بدّي نقّي رعيتي

بدّي نقّي رعيتي

ايلي شابٌ في العشرين من عمرهِ، طالبٌ جامعيٌّ مجتهدٌ يعمل بدوامٍ جزئي ليؤمّن قسطه الجامعي. وعلى الرغم من ذلك، ايلي ملتزمٌ في رعيّته، فهو مسؤولٌ عن الشبيبة ومنشّطٌ لعملِ الأولاد والفتيان ومرنّمٌ في الجوقة. تراه في القداسات والمناسبات كافّة وهو المرافق الدائم لكاهن الرعيّة. هما متّفقان دائمًا على كلّ القرارات و المنشّطان المحرّكان للرعيّة. وقد يظنّ البعض أنّ لولاهما لتوقّفت الحياة الرعويّة... 

وها هو الكاهن يعلم أبناء رعيّته بتغييراتٍ رعويّة، فهو سيغادر البلاد للتخصّص وسيأتي مكانه كاهنٌ جديد. حلّ النبأ كالصّاعقة على الجميع وخصوصًا على ايلي لكنّ حياتَه الروحيّة الجديّة جعلته يتقبّل الأمر بإيجابيّة. جاء الكاهن الجديد وبدأ بالعمل. أفكاره مختلفة عن سابقه، وطرقه وأساليبه في العمل الرعوي لا تشبه التي سبقتها. لم يتقبّل ايلي هذه التغييرات وبدأت التصادمات والنزاعات. أخبارٌ وأقوالٌ... بدأ إيلي يشعر أنّه يهدر طاقته ووقته. بإمكانه أن يترك كلّ مسؤوليّاته الرعوية ليعمل لوقتٍ أطول ويساعد أهله ويخصّص وقته للدرس. قرّر ايلي أن يترك الرعيّة بحجّة انشغالاته الكثيرة... سيشارك في قدّاس الرعية المجاورة، فالكاهن هناك غير مزعجٍ وإن لزم الأمر سيلتزم في جوقة هذه الرعيّة، فصديقته ملتزمة هناك... 

هذه قصّة ايلي التي لم تنتهِ حتّى اليوم، فايلي ينتظر عودة الكاهن الأوّل لكي يعود إلى رعيّته... 

قصّة ايلي تشبه غيرها من القصص، قد تختلف الظروف والدوافع لكنّ فكرة تغيير الرعية لأسبابِ متعدّدة واقعٌ يعيشه الكثيرون حتّى من غير الملتزمين الذين لا يرتادون رعيّتهم بسبب عدم ارتياحهم للكاهن أو للملتزمين أو لأسباب ودوافع أخرى. 

ما هي الرعيّة أصلًا؟ 

لقد تغيرّ مفهوم الناس للرعيّة بين الأمس واليوم بسبب التغيّرات الديموغرافيّة التي فرضت نفسها في لبنان. من المؤمنين من نزحوا من قراهم وظلّوا ملتزمين فيها في الآحاد والأعياد، ومنهم من نزحوا وسكنوا مدنًا وسطيّة وساحليّة والتزموا في رعاياهم الجديدة، فكان التصادم بين "أبناء الضيعة" و"السكان"، وآخرون فقدوا ارتباطهم بالرعيّة. 

في وسط كلّ هذه التغيّرات، تبقى الرعيّة المكان الذي يسكنه المؤمن لأكثر من ستّة أشهر. لذلك تشدّد الكنيسة أن يتعمّد الولد في إطار الرعيّة التي يسكن ضمن حدودها الجغرافية ويلتزم فيها في ما بعد وينالُ فيها الأسرار كافّة من العماد إلى المرافقة الأخيرة. وبإماكننا أن نعدّد بعض المعايير التي من خلالها أستطيع تحديد رعيّتي:

1- إسأل عن الرعيّة التي تنتمي إليها ضمن الحدود الجغرافيّة التي تحدّدها الأبرشيّة خصوصًا في الرعايا التي تتداخل فيها المدن واسعَ أن تلتزم فيها. وحتّى إن كان لديك التزامٌ في قريتك الأصليّة، إسعَ أن تلتزم في رعيّة سكنك فالرعايا الجبليّة غالبًا ما لا تكون ناشطة خلال فصل الشتاء وبُعد المسافة في عالم اليوم السريع قد يمنعك من الإلتزام الدائم.

2- لا تخترِ الرعيّة حسب الكاهن والأشخاص فالتزامك هو بشخصِ يسوع المسيح، الثابت الوحيد في قلب التغيّرات وبدل الانتقاد أو الإنسحاب، إسعَ أن تغيّر بطريقة مسيحيّة تعملُ بصمتٍ ولا تبغي الظهور وتتعلّق بالمعلّم أوّلًا وآخرًا.

3- "أزهر أينما زرعت". وإن كان التواجد في رعيّتك صعبٌ بسبب عدم استلطافك للكاهن أو للملتزمين الحاضرين دائمًا، لا تكن كمن يبني بيته على الرمل فتذهب إلى تلك الرعيّة أو ذلك الدير بسبب كاهن "مهضوم" أو جماعة "مهضومين" بل إبنِ بيتك على الصخر واستثمر مواهبك في الرعيّة التي وضعك الله فيها لسببٍ معيّن.

تذكّر دائمًا أنّ المسيحيّ هو الذي يبحثُ عن يسوع ويعملُ مشيئته و"نقّي رعيتك" التي ولدت فيها وتعمّدت فيها وفيها تناولت جسد الربّ ودمه للمرّة الاولى، وإليها ستعود حين تختار تأسيس عائلةٍ في سرّ الزواج، وإلى كاهن رعيّتك ستلجأ إن شعرت أنّ الرب يدعوك لتتبعه من خلال الكهنوت أم التكرّس وإليها ستعود في النهاية فتكون رعيّـتك الباب الذي سيحضّرك لتنطلق إلى الملكوت السماويّ حيث اللّقاء بالمعلّم وجهًا لوجه