كَسر الكلمة -20- أحد شفاء النازفة

كَسر الكلمة -20- أحد شفاء النازفة

أحد شفاء النازفة
(لوقا 8: 40-56)
40. وَلَمَّا عَادَ يَسُوع، اسْتَقْبَلَهُ الـجَمْع، لأَنَّهُم جَميعَهُم كَانُوا يَنْتَظِرُونَهُ.
41. وَإِذَا بِرَجُلٍ اسْمُهُ يَائِيرُس، وكَانَ رَئِيسَ الـمَجْمَع، جَاءَ فارْتَمَى عَلَى قَدَمَي يَسُوع، وَأَخَذَ يَتَوَسَّلُ إِلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ،
42. لأَنَّ لَهُ ابْنَةً وَحِيدَة، عُمْرُها نُحْوُ اثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَة، قَدْ أَشْرَفَتْ عَلَى الـمَوْت. وفِيمَا هُوَ ذَاهِب، كانَ الـجُمُوعُ يَزْحَمُونَهُ.
43. وَكانَتِ امْرَأَةٌ مُصَابَةٌ بِنَزْفِ دَمٍ مُنْذُ اثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَة، وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَشْفِيَهَا.
44. دَنَتْ مِنْ وَرَاءِ يَسُوع، وَلَمَسَتْ طَرَفَ رِدَائِهِ، وَفَجأَةً وَقَفَ نَزْفُ دَمِهَا.
45. فَقَالَ يَسُوع: "مَنْ لَمَسَنِي؟". وَأَنْكَرَ الـجَمِيع. فَقَالَ بُطْرُسُ وَمَنْ مَعَهُ: "يا مُعَلِّم، إِنَّ الـجُمُوعَ يَزْحَمُونَكَ وَيُضَايِقُونَكَ!".
46. فَقَالَ يَسُوع: "إِنَّ واحِدًا قَدْ لَمَسَنِي! فَإنِّي عَرَفْتُ أَنَّ قُوَّةً قَدْ خَرَجَتْ مِنِّي!".
47. وَرَأَتِ الـمَرْأَةُ أَنَّ أَمْرَها لَمْ يَخْفَ عَلَيه، فَدَنَتْ مُرْتَعِدَةً وارْتَمَتْ عَلَى قَدَمَيه، وَأَعْلَنَتْ أَمَامَ الشَّعْبِ كُلِّهِ لِماذَا لَمَسَتْهُ، وَكَيْفَ شُفِيَتْ لِلْحَال.
48. فَقَالَ لَهَا يَسُوع: "يا ابْنَتِي، إِيْمَانُكِ خَلَّصَكِ! إِذْهَبِي بِسَلام!".
49. وَفيمَا هُوَ يَتَكَلَّم، وَصَلَ وَاحِدٌ مِنْ دَارِ رَئِيسِ الـمَجْمَعِ يَقُول: "مَاتَتِ ابْنَتُكَ! فَلا تُزْعِجِ الـمُعَلِّم!".
50. وَسَمِعَ يَسوعُ فَأَجَابَهُ: "لا تَخَفْ! يَكْفي أَنْ تُؤْمِنَ فَتَحْيا ابْنَتُكَ!".
51. وَلَمَّا وَصَلَ إِلى البَيْت، لَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَدْخُلُ مَعَهُ سِوَى بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَيَعْقُوبَ وَأَبي الصَّبِيَّةِ وأُمِّهَا.
52. وكَانَ الـجَمِيعُ يَبْكُونَ عَلَيْها وَيَقْرَعُونَ صُدُورَهُم. فَقَال: "لا تَبْكُوا! إِنَّهَا لَمْ تَمُتْ. لـكِنَّهَا نَائِمَة!".
53. فَأَخَذُوا يَضْحَكُونَ مِنْهُ لِعِلْمِهِم بِأَنَّها مَاتَتْ.
54. أَمَّا هُوَ فَأَمْسَكَ بِيَدِها وَنَادَى قاَئِلاً: "أَيَّتُهَا الصَّبِيَّة، قُومِي!".
55. فَعَادَتْ رُوحُهَا إِلَيْهَا، وَفَجْأَةً نَهَضَتْ. ثُمَّ أَمَرَ بِأَنْ يُطْعِمُوهَا.
56. فَدَهِشَ أَبَوَاها، وَأَوْصَاهُمَا يَسُوعُ أَلاَّ يُخْبِرَا أَحَدًا بِمَا حَدَث.

مقدّمة
هو الأحدُ الثّالثُ من زمنِ الصّومِ الكبيرِ، وفيه يُخبرُنا لوقا الإنجيليُّ عن حدثِ شفاءِ النّازِفةِ، الّذي يضعُه بين حدثين: طلبُ يائيرس من يسوع أن يشفيَ له ابنتَه المريضةَ من جهةٍ، وإحياءِ الابنةِ التّي كانتْ قد ماتَتْ من جهةٍ أخرى. ونجدُ في الحدثين، قواسمَ مشتركةً: الرّقمُ 12 أوّلًا. فالنّازفةُ مريضةٌ منذ اثنتي عشْرَةَ سنةً، وعمرُ الابنةِ لمّا ماتَتْ هو اثنتا عشْرَةَ سنةً. ثمّ إنّ الشفاءَين تمّا من خلالِ الاتّصالِ بيسوعَ. النَّازفةُ لمَسَتْ طَرَفَ ثوبِه فشُفيَتْ، ويسوعُ أمسكَ يدَ الصَّبيّةَ فأحياها. أمّا الموضوعان الرئيسيّان مشتركان أيضًا "خلاص" و"إيمان".

شرح الآيات
40. وَلَمَّا عَادَ يَسُوع، اسْتَقْبَلَهُ الـجَمْع، لأَنَّهُم جَميعَهُم كَانُوا يَنْتَظِرُونَهُ.
41. وَإِذَا بِرَجُلٍ اسْمُهُ يَائِيرُس، وكَانَ رَئِيسَ الـمَجْمَع، جَاءَ فارْتَمَى عَلَى قَدَمَي يَسُوع، وَأَخَذَ يَتَوَسَّلُ إِلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ،
42. لأَنَّ لَهُ ابْنَةً وَحِيدَة، عُمْرُها نُحْوُ اثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَة، قَدْ أَشْرَفَتْ عَلَى الـمَوْت. وفِيمَا هُوَ ذَاهِب، كانَ الـجُمُوعُ يَزْحَمُونَهُ.
إنتظرَ شعبُ إسرائيلَ المسيحَ، وقد هيّأهُم الرَّبُّ لقبولِ الخلاصِ. أمّا الوثنيّون، فلا شيءَ ينتظرونه. يخبرُنا الإنجيليُّ كيفَ رفضَ الوثنيّون يسوعَ وطلبوا إليه أن "يبتعد عنهم" (8: 37)، بالمقابلِ، نجدُه مرحَّبًا به في وسَطِ شعبِه "ولمّا عاد يسوعُ، استقبلَه الجمعُ، لأنّهم جميعُهم كانوا ينتظرونه" (آ40).
أمّا يائيرس، المسؤولُ عنِ المجمعِ، وأمامَ سلطانِ الموتِ الّذي انقضّ على ابنتِه الصَّبيّةِ، لا قوّةَ يلجأُ إليها. فنراه يتألّمُ ألمًا عميقًا جليًّا في ألفاظِهِ: "ارتمى على قدمَي يسوعَ، وأخذ يتوسّلُ" (آ41)، "له ابنةٌ وحيدةٌ" (آ42)، "عمرها نحو اثنتي عشرة سنة" (آ42)، هي إذًا جاهزةٌ للخطوبةِ فالزّواجِ، إلّا أنّها تُواجِهُ الموتَ، لا بل صرَعَها. كلُّ قوّةٍ بشريّةٍ تقفُ عاجزةً أمامَ الموتِ، ولم يبقَ للوالدِ إلاّ أملٌ واحدٌ هو: يسوعُ. توسّلَ إليه بقلبٍ متواضعٍ منسحقٍ، وأخبرَه بسببِ ألمِهِ دونَ أن يتجاسَرَ ويطلبَ منه شيئًا كما في متّى (9: 18 ومرقس 5: 23). أمّا يسوعُ، فلا يحتاجُ إلى أكثرِ من ذلك. ما إنْ رأى ابنَ أرملةِ نائين حتّى أشفَقَ على الأمِّ التي فَقَدَتْ وحيدَها (لو 7: 12-13). وها هو يُشفقُ على الأبِ الذي فقَدَ وحيدتَه.

43. وَكانَتِ امْرَأَةٌ مُصَابَةٌ بِنَزْفِ دَمٍ مُنْذُ اثْنَتَي عَشْرَةَ سَنَة، وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَشْفِيَهَا.
44. دَنَتْ مِنْ وَرَاءِ يَسُوع، وَلَمَسَتْ طَرَفَ رِدَائِهِ، وَفَجأَةً وَقَفَ نَزْفُ دَمِهَا.
نحنُ أمامَ إنسانٍ متألّمٍ. أمامَ امرأةٍ مفصولةٍ عن الجماعةِ لأنّها مدنّسةٌ بحسَبِ الشّريعةِ اليهوديّةِ (لا 15: 25). هي مريضةٌ تنزفُ منذ اثنتي عشْرَةَ سنةً. أنفقَتْ كلّ ما تَمْلِكُه على الأطبّاءِ ولم تحصلْ على الشّفاءِ. من هنا نفهمُ إيمانَها الكبيرَ بقدرةِ يسوعَ. لم يعدْ لديها إلاّ أملٌ واحدٌ، شأنُها شأنَ يائيرس. إلاّ أنّ المرأةَ لا تستطيعُ أنْ تفعلَ ما فعلَه يائيرس، هي لا يمكِنُها أنْ تقترِبَ منه وتخبرَه جهارًا عن وجعِها. لكنْ لا بدَّ من الاقترابِ من يسوعَ. فقرَّرَتْ أن تدنوَ من ورائِه خفيةً دون أن يراها أحدٌ ولمَسَتْ طرَفَ ثوبِه. لكن لماذا تحديدًا طرفَ الثَّوبِ؟ لأنّ الشّريعةَ أمرَتْ بني إسرائيل أن يضعوا في طرَفِ ثيابِهم، أهدابًا ليتذكّروا وصايا اللهِ (عد 15: 38-40). حاوَلَتْ أنْ تّلْمِسَ الأهدابَ، فشُفيَت بدونِ حتّى كلمةٍ من يسوعَ. لمسَتْهُ فحصلَتْ في لحظةٍ على ما لم تَسْتَطِعْ أنْ تحصلَ عليه من الأطبّاءِ.
هي امرأةٌ شجاعةٌ، تجرّأتْ فَلَمَسَتْ طرفَ ردائِه بالرُّغمِ من زحمةِ الجموعِ. تحدَّتِ الشّريعةَ، فشُفيَتْ وعادَتْ إلى الجماعةِ التي فُصِلَتْ عنها. نحن بالتّالي أمام خلاصٍ داخليٍّ من النّجاسةِ والخطيئةِ، ولسْنا فقط أمامَ شفاءٍ خارجيٍّ. وكأنَّ لوقا أرادَ أنْ يقولَ لكلِّ الَّذين هم "في الخارج" كالوثنيّين على سبيل المثالِ، خلاصُ الربِّ مُتاحٌ لكلِّ الّذين يأتون إليه بإيمانٍ.

45. فَقَالَ يَسُوع: "مَنْ لَمَسَنِي؟". وَأَنْكَرَ الـجَمِيع. فَقَالَ بُطْرُسُ وَمَنْ مَعَهُ: "يا مُعَلِّم، إِنَّ الـجُمُوعَ يَزْحَمُونَكَ وَيُضَايِقُونَك"!
46. فَقَالَ يَسُوع: "إِنَّ واحِدًا قَدْ لَمَسَنِي! فَإنِّي عَرَفْتُ أَنَّ قُوَّةً قَدْ خَرَجَتْ مِنِّي!".
47. وَرَأَتِ الـمَرْأَةُ أَنَّ أَمْرَها لَمْ يَخْفَ عَلَيه، فَدَنَتْ مُرْتَعِدَةً وارْتَمَتْ عَلَى قَدَمَيه، وَأَعْلَنَتْ أَمَامَ الشَّعْبِ كُلِّهِ لِماذَا لَمَسَتْهُ، وَكَيْفَ شُفِيَتْ لِلْحَال.
48. فَقَالَ لَهَا يَسُوع: "يا ابْنَتِي، إِيْمَانُكِ خَلَّصَكِ! إِذْهَبِي بِسَلام!".
حاولَتْ المرأةُ أنْ تفعلَ فِعْلَتَها سرًّا، إلاّ أنَّ يسوعَ جاءَ به إلى العَلنِ. قال: "مَنْ لمَسَني" (حرفيًّا من أمسكني). عرفَ يسوع لأنّ قوّةً قد خرجَتْ منه. ليسَ فعلُ الّلمسِ من اجترحَ المعجزةَ إذًا، بل قوّةُ يسوعَ. قوّتُه هدّأتْ العاصفةَ (لو 8: 22-25)، وها هي القوّةُ ذاتُها تأمرُ نزفَ الدّمِ. إنّه السَّيّدُ بكلِّ ما للكلمةِ من معنًى: يأمرُ الطبّيعةَ فتطيعُه، ويأمُرُ المَرَضَ فيطيعُه أيضًا.
عرفَتِ المرأةُ أنّ أمْرَها قد كُشِفَ، فارتَمَتْ على قدمي يسوعَ، وأعلنَتْ جهارًا أنّ ما حَصَلَ معها هو منْ عملِ اللهِ. هي الّتي عاشَتْ حياتَها خائفةً مِنَ النّاسِ ومعزولةً، صارَتْ بفعلِ صنيعِ اللهِ معها، شاهدةً شجاعةً تنادي وتُخبرُ بعظائمِ اللهِ أمامَ الجميعِ.
"إيمانك خلّصكِ". بالإيمانِ عادَتْ المرأةُ المحرومةُ إلى الجماعةِ الّتي كانتْ تخافُ من أن تتدنَّس منها. بالإيمانِ استردَّتْ سلاَمها المفقودَ وصحَّتَها الَتي كانَتْ تبحثُ عنها طوالَ اثنتي عشْرَةَ سنةً. وما شفاؤها إلاّ صورةً خارجيّةً عن سلامِها الدّاخلي الّذي بحثَتْ عنه طويلاً.

49. وَفيمَا هُوَ يَتَكَلَّم، وَصَلَ وَاحِدٌ مِنْ دَارِ رَئِيسِ الـمَجْمَعِ يَقُول: "مَاتَتِ ابْنَتُكَ! فَلا تُزْعِجِ الـمُعَلِّم"!
50. وَسَمِعَ يَسوعُ فَأَجَابَهُ: "لا تَخَفْ! يَكْفي أَنْ تُؤْمِنَ فَتَحْيا ابْنَتُكَ"
لا يستطيعُ حتّى الموتُ أنْ يكونَ حاجزًا في وجهِ يسوعَ. فهو مستعدٌّ لأنْ يُحيي الَّصبِيَّةَ إن آمَنَ والدُها. "يكفي أنْ تؤمنَ فتحيا ابنتُكَ". الإيمانُ هو شرطُ الخلاصِ والانتصارِ على الموتِ. الكلامُ نفسُه قالَه بولسُ للسَّجَّانِ "آمنْ بالرّبِّ يسوعَ تخلُصْ أنتَ وأهلُ بيتِكَ" (أع 16: 31).
يُخبِرُنا الإنجيليُّ، أنّ رسولاً أتى إلى يائيرس يُخبِرُه أنَّ ابنتَه ماتَتْ، بالتَّالي لا حاجةَ لأنْ يُزعجَ المعلِّمَ. هي حالةُ اللَّإيماِن الّتي شكَّكَتْ بقدرَةِ يسوعَ بعدَ أنْ فَعَلَ الموتُ فِعْلَهُ. إلاّ أنّ صَمْتَ الوالدِ، يُثبِتُ أنّه لم يزَلْ مؤمنًا. فكانَ كلامُ يسوعَ ليشَجِّعَه على تخطّي الخوفِ "لا نخفْ! يكفي أنْ تؤمنَ فتحيا ابنتُكَ".

51. وَلَمَّا وَصَلَ إِلى البَيْت، لَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَدْخُلُ مَعَهُ سِوَى بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَيَعْقُوبَ وَأَبي الصَّبِيَّةِ وأُمِّهَا.
52. وكَانَ الـجَمِيعُ يَبْكُونَ عَلَيْها وَيَقْرَعُونَ صُدُورَهُم. فَقَال: "لا تَبْكُوا! إِنَّهَا لَمْ تَمُتْ. لـكِنَّهَا نَائِمَة"!
53.
فَأَخَذُوا يَضْحَكُونَ مِنْهُ لِعِلْمِهِم بِأَنَّها مَاتَتْ.
لم يكتفوا هؤلاءِ اللاّمؤمنين بقلَّةِ إيمانِهم، بل أرادوا من يائيرس أن يشارِكَهم عدمَ إيمانِهم. هم بكّاؤون استهزؤوا بكلامِ يسوعَ حِيْنَ قالَ "إنّها نائمةٌ". رفَضوا أنْ يروا قدرةَ اللهِ في ابنتِه فضحكوا من كلامِه. أخرجْهم يسوعُ، ولم يبقَ معه إلاّ بطرسُ وبعقوبُ ويوحنّا ووالدا الصّبيّةِ. يريدُ أن يُحييَها بشهادةِ قلّةٍ، رسلُه الثّلاثةُ: بطرس بصفتِه الرَّسولُ الأوّلُ. ثمّ يعقوبُ ويوحنّا. هم أَنفسُهم سيشهدون تجلِّيَه على الجبلِ (لو 9: 28) ونزاعَهُ في بستانِ الزّيتونِ. ها هم الآن يشهدون على قدرتِهِ على الموتِ، وهي استباقٌ لانتصارِهِ بالقيامةِ. لم يُرِدْ يسوعُ أن يُظْهِرَ سلطانَه على الموتِ أمامَ الجميعِ، بل أمامَ شهودٍ اختارَهم، تمامًا كما لم يَظْهَرْ للشَّعبِ كلِّه بعد قيامتِهِ من الموتِ، بل "لشهودٍ اختارَهم اللهُ مِنْ قَبْلُ" (أع 10: 41).

54. أَمَّا هُوَ فَأَمْسَكَ بِيَدِها وَنَادَى قاَئِلاً: "أَيَّتُهَا الصَّبِيَّة، قُومِي"!
55. فَعَادَتْ رُوحُهَا إِلَيْهَا، وَفَجْأَةً نَهَضَتْ. ثُمَّ أَمَرَ بِأَنْ يُطْعِمُوهَا.
56. فَدَهِشَ أَبَوَاها، وَأَوْصَاهُمَا يَسُوعُ أَلاَّ  يُخْبِرَا  أَحَدًا  بِمَا حَدَث.

فَعَلَها يسوعُ وأعادَ إليها الحياةَ بقوّةِ كلمتِه. وقد بيّنَ الإنجيليُّ لوقا ذلك، بعباراتٍ ثلاثٍ، أوّلاً: "عادَتْ روحُها إليها". في الموتِ تنفصِلُ الرُّوحُ عن الجسدِ. ويسوعُ صلّى قبلَ موتِه وقالَ: "في يديك أستودعُ روحي" (لو 23: 46). ثانيًا: "وفجأةً نهضَتْ". عادَتْ قوّةُ الحياةِ وملأتْ أعضاءَ جسمِها. ثالثًا: "أمر بأن يُطعموها" فإنْ أكّلَتْ اقتنعَ الجميعُ أنّها عادَتْ إلى الحياةِ. هذا ما سيحدُثُ ليسوعَ في قيامتِه: عادَتْ إليه روحُه، قامَ، أكلَ وشرِبَ بحضورِ تلاميذِه.
"أوصاهما يسوعُ ألاّ يُخبرا أحدًا بما حدَثَ". هذا ما طلبَهُ يسوعُ من والِدَي الصّبيّةِ، دونَ أن يطلبَه مِنَ الرُّسُلِ الثَّلاثِة الّذين شهِدوا على صنيعه. ذلك لأنّه عليهم أن يُعلنوا أسرارَ ملكوتِ اللهِ، وقيامةِ الموتى جزءًا أساسيًّا من هذه الأسرارِ، وقيامةُ ابنةِ يائيرس هي صورةٌ مُسْبقةٌ عن موتِ يسوعَ وقيامتِهِ.

خلاصة روحيّة
أظْهَرَ يسوعُ قدرتَه تجاهَ القِوى الّتي بدا الإنسانُ أمامَها ضعيفًا. هدّأ الطَّبيعةَ الهائجَةَ، حطَّمَ قدرةَ الشّيطانِ، تغلَّبَ على قدرةِ الموتِ والمرضِ الذي لا شفاءَ منه. جاءَتْ هذه المعجزاتُ الثَّلاثُ التي نقلَنا إلينا لوقا، فجعَلَتْ يسوعَ في ذروة عملِه في الجليلِ. لا شيءَ يُخيفُ البشرُ بعدَ اليومَ إن هم قبلوا أن يؤمِنوا. لقد انتزعَ يسوعُ من البَشرِ كلَّ خوفٍ من القِوى المعاديةِ. وجاءَ الخلاصُ بيسوعَ. فالّذي يؤمِنُ به يفرَحُ بقدرتِه الخلاصيّةِ. لقد بدأَتْ بركاتُ نهايةِ الأزمِنَةِ تتحقّقُ ونحنُ ننتظِرُها مُنْذُ الآنَ بالرَّجاءِ.


تحميل المنشور