كَسر الكلمة - العهد القديم -39- الأحد التاسع من زمن العنصرة

كَسر الكلمة - العهد القديم -39- الأحد التاسع من زمن العنصرة

الأحد التاسع من زمن العنصرة
سفر أشعيا: 61 / 1 – 4 + 8 – 10أ
1 رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأُضَمِّدَ جِرَاحَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالعِتْقِ وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالْحُرِّيَّةِ،
2 لأُعْلِنَ سَنَةَ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةَ، وَيَوْمَ انْتِقَامٍ لإِلهِنَا، لأُعَزِّيَ جَمِيعَ النَّائِحِينَ.
3 لأَمْنَحَ نَائِحِي صِهْيَوْنَ تَاجَ جَمَالٍ بَدَلَ الرَّمَادِ، وَدُهْنَ السُّرُورِ بَدَلَ النَّوْحِ، وَرِدَاءَ تَسْبِيحٍ بَدَلَ الرُّوحِ الْيَائِسَةِ، فَيُدْعَوْنَ أَشْجَارَ الْبِرِّ وَغَرْسَ الرَّبِّ لِكَيْ يَتَمَجَّدَ.
4 فَيُعَمِّرُونَ الْخَرَائِبَ الْقَدِيمَةَ، وَيَبْنُونَ الدَّمَارَ الْغَابِرَ، وَيُرَمِّمُونَ الْمُدُنَ الْمُتَهَدِّمَةَ، وَالْخِرَبَ الَّتِي انْقَضَتْ عَلَيْهَا أَجْيَالٌ.
8 لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ أُحِبُّ الْعَدْلَ وَأَمْقُتُ الاخْتِلاَسَ وَالظُّلْمَ، وَأُكَافِئُهُمْ بِأَمَانَةٍ، وَأَقْطَعُ مَعَهُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا.
9 وَتَشْتَهِرُ ذُرِّيَّتُهُمْ بَيْنَ الأُمَمِ، وَنَسْلُهُمْ وَسَطَ الشُّعُوبِ، وَكُلُّ مَنْ يَرَاهُمْ يَعْرِفُهُمْ، وَيُقِرُّ أَنَّهُمْ شَعْبٌ بَارَكَهُ الرَّبُّ. 
10أ إِنَّنِي أَبْتَهِجُ حَقًّا بِالرَّبِّ وَتَفْرَحُ نَفْسِي بِإِلهِي!

مقدّمة
بَعْدَ اخْتِيارِ الرُّسُلِ وَإِطْلاقِهِم لِلرِّسالَةِ التَّبشيرِيَّةِ، تَعْرِضُ كَنيسَتُنا المارونِيَّةُ خَصَائِصَ الرَّسولِ، أَي روحانِيَّتَهُ التي تَأَمَّلنا بِها الأَحدَ الماضِي، وَبَرنامَجَهُ الرَّسولِيّ، وَهوَ موضوعُ قِراءَاتِ هَذا الأَحَدِ. في هَذهِ المراحِلِ كُلِّها، نُلاحِظُ عَمَلَ الرُّوحِ القُدُسِ، الَّذي لا يَتعَبُ مِنْ إِلهامِ الرَّسولِ عَلى تَتميمِ مَشيئَةِ الرَّبِ وَالتَّبشيرِ بِاقْتِرابِ الـمَلكوتِ.
مَعَ إِنجيلِ لوقا، الّذي يَقرَأُ فيهِ الرَّبُ يَسوعَ، في بِدايَةِ رِسالَتهِ العَلَنِيَّةِ، بِدايَةَ نَشيدِ مَشيحِ الرَّبِ مِن سِفرِ النَّبيّ أَشعيا (61 / 1 -2)، تَختارُ كَنيسَتُنا قِسمًا منَ النَّشيدِ الـمَذكورِ وَتَعْرُضَ فيهِ بِرنامِجَ رِسَالَةِ رَسولِ الرَّب. أَمَّا نَصُّ الرِّسالَةِ إلى أَهلِ قورِنتُسَ، فَتَحتَوي على أَثمَنَ تَعليمٍ لِبَرنامَجِ رَسولِ الرَّبِ، إِذ يُشَدِّدُ بولُسَ على الثَّباتِ في نِعمةِ السَّلامِ وَالفَرَحِ الدَّاخِلِيَّينِ، وَهيَ لأَصْدَقُ شَهادَةٍ على رِسالَةِ التَّبشير: " وَبِمَا أَنَّنا مُعَاوِنُونَ لله، (...) فإِنَّنَا لا نَجْعَلُ لأَحَدٍ سَبَبَ زَلَّة، لِئَلاَّ يَلْحَقَ خِدْمَتَنَا أَيُّ لَوْم. بَلْ نُظْهِرُ أَنْفُسَنَا في كُلِّ شَيءٍ أَنَّنَا خُدَّامُ الله، (...) نُحْسَبُ كَأَنَّنَا مُضَلِّلُونَ ونَحْنُ صَادِقُون! كأَنَّنَا مَجْهُولُونَ ونَحْنُ مَعْرُوفُون! كأَنَّنَا مَائِتُونَ وهَا نَحْنُ أَحْيَاء! كأَنَّنَا مُعَاقَبُونَ ونَحْنُ لا نَمُوت؛ كَأَنَّنَا مَحْزُونُونَ ونَحْنُ دَائِمًا فَرِحُون! كأَنَّنَا فُقَرَاءُ ونَحْنُ نُغْنِي الكَثِيرِين! كأَنَّنَا لا شَيءَ عِنْدَنَا، ونَحْنُ نَمْلِكُ كُلَّ شَيء! ".
وَنَشيدُ أَشعيا النَّبيّ يَعْرِضُ بَرنامَجَ الرَّسولِ، بِأُسْلوبِ التَّعزِيَةِ لِشَعبِ الرَّبِ العَائِدِ منَ الجَلاءِ. فَنَجِدُ عِبَاراتِ الوَعدِ وَالخَلاصِ لِلفُقَراءِ وَالمسَاكينِ وَالمسْجونينَ كَما يُنادِي بِإِعادَةِ بِناءِ أَخرِبَةِ أُورَشَليمَ.

تفسير الآيات
1 رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأُضَمِّدَ جِرَاحَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالعِتْقِ وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالْحُرِّيَّةِ،
2 لأُعْلِنَ سَنَةَ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةَ، وَيَوْمَ انْتِقَامٍ لإِلهِنَا، لأُعَزِّيَ جَمِيعَ النَّائِحِينَ.
3 لأَمْنَحَ نَائِحِي صِهْيَوْنَ تَاجَ جَمَالٍ بَدَلَ الرَّمَادِ، وَدُهْنَ السُّرُورِ بَدَلَ النَّوْحِ، وَرِدَاءَ تَسْبِيحٍ بَدَلَ الرُّوحِ الْيَائِسَةِ، فَيُدْعَوْنَ أَشْجَارَ الْبِرِّ وَغَرْسَ الرَّبِّ لِكَيْ يَتَمَجَّدَ.

في الآيَاتِ (1 - 4)، يَعْرِضُ الكَاتِبُ بَرنامَجَ عَمَلِ رَسولِ الرَّبِ، الـمُنقادِ لِصَوتِ الرُّوحِ وَالـمُلهَمِ مِنهُ. فَالبِشَارةُ تَتِمُّ بِعِنايَةِ روحِ الرَّبِ، وَتَقْصِدُ تَحْريرَ الإِنسانِ من قَسَاوَةِ واقِعِهِ. فَنَجِدُ في هَذا المقْطَعِ صَدَى إِنجيلِ التَّطويباتِ (متى 5 / 3 - 12) الَّذي يُعلِنُ فيهِ الرَّبُ يَسوعُ الخَلاصَ لِأَكثَرِ النَّاسِ فقرًا وَبَساطةً، وَلِلمظلومينَ وَالـمُضطَّهَدينَ منَ المجتَمَع.بَرنامَجُ الرَّسولِ يَتضمَّنُ سَبعَةَ أَهدافٍ: تَبشيرُ الـمَساكينِ، التَّحرير، إِعلانُ سَنةِ الرَّب، إِعلانُ يومِ الانتِقَام، التَّعزية، البرّ وَتَمجيدِ الرَّب. نُلاحِظُ أَنَّ هذه المهمَّاتِ تَطالُ الصَّعيدَ الرُّوحيَّ أَكثَرَ منَ الصَّعيدِ السّياسيّ وَالاجتِماع‍يّ. فَنَشرُ البِرِّ هُو المشروعُ الأَساسيُّ لِلرَّسول، إلاَّ أَنَّهُ لا يَتحقَّقُ في هذهِ الحَياةِ. وَكما وَعدَ الرَّبُ يَسوعُ في عِظَةِ التَّطويبَاتِ الإِسكاتولوجِيَّةِ، هَكذا نَصُّ أَشعيا يَعِدُ بِالخَلاصِ لَيسَ في هذهِ الحَياة، بَل في الحياةِ الأَبدِيَّة. فَالمساكِينُ وَمُنكَسِري القُلوبِ وَالمأسورينَ وَالمسبيِّين، سَيكونُ لَهم جَميعًا ملَكوتُ الرَّبِ. أَمَّا لِلمَحزونينَ وَالباكينَ على صِهيونَ، فَسَيُعطَوا لِباسًا روحِيًّا جَديدًا بَدلَ القَديمِ: فَالتَّاجُ هوَ عَلامةُ الانتِصَارِ وَالسُّلطَة. الدُّهنُ هوَ رمزُ الانتِماءِ إِلى الرَّبِ وَعلامةُ غُفرانِهِ العَظيمِ. وَالرِّداءُ هوَ رمزُ الملكِيَّة. وَهم سَيُدعَونَ أَشجارَ البرِّ وَغَرسَ الرَّبِ، فَيدومُ ذِكرُهُم في الأَرضِ وَفي السَّماءِ كَالقدِّيسينَ.

4 فَيُعَمِّرُونَ الْخَرَائِبَ الْقَدِيمَةَ، وَيَبْنُونَ الدَّمَارَ الْغَابِرَ، وَيُرَمِّمُونَ الْمُدُنَ الْمُتَهَدِّمَةَ، وَالْخِرَبَ الَّتِي انْقَضَتْ عَلَيْهَا أَجْيَالٌ.
وَبَرنامَجَ رَسولِ الرَّب يَطالُ أَيضًا الأَرضَ. فَالخَلاصُ سَيمتَدُّ منَ الإِنسانِ إِلى الأَرضِ وَهوَ خلاصٌ يَشْمُلُ الحاضِرِ وَالماضِي معًا. فَروحُ الرَّبِ يُجدِّدُ وَيَبني وَيُرَمِّمُ. فقَد عَانى الشَّعبُ اليهوديُّ من سِني السَّبيِ الطِّوالِ، كمَا دُمِّرَت آثارُهُ وَأَماكِنهُ المقدَّسَة. إِلاَّ أَنَّ الرَّبُ سُيُرسِلُ الخَلاصَ على يَدِ قورُشَ ملِكِ الفُرسِ، وَهو سَيُسَاهِم بِإِعادَةِ بِناءِ وَتَرميمِ كُلُّ ما كانَ فَريسَةَ الدَّمارِ وَالحُروب (راجع أش 54 / 3؛ 58 / 12).

8 لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ أُحِبُّ الْعَدْلَ وَأَمْقُتُ الاخْتِلاَسَ وَالظُّلْمَ، وَأُكَافِئُهُمْ بِأَمَانَةٍ، وَأَقْطَعُ مَعَهُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا.
9 وَتَشْتَهِرُ ذُرِّيَّتُهُمْ بَيْنَ الأُمَمِ، وَنَسْلُهُمْ وَسَطَ الشُّعُوبِ، وَكُلُّ مَنْ يَرَاهُمْ يَعْرِفُهُمْ، وَيُقِرُّ أَنَّهُمْ شَعْبٌ بَارَكَهُ الرَّبُّ.

الآياتُ السَّابِقَاتُ تَدُلُّ على أَنَّ العَملَ هوَ عمَلُ الرَّبِ، لا الإِنسَانِ. إِذْ مَنْ يَستَطيعُ أَنْ يُقيمَ الأَخرِبةِ القَديمَةَ الأَيّامِ وَالدُّهورِ غَيرَهُ هوَ وَحدَهُ؟
في هذه الآيَاتِ نَسمَعُ صَوتَ الرَّبِ الَّذي يُعلِنُ ذاتَهُ، كمَا أَعلَنها مَرَّاتٍ عَديدَةٍ في هذا السِّفر:"أنا الرَّبُ، أَنا الأوَّلُ وَأنا الآخِرُ، لا إِلهَ غَيري" (راجِع أش 41 / 13؛ 42 / 6 -8؛ 43 / 3. 15؛ 44 / 6. 24 - 28). كَما أَنَّهُ يَعتَرفُ بِأَمانَتهِ وَصِدقِ مواعِدهِ. أَلرَّبُ أَمينٌ في كُلِّ أَقوالِهِ، وَهوَ عادِلٌ وَمُنصِفٌ معَ شَعبِهِ الَّذي قَطعَ معهُ العَهدَ إِلى الأَبَد: "بِذاتي أَقسَمتُ، وَمن فَمي خرجَ البرُّ، كَلمةٌ لا رُجوعَ عَنها" (45 / 23). وَعمَلُ الرَّبِ سَيَظهَرُ في حَياةِ شَعبِهِ، فيَتميَّزونَ بينَ الشُّعوبِ وَيُقَالُ عَنهم: "هذا شَعبٌ بارَكهُ الرَّب"، لِأَنَّهُ "بِالرَّبِ تتَبرَّرُ وَتَفتَخِرُ، كُلُّ ذُريَّةِ إِسرائِيلَ" (45 / 25).

10أ إِنَّنِي أَبْتَهِجُ حَقًّا بِالرَّبِّ وَتَفْرَحُ نَفْسِي بِإِلهِي!
يَنتَهي النَّشيدُ بِصَوتِ أَشعيا الَّذي يَهتِفُ لِتَسبيحِ الرَّبِ بِالفَرَح.

خُلاصَةٌ روحِيَّةٌ
إِنَّ برنامَجَ الرَسولِ هوَ إِطاعَةُ وَصايا الرَّبِ وِالعَمَلَ بِإِرادَتهِ، وَهَذانِ يُختَصَرانِ بِمحبَّةِ الرَّبِ من كُلِّ القِلبِ وَالفِكرِ وِالقُوَّة، وِمحبَّةِ القِريبِ، أَي الفُقراء وَالمسَاكين، وَكُلُّ مَنْ يَتوقُ الى الحَريَّةِ وِتَحقيقِ البرِّ وَالعَدلِ.
صَحيحٌ أَنَّ البِرَّ وَالعَدلَ وَالحريَّةَ لَيسُوا مِن هَذا الكَونِ، لَكِنْ على رَسولِ الرَّبِ أَن يُبَشِّرَ بِهم وَيُسَاهِمَ في الشَّهادَةِ لَهم وَإِعلانَهم، وَالرَّبُ هوَ الَّذي يُحَقِّقُ المقَاصِدَ السَّليمَةَ.
تُعلِّمُنا قِراءاتُ هذا الأَحد، أن ْنُسَاهِمَ، نحنُ المؤمِنونَ، في خِدمَةِ مَلكوتِ الرَّبِ مُتمَسِّكينَ بِالأَخلاقِ وَالقَناعَاتِ المؤَسَّسَةِ على كَلمةِ الرَّبِ يَسوعَ وَأُسلوبِ عَيشِهِ وَتَعاطيهِ معَ البَشَرِ وَمعَ أَفكارِ هذا العَالَم. فَلنَطْلُب نِعمةَ الرّوحِ القُدس لِيُلهِمَنا بِحكمةٍ وَفِطنَةٍ أَن نتَعامَلَ معَ أَحداثِ حَياتِنا وَظُروفِها، لِنَشهَدَ في كُلِّ عملٍ وَكلمةٍ أَنَّنا أَبناءُ الله وَرُسُلهُ.


تحميل المنشور