كَسر الكلمة -17- أحد الموتى المؤمنين

كَسر الكلمة -17- أحد الموتى المؤمنين

أحد الموتى المؤمنين
مثل لعازر والغنيّ
( لوقا 16/  19 – 31 )
19 كَانَ رَجُلٌ غَنِيٌّ يَلْبَسُ الأُرْجُوانَ وَالكَتَّانَ النَّاعِم، وَيَتَنَعَّمُ كُلَّ يَوْمٍ بِأَفْخَرِ الوَلائِم.
20 وكانَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ اسْمُهُ لَعَازَرُ مَطْرُوحًا عِنْدَ بَابِهِ، تَكْسُوهُ القُرُوح.
21 وكانَ يَشْتَهِي أَنْ يَشْبَعَ مِنَ الفُتَاتِ الـمُتَسَاقِطِ مِنْ مَائِدَةِ الغَنِيّ، غَيْرَ أَنَّ الكِلابَ كَانَتْ تَأْتِي فَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ.
22 وَمَاتَ الـمِسْكينُ فَحَمَلَتْهُ الـمَلائِكَةُ إلى حِضْنِ إِبْرَاهِيم. ثُمَّ مَاتَ الغَنِيُّ وَدُفِن.
23 وَرَفَعَ الغَنِيُّ عيْنَيْه، وَهُوَ في الـجَحِيمِ يُقَاسِي العَذَاب، فَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيد، وَلَعَازَرَ في حِضْنِهِ.
24 فَنَادَى وقَال: يا أَبَتِ إِبْرَاهِيم، إِرْحَمْنِي وَأَرْسِلْ لَعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَعِهِ بِمَاءٍ وَيُبرِّدَ لِسَانِي، لأَنِّي مُتَوَجِّعٌ في هـذَا اللَّهِيب.
25 فَقالَ إِبْرَاهِيم: يا ابْنِي، تَذَكَّرْ أَنَّكَ نِلْتَ خَيْراتِكَ في حَيَاتِكَ، وَلَعَازَرُ نَالَ البَلايَا. والآنَ هُوَ يَتَعَزَّى هُنَا، وأَنْتَ تَتَوَجَّع.
26 وَمَعَ هـذَا كُلِّهِ، فَإِنَّ بَيْنَنا وَبَيْنَكُم هُوَّةً عَظِيمَةً ثَابِتَة، حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَجْتَازُوا مِنْ  هُنا إِلَيْكُم لا يَسْتَطْيعُون، ولا مِنْ هُناكَ أَنْ يَعْبُرُوا إِلَيْنا.
27 فَقَالَ الغَنِيّ: أَسْأَلُكَ إِذًا، يا أَبَتِ، أَنْ تُرْسِلَ لَعَازَرَ إلى بَيْتِ أَبي،
28 فإنَّ لي خَمْسَةَ إِخْوة، لِيَشْهَدَ لَهُم، كَي لا يَأْتُوا هُمْ أَيْضًا إلى مَكَانِ العَذَابِ هـذَا.
29 فقَالَ إِبْرَاهِيم: عِنْدَهُم مُوسَى وَالأَنْبِياء، فَلْيَسْمَعُوا لَهُم.
30 فَقال: لا، يَا أَبَتِ إِبْرَاهِيم، ولـكِنْ إِذَا مَضَى إِلَيْهِم وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يَتُوبُون.
31 فقالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: إِنْ كانُوا لا يَسْمَعُونَ لِمُوسَى وَالأَنْبِيَاء، فَإِنَّهُم، وَلَو قَامَ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَات، لَنْ يَقْتَنِعُوا!".

مقدّمة
في الأحدِ الآخيرِ من التّذكاراتِ، نذكرُ موتانا المؤمنين الّذين سبقونا، نصلّي من أجلِهم ليكونوا بصحبةِ الأبرارِ والصّدّيقين، ونتذكّرُ بدورِنا أنَّ اللهَ أعطانا الحياةَ لنشارِكَهُ الملكوتَ السّماويَّ، وما الموتُ إلَّا عبورٌ من غربةِ هذه الحياةِ الزّمنيّةِ إلى الحياةِ الأبديّةِ حيثُ سنَنْعُم بمشاهدةِ وجهِ اللهِ.
تختارُ الكنيسةُ لهذا التَّذكارِ مَثَلَ الغنيَّ ولعازر من إنجيلِ لوقا (16: 19 – 31 )، وعبرَه يوجِّه الرّبُّ كلامَه للفرّيسيِّين "محبّي المالِ" (16، 14) الَّذين يستهزئون بهِ وبكلامِهِ، لذلك سيُظهرُ لهم، مِن خلالِ هذا المثلِ، الفرقَ بين الإنسان الَّذي يعيشُ لذاتِه ويجعلُ ضمانَتَه في هذه الحياةِ ممتلاكاتِه فينسى اللهَ ويلغيه من حياتِه، عندَها سيكونُ مصيرُه العذابَ أي الغربةَ عن اللهِ.  أمّا الإنسان الّذي يجعلُ اللهَ ضمانَتَه الوحيدةَ في هذه الحياةِ فيعيشُ متّكلًا عليه سيكونُ نصيبُه حضنَ ابراهيمَ، أي مشاركةَ اللهِ في الوليمةِ السَّماويّةِ في الحياةِ الأبديّةِ. 

شرح الآيات
19 كَانَ رَجُلٌ غَنِيٌّ يَلْبَسُ الأُرْجُوانَ وَالكَتَّانَ النَّاعِم، وَيَتَنَعَّمُ كُلَّ يَوْمٍ بِأَفْخَرِ الوَلائِم.
في الآيةِ الأولى من هذا المثلِ، يقدّمُ لنا لوقا رجلًا لا اسمَ له، هويّتُه مرتبطَةٌ بغناه وبالتَّالي بمظهرِه الخارجيِّ وبنمطِ عيشِه. (الأرجوان والكتّان الناعم) إنّهما لباسُ الأغنياءِ والملوكِ. يذكّرُنا هذا الغَنيُّ من خلالِ وصفِ لباسِه بهيِرَودُس في أعمالِ الرّسلِ (أعمال 12 / 21 – 22 )، الّذي لبِسَ الحِلّةَ الملكيّةَ وجلسَ يخطِبُ في الشّعبِ وكأنَّه إلهٌ، وأَوْلَمَ (مر 6/ 21) في ذكرى مولِدِه وأمَرَ بقتلِ يوحنّا المعمدانِ. إذًا نفهمُ عِبْرَ هذا الوصفِ للرّجلِ الغنيِّ، بأنَّه يعيشُ متناسيًا اللهَ غيرَ منتبهٍ للآخرين، جاعلًا من نفسِهِ محورَ كلّ شيءٍ. المشكلةُ ليستْ في أنْ يكونَ المرءُ غنيًّا، أي أنْ يمتلِكَ ثروةً، المشكلةُ هي عندما يعتقدُ الغنيُّ أنّه هو محورُ كلِّ شيءٍ لذلك ينسى اللهَ وإخوتَه ويعيشُ لذاتِه.

20 وكانَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ اسْمُهُ لَعَازَرُ مَطْرُوحًا عِنْدَ بَابِهِ، تَكْسُوهُ القُرُوح.
21 وكانَ يَشْتَهِي أَنْ يَشْبَعَ مِنَ الفُتَاتِ الـمُتَسَاقِطِ مِنْ مَائِدَةِ الغَنِيّ، غَيْرَ أَنَّ الكِلابَ كَانَتْ تَأْتِي فَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ.

مقابلُ هذا الغنيِّ، رجلٌ إسمُه لعازر، أي "اللهُ يعينُ"، وهي المرّةُ الأولى الّتي يعطي فيها لوقا إسمًا لرجلٍ في مَثَلٍ. الغايةُ مِنَ الإسمِ الدلالةُ على هويّةِ هذا الرجلِ، هو "المتَّكلُ على اللهِ" أو "من الله ضمانته".
(مَطْرُوحًا عِنْدَ بَابِهِ): هذه الوضعيّةُ تؤكّدُ على فعلِ التّسوُّلِ، والفِعْلِ اليونانيِّ "مطروحًا" هو بصيغةِ المجهولِ وهذا يشيرُ إلى عدمِ قدرةِ لعازر على اختيارِ مكانِ إقامتِه بل هو مرتبِط ٌبالآخرين ويحتاجُ إلى مساعدتِهم.
 يصفُ لوقا حالةَ هذا الفقيرِ بطريقةٍ قاسيّةٍ ليُظْهِرَ لنا لا مبالاةَ الغنيِّ ونتائِجَ أنانيتِه وتغاضيَه عن حاجةِ أخيهِ.
(يَشْتَهِي أَنْ يَشْبَع)َ: الشّبعُ هو الرّغبةُ الأولى للجائِعِ، جوعُه يعكِس عجزَه وحاجتَه الأساسيّةَ للبقاءِ على قيدِ الحياةِ، فهو يشتهي بقايا أخيهِ الإنسان ولا يحصلُ عليها. الكلابُ في مفهومِ الشّعبِ اليهوديِّ كانتْ تُعْتَبَرُ حيواناتٍ وسخةً ونجسةً (مز 22: 17 – 21) وكانَتْ ترمزُ ايضًا إلى الّذين مِنْ خارجِ الشّعبِ اليهودي، أي الوثنيين. لذلك يركّزُ لوقا على ما كانَتْ تفعلُه هذه الكلاب ُتجاهَ لعازر "تَأْتِي فَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ" ليدلَّ على فعلِ الرّحمةِ الّذي أظهرَهُ الوثنيون تجاه المحتاجين أكثرَ من اليهودِ تجاه أبناءِ شعبِهم وهذا يذكِّرُنا بالسّامريِّ الصّالحِ الَّذي تفوّقَ على الكاهنِ واللّاوي في انحنائِه على المجروحِ (لو 10 / 33 – 37). 

22 وَمَاتَ الـمِسْكينُ فَحَمَلَتْهُ الـمَلائِكَةُ إلى حِضْنِ إِبْرَاهِيم. ثُمَّ مَاتَ الغَنِيُّ وَدُفِن.
الموتُ هو المصيرُ المشتركُ بين الغّنيِّ ولعازر. ما فرّقتْهُ ظروفُ الحياةِ يجمعُه الموتُ. يصوّرُ لوقا، مصرًّا، الفارقِ بين الإثنين: ماتَ لعازرُ وحَمَلَتْهُ الملائكةُ إلى "حضنِ إبراهيم" اشارةً إلى الحياةِ الأخرى وأنّه  في راحةٍ وسعادةٍ، فقد اعتبرَ اليهودُ المشاركةَ في مأدبةِ إبراهيم "أبي المؤمنين" (متى8:11) ثوابًا للصّالحين بعد موتِهم، وأمّا الثّوابُ الأعظمُ فهو الجلوسُ في حضنِ إبراهيمَ. أمَّا الغنيُّ فقد دُفِنَ، أي حصلَ على ما يليقُ بمقامِهِ بالمفهومِ الأرضيِّ، لكنَّهُ دخلَ في ظلمةِ القبورِ حيْثُ لاحياةَ. 

23 وَرَفَعَ الغَنِيُّ عيْنَيْه، وَهُوَ في الـجَحِيمِ يُقَاسِي العَذَاب، فَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيد، وَلَعَازَرَ في حِضْنِهِ.
24 فَنَادَى وقَال: يا أَبَتِ إِبْرَاهِيم، إِرْحَمْنِي وَأَرْسِلْ لَعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَعِهِ بِمَاءٍ وَيُبرِّدَ لِسَانِي، لأَنِّي مُتَوَجِّعٌ في هـذَا اللَّهِيب.
25 فَقالَ إِبْرَاهِيم: يا ابْنِي، تَذَكَّرْ أَنَّكَ نِلْتَ خَيْراتِكَ في حَيَاتِكَ، وَلَعَازَرُ نَالَ البَلايَا. والآنَ هُوَ يَتَعَزَّى هُنَا، وأَنْتَ تَتَوَجَّع.
26 وَمَعَ هـذَا كُلِّهِ، فَإِنَّ بَيْنَنا وَبَيْنَكُم هُوَّةً عَظِيمَةً ثَابِتَة، حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَجْتَازُوا مِنْ  هُنا إِلَيْكُم لا يَسْتَطْيعُون، ولا مِنْ هُناكَ أَنْ يَعْبُرُوا إِلَيْنا.

بعدَ الموتِ نتفاجأُ بالتّغييرِ الّذي حصلَ، الآنَ يتألّمُ الغنيُّ في العذاباتِ وينعمُ لعازرُ بأحضانِ إبراهيم. ما يلفُتُ انتباهَنا، أنّ حُكْمَ ابراهيمَ على لعازرَ والغنيِّ لا يرتبطُ باستحقاقاتٍ أو خطايا، إذ لا يذكرُ المثلُ الخطايا والإساءاتِ الّتي قامَ بها الغنيُّ، ولا يذكرُ أيضًا أيَّ استحقاقاتٍ قامَ بها لعازرُ. لا يتوقَّفُ المثلُ عندَ تصويرِ الآخرةِ وإنّما يظهرُ لنا، وتحديدًا عِبْرَ هذه الآياتِ وضعَ هذين الشَّخصين في الحياةِ الثّانيةِ، فيبيّن أنّ الحياةَ بعدَ الموتِ هي عكسُ ما نعيشُه على الأرضِ، فلوقا في هذا المثلِ يعلنُ امتيازَ الفقراءِ عندَ اللهِ وتعساةَ الأغنياءِ، ويؤكِّدُ على الهوَّةِ التي تفْصِلُ بين الإثنين، فلا يستطيعُ لعازرُ أنْ يجيءَ إلى الغنيِّ ولا الغنيُّ أنْ ينضمَّ إلى لعازرَ. لقدْ أرادَ لوقا أنْ يقولَ لنا أنّ مصيرَ الإنسان بعدَ الموتِ يتحدّدُ بشكلٍ نهائيٍّ لا رجوعَ عنْهُ.

27 فَقَالَ الغَنِيّ: أَسْأَلُكَ إِذًا، يا أَبَتِ، أَنْ تُرْسِلَ لَعَازَرَ إلى بَيْتِ أَبي،
28 فإنَّ لي خَمْسَةَ إِخْوة، لِيَشْهَدَ لَهُم، كَي لا يَأْتُوا هُمْ أَيْضًا إلى مَكَانِ العَذَابِ هـذَا.

في هاتينِ الآيتَيْنِ نستنتجُ أنّ الغنيَّ استسلمَ لوضْعِهِ، لكنَّهُ بدأَ يفكِّرُ بإخوتِه الّذين ما زالوا يحيون حياةَ البذخِ الّتي كان يعيشُها هو، لذلكَ يقدِّمُ اقتراحًا بعودةِ لعازرَ اليهم لينبِّهَهُم. يطلبُ الغنيٌّ علامةً تُدْهِشُ إخوتَه علَّهُم يتوبون، ويذكِّرُنا هذا الأمرُ باليهودِ الذين طلبوا من يسوعَ آيةً ليؤمِنوا به (لو 11/ 16، 29).

29 فقَالَ إِبْرَاهِيم: عِنْدَهُم مُوسَى وَالأَنْبِياء، فَلْيَسْمَعُوا لَهُم.
30 فَقال: لا، يَا أَبَتِ إِبْرَاهِيم، ولـكِنْ إِذَا مَضَى إِلَيْهِم وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يَتُوبُون.
31 فقالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: إِنْ كانُوا لا يَسْمَعُونَ لِمُوسَى وَالأَنْبِيَاء، فَإِنَّهُم، وَلَو قَامَ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَات، لَنْ يَقْتَنِعُوا!".
في جوابِ ابراهيمَ رسالةٌ للشّعبِ اليهوديِّ، الّذي قدَّمَتْ إليهِ علاماتٍ كثيرةً ليتوبَ ويعودَ إلى اللهِ. فموسى كاتِبُ الأسفارِ الخَمْسةِ بحسَبِ التّقليدِ، أوصّى بالفقيرِ حيْثُ نقرأُ في سفرِ تثنيةِ الاشتراعِ: "إِذا كانَ عِندَكَ فقيرٌ مِن إِخوَتكَ في إِحْدى مُدُنِكَ، في أَرضِكَ الَّتي يُعْطيكَ الرَّب إِلهُكَ إِيَّاها، فلا تُقَسِّ قَلبَكَ ولا تَقبِضْ يَدَكَ عن أَخيكَ الفَقيرِ، بلِ افتَحْ لَه يَدَكَ وأَقرِضْه مِقْدارَ ما يَحْتاجُ إِلَيه". (تث 15: 7-8). والانبياءُ أنْبأوا وحذّروا من إهمالِ الفقيرِ. إنّها دعوةٌ للإصغاءِ إلى كلامِ اللهِ وعيشِه لأنّ فيه الخلاصَ الحقيقيَّ.
وفي الآيةِ الأخيرةِ يشيرُ لوقا إلى قيامةِ يسوعَ، ليؤكِّدَ لسامعيه أنَّ مَنْ أغلقَ قلبَه عنِ الإيمانِ، لن تُقْنِعَهُ حتّى قيامةُ المسيحِ. لذلك يركّزُ على سماعِ الكلمةِ وهذا ما سيُظهِرُه في خبرِ ظهورِ المسيحِ لتلميذيّ عَمَّاوُس بعدَ القيامةِ، ليقولَ للجماعةِ الأولى أنَّ المسيحَ القائِمَ أظهرَ حقيقتَه من خلالِ شَرْحِ الكُتُبِ المُقَدَّسَةِ والأنبياءِ.

خلاصة روحيّة
في أحدِ تذكارِ الموتى وفيما نَذكُرُ أحباءَنا الّذين غادرونا إلى ديارِ الآبِ، ونرفعُ الصّلاةَ لراحةِ أنفسِهم، نتأمّلُ بِمَثَلِ الغنيِّ ولعازرَ ونرى فيه نداءَ ودعوةٍ لتوبةٍ حقيقيّةٍ. هذه التوبةُ تبدأُ بالإصغاءُ إلى صوتِ اللهِ من خلالِ الإصغاءِ إلى كلمتِهِ وتكتملُ بالخروجِ من الذَّاتِ والانتباهِ إلى الآخرِ وعيشِ الرّحمةِ تجاهَهُ. عندما نذكرُ موتانا، نقِفُ بصمتٍ أمامَ حقيقةِ الموتِ المخيفةِ، وندركُ أنَّ ما نعيشُه اليومَ على هذه الأرضِ لا قيمةَ له إلّا إذا كانَ فعلَ حبٍّ ومشاركةٍ تجاهَ إخوتِنا الصّغارِ، ونُدرِكُ أيضًا أنّ الضَّماناتِ الأرضيّةَ التي نتعلّقُ بها لا قيمةَ لها أمامَ الضَّمانةِ الوحيدةِ والأكيدةِ اّلتي هي اللهِ، وهذا ما يعبِّرُ عنه اسمُ لعازرَ "الله معونتي".
في زمنٍ كَثُرَ فيه الموتُ، وكَثُرَ فيه رحيلُ الآحبَّةِ الموجِعُ، نرفعُ صلاتَنا إلى اللهِ الآبِ برجاءٍ وطيدٍ، من أجلِ من سبقونا ونحن مؤمنون بأنّهم يعودون إلى حضنِ الآبِ السّماويِّ إلى موطنِهِمْ الحقيقيِّ حيْثُ لا فسادَ ولا ألمَ، لا جوعَ ولا مرضَ. نَقِفُ أمامَ حقيقةَ الموتِ هذه منتبهين أنَّ حياتَنا لا قيمةَ لها إلّا إذا صارت كحبّةِ الحِنْطَةِ الّتي تموتُ في الأرضِ لتعطيَ ثمارًا كثيرةً.


تحميل المنشور