المشروع الكهنوتي للخوري روني شمعون

المشروع الكهنوتي للخوري روني شمعون

"ما من حبّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل من يحبّ" (يوحنا 15/ 13)

لقد اخترتُ هذه الآية من إنجيل يوحنّا كشعارٍ لكهنوتي، شعارٌ اختبرته في دعوة الربّ لي وسأسعى أن أعيشه خلال حياتي الكهنوتيّة.

إنّه حبّ الربّ العظيم لي الذي دفعني لأتبعه في الدعوة الكهنوتية وأدخل إلى الإكليريكيّة. لقد أحبّني الربّ حبًّا عظيمًا حين خلقني وأعطاني عائلةً ربّتني على الحبّ المجّاني: أبي جوزاف الذي كان في السنوات الثلاث عشرة الأولى من حياتي مثالًا لرجل الصلاة وللأب المتفاني والمضحّي لعائلته والإنسان المؤمن حتّى في قلب المرض والصعوبات، والذي بقي بعد أن سبقني إلى الآب السماوي رفيقًا دائمًا في حياتي، أمّي لوديا التي تحيا أمامي كعلامة للحبّ الذي يبذل نفسه ويعطي حتّى يوجع العطاء، وإخوتي: آلان، آلين وإميل رفاق الدرب و علامات لحبّ الرب لي بوقوفهم إلى جانبي في كلّ مراحل حياتي. حبّ الرب تجلّى في عائلتي التي اختبرت العناية الإلهيّة التي علّمتنا أن نرجو حيث لا رجاء ونؤمن بالنور رغم الظلام.
لقد أحبّني الربّ حبًّا عظيمًا حين أعطاني مواهبًا علميّة أهّلتني أن أدخل إلى كليّة الطبّ. ولكنّه زرع أيضًا في قلبي رغبة أعمق للبحث عنه، فرحتُ أبحث ولم يرتاح قلبي إلّا فيه. حين شعرت بكلّ كياني أنّي محبوب في قلب ضعفي، لم أعد أريد سوى أن أخبر العالم عن هذا الحبّ العظيم، فصلّيت وبكيت ولم أجد فرحي إلّا في الدعوة الكهنوتيّة وفي الخدمة الرعويّة التي تبذل نفسها إلى الغاية، فكان الخوري شادي بوحبيب مثالًا أمامي للكاهن الذي يبذل نفسه وللخادم الفرح.
لقد أحبّني الربّ حبًّا عظيمًا حين رافقني في مسيرتي منذ دخولي إلى الإكليريكيّة ببركة المثلّث الرحمات المطران يوسف بشارة الذي كان أمامي مثالًا للأب المحبّ وتتوجّت المسيرة بسيامتي الشدياقيّة في الإكليريكيّة البطريكيّة ببركة المثلّث الرحمات المطران كميل زيدان الذي كان مثالًا للراعي المتفاني والمحبّ. تجلّى حبّ الرب لي بتجديد دعوته لي في قلب كلّ العواصف والأزمات خلال سنوات الإكليريكيّة الستّ وقد عشت خبرات رعويّة بالتوازي مع التنشئة الإكليريكيّة مع كهنة عدّة وخاصّة المونسينيور ايلي صفير الذي كان مثالًا للكاهن الأمين النشيط والمعطاء إلى أقصى حدود. 
لقد أحبّني الربّ حبًّا عظيمًا حين وضع على طريقي شريكة عمري ميرنا فضول فجمعنا الحبّ والهدف المشترك، هدف تأسيس عائلة تشهد لحبّ الرب في محيطها وتحيا كعائلة كهنوتيّة تعكس نور يسوع في ظلام هذا العالم. 
حبّ الرب العظيم لي يتجلّى في كلّ يوم من حياتي في كلّ النعم وخاصّة في المحن والضعف والنقص. ومشروعي الكهنوتيّ إنّما هو فعل شكرٍ  دائمٍ للربّ على الحبّ الذي أحبنّي إيّاه، وما سأسعى أن أعيشه في كهنوتي يتمحور حول رسالة الكاهن في التعليم والتدبير والتقديس.

أوّلًا: في التعليم:
وجه يسوع الرحوم الذي يحنو على الضعيف والخاطئ والمسكين هو محور رسالتي التعليميّة. إنّه وجه يسوع  المتجسّد، إبن الله وابن الإنسان الذي يضع الأبرص في وسط الجماعة و يدعو الأعمى ليأتيَ إليه ويقيم في بيت زكّا ويبحث عن الخروف الضال وينتظر الإبن الشاطر و يقبل اللّص التائب في ملكوته. في عالمٍ يبحث عن المعنى ويلغي الله من يوميّاته وأولويّاته، يحتاج الإنسان أن يتعرّف على إله حيّ يشعر به ويجيب على تساؤلاته الوجوديّة. في هذا العالم المأخوذ بالتطور العلمي والتكنولوجي، تحتاج الكنيسة أن تذهب إلى الإنسان وتلاقيه هنا والآن.
 وجه يسوع الذي يعطي ذاته بحبّ مجانيّ  وتسليم كليّ للآب هو أيضًا محور هذه الرسالة. في عالم الفرديّة والأنانيّة والبحث عن الأنا فقط، يأتي حبّ المعلّم ليشفيَ الإنسان ويملأ فراغه. سأسعى في رسالتي الكهنوتية أن أعيش ما أعلّمه فأهبَ ذاتي لمن أوكلهم إليّ الرب من خلال إعطاء الوقت والإصغاء وأشهد للحبّ الذي نلته من الربّ، حبّ يقبل الإنسان كما هو فيدعوه لكي يصبحَ أكثر إنسانيّة، أكثر قداسة بل أكثر ألوهيّة. 

ثانيًا: في التدبير:
لقد استطعت خلال فترة تنشأتي أن أختبر أنماط متعدّدة من الرعايا كالساحليّة والوسطيّة، النشيطة والأقل نشاطًا وأساليب مختلفة في إدارة الرعايا من قبل عدّة كهنة. ما سأسعى أن أعيشه في رسالتي التدبيريّة هو البعد التنظيمي الذي يساعد الرعيّة على النمو دون أن ترتبط فقط بشخص معيّن. من هنا أهميّة العمل على روح الفريق أوّلًا بين الكهنة: أهميّة خلق جماعة كهنوتيّة خاصّة إن كنت في رعيّة يخدمها كاهن ومعاونين، جماعة تنمو في جوّ من المحبّة الكنسيّة والدعم للآخر من أجل إنجاح العمل الرعويّ. 
وتأتي بعدها أهميّة العمل على خلق كوادر تعاون الكاهن وتدعمه وتكمل المسيرة حتّى ولو لم يعد موجودًا في هذه الرعيّة من خلال تنشئة علميّة قائمة على وسائل التواصل الحديثة. 
سأسعى لكي أعيشَ رسالتي التدبيريّة من خلال مبدأ المحبّة الذي يسبق الشريعة ولكن دون أن أنسى الأمانة التي يوكلني إيّاها الربّ على صعيد البشر وإنّما أيضًا عل صعيد الحجر. 

ثالثًا: في التقديس:
مهمّة التقديس هي في الواقع الهدف الأسمى لكلّ خدمتي الكهنوتيّة فإنّي لأجلهم أقدّس ذاتي. ليست القداسة صورة تقوى جميلة، إنّها فعل صلاة يوميّة مجبول بالسجود أمام المصلوب. أقدّس ذاتي فأحافظ أولًا أنا على علاقتي بالرب، علاقة قائمة على الإصغاء له في كلمته وليس فقط على التكلّم أمامه، وعلى الثبات في الصعوبات و على تجدّد الحب وإبقاء شغف الحبّ الأوّل مع مرور السنوات والغرق في الروتين اليومي. 
عيش الليتورجيا والأسرار هو المكان الذي تعطيه الكنيسة لتقديس الجماعة، من هنا سأسعى في كهنوتي لكي أعيش الأسرار برهبة وخشوع في كلّ مرّة دون الغرق في النمطيّة والروتين. سأسعى أن أصلّي هذه الأسرار لكي تنعكسَ هذه الصلاة على الجماعة المصليّة. سأسعى أن يكون احتفالي بالأسرار مكانًا للقاء بالرب وللتعليم بما أنّ مؤمنين كثيرين لا إمكانيّة لهم للذهاب إلى العمق سوى في "المناسبات" الليتورجيّة.
أسأل الرب أن يعطيني الثبات والقوة لأعيش ما كتبته وأكون نقطة صغيرة في محيط حبّ الرب، نقطة ضوء في ظلمة العالم، وأن أخرجَ من هذا العالم وقد خلّصت نفسي وسعيت لخلاص نفوس من أوكلهم إليّ الرب.
ختامًا أشكر الرب على حبّه لي وعلى نعمة الكهنوت التي سأنالها عن غير استحقاق. أشكر عائلتي التي تساندني دومًا، وكنيستي المتمثّلة بالأساقفة الذين كانوا أمامي مثالًا للسهر على الرعيّة والتعليم القويم والكهنة الذين تعلّمت منهم في الرعايا التي خدمت والإكليريكية وكل رفاق الدرب فيها والكهنة الذين سهروا على تنشئتي وكلّ مؤمن صلّى لي وطلب منّي أن أصلّي من أجله. وأطلب منكم أن تصلّوا لأجلي لكي أعيش هذا المشروع وأشهد أنّ ما من حبّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل من يحبّ.