مريمُ المرأةُ الجديدةُ، سيّدةُ الكونِ الحقيقيّة

مريمُ المرأةُ الجديدةُ، سيّدةُ الكونِ الحقيقيّة

"لم تأتِ ساعتي بعد" (يو2/4) 

يأتي عرسُ قانا الجليلِ في اليومِ السّابعِ من الأسبوعِ الأوّلِ الّذي يفتتحُ يوحنا الحبيبُ انجيلَهُ. هذا الأسبوعُ هو متوازٍ للأسبوعِ الأول في سفرِ التّكوينِ. 

فكما أنّ في سفرِ التكوينِ، في البدءِ خلقَ اللهُ الأرضَ وما فيها، ومنْ ثمَّ خلقَ الإنسانَ الأوّلِ على صورتِه ومثالِه، ذكرًا وأنثى خلقَهما، وكان منهُما الخطيئةُ الّتي أوصلتِ البشريّةَ إلى الموتِ. يجهدُ الإنجيليُّ يوحنا، في بدايةِ انجيلِه، ليظهرَ أنّهُ "في البدءِ كان الكلمةُ" قبل الخلق (يو1/1)، ومن ثمَّ كان الخلقُ والتّجسّدُ من خلالِ امرأةٍ جديدةٍ أعطتْ للبشرِ يسوعَ المسيحِ الّذي يعطي الحياةَ. فتسميّةُ مريمُ العذراءِ بالمرأةِ يأتي في هذا السياق. 

 
هنا نفهمُ أنَّ عرسَ قانا هو لإبرازِ المسيحِ المخلصَّ أيّ الانسانِ الجديدِ، ابنِ المرأةِ الجديدةِ. فنحنُ لا نعلمُ مَنْ هو العريسُ والعروسُ، إنّما التركيزُ والمحورُ هو على يسوعِ العريسِ السماويّ. في بدايةِ المقطعِ نقرأ: "دُعيَتْ أمُّ يسوعِ ومن ثُمّ، دُعِيَ يسوع ُوتلاميذُهُ" (يو2/1-2). وفي نهايةِ المقطعِ، نقرأُ: "هذه هي الآيةُ الأولى التي صنعَها يسوعُ في قانا الجليلِ فاظهرَ مجدَهُ وآمنَ بِه تلاميذُهُ" (يو2/11). وعندما رجِعوا إلى كفرناحومَ، يُركّزُ يوحنا الإنجيليُّ أنّه رجعَ يسوعُ وأمُّهُ وأخوتُهُ وتلاميذُهُ (يو2/12). 

 
يُذكّرُ الجميعَ من خلالِ يسوعِ المحورِ، أنَّهُ العريسُ، والانسانُ الجديدُ، والحملُ الّذي وجّهَنا إليه يوحنا المعمدان. في هذا الإطار، الخلقُ الجديدُ، وإبرازُ آدمَ الجديدَ الّذي يعطي الحياةَ، تأتي صورةُ المرأةِ أمُّ يسوعِ. فهي رُغمَ أنَّ يسوعَ يرفضُ أنّ يبدأَ بشارتَهُ العلنيّةَ "لم تأتِ ساعتي بعد" (يو2/4)، تصرُّ مريمُ المرأةُ الجديدةُ، سيّدةُ الكونِ الحقيقيّةُ، أنّ يبدأَ مسيرتَهُ الخلاصيّةَ "افعلوا ما يأمرُكم بِهِ" (يو2/5). من هنا نفهَمُ لماذا مريمُ المرأةُ الجديدةُ تظهرُ مرّتيْن في إنجيل يوحنا:

- مرةً في بدايةِ الإنجيلِ (عرس قانا) لإعطاءِ العريسِ الحقيقيّ للعالمِ من خلالِ المرأةِ الجديدةِ الّتي بمبادرتِها يبدأُ الخلاصُ للبشريةِ.

- ومرّةً أخرى في نهايةِ انجيلِهِ، وبمبادرةٍ منه، وتحديدًا على الصليبِ، حيثُ العريسِ "الحملِ المذبوحِ" (رؤيا 5/6)، يقدّمُ مريمَ المرأةَ الجديدةَ كأمٍّ للبشرّيةِ جمعاءَ: "يا امرأة، هذا هو ابنُك" (يو19/37).

هذا الشمل (INCLUSION)، يضمُّ كلَّ مسيرةِ المسيحِ الخلاصيّةِ. 

 
من هنا خلاصةُ القولِ، عندما يقولُ يسوعُ لمريمَ: "ما لي ولك يا امرأة، لم تأتِ ساعتي بعد"، تصبُّ في هذا الإطارِ، أنَّهُ ليس سهلٌ عليَّ أن أقومَ برسالةِ الخلاصِ التي تبدأُ بتحويلِ الماءِ إلى خمرٍ، وتنتهي بتحويلِ الخمرِ إلى دمٍ.