كَسر الكلمة - العهد القديم -48- الأحد الثاني من زمن الصليب

كَسر الكلمة - العهد القديم -48- الأحد الثاني من زمن الصليب

الأحد الثاني بعد عيد الصَّليب
سفر النّبي يوئيل: 2/ 1 + 10 – 13 + 15 – 16أ
1 أُنفُخوا في البوقِ في صِهْيون وٱهتِفوا في جَبَلِ قُدْسي ولْيَرتَعِدْ جَميعُ سُكَّانِ الأَرض فإِنَّ يَومَ الرَّبِّ آتٍ وهو قَريب.
10 مِن وَجهِه ٱرتَعَدَتِ الأَرضُ ورَجَفَتِ السَّمواتُ وأَظلَمَتِ الشَّمسُ والقَمَر وسَحَبَتِ الكَواكِبُ ضِياءَها
11 وجَهَرَ الرَّبُّ بِصَوتِه أَمامَ جَيشِه لِأَنَّ عَسكَرَه كَثيرٌ جِدًّا مُقتَدِرٌ يُنَفِّذُ كَلِمَتَه لِأَنَّه عَظيمٌ يَومُ الرَّبِّ وهائِلٌ جِدًّا. فمَنِ الَّذي يُطيقُه؟
12 فالآنَ، يَقولُ الرَّبّ: إِرجعوا إِلَيَّ بكُلِّ قُلوبِكم  وبِالصَّوم والبُكَاءِ والِانتِحاب.
13 مَزِّقوا قُلوَبَكم لا ثِيابَكم وٱرجِعوا إِلى الرَّبِّ إِلهِكم فإِنَّه حَنونٌ رَحيم  طَويلُ الأَناة كَثيرُ الرَّحمَة ونادِمٌ على الشَّرّ.
15 أُنفُخوا في البوقِ في صِهْيون وأَوصوا بصَومٍ مُقَدَّس ونادوا بِٱحتِفال.
16أإِجمَعوا الشَّعبَ وقَدِّسوا الجَماعَة.

مقدّمة
في هذا الأحدِ، تَدعونا ليتورجِيَّتُنا المارونيَّةُ لِلتَّأمُّلِ في نصِّ النّهاياتِ. هذا النَّوع من النُّصوصِ الّتي تَصِفُ "اليَومَ" الَّذي فيهِ سيَتمُّ إِعلانُ الرَّبِ يسوعَ ملِكًا على الخَليقَةِ، بمجيئِهِ الثّاني، وَحينَها سَتعرِفُهُ كُلُّ خليقَةٍ. العَديدُ منَ المؤمِنينَ يَفهمونَ هذهِ النُّصوصِ، بمعنًى حرفيٍّ، فَيَنشُروا المخاوِفَ في ضمائِر النُّفوسِ الضَّعيفَة. لكنَّ حقيقَةَ هذه النُّصوص، أنَّها مَليئَةٌ بالرَّجاءِ لكُلِّ مُؤمنٍ بالرَّبِ يسوع، طَبعًا، إلى جانِبِ لَهجةِ التَّأنيبِ الدَّاعِيَةِ إلى الجِهادِ وَالتَّوبَةِ، لِأنَّ مجيءَ الرَّبِ يحمِلُ معهُ الدَّينونَةَ لِلـمُتمرِّدينَ والعُصَاة.
في هذا الجوِّ منَ التَّحذير وَالجَدّيَّةِ، يَقولُ لنا الرَّسول بولُس، مُشجِّعًا وَراجِيًا: "إِنْ كُنَّا نَرْجُو الـمَسِيحَ في هذِهِ الحَيَاةِ وحَسْبُ، فَنَحْنُ أَشْقَى النَاسِ أَجْمَعِين! وَالحَالُ أَنَّ الـمَسِيحَ قَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات، وهُوَ بَاكُورَةُ الرَاقِدِين. فَبِمَا أَنَّ الـمَوْتَ كَانَ بِوَاسِطَةِ إِنْسَان، فَبِوَاسِطَةِ إِنْسَانٍ أَيْضًا تَكُونُ قِيَامَةُ الأَمْوَات" (1 قور 15 / 19 - 21). هُنا رجاءُ القدّيسينَ الَّذينَ يَثبتونَ في إيمانِهم في ظلِّ سحاباتِ وعواصِفِ التّجارِبِ الشَّتّى الّتي تُهاجِمُ الـمُؤمنينَ (متى 24 / 13). فَلنَستَعِدَّنَّ لِلقاءِ الرَّب.
في نصِّ قراءَةِ العهدِ القديمِ من سفرِ يوئيلَ النَّبيّ، يَصِفُ الكاتِبُ بوحيٍ يومَ مَجيءِ الرَّبِ الرَّهيبِ وَالعَظيم، وَيَدعو الـمُؤمنينَ إِلى التَّوبَةِ اسْتِعدادًا لِلقاءِ وَجهِ الَّذي أَنفُسُنا جميعًا تَتوقَ لِرؤْيَتهِ وَالغَرقِ في بَحرِ جمالِهِ.

تفسير الآيات
1 أُنفُخوا في البوقِ في صِهْيون وٱهتِفوا في جَبَلِ قُدْسي ولْيَرتَعِدْ جَميعُ سُكَّانِ الأَرض فإِنَّ يَومَ الرَّبِّ آتٍ وهو قَريب.
"يومُ الرَّب" هو أَحدُ المواضِيعِ الرَّئيسيَّةِ في سِفرِ يوئيلَ النَّبي، إِلى جانبِ موضوع "تجرُّد الإِنسَان التَّام لِيَنالَ الخَلاص". هذانِ الموضوعَانِ مُرتَبِطانِ بِبَعضِهما، كَـمَا سَتُظْهِرُ الآياتُ الـمَأخوذَةُ هُنا.
في هذهِ الآيَةِ، يَتَّضِحُ أَنَّ الرَّسولَ يُعْلِنُ اقْتِرابَ يومِ الرَّب، إِنَّهُ آتٍ وَهوَ قَريب. وَيَظهَرُ أنَّ هذا الرَّسُولَ لا يُنادي سُكَّانَ الأَرضِ، بَل يَتحدَّثُ معَ الـمَسؤُولينَ عَن نَفخِ "البُوق" الواحِد وَعَنِ الهُتاف، وَأَصواتُهُم تُرعِبُ سُكَّانَ الأَرض. هَؤُلاءِ هم مَلائِكَةُ الدَّينونَةِ الـمَبْعوثِينَ من لَدُنِ الرَّب، لِإِعلانِ مَجيءِ "يَومِ الرَّب". أَليسَ مَدْعَاةَ تَفاجؤٍ، أَنَّ "سُكَّانَ الأَرضِ" سَيَرْتَعِبونَ لِسَماعِ صَوتِ البُوقِ الـمُنذِرِ بِيومِ الرَّب؟ معَ أَنَّ الإِنذارَ يَشْمُلُ صِهيونَ وَجَبلَ أُورَشَليمَ فقَط! إلى هذا الحَدِّ كَانَ شعبُ الله يَرى نَفسَهُ موضُوعَ اهتِمامِ الرَّبِ الوَحيدِ، وَكَأنَّ الأُمَمَ لَيسَت مُعتَبَرةً منَ الرَّب.

10 مِن وَجهِه ٱرتَعَدَتِ الأَرضُ ورَجَفَتِ السَّمواتُ وأَظلَمَتِ الشَّمسُ والقَمَر وسَحَبَتِ الكَواكِبُ ضِياءَها
11 وجَهَرَ الرَّبُّ بِصَوتِه أَمامَ جَيشِه لِأَنَّ عَسكَرَه كَثيرٌ جِدًّا مُقتَدِرٌ يُنَفِّذُ كَلِمَتَه لِأَنَّه عَظيمٌ يَومُ الرَّبِّ وهائِلٌ جِدًّا. فمَنِ الَّذي يُطيقُه؟

في حُلولِ "يَومِ الرَّب"، يَنْظُرُ الرَّبُ إِلى الأَرضِ من فَوقِ السَّماوات، فَتَرتَعِبَ منْ نَظرَتهِ كُلُّ الكَواكِبِ وَتَفقِدُ أَنوارَها، فَيَسُودَ الظَّلامُ عَلى الأَرض. وَكَأنَّ نَظرةَ الرَّبِ تَعودُ بِالخَليقَةِ إِلى نُقطَةِ الصِّفر، حينَ كانَ الظَّلامُ يَغْمرُ كُلَّ شَيء. هَذهِ علامَةٌ على أَنَّ الخَليقةَ لا تَستَطيعُ احْتِمالَ قُربِ الرَّبِ وَحُضورَهُ، بِسَببِ تَشَوُّهِ صورَتِها من جرّاء ارتِباطها بِهذا العَالَم. رَغمَ هذا، يُعلِّمنا الرّسول بولس قائِلاً في رسالَته الأولى الى أهل قورنتُس، أنَّ الخَلاص سيَتمُّ في المسيحِ يسوعَ ابنِ الله: "لا بُدَّ لِلمَسِيحِ أَنْ يَمْلِك، إِلى أَنْ يَجْعَلَ الله جَمِيعَ أَعْدَائِهِ تَحْتَ قَدَمَيْه. وآخِرُ عَدُوٍّ يُبْطَلُ هُوَ الـمَوْت. لَقَدْ أَخْضَعَ الله كُلَّ شَيءٍ تَحْتَ قَدَمَيْه" (1قور 15 / 25 - 27).
أَمَّا صَوتُ الرَّبِ، الـمَعروفِ في الِكتابِ المقدَّسِ بِـ "الرَّعدِ" (راجع خر 19 / 16؛ عا 1 / 2؛ مز 18 / 14 و 29 / 3 - 9)، هوَ صورةٌ مجازِيَّةٌ تُعبِّرُ عن قوَّةِ الصَّوتِ لِأَنَّ صوتَ الرَّعدِ يَشْمُلُ مسَاحةً كبيرةً، وَيَخلُقُ الخَوفَ في القُلوبِ.
هذه التَّفاصيلُ عن صوتِ الرَّعدِ، تُستَعمَلُ هُنا لِلدَّلالَةِ على الرَّهبَةِ وَالهَلعِ اللَّذَينِ يَنشُرُهما "يومُ الرَّبِ" العَظيم. وَيَنتَهي وَصفُ مجيءِ يومِ الرَّبِ بِسُؤالٍ مَفتوح، أَيُوجَدُ إِنسانٌ على الأَرضِ يَستَطيعُ أَن يَصْمُدَ في وَجهِ الرَّب؟
وَالرَّبُ يسوع في نصِّ الإنجيل، يقولُ بلهجةِ التَّحذير، مُصوِّرًا يومَ مَجيئِهِ الثّاني بِأحداثٍ طبيعيَّةٍ وجيولوجِيَّةٍ مُريعَة: "مَنْ يَصْبِرُ الى الـنّهايةِ، يَخْلُص" (متى 24 / 13). 

12 فالآنَ، يَقولُ الرَّبّ: إِرجعوا إِلَيَّ بكُلِّ قُلوبِكم وبِالصَّوم والبُكَاءِ والِانتِحاب.
معَ هذهِ الآيةِ يَتبدَّلُ أُسلوبُ الإِنذارِ، بِتَعابيرِ دَعوةٍ إِلى التَّوبَةِ بِسَائِرِ أَساليبِ النَّدامَةِ: الرُّجوع إلى الرَّب يَعني حِفظِ وَصاياهُ وَالعَملِ بها؛ بِالصَّومِ أَي بِتَركِ أمورِ العالَم ومَلذَّاتِهِ وَالانقِطاعِ عَنها لِلدُّخولِ إلى العُمقِ وِتَقويمِ المسيرَة؛ وَبالبُكاءِ وَالانتِحابِ، أَي بِذرفِ دُموعِ النَّدامةِ من كُلِّ القَلب، إِذِ الدُّموع هم أَصْدقُ مُعبِّرٍ عن نَدامةِ الخاطِئِ.

13 مَزِّقوا قُلوَبَكم لا ثِيابَكم وٱرجِعوا إِلى الرَّبِّ إِلهِكم فإِنَّه حَنونٌ رَحيم طَويلُ الأَناة كَثيرُ الرَّحمَة ونادِمٌ على الشَّرّ.
إِنَّ تمزيقَ الثِيابِ هيَ تصرُّفٌ يَدلُّ على تَجديفٍ على أَقوالِ الرَّبِ وَالشَّريعَة (راجع مر 14 / 63 - 64)، كمَا هوَ عملٌ يَرمزُ إلى الحزنِ الشَّديدِ أَيضًا. فَتمزيقُ القُلوبِ مكانَ الثِّيابِ هو دعوةٌ شَديدَةٌ للتَّوبةِ وَللحُزنِ الكَبيرِ على مُستَوى الخَطايا. وَالرَّبُ عرَّفَ موسى عن نَفسِهِ بِهذه الكلمات، حنونٌ، رحيمٌ، طويلُ الأناةِ، رَحمتُهُ عظيمَةٌ وَلا يُحبُّ الشَّرّ (راجع خر 34 / 6).

15 أُنفُخوا في البوقِ في صِهْيون وأَوصوا بصَومٍ مُقَدَّس ونادوا بِٱحتِفال.
16أإِجمَعوا الشَّعبَ وقَدِّسوا الجَماعَة.

هاتانِ الآيَتانِ هما دَعوةٌ للاحْتِفالِ بِتوبةِ الشَّعبِ وَارْتِدادِهِ، معَ علاماتِ النَّدامَةِ أَي الانقِطاعِ عن الطَّعامِ كَلذَّةٍ جسديَّةٍ،. هذا، للانْصِرافِ إِلى لذَّةِ الاحتِفالِ أَي العَودةِ إِلى الرَّبِ وَالاهتمامِ بالحياةِ الدّاخليَّةِ، من خلالِ تقديمِ الذّبائِح السّلاميَّةِ للرَّب وَتقديسِ الجماعَة كُلّها.

خُلاصَةٌ روحِيَّةٌ
إِنَّ هذهِ القِراءَة من سِفرِ يوئيلَ النَّبيّ تُشَدِّدُ على التَّوبَةِ، لِتحضيرِ النُّفوس لِـمُلاقاةِ الرَّب. فَتُشَدِّدُ بِهذا، على ما يَعرِفهُ الإِنسَانُ أوَ على ما بِوسعِهِ مَعرِفتَهُ لِتحضيرِ نَفسِهِ لِمجيءِ الرَّب. فَتختَصِرُ وَصفًا مُفصَّلاً عن كَيفيَّة مجيءِ أَو حُدوثِ مَجيءِ الرَّب، هذا الأمرُ الَّذي لا يَعرِفهُ إلاَّ الآب، وَهوَ وَحدهُ (متى 24 / 36). فَلنُصغي لِإرادةِ الرَّبِ في هذا النَّصّ، وَلْنُحضِّر نُفوسَنا بِالصَّومِ وَالتَّوبَةِ الصَّادِقةِ عن خطايَانا، لِئَلاَّ يَدهَمنا ذاكَ اليومُ الرَّهيبُ، بِخوفٍ وَارتِعابٍ وَضيقِ نفسٍ شَديدٍ.


تحميل المنشور