ما بين الكفر والإيمان

ما بين الكفر والإيمان

في خضمّ الأزمة التي تواجهنا، من البديهيّ أن نسأل لماذا؟

هو سؤال معضلة على المستوى الوجوديّ، لا بل هو "المعضلة" بامتياز. مشكلة الإنسان الكبرى أختزلها بكلمتين: المعنى واللاّمعنى. كلّ ألمٍ ووجع لا معنى لهما، كلّ وباء ومرض لا معنى لهما... وهنا يكمن كلّ الوجع. وما يزيدنا ألمًا، تلك القراءات التي نسمعها: فهذا يرى في الألم امتحانًا إلهيًّا، وذاك يرى فيه عقابًا سماويًّا، وآخر يرى في "الكورونا" حربًا شيطانيّة ممّا يستدعي تدخّلاً عاجلاً لفرقةِ من نصّبوا أنفسهم مقسّمين حتى يطردوا الشياطين من بيننا... هذه القراءة المتطرّفة دفعت برجالات العلم والطبّ إلى التطرّف خوفًا على أبحاثهم واحترامًا لعقلهم وذكائهم... أمّا نحن، فوجدنا أنفسنا مُرغمين  أمام خيارين لا ثالث لهما: إمّا الالتحاق بالفريق الأوّل فيُنظر إلينا على أننّا أغبياء، إمّا أن نناصر الثاني فنُكفَّر ويُحللُّ ذبحنا.

أنا لا أؤمن بمسيحيّة لا تحارب الوجع والألم، مسيحيّتي فرح وسعادة. كيف لا، وكتابها "بشرى سارّة ومُفرحة"؟!

أنا أرفض إلهًا لا عمل لديه غير التفنّن بتنفيذ ضربات وإرساله أوبئة ليمتحن إيمان شعبه.

أنا لا أؤمن بإلهٍ لا ينمو حين أنمو أنا، ولا يكبر حين أكبر أنا... أتعتقدون أنّ الله ينافسنا؟! تستحضرني هنا كلمة للقدّيس إيريناوس "مجد الله هو الإنسان الحيّ".

هنا صلب المشكلة، نحن لم نؤمن بعد أن الله أب، والأب يتمجّد بنجاح أبنائه. مشكلتنا أننّا تربّينا أن نلجأ إلى الله في لحظات الفشل، فنأخذ ترابًا من هنا وزيتًا من هناك... أمّا العلم فإن حققّ نجاحًا ففي ذلك انتصار على الله وخذلانٌ للإيمان.

الله هو داخل التقدّم وداخل العلم والطبّ والتطوّر، فبدل أن نرى في العلم نشاطًا مضادًّا لله، فلمَ لا نرى الله في عمق الحياة البشريّة وفي صلب العمل البشريّ؟! إلهنا إله حيّ وخلق إنسانًا حيًّا حتى يتمجّد به...


الوقت الآن للصلاة، على نيّة الشعوب مؤمنةً كانت أم غير مؤمنة...

الوقت وقت صلاةٍ على نيّة الأطبّاء والعلماء والباحثين حتى يكتشفوا الدواء الناجع فيمجّدون الله الذي يعمل من خلالهم وبواسطتهم...

الوقت الآن وقت شهادة صادقة لحبّ الله المتوجّع اليوم مع شعبه، يشاركهم همّهم وقلقهم وخوفهم...

أمّا معنى ما يحصل، فلنترك الأيّام الآتية تكشف لنا إرادة الله الذي بحبّه سيرفض حتمًا أن يخرج هذا الحدث عن تدبيره الخلاصيّ، فيحوّل آلامنا ودموعنا إلى وسيلة تقديس... 

إلهي لا يعرف غير لغة المحبّة، وبغير حبّه لن أقبل.

إلهي مات عنّي حتّى أعيش الحياة بوفرة، وغير حياة حقّة لن أعيش.

إلهي خلقني إنسانًا حيًّا، وسأترك لكم سحركم وشعوذاتكم وأهرب إلى فكري ولاهوتي وإلى العلماء والباحثين وبأقلّ من ذلك لن أقبل... 


فهل في ذلك كفرٌ؟

نعم، هو كفرٌ بتهويلكم، كفرٌ بسحركم وشعوذاتكم، كفرٌ بإلحاد المفكّرين والعلماء... ولكنّه الإيمان بإله الحبّ الذي خلقني حيًّا، فيفرح لفرحي ويكبر بنجاحي، ويشاركني اليوم قلقي وخوفي... فهو أبي وما معنى الأبوّة إن كانت غير ذلك؟!