كَسر الكلمة -28- الأحد الثالث من زمن القيامة

كَسر الكلمة -28- الأحد الثالث من زمن القيامة

الأحد الثالث من زمن القيامة
ظهور يسوع لتلميذَي عمَّاوس
(لوقا 24: 13 – 35 )
13. وَفي اليَوْمِ عَينِهِ، كانَ اثْنَانِ مِنْهُم ذَاهِبَيْنِ إِلَى قَرْيَةٍ تُدْعَى عِمَّاوُس، تَبْعُدُ نَحْوَ سَبْعَةِ أَمْيَالٍ عَنْ أُورَشَلِيم.
14. وَكانَا يَتَحَادَثَانِ بِكُلِّ تِلْكَ الأُمُورِ الَّتِي حَدَثَتْ.
15. وفيمَا هُمَا يَتَحَادَثَانِ وَيَتَسَاءَلان، إِذَا يَسُوعُ نَفْسُهُ قَدِ اقْتَرَبَ مِنْهُمَا، وَرَاحَ يَسِيرُ مَعَهُمَا.
16. ولـكِنَّ أَعْيُنَهُمَا أُمْسِكَتْ عَنْ مَعْرِفَتِهِ.
17. أمَّا هُوَ فَقَالَ لَهُمَا: "مَا هـذَا الكَلامُ الَّذي تَتَحَادَثَانِ بِهِ، وَأَنْتُمَا تَسِيرَان؟". فَوَقَفَا عَابِسَين.
18. وَأَجَابَ أَحَدُهُمَا، واسْمُهُ كِلْيُوبَاس، فَقَالَ لَهُ: "هَلْ أَنْتَ وَحْدَكَ غَرِيبٌ عَنْ أُورَشَلِيم، فَلا تَعْلَمَ مَا حَدَثَ فِيهَا هـذِهِ الأَيَّام؟".
19. فَقَالَ لَهُمَا: "ومَا هِيَ؟" فَقَالا لَهُ: "مَا يَتَعَلَّقُ بِيَسُوعَ النَّاصِرِيّ، الَّذي كَانَ رَجُلاً نَبِيًّا قَوِيًّا بِالقَوْلِ وَالفِعْل، قُدَّامَ اللهِ وَالشَّعْبِ كُلِّهِ.
20. وكَيْفَ أَسْلَمَهُ أَحْبَارُنا وَرُؤَسَاؤُنَا لِيُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالـمَوْت، وَكَيْفَ صَلَبُوه!
21. وكُنَّا نَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذي سَيَفْدِي إِسْرَائِيل. وَلـكِنْ مَعَ هـذَا كُلِّهِ، فَهـذَا هُوَ اليَوْمُ الثَّالِثُ بَعْدَ تِلْكَ الأَحْدَاث.
22. لكِنَّ بَعْضَ النِّسَاءِ مِنْ جَمَاعَتِنَا أَدْهَشْنَنَا، لأَنَّهُنَّ ذَهَبْنَ إِلَى القَبْرِ عِنْدَ الفَجْر،
23. وَلَمْ يَجِدْنَ جَسَدَ يَسُوع، فَرَجَعْنَ وَقُلْنَ إِنَّهُنَّ شَاهَدْنَ مَلائِكَةً تَرَاءَوْا  لَهُنَّ وَقَالُوا إِنَّهُ حَيّ!
24. ومَضَى قَوْمٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَنَا إِلى القَبْر، فَوَجَدُوهُ هـكذَا كَمَا قَالَتِ النِّسَاء، وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يَرَوْه".
25. فقَالَ لَهُمَا يَسُوع: "يَا عَدِيـمَيِ الفَهْم، وَبَطِيئَيِ القَلْبِ في الإِيْمَانِ بِكُلِّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاء!
26. أَمَا كَانَ يَجِبُ عَلَى الـمَسِيحِ أَنْ يُعَانِيَ تِلْكَ الآلام، ثُمَّ يَدْخُلَ في مَجْدِهِ؟".
27. وَفَسَّرَ لَهُمَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ في كُلِّ الكُتُبِ الـمُقَدَّسَة، مُبْتَدِئًا بِمُوسَى وَجَمِيعِ الأَنْبِيَاء.
28. واقْتَرَبَا مِنَ القَرْيَةِ الَّتي كَانَا ذَاهِبَيْنِ إِلَيْهَا، فتَظَاهَرَ يَسُوعُ بِأَنَّهُ ذَاهِبٌ إِلى مَكَانٍ أَبْعَد.
29. فَتَمَسَّكَا بِهِ قَائِلَين: "أُمْكُثْ مَعَنَا، فَقَدْ حَانَ الـمَسَاء، وَمَالَ النَّهَار". فَدَخَلَ لِيَمْكُثَ مَعَهُمَا.
30. وفِيمَا كَانَ مُتَّكِئًا مَعَهُمَا، أَخَذَ الـخُبْزَ، وبَارَكَ، وَكَسَرَ، ونَاوَلَهُمَا.
31. فانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا، وَعَرَفَاهُ، فَإِذَا هُوَ قَدْ تَوَارَى عَنْهُمَا.
32. فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَر: "أَمَا كَانَ قَلْبُنَا مُضْطَرِمًا فِينَا، حِينَ كَانَ يُكَلِّمُنَا في الطَّرِيق، وَيَشْرَحُ لَنَا الكُتُب؟".
33. وقَامَا في تِلْكَ السَّاعَةِ عَيْنِهَا، وَرَجَعَا إِلَى أُورَشَلِيم، فَوَجَدَا الأَحَدَ عَشَرَ وَالَّذِينَ مَعَهُم مُجْتَمِعِين،
34. وَهُم يَقُولُون: "حَقًّا إِنَّ الرَّبَّ قَام، وتَرَاءَى لِسِمْعَان!".
35. أَمَّا هُمَا فَكانَا يُخْبِرانِ بِمَا حَدَثَ في الطَّرِيق، وَكَيْفَ عَرَفَا يَسُوعَ عِنْدَ كَسْرِ الـخُبْز.

مقدمة
إنَّ روايةَ تلميذَي عمَّاوس وخبرَ لقائِهما بالقائمِ مِنَ بينِ الأمواتِ هي روايةٌ افخاريستيّةٌ بامتيازٍ. نحنُ أمامَ احتفالٍ ليتورجيٍّ كاملٍ بقسمَيه: كَسْرُ الكلمةِ (الآيات 13-28) وكَسْرُ الخبزِ (الآيات 29-35).

شرح الآيات
13. وَفي اليَوْمِ عَينِهِ، كانَ اثْنَانِ مِنْهُم ذَاهِبَيْنِ إِلَى قَرْيَةٍ تُدْعَى عِمَّاوُس، تَبْعُدُ نَحْوَ سَبْعَةِ أَمْيَالٍ عَنْ أُورَشَلِيم.
14. وَكانَا يَتَحَادَثَانِ بِكُلِّ تِلْكَ الأُمُورِ الَّتِي حَدَثَتْ.
إنَّ بَدْءَ الرِّوايةَ بعبارةِ: "في اليومِ عينِه" هي للرَّبطِ مع روايةِ القبرِ الفارغِ وحيرةِ بطرسَ امامَهُ. نحنُ ما زِلْنا في أحدِ القيامةِ ذاتِه. إنَّ مغادرةَ التِّلميذَين لأورشليمَ هي دلالةٌ على الاستسلامِ وفقدانِ الأملِ بيسوعَ وبِبِشارتِه. فأصبحَ "تحادثهُما" بالأمورِ الَّتي حصلَتْ كالحديثِ عن ماضٍ أليمٍ وبعيدٍ، كالوقوفِ على الأطلالِ.
في الوقتِ نفسِه، إنَّ وجودَ شخصَين في الرِّوايةِ هو للشّهادةِ. ففي القانونِ اليهوديِّ، "شهادةُ شاهدَين تصحُّ". إنَّ مفهومَ الشَّهادةِ الصَّحيحةَ عزيزٌ على قلبِ لوقا، ففي بَدْءِ أنجيلِه، تجتَمِعُ شهادتا سمعانِ الشَّيخِ وحنّةِ النبيّةِ في الهيكلِ، وفي نهايةِ إنجيلِه تجتَمِعُ شهادتا "كليوفاس" ورفيقِه.
إنَّ هذين التِّلميذين (ليسا مِنَ الرُّسلِ الإثني عَشَرِ بل التّلاميذِ السَّبعين)، رافقا يسوعَ على الأرجحِ في الصُّعودِ إلى أورشليمَ وهتفا مع الجموعِ لاستقبالِهِ. في لوقا 9:57 يقتَرِبُ رجلٌ مِنْ يسوعَ و"هم سائرون" ليطلُبَ أن يتبعَه. واليومَ يسوعُ يقتَرِبُ مِنَ التّلميذَين وهما سائرَين. إنَّ التّلمذةَ ليسوعَ هي مسيرةٌ دائمةٌ نحوَ اللهِ.

15. وفيمَا هُمَا يَتَحَادَثَانِ وَيَتَسَاءَلان، إِذَا يَسُوعُ نَفْسُهُ قَدِ اقْتَرَبَ مِنْهُمَا، وَرَاحَ يَسِيرُ مَعَهُمَا.
16. ولـكِنَّ أَعْيُنَهُمَا أُمْسِكَتْ عَنْ مَعْرِفَتِهِ.
17. أمَّا هُوَ فَقَالَ لَهُمَا: "مَا هـذَا الكَلامُ الَّذي تَتَحَادَثَانِ بِهِ، وَأَنْتُمَا تَسِيرَان؟". فَوَقَفَا عَابِسَين.
لم يعرِفاه، ليسَ لأنَّ مظهرَهُ قدْ تغيَّرَ، بلْ لأنَّ أعينَهما "قد أُمْسِكَتْ عن معرفَتِهِ". إنَّ الهدَفَ من إمساكِها عَنِ المعرفَةِ هو كي تقترِنَ معرفَةُ يسوعَ بِفَهْمٍ عميقٍ للمشروعِ الخلاصِيِّ الّذي بشَّرَ به. لا يُمْكِنُ الفَصْلُ بينَ يسوعَ المتجسدِ والمشروعِ الإلهي الَّذي يجسِّدُه. ستَنْفَتِحُ عيونُهما ويعرفانِه لاحقًا، عندما يفَهَما سرَّ تدبيرِ اللهِ الخلاصيِّ.

18. وَأَجَابَ أَحَدُهُمَا، واسْمُهُ كِلْيُوبَاس، فَقَالَ لَهُ: "هَلْ أَنْتَ وَحْدَكَ غَرِيبٌ عَنْ أُورَشَلِيم، فَلا تَعْلَمَ مَا حَدَثَ فِيهَا هـذِهِ الأَيَّام؟".
19. فَقَالَ لَهُمَا: "ومَا هِيَ؟" فَقَالا لَهُ: "مَا يَتَعَلَّقُ بِيَسُوعَ النَّاصِرِيّ، الَّذي كَانَ رَجُلاً نَبِيًّا قَوِيًّا بِالقَوْلِ وَالفِعْل، قُدَّامَ اللهِ وَالشَّعْبِ كُلِّهِ.
20. وكَيْفَ أَسْلَمَهُ أَحْبَارُنا وَرُؤَسَاؤُنَا لِيُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالـمَوْت، وَكَيْفَ صَلَبُوه!
21. وكُنَّا نَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذي سَيَفْدِي إِسْرَائِيل. وَلـكِنْ مَعَ هـذَا كُلِّهِ، فَهـذَا هُوَ اليَوْمُ الثَّالِثُ بَعْدَ تِلْكَ الأَحْدَاث.
22. لكِنَّ بَعْضَ النِّسَاءِ مِنْ جَمَاعَتِنَا أَدْهَشْنَنَا، لأَنَّهُنَّ ذَهَبْنَ إِلَى القَبْرِ عِنْدَ الفَجْر،
23. وَلَمْ يَجِدْنَ جَسَدَ يَسُوع، فَرَجَعْنَ وَقُلْنَ إِنَّهُنَّ شَاهَدْنَ مَلائِكَةً تَرَاءَوْا  لَهُنَّ وَقَالُوا إِنَّهُ حَيّ!
24. ومَضَى قَوْمٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَنَا إِلى القَبْر، فَوَجَدُوهُ هـكذَا كَمَا قَالَتِ النِّسَاء، وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يَرَوْه".
إنَّ كليوفاسَ ورفيقَه يعرفان بدقّةٍ حياةَ يسوعَ وتفاصيلَها. وهما قادران على سردِها كاملةً. ولكنْ ما ينقُصُ هو المعنى لهذه الحياةِ. روايتُهما تنتهي في القبرِ، كالنِّساءِ اللّواتي أردْنَ تحنيطَ جسدِ يسوعَ المصلوبِ والمائتِ.أنَّ هذه المعرفةَ دقيقةٌ تاريخيًّا ولكنَّها ناقصةٌ لاهوتيًّا.
إنَّ التّناقضَ بين الآيتين 19 و 20 صارخٌ. نحنُ كنَّا نحسَبُه رجلًا نبيًّا قويًّا، وهُم حكموا عليه بالموتِ وصلبوه. كما وأنَّ استعمالَ الضَّميرِ المتَّصِلِ "أحبارُنا ورؤساؤنا" يدلُّ على الصِّلةِ التّي لم تنقطِعْ بالإيمانِ اليهوديِّ والانتماءِ الدّينيّ الّذي لم يقتَنِعْ بعْدُ بمجيءِ المسيحِ. تصنِيْفُ يسوعَ كنبيٍّ أو كرجلٍ قويٍّ هو تحجيمٌ لتجسُّدِ الكلمةِ وجلالِهِ على جهلِهِما أو تناسيهِما للنّبوؤاتِ المسيحانيةِ الّتي أكملَها المسيحُ بتجسُّدِه. إنَّ موتَ المسيحِ قد أنهى كلَّ رجاءٍ لديهما. "كنَّا نرجو" في صيغةِ الماضي تعني أنّهما قد تخلَّيا عن هذا الرجاءِ ورضخا لحقيقةِ الصَّلبِ كنهايةٍ وخاتمةٍ لبشارةِ يسوعَ.

25. فقَالَ لَهُمَا يَسُوع: "يَا عَدِيـمَيِ الفَهْم، وَبَطِيئَيِ القَلْبِ في الإِيْمَانِ بِكُلِّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاء!
26. أَمَا كَانَ يَجِبُ عَلَى الـمَسِيحِ أَنْ يُعَانِيَ تِلْكَ الآلام، ثُمَّ يَدْخُلَ في مَجْدِهِ؟".
27. وَفَسَّرَ لَهُمَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ في كُلِّ الكُتُبِ الـمُقَدَّسَة، مُبْتَدِئًا بِمُوسَى وَجَمِيعِ الأَنْبِيَاء.
ما يقومُ به المسيحُ مع التِّلميذَين هو إعادةُ قراءةٍ لتاريخِ الشّعبِ الخلاصيِّ ولصدقيةِ وعودِ اللهِ. لوقا لا ينْقُلُ محتوى شرحِ يسوعَ، نقرأُه على لسانِ بطرسَ في أعمالِ الرّسلِ 2/22-36 وعند بولسَ ـفي أعمالِ الرُّسلِ 13/32-41. إنَّ كليوفاسَ ورفيقَه يعرفان حياةَ يسوعَ المسيحِ، لكن ينقَصُهما أنْ يقرآها على ضوءِ الكتابِ المقدَّسِ. هما النّقيضُ لروايةِ خازنِ ملكةِ الحبَشَةِ في أعمالِ الرُّسُلِ 8/26-40. كانَ يقرأُ سِفْرَ أشعيا 53 ويعرِفُ الكتابَ المقدَّسَ، لكنَّه غيرُ مدركٍ لحدثِ يسوعَ الخلاصيِّ، حياتِه وتعاليمِه وصلِبه وقيامتِه. وحينَ يخبرُه فيلبُّسُ عن المسيحِ تَنْفَتِحُ عينا قلبِهِ ويفهَمُ الكتابَ المقدَّسِ على ضوءِ حياةِ يسوعَ. يعلِّمُنا لوقا في كتابَيه أنَّ الإيمانَ يستوجبُ الإثنين، الكُتُبَ المقدَّسةَ والحدَثَ الخلاصيَّ. فالواحدُ يضيءُ الآخرَ ويؤدِّي إلى الإيمانِ والفَهْمِ.

28. واقْتَرَبَا مِنَ القَرْيَةِ الَّتي كَانَا ذَاهِبَيْنِ إِلَيْهَا، فتَظَاهَرَ يَسُوعُ بِأَنَّهُ ذَاهِبٌ إِلى مَكَانٍ أَبْعَد.
29. فَتَمَسَّكَا بِهِ قَائِلَين: "أُمْكُثْ مَعَنَا، فَقَدْ حَانَ الـمَسَاء، وَمَالَ النَّهَار". فَدَخَلَ لِيَمْكُثَ مَعَهُمَا.
30. وفِيمَا كَانَ مُتَّكِئًا مَعَهُمَا، أَخَذَ الـخُبْزَ، وبَارَكَ، وَكَسَرَ، ونَاوَلَهُمَا.
31. فانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا، وَعَرَفَاهُ، فَإِذَا هُوَ قَدْ تَوَارَى عَنْهُمَا.
32. فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَر: "أَمَا كَانَ قَلْبُنَا مُضْطَرِمًا فِينَا، حِينَ كَانَ يُكَلِّمُنَا في الطَّرِيق، وَيَشْرَحُ لَنَا الكُتُب؟".

يتظاهرُ المسيحُ بأنَّه ذاهبٌ إلى مكانٍ أبعدَ لكي يأخذا هما المبادرةَ. إنَّ الإنسانَ لا يتلقَّى فقط نِعَمَ اللهِ بل يسعى لها وبهذا يثْبِّتُ حرّيَّتَه المقدّسةَ في الاختيارِ.
تكتَمِلُ الذَّبيحةُ الإلهيّةُ في هذا العشاءِ في عمّاوس. بعدَ قسمِ الكلمةِ والشَّرْحِ المطَوَّلِ طوالَ الطّريقِ، يكْسُرُ المسيحُ الخبْزَ مع التّلميذَين. إنَّ كَسْرَ الخبزِ هو تذكارُ ذبيحةِ الصّليبِ. يُعيْدُ المسيحُ احياءَها معَ التّلميذَين، ولكن هذه المرَّةَ هما مسلَّحان بفَهْمِ الكلمةِ ونورِ الكتابِ المقدّسِ، إنَّ هذه الذّبيحةَ لا تحبِطُهما كما ذبيحةُ الصّليبِ، ولا تدفَعُهما للهرِبِ، بل تفتَحُ عيونَهما ويفهمان السِّرَّ الخلاصيَّ. ويرمزُ إلى هذا بانفتاحِ أعينَهما ومعرفتَهما ليسوعَ عند كَسْرِ الخُبْزِ.
يرى بعضُ الشُّرّاحِ أنّ فَتْحَ اعينِهما عندَ كَسْرِ الخُبْزِ، وَتَواري المسيحِ حينها هو لتعليمِ الكنيسةِ الشّابّةِ أنْ تَبْحَثَ عن المسيحِ في الحضورِ الحقيقيِّ في القربانِ مِنَ الآنَ وصاعدًا وليسَ في الظّهوراتِ العجائبيّةِ والفائقةِ للطَّبيعةِ.

33. وقَامَا في تِلْكَ السَّاعَةِ عَيْنِهَا، وَرَجَعَا إِلَى أُورَشَلِيم، فَوَجَدَا الأَحَدَ عَشَرَ وَالَّذِينَ مَعَهُم مُجْتَمِعِين،
34. وَهُم يَقُولُون: "حَقًّا إِنَّ الرَّبَّ قَام، وتَرَاءَى لِسِمْعَان!".
35. أَمَّا هُمَا فَكانَا يُخْبِرانِ بِمَا حَدَثَ في الطَّرِيق، وَكَيْفَ عَرَفَا يَسُوعَ عِنْدَ كَسْرِ الـخُبْز.

تتحوّلُ رحلةُ الهروبِ مِنْ أورشليمَ إلى عودةٍ سريعةٍ للمدينةِ المقدَّسةِ، لملاقاةِ الرّسلِ الأحدَ عشَرَ والّذين معهُم ومشاركةِ الخبرِ السّارِّ. يلمِّحُ لوقا في هذه الآيةِ إلى ظهورٍ آخرَ ليسوعَ لبطرسَ رُغْمَ أنَّه لا يروي هذا الظّهورَ في إنجيلِهِ.
إنَّ الكنيسةَ تكتَمِلُ بمشاركةِ الخَبَرِ السَّارِّ والشَّهادةِ المتبادلةِ.
إنَّ رواياتِ القبرِ الفارغِ والظُّهوراتِ ليْسَتْ الدليلَ التَّاريخيَّ على القيامةِ، بلْ العودةَ إلى أورشليمَ. فهذه العودةُ والبِشَارةُ الّتي انطَلَقَتْ منها دونَ خوفٍ وبتحدٍّ لقوى الأمرِ الواقعِ من سُلُطَاتٍ دينيَّةٍ وزمنيَّةٍ هي الدلالةُ على الإيمانِ الرّاسخِ للجماعةِ الأولى بقيامةِ الرَّبِّ يسوعَ من بين الأمواتِ.

خلاصة روحيّة
لا تخلو حياةُ الكنيسةِ والوطنِ من خيباتِ الأمَلِ والصُّعوباتِ الّتي تواجِهُها. ولكن روايةَ تلميذَي عمّاوسَ تعلِّمُنا أنَّ لا نديرَ ظهرَنا لها، بل نسيرَ نحوَها معَ الرَّبِّ يسوعَ. فكما حوَّلَ صليبَ العارِ والموتِ إلى رمزٍ للحياةِ الأبديةِ والانتصارِ، يستطيعُ أيضًا أنْ يحوّلَ فشلَنا وضعفَنا إلى تجلٍّ لمحبتِّة وقوّتِه.
هناك قولٌ مأثورٌ بأنَّنا جميعًا مكسورون في مكانٍ ما من حياتِنا، ولكن لا يجبُ أنْ نخجلَ بكسْرِنا، فهي الطَّريقُ الّتي منها يدخلُ نورُ المسيحِ إلى قلوبِنا. ففي الكتابِ المقدّسِ يختارُ الرَّبِّ دائمًا الضُّعفاءَ والصِّغارَ (هابيل، يعقوب، داود...)، فإنْ قبلوا أن يسيروا معه، أشعَّ نورُه من التَّشقُّقاتِ الّتي فيهم وأضاءَ منها للنَّاسِ.


تحميل المنشور