إلى أين؟ (الخوف من المستقبل)

إلى أين؟ (الخوف من المستقبل)

إن كنت شابًّا تحاول بناء مستقبلٍا باهرٍ، يكفي أن تتصفّح وسائل التواصل الإجتماعي لِتَعِيَ أنّ لا شيء مضمون في هذا البلد ولا على هذه الأرض: أخبار حروب وجرائم، إنهيارات إقتصاديّة، أزمات معيشيّة... وتنتابك موجاتٌ من الأسئلة والمخاوف: إلى أين؟ حتّى متى؟ ما الذي ينتظرني في المستقبل؟ كيف لا أخاف على غدي؟ ما الذي يضمن لي السعادة اليوم وغدًا؟ 

"ثم ارتحلنا من حوريب وسلكنا كلّ ذلك القفر العظيم المخوف الذي رأيتم في طريق جبل الأموريين كما أمرنا الربّ الهنا. " (تثنية الإشتراع 1/19). ها هو موسى يخبر معاناة الشعب في البريّة، ذلك القفر العظيم، المخوف حيث لا حياة ولا ضماناتٍ ولا سبيل للخلاص. وكأنّ عبوديّة مصر لم تكن كافية، ها هو شعب الله يتوه أربعين عامًا في البريّة ويواجه صعوبات كثيرة: الجوع، والعطش، والحروب، والأفاعي واليأس. وكأنّه يذكّرني بمعاناتي اليوم، وأجد نفسي مثل هذا الشعب خائفًا من الغد، أحنّ إلى العبوديّة التي أعرفها وأتجنّب مستقبلًا لا أدري ماذا يخبّئ لي. وأسأل نفسي: لِمَ كلّ هذه المعاناة؟ لِمَ لا يتّضح أمامي المستقبل فيجنّبني الخوف القاتل؟ 

"واذكر كلّ الطريق التي سيّرك فيها الربّ إلهك في البرية هذه السنين الأربعين، ليذلّلك ويمتحنك فيعرف ما في قلبك هل تحفظ وصاياه أم لا. فذلّلك وأجاعك وأطعمك المنّ الذي لم تعرفه أنت ولا عرفه آباؤك، لكي يعلّمك أنه لا بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكلّ ما يخرج من فم الربّ يحيا الإنسان. ثوبك لم يبل عليك، ورجلك لم تتورم في هذه السنين الأربعين. فاعلم في قلبك أنه كما يؤدب الرجل ابنه يؤدبك الربّ إلهك، فاحفظ وصايا الربّ إلهك لتسير في سبله وتتقيه". (تثنية الإشتراع 8/2-6). 

وها هو سفر التثنية يذكّر الشعب بالأربعين سنة التي أمضاها في البريّة معطيًا معنى لما عاناه الشعب، شارحًا أنّ لكلّ ما حصل معه سببًا أراده الربّ. هو يريد أن يملك على قلب الإنسان، وأن يتكلّ عليه الإنسان إتّكالًا كاملًا، وقد أدّبه تأديب الأب لابنه، أي تأديب المحبّة، ويريد أن يثق الإنسان به. ولكن هل ما أمُرُّ به اليوم من مخاوف حول مستقبلي يصل بي إلى حدّ اليأس أحيانًا هو للأسباب ذاتها التي أرادها الله لشعبه؟ 


نعم، فأنا أيَضًا اليوم من شعب الربّ ومن خاصّته وما أمرّ به من مخاوف تتعلّق بالمستقبل كلّها تعني الربّ، فكما كان الربّ مع شعبه كذلك يكون معي أنا اليوم. وبما أنّ الخوف من المستقبل أمرٌ بديهي وبشريّ لربّما عليّ أن أضعَ مخطّطًا أواجه به وخاوفي ولا أجعلها تكبّلني. ومخطّطي هذا ينطلق من كلمة الله ويقوم على أربعة مبادئ: 

أوّلًا: العيش في حالة شكر دائمة: "أشكروا على كلّ حال، فتلك مشيئة الله لكم في المسيح يسوع". (1 تسالونيقي 5/18). أن أعيش في حالة شكرٍ وأبحث دومًا عن النعم التي لديّ بدل أن أركّز على النقص في حياتي، ففي الشكر الدائم قوة تقيني من العيش في اليأس والقلق والغمّ. 

ثانيًا: تجديد إتّكالي على عناية الله يوميًّا: "أنظروا إلى الغربان كيف لا تزرع ولا تحصد، وما من مخزنٍ لها ولا هري، والله يرزقها، وكم أنتم أثمن من الطيور!" (لوقا 12/24) إستنادًا إلى كلام الربّ، أجدّد كلّ يوم إتّكالي على من يعتني بكلّ المخلوقات ويعتني بي شخصيًّا وبأدقّ تفاصيل حياتي. 

ثالثًا: التأكّد من أنّ جميع الأشياء تعمل لخير الذين يحبّون الله: "وإننا نعلم أن جميع الأشياء تعمل لخير الذين يحبون الله." (روما 8/28) أدرك أنّ كلّ ما يحصل لي وحتّى الأحداث الصعبة والمؤلمة والتي لا أجد لها تفسيرًا هي جزءٌ من مشروع الله لي ولحياتي وهو قادرٌ أن يحوّل ما يصيبني من شرٍّ إلى خيري. 

رابعًا: عيش الّلحظة الحاضرة: "اليوم حصل الخلاص لهذا البيت." (لوقا 19/9) إن كنت سأعيش دومًا في يأس الماضي وقلق المستقبل فإنّي أضيّع على نفسي هديّة اللحظة الحاضرة التي فيها يريد الربّ أن يكشف ذاته لي وأن يعطيني الحياة والفرح.