الأخت دولّي شعيا (ر.ل.م)
مقالات/ 2022-07-16
2 إِنَّ رِسَالَتَنَا هيَ أَنْتُم، وهيَ مَكْتُوبَةٌ في قُلُوبِنَا، يَعْرِفُهَا وَيَقْرَأُهَا جَمِيعُ النَّاس.
3 أَجَلْ، لَقَدِ إتَّضَحَ أَنَّكُم رِسَالَةُ الـمَسِيح، الَّتي خَدَمْنَاهَا نَحْنُ، وهيَ مَكْتُوبَةٌ لا بِالـحِبْرِ بَلْ بِرُوحِ اللهِ الـحيّ، لا عَلى أَلْوَاحٍ مِنْ حَجَر، بَلْ عَلى أَلْوَاحٍ مِنْ لَحْمٍ أَي في قُلُوبِكُم.
لا يحتاج بولس إلى "رسائل توصية"، لأنَّ أهل قورنتس أنفسهم هم الرسالة: "رسالتنا هي أنتم"، الَّتي لا تُرسَل إلى كنائس أخرى تشهد لعمله، بل "مكتوبةٌ في القلب"، فيفرح من أجل غنى نعمة الله العاملة فيهم.
حياة أهل قورنتس الجديدة هي "رسالة التوصية"، المنقوشة "لا بالحِبر" على وَرق، لكن "بروح الله الحيّ" في القلوب. فحياتهم هي خيرُ خطابٍ مفتوحٍ دومًا ومقروء. إنَّهم "رسالة المسيح"، وما بولس وغيره من الرسل سوى خدَّامٍ، أو آلاتٍ يعمل المسيح من خلالهم كلَّ صلاح.
في العهد القديم، نُقشت وصايا الله على ألواحٍ حجريَّة (راجع خر 31: 18؛ تث 9: 10)، أمَّا في العهد الجديد، فقد نقش الله شريعته بروحه القدُّوس على ألواح القلب اللَّحميَّة، كما سبق فوعد: "وأعطيكم قلبًا جديدًا وأجعل في أحشائكم روحًا جديدًا وأنزع من لحمكم قلب الحجر، وأعطيكم قلبًا من لحم. وأجعل روحي في أحشائكم وأجعلكم تسيرون على فرائضي وتحفظون أحكامي وتعملون بها" (حز 36: 26-27).
يرى بولس نفسه أشبه بالحِبر الَّذي به يُسجّل الروح القدس إنجيل المسيح في داخل قلوب أهل قورنتس. وما بشّر به ليس عمله الخاصّ، بل "رسالة المسيح"، إذ صار أهل قورنتس إنجيلًا عمليًّا يُقرأ مِن قِبَل جميع النَّاس، بعد أن يكون الروح القدس قد سجَّل الإنجيل في قلوبهم وحوَّلها لتكون مسكن الله.
4 تِلْكَ هيَ الثِّقَةُ الَّتي لَنَا بِالـمَسِيحِ عِنْدَ الله،
5 وهِيَ أَنَّنا لا نَقْدِرُ أَنْ نَدَّعيَ شَيْئًا كأَنَّهُ مِنَّا، بَلْ إِنَّ قُدْرَتَنا هِيَ مِنَ الله،
6 فهوَ الَّذي قَدَّرَنَا أَنْ نَكُونَ خُدَّامًا لِلعَهْدِ الـجَدِيد، لا لِلحَرْفِ بَلْ لِلْرُّوح، لأَنَّ الـحَرْفَ يَقْتُلُ أَمَّا الرُّوحُ فَيُحْيِي.
ردًّا على الَّذين يثقون بأنفسهم و"يقيسون أنفسهم بأنفسهم، ويقارنون أنفسهم بأنفسهم" (2 قور 10: 12)، أصرَّ بولس أنَّ ثقته تأتي "من المسيح" (2 قور 3: 4). فثقة بولس كانت مختلفةً لأنَّه "لا يقدر أن يدَّعي شيئًا كأنَّه منه، بل إنَّ قدرته هي من الله" (2 قور 3: 5). تصميم الله أعظم بكثير من أن يتمكَّن أيُّ خادمٍ بشريّ من تنفيذه. ربَّما ادَّعى بعض المبشّرين، من خلال "رسائل التوصية" الخاصَّة بهم، أنَّهم مؤهَّلون لهذه المهمَّة. لكنَّ العلامة الحقيقيَّة الَّتي تميّز الرسول هي إدراكه بعدم كفاءته؛ لكنَّه رغم ذلك، يثق بخدمته.
كلمة بولس عن "القدرة" أو "الأهليَّة" (باليونانيَّة hikanos) مهمَّة في كلامه إلى أهل قورنتس، ربَّما لأنَّ البعض ادَّعى أنَّه "قادرٌ" أو "أهلٌ. فبعد أن تكلَّم بولس، في الفصل الثَّاني من الرسالة، على انتصار الله، ختم بسؤالٍ: "مَن تُراهُ أهلٌ لديكَ؟" (2 قور 2: 16)، الَّتي تشتمل على الإجابة الضمنيَّة: "لا أحد"! تكمن المفارقة في أنَّ بولس يعترف بأنَّه "ليس أهلًا" للخدمة، ولكنَّه يتكلَّم بثقة. والسبب هو أنَّ "قدرته (أهليَّته) هي من الله، الَّذي قدَّره (أهَّله) أن يكون خادمًا للعهد الجديد، لا للحرف بل للروح، لأنَّ الحرف يقتل أمَّا الروح فيُحيي" (2 قور 3: 5ب- 6).