم ذكر لوقا لروايتين فقط لظهور يوسع القائم من بين الأموات على الرسل والتلاميذ، فإنه في كتاب أعمال الرسل يتكلم عن كثير من الأدلة وأنهم شربوا وأكلوا معه بعد قيامته وبقي معهم أربعين يومًا. ولكن رغم جميع الأدلة الحسية على القيامة تبقى الظهورات في لوقا غير كاملة وغير كافية. ويستمر ذلك حتى الصعود، حينها فقط يتوقف الرسل عن مشاهدة يسوع بالجسد وتبدأعبادته كربّ وقائم من بين الأموات.

44. وقَالَ لَهُم: "هـذَا هُوَ كَلامِي الَّذي كَلَّمْتُكُم بِهِ، وَأَنا بَعْدُ مَعَكُم. كانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ كُلُّ مَا كُتِبَ عَنِّي في تَوْرَاةِ مُوسَى، وَالأَنْبِيَاءِ وَالـمَزَامِير".
45. حِينَئِذٍ فَتَحَ أَذْهَانَهُم لِيَفْهَمُوا الكُتُب.
46. ثُمَّ قالَ لَهُم: "هـكذَا مَكْتُوبٌ أَنَّ الـمَسِيحَ يَتَأَلَّم، وَيَقُومُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ في اليَوْمِ الثَّالِث.
47. وبِاسْمِهِ يُكْرَزُ بِالتَّوْبَةِ لِمَغْفِرةِ الـخَطَايَا، في جَمِيعِ الأُمَم، إِبْتِدَاءً مِنْ أُورَشَلِيم.
48. وأَنْتُم شُهُودٌ عَلى ذـلِكَ.

يذكّر يسوع التلاميذ بكلامه الذي كلّمهم به، خصوصًا المرّات الثلاث التي أنبئهم فيها عن موته وقيامته في لوقا 9/22 و18/31-33 22/37.  ويستعمل عبارة "وأنا بعد معكم" ليفصل بين حضوره معهم قبل الصلب والقيامة والحضور الجديد الذي يختلف عن السابق. فهو حضر مع تلميذي عمّاوس في الخبز عند كسره وغاب عن أنظرهما.
كما انفتحت أعين تلميذي عمّاوس، يفتح المسيح أذهان الرسل ليفهموا الكتب. وكما في رواية تلميذي عمّاوس، تكون الكتب المقدّسة ضرورة لفهم الحدث الخلاصي الذي قام به يسوع. ويشدّد لوقا منذ بدء إنجيله على تتميم النبؤات في يسوع. فالصلب والقيامة يندرجان في إطار تدبير إلهي يبتدأ منذ الخلق.
إن الدعوة للكرازة بمغفرة الخطايا "في جميع الأمم" هي انفتاح على بشارة الوثنيين، وهي استكمال لبشارة أشعيا 42/6 "أَنا الرَّبَّ دَعَوتُكَ في البِرّ وأَخَذتُ بِيَدِكَ وجَبَلتُكَ وجَعَلتُكَ عَهداً لِلشَّعبِ ونوراً لِلأُمَم" و 49/6 "إِنِّي قد جَعَلتُكَ نوراً لِلأُمَم لِيَبلغُ خَلاصي إلى أَقاصي الأَرض" و60/3 "فتَسيرُ الأُمَمُ في نورِكِ والمُلوكُ في ضِياءِ إِشْراقِكِ."
وبهذا يحضّر لوقا كتاب "أعمال الرسل" لرواية هذه البشارة. سيكون الرسل "شهود" لقيامة الرب أمام الشعوب بأكملها.

خلاصة روحيّة
إن هدف الظهورات ليس فقط تثبيت الرسل في إيمانهم بالمسيح وقيامته ومساعدتهم على تخطّي أزمة الصليب ومعضلة موت يسوع. ففي نهاية كلّ إنجيل باب يفتح على البشارة. يتحوّل التلاميذ إلى شهود ورسل، مدعوّون إلى الرسالة وإعلان الخبر السار.
كثيرًا ما تعمينا صعوبات هذه الحياة عن دعوتنا الأساسية في الحياة المسيحية. فهموم حياتنا اليومية التي نرزح تحت وطأتها، تجعل أحلامنا وطموحاتنا صغيرة، تتمثل في تأمين أولويات الحياة المبدئية، وأبسط الحقوق الانسانية. وهذا ينطبق أيضًا على الحياة الروحية. فكم من مؤمن يعتزّ بأنه حافظ على صلاة الورديّة أو غيرها، وكم من كاهن يفتخر بتحسين بسيط في كنيسة رعيّته، وكم من مسيحيّ يقوم بالقليل الكافي للمحافظة على إيمانه المسيحي.


تحميل المنشور