الخوري باتريك كسّاب
مقالات/ 2016-05-04
في تلك الليلةِ من ليالي غزّة الداميّة، والطائراتُ الإسرائيلية تطاردُ الأطفال كالفئران في أوكارها، أحسّت مريم أن طفلها سيولد. أخذها يوسف خطّيبها وجال بها شوارع غزّة. في كلّ مستشفى بحثوا لهم عن مكانٍ ليولد لهم ذاك الطفل المُنتظر. لكنّ المستشفيات اكتظّت بالجرحى والقتلى، ولا من سريرٍ يتّسعُ لتلك الحامل.
صرخت من آلامها، ووقعت أرضًا... هي لن تصمد. فابنةُ السادسة عشرة ألقت بنفسها على كتف يوسف دامعةً، فسحبها بكلّ ما له من قوةٍ وأدخلها دَرَجَ المبنى المجاور.
كانت تعلمُ أنّ يومًا ما سيولدُ مخلّصٌ لشعبها. هي حلمت منذ نعومة أظفارها بذاك البطل العجيب الذي يعطي العالم السلام. قد يكونُ ذاك الجنين في بطنها هو مشتهى الأجيال وانتظار الأمم. قد يكونُ هو ذاك الشبل الذي يزأر بوجه الطائرات ويُسكت جشع الإنسان.
أجال يوسف نظره، وإذا به يرى بابًا يُفضي إلى الملجأ. سحب خطّيبته ونزل بها إلى أسفل.
... ساد صمتٌ كبير... سكتت أصوات الدبّابات... صمتٌ، تمزّقه صرخات أيامة.
وبكى الطفل، وصوته يناغم بكاء الأمّهات الثكالى...
نظر يوسف إليه، فدمعت عيناه...
من تراهُ يكون ذاك الصبّي، وأيّ مستقبلٍ له في غزّة؟
هو سيمرضُ كثيرًا وربما لن يحصلوا له على دواء. هو سيذهبُ إلى مدرسته مع أترابه، تحيطُ بهم الدبّابات. قد يُشهر الجيش الإسرائيليّ سلاحه بوجوههم يومًا ما. هم يرمونه بالحجارة وهو يقنصهم بالرصاص المطّاط. سيفقدُ الكثير من أصدقائه، بعضهم يهاجر، وبعضهم يسجن، والبعض الآخر يستشهد.
تنهّد يوسف، وقال في قرارة نفسه: "ذاك الطفل سيلقى مصير أترابه".
لكنّه جاء وحمل ما يحمله أطفال هذا الدهر، ومساكينه ومهمّشيه، لتكون لهم الحياة، وتكون لهم بوفرةٍ. هو يحمل الخلاص لشعبه...
نظر يوسف إلى مريم وغادرت تلك الكلمة شفتاه: "يسوع..."