المشروع الكهنوتي للخوري بولس (توفيق) الراعي

المشروع الكهنوتي للخوري بولس (توفيق) الراعي

أسأل الله قبل كلّ شيء أن يبارك سهر أبرشيتي على تنشئتي ومرافقتي في دعوتي من أساقفة وكهنة كانوا لي خير دليل، وأتقدّم من سيادتكم بالشكر لوقوفكم وسلفكم المثلث الرحمات سيادة المطران كميل زيدان بجانبي، فكانوا لي مثالاً ساعدني لأحبّ كنيستي أكثر.
قبل أن أعرضَ أمامكم مشروعي الكهنوتي أرسم إشارةَ الصّليب وأعلن إيماني بالله الواحد، الآبِ الذي خلقني، والإبنِ الّذي خلّصني، والروحِ القدس الذي يحييني ويقدّسني، مستلهمًا الروحَ القدسَ حتى أُحمّل كلماتي ما سأسعى لعيشِه في دعوتي الكهنوتيّة، الّتي لا أستحقها ولست بعظمتِها ولكنّني واثق أن اللهَ قادر أن يصنعَ منّي ما يريدُ داخلَ كنيستِه المؤتمنة على تحقيقِ تدبيرهِ الخلاصيّ، كما وأنّها مؤتمنةٌ على وديعةِ الإيمان وعلمِ اللاهوت من خلال وظائفِها الثلاث، التي أشركها فيها المسيحُ لكي تمارسَها باسمِه، وهي النبوّةُ والكهنوتُ والملوكيّة.
إنطلاقًا من هذه الوظائفِ الثلاثِ أعي أنّ لي دورًا في هذه الكنيسة سأتطرق إليه من خلال المهمّات الثلاثِ التي أشترك بها وهي: التعليمُ والتقديسُ والتّدبير.

- التعليم مهمّة نبويّة :"أمضوا وتلمذوا كل الأمم"، تهدف إلى "تلمذة الأمم" بالكرازة والتعليم. من خلالِها أعي أن دوري يقوم على مساعدة المؤمنين كي يبلغوا إلى معرفة الحقّ. لذلك أعد أن أبقى بعلاقة حيّة مع الله ومع كلمته، أساسها الكتاب المقدّس وركائزها الصلاة والمطالعة.

- التقدّيس مهمّة كهنوتيّة: "وعمّدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس"، تبدأ بالمعموديّة التي هي بابُ الأسرار، وتنتقل لتشملَ الصلاةَ والعملَ الرسوليَّ وخدمةَ الكلمةِ والأسرارَ جميعَها. في هذه المهمة أنا أعي أنّه عليّ أن أعيشَ كلَّ شيء بالمثل والقدوة أي أن أصدّق أوّلا ما تحملُه العباراتُ والحركاتُ الليتورجيّة من أسراريّة. على قول غبطة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، الهدفُ الأخيرُ من هذه المهمّةِ هو البلوغُ بالقطيع إلى الحياة الأبديّة.

التدبير مهمّة ملوكيّة : "وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به"، تقوم على بناء جماعة المؤمنين برباط الوحدة والمحبّة. إنطلاقًا من الوصيّتين أرى أنّ ممارستي لهذه المهمّة هي بهدفِ بناءِ الجماعة الكنسيّة بروح الخدمة على مثال الرّبّ يسوعَ الذي جاء "ليخدُمَ ويبذلَ نفسَه فدًى عن كثيرين" (متى20/  28). ولكي أبنيَ الجماعةَ عليّ أن أعيشَ الوحدة والمحبة مع إخوتي الكهنةِ وأحسنَ تدبيرَ الرعيّة بأفضل طريقة من أجل تقديسِها وبنيانها.

خلال السنوات التي عشتها في الإكليريكية رافقتني مفاهيمُ عديدةٌ وقناعاتٌ صقلتها علاقتي بالله، بأهلي وبكل من كان له دور في دعوتي.
فيما يلي أستعرضُ آياتٍ تلخّصُ من جهة مشروعي الكهنوتي ومن جهة أخرى تنير لي نهجَ حياة اطمحُ لعيشِهِ بقداسة من اجل خدمة الرب والنفوسِ القريبة والبعيدة عنه. وأضع أمامكم خطَّ عملٍ أستمدُّها من كلمة الله الّتي قادتني إلى هنا وكلّي ثقةٌ أنها ستقودُني دائمًا أبدًا في دعوته لي إلى القداسة في قلبِ كنيسته.

إنّ مشروعي الكهنوتي يُقسَم إلى قسمين نظرًا لكوني كاهنًا متزوجًا.
بعد عشرين سنة كطالبٍ إكليريكيّ لا يمكنني إلَا أن اقول أنّي لا ولن أجد نفسي ككاهن سوى الذي يعيش على هدي الروح وحيث تحتاجني كنيستي سأكون على أتمّ الاستعداد لأقدّم لها يدي ورجليّ وقلبي، إذ هذا ما تميّزت به مسيرتي كإكليريكي وسأسعي أن يتميّز كهنوتي بالسمة نفسها.

السامرية: يوحنا 4/5
إنّ مشهد المسيح الجالس على البئر ينتظر السامريّة لطالما شكل نقطة تحوّل في نظرتي للأمور. ننتظر بصبر عودة الناس حتى نقربّهم من المسيح، وهنا رحمة الكاهن.  فبقدر ما أسعى لأمتلِئ من هذه الرحمة بقدر ما أتأهّل لأقود الناس للتقرّب من رحمة المسيح بصبر. بقدر ما أسعى لألتقي بالمسيح الذي التقاني مرات عديدة على بئر حياتي، بقدر ما سأكون هذا الكاهن القادر والجاهز على الصبر والإصغاء. أضف إلى ذلك أنّه ما المنفعة أو القيمة إذا التقى الكاهن فقط مع الذين يرتاح إليهم. الكهنوت هوَ أن تكون أنتَ أيها الكاهن جالس على البئر تنتظر كلّ إنسان، وأيضًا تفتّش عنهم.   
أضف إلى ذلك أنّي ككاهن سعى أن يتخصّص في مجال الإنسان فإنّي سأسعى كي تكون كلّ معرفتي وكلّ طاقاتي هدفها السير بالرعيّة التي أنا مؤتمن عليها إلى الامام حتى بذل الذات.
أمّا من الناحية العائلية فمشاركة عائلتي بالرعيّة سيعود إلى قرار شخصي لأفرادها.
أمّا من الناحية العلائقية سأسعى كي نكمل المسيرة التي بدأناها أنا وزوجتي بأن نشهد لحب الربّ لنا واستسلامنا المطلق لمشيئته.

سيادة المدبر كما تقول الرسالة التي صدرت من مجمع الإكليروس البابوي الحبري، الموجّهة إلى الكاهن"الكاهن شاهدٌ للرحمة وللخدمة، الأمر الذي استوقفني في هذه الرسالة  هو التالي: "أيّها الكاهن أنتَ سرّ الرحمة". عنوان غير مألوف. فنحن نعرف أسرار الكنيسة، والمسيح هو سرّ الأسرار، فأتت هذه الرسالة تقول للكاهن، أنتَ أيّها الكاهن، هوَ سرّ الرحمة.
رسالة عميقة وجميلة وفيها محاور عديدة ولكن من وجهة نظري فقد ساعدتني هذه الرسالة كي أتعرّف على صورة كاهن المسيح الذي هو سرّ الرحمة، وطبعًا هذه الرحمة تتجسّد بالخدمة. خدمة الكاهن التي هي عزيزة عليّ إذ إنّ خبرتي على طريق الكهنوت امتازت بهذا السعي.
رسالة الكاهن هيَ أن يقود الناس إلى ينابيع رحمة الفادي. الكاهن هو شاهد لهذه الرحمة ومعلن هذا النداء. أيّها الكاهن أنت سرّ الرحمة، وعندها الكاهن هوَ غنيّ بعينيّ الله وكم خدمته وعمله يصبحان غنى في نظر الله. وغنى الكاهن والكهنوت لا يقوم من خلال الأعمال التي يعملها أو النشاطات التي يحقّقها، غنى الكاهن يقوم من خلال مَن هوَ هذا الكاهن. مَن نكون نحنُ كهنة المسيح؟

"أنا معك، لا تَخَف"
أمام الضعف وأمام الخوف أنا مدعو أن أكون صادقاً بشهادتي للمسيح،الرسل اختبروا حقيقة الربّ القائم من الأموات وقبلوا محبّته التي ترحم وأصبحوا من خلال هذا الاختبار شهودًا لهذه المحبّة. وأنا أيضًا مدعو بصدقٍ ووعيٍ أن أعيش الاختبار، أنّ الكهنوت لا يكمن أن يكون كهنوتًا حقيقيًا إلا انطلاقًا من خبرة مع المسيح القائم.  فلا نبعٍ يمكن أن يملأ قلبَ كاهن سوى رحمة الربّ التي أساسها الكتاب المقدس الذي كان النور في أحلك أوقات حياتي. 

في الختام، الخدماتُ الثلاثُ والنقاطُ التي تطرّقتُ لها قد تلخّصُ وتشيرُ إلى دوري ككاهن وهي مرتبطةٌ ارتباطًا وثيقًا بعضُها ببعضها الآخَر وأرجو ألاّ أهملَ أيَّ مهمة منها، من جهتي أرجو أن أتبعَ تعاليمَ الكنيسةِ وأقدّمَها بروحانيّة نقّية واقتناع كلّي بها؛ أن أتّحدَ بالله من خلالِ أسراره وأن أسعى ألا أعيشَ الإزدواجيّةَ والتمثيلَ وأبقى شفّافًا في تعاملي مع الآخرين؛ وأن أحسن التّدبيرَ والإهتمامَ بشعبِ الله باحترافيّة، وذلك بهدفِ تقديم المسيحِ لهم بأفضلِ طريقةٍ ومساعدتِهم ليلتقوا بالمسيحِ بأفضلِ شكل.