إكتشف غنى عيد الدنح!

إكتشف غنى عيد الدنح!

الدنح، عيدٌ تحتفل به الكنيسة سنويًّا في السادس من شهر كانون الثاني وهو يعني الظهور أو الإعتلان. ولكي نفهم أهميّة هذا العيد وبُعده الرّوحي، أجرينا مقابلة مع الخوري خليل الحايك، المتخصّص في علم الليتورجيا لنغرف من فيض معاني هذا العيد.

في بداية الألف الأوّل، كان هناك تحدٍّ كبيرٍ في الشرق حيث نشأت بدعة تنكر ألوهيّة الربّ يسوع، وأخرى في الغرب تنكر إنسانيّته. من هنا جاء تأكيد الكنيسة على تجسّد يسوع في هذا العالم، واعتلانه كأقنوم ثانٍ من الثالوث الأقدس وظهوره بالآية. 

كان مسيحييو الشرق يحتفلون في السادس من كانون الثاني بثلاثة أعياد مترابطة وهي: 

1- ظهور النجم على المجوس كعلامة خارقة تَهديهم ليعترفوا بالمولود الالهي. من هنا رمزيّة تقديم الذهب المرّ واللبان الّتي تؤكّد إنّ المسيح هو ملكٌ وإلهٌ وطبيبٌ شافٍ.

2- ظهوره على نهر الأردن، حيث سمع صوت الآب يقول: "هذا هو إبني الحبيب الذي به ارتضيت". وحلّ الروح القدّس عليه بشكل حمامة. 

3- ظهوره بالمجد في قانا الجليل حيث آمن به تلاميذه بعد أوّل آية قام بها في العرس.


سبب اختيار تاريخ 6 كانون الثاني: 

تمّ اعتماد تاريخ 6 كانون الثاني نظرًا لأهميّته الكبيرة. ففي هذا التاريخ ، كان الوثنييون يحتفلون بعيد الاله ديونيسوس المرتبط اسمه بطول الأيام، كذلك في الاسكندريّة كانوا يحتفلون بالاله إيون شفيع الاسكندريّة التي تقول الاسطورة إنّه ولد من عذراء اسمها كوري. وهذا النهار كان مكرسًا أيضًا لاوزيريس. وبرزت المعتقدات الوثنيّة الّتي تزعم أنّ في 6 كانون الثاني تفيض مياه النيل التي لها قوّة عجائبيّة خاصة.

نتيجة هذه الأحداث كلّها، إتخذ المسيحيّون تاريخ 6 كانون الثاني ليعيّدوا لذكرى معموديّة الرب يسوع في نهر الأردن. ففي هذا العيد يتجلّى الفيض الحقيقي، فيض مياه نهر الأردنّ بنزول الربّ يسوع فيه، وفيض الخمر في عرس قانا الجليل فآمن به تلاميذه أنّه هو المسيح المنتظر.هو عيد تجلّي حقيقة يسوع الانسانيّة والالهيّة. 


لماذا فُصِل الميلاد عن الدنح؟

في الغرب،"عمّد" المسيحييون أعياد الوثنيين الّذين كانوا يحتفلون في 25 كانون الأوّل بعيد ميلاد الشمس الّتي لا تُقهر، وأخذ المسيحيون التاريخ عينه ليحتفلوا بذكرى ولادة الربّ يسوع المسيح نور العالم وشمس العدل كما تُعرّف عنه نبؤة ملاخي. 

في الشرق، اختلف الوضع، حيث ركز المسيحيّون على تاريخ 6 كانون الثاني للأسباب التي ذكرناها أعلاه. 

بعد فترة، صار تبادل بين الشرق والغرب. دخل عيد الميلاد في 25 كانون الأوّل إلى الشرق، إلى أنطاكيا أوّلًا في نهاية القرن الرابع الميلادي وإلى أورشليم في القرن السادس. 

أخذت الكنيسة الغربيّة من عيد 6 كانون الثاني الشرقي حقيقة واحدة وهي ظهور النجم على المجوس وأمّا عيد الغطاس فتعيّد له في الاحد الذي يليه. 

وحدها الكنيسة الأرمنيّة اليوم تحتفل بالأعياد الثلاثة سويّا في 6 كانون الثاني. 

الكنائس الشرقيّة الارثوذكسيّة (الأقباط، الاثيوبيّون، الروس...) يعيّدون في 7 كانون الثاني عيد الميلاد وفي 19 منه عيد اعتماد الربّ، وذلك عائدٌ إلى فرق الأيّام بين التقليدين الغريغوري واليولياني. 


الخميرة: 

كانت ربّات المنزل يعجنّ ويخبزن في بيوتهن ويستبدلن في ليلة الغطاس الخميرة القديمة بالخميرة الجديدة. وكانت العادة أن يخلطنَ الطحين بالمياه ويرسمنَ على العجينة علامة الصليب ويضعنها في كيسٍ من قماشٍ أبيض ويعلقنها على الشجرة لتختمر لوحدها. وكان البعض يضيفون النقود إلى العجينة ليعودوا فيتقاسمونها في الصباح كعلامة رزق وبحبوحة. والشرط الوحيد ألّا تكون الشجرة شجرة تين أو توت، لأنّه بحسب نظرتهم، فالمسيح لعن شجرة التين أمّا شجرة التوت فهي متمرّدة وعاصية. 


تبريك المياه: 

كانت الرتبة الطقسيّة في هذه الليلة تقضي بأن يخرج الكاهن والمعاونون وقسم من الناس إلى الينابيع أو الآبار لمباركة المياه التي سيشرب منها الناس على مدار السنة. وكانوا يرمون ثلاث جمرات، والجمرة ترمز بطبيعتيها (الخشب والنار) إلى طبيعتي الرب يسوع البشريّة والإلهيّة. يرمونها ثلاث مرّات لأنّ المعمّد ينزل ثلاث مرّات في المياه تعبيرًا عن إيمانه بالثالوث الأقدس. ومن ثمّ يحمل الكاهن وعاءً من المياه التي باركها ليرشّ بها الناس في الكنيسة وليبارك المنازل في اليوم الثاني. أمّا اليوم، فيُحتفل بهذه الرتبة داخل الكنيسة. 


المعكرون- زلابية: 

ترمز الحلويات إلى الفرح والمشاركة في العيد.هناك تقليد قديم يقول " أنّ من ليس لديه مولود فليعمّد العود". أمّا قلاية الزلابية والمعكرون بالزيت فهي علامة تعميدها. والبعض يعتقد أنّ أصبع المعكرون يرمز إلى إصبع يوحنا الذي يدلّ على يسوع.


الدايم دايم: 

ترتبط هذه التحيّة بزيارة الربّ يسوع إلى الأرض ليملأنا نعمةً وحقًّا وخلاصًا. فمن ينتظر يسوع يشرّع له قلبه وأبواب بيته ويُشعل المصابيح على مثال العذارى بإنتظار قدوم العريس. وفي منتصف الليل، كان المؤمنون يسجدون لتلاوة صلاة صغيرة أو نشيد روحي، معتقدين أنّ أبواب السماء تكون مشرّعة في هذه اللّيلة أمام تضرّعات أهل الأرض. 


منتصف الليل: 

يقول المكرّم البطريرك إسطفان الدويهي إنّه يُحتفل بالقدّاس ثلاث مرّات في منتصف الليل: في عيد الميلاد، وفي عيد الدنح وفي أحد القيامة. ويستشهد بالقدّيس باسيليوس الكبير الذي يقول إنّ الرب في الليل ولد، وفي الليل إعتمد، وفي الليل قام.