الأخت دولّي شعيا (ر.ل.م)
مقالات/ 2022-05-07
19 وأَطلُبُ إِلَيكُم بإِلْحَاحٍ أَنْ تَفْعَلُوا ذلِكَ، حَتَّى يَرُدَّنِي اللهُ إِلَيْكُم سَرِيعًا!
عبَّر الكاتب عن ثقته بهؤلاء الإخوة وبصلواتهم. وتمنَّى أن "يردَّه الله إليهم سريعًا". هل كان في السجن؟ هل كان مقيَّدًا وممنوعًا من زيارتهم؟ يبدو أنَّ زمنًا قضاه في السجن هو التفسير الـمُحتَمَل. فإن كان في السجن، فما هي الكلمات الأخيرة الَّتي أعطاها الكاتب لقرَّائه؟ لقد جذبهم قبلًا في الرسالة من خلال دراسةٍ عميقة ومُستفيضة عن الفرق بين الشريعة القديمة والمسيح. والآن قد حان الوقت ليودّعهم. لذا، اختتم كلامه بالتَّسبيح، والإرشاد، والابتهاج.
20 وإِلـهُ السَّلام، الَّذي أَصْعَدَ مِنْ بَينِ الأَمْوَاتِ رَبَّنَا يَسُوع، رَاعِيَ الـخِرَافِ العَظِيمَ بِدَمِ عَهْدٍ أَبَدِيّ،
بعدما طلب الكاتب من المسيحيّين أن يصلُّوا من أجله، صلَّى هو أيضًا من أجلهم. "إله السَّلام" وحده يمكنه أن يمنح السَّلام الحقيقيّ. وردت عبارة "إله السَّلام" ستّ مرَّات أخرى في كتاب العهد الجديد، وكلُّها في رسائل القدّيس بولس (راجع روم 155: 33؛ 16: 20؛ 1 قور 14: 33؛ 2 قور 13: 11؛ فل 4: 9؛ 1 تس 5:23؛ 2 تس 3: 16). لا يمكن أن يكون هناك سلام عند التخلّي عن الله. لنا سلامٌ بسبب موت المسيح على الصَّليب (راجع أف 2: 14-17). وحده الله يمكنه مَنحَ هذا السَّلام في الكنيسة من خلال الإيمان بيسوع المسيح.
لا بدَّ أنَّه كانت هناك تحزُّباتٌ في الكنائس الَّتي كُتِبَت إليها الرسالة إلى العبرانيّين، لذا فهم يحتاجون إلى سلامٍ مع الله ومع بعضهم البعض. هذا ما يمنحه الله وحده لأنَّ جوهر طبيعته هو السَّلام.
يسوع هو "راعي الخراف العظيم"، والراعي الوحيد لنفوسنا. هذا هو المكان الوحيد في الرسالة إلى العبرانيّين حيث سُمّي يسوع "راعي". الاقتباس مأخوذ من نبوءة أشعيا (63: 11) بحسب الترجمة السبعينيَّة.
تحوي هذه الآية الإشارة الوحيدة إلى قيامة المسيح في الرسالة إلى العبرانيّين – "أصعد من بين الأموات ربّنا يسوع المسيح" – مع أنَّ الإشارات المتكرّرة إلى يسوع على أنَّه عن يمين الله تفترض ذلك. مع ذلك، فإنَّ كلمة "القيامة" (anástasis)، الـمُستخدَمة قبلًا (راجع عب 6: 2؛ 11: 35) لم ترد في هذه الآية. بل بدلًا من ذلك نجد الكلمة اليونانيَّة anágô الـمُترجَمة بـــ "أصعدَ". وقد تمَّ ذلك لأنَّ يسوع قد سفك دمه، وبالتَّالي بشَّر بالعهد الجديد. وبعدما حقَّق ذلك، استطاع أن يعمل كلَّ شيءٍ آخر كان ضروريًّا "ليجعلهم كاملين" (عب 13: 21).
تحتوي تسبحة الشُّكر هذه على فكرة "بدم عهدٍ أبديّ". يبدو أنَّه موجزٌ لكلّ ما قيل في الرسالة إلى العبرانيّين، على الأقلّ الفكرة الرئيسيَّة فيها. قوَّة الدم الأبديّ تؤهّلنا لأن نعمل إرادة الله. ولا يمكن تحقيق ذلك بالعهد القديم بطبيعته الموقَّتة. العهد الَّذي بدأ بدم يسوع هو في الحقيقة "أبديّ".
21 هُوَ يَجْعَلُكُم كَامِلِينَ في كُلِّ صَلاح، لِتَعْمَلُوا بِمَشيئَتِهِ، وهُوَ يَعْمَلُ فينَا مَا هُوَ مَرْضِيٌّ في عَيْنَيه، بِيَسُوعَ الـمَسِيح، لهُ الـمَجْدُ إِلى أَبَدِ الآبِدِين. آمين.
عندما نُطيع، يعمل الله فينا لكي نعمل ما تمَّ تأهيلنا لعمله. وقيل أيضًا إنَّ الأسفار المقدَّسة تؤهّلنا "لكلّ عملٍ صالح" (2 طيم 3: 16، 17). ينبغي أن نمجّد الله في كلّ ما نعمل بانسجامٍ مع إرادته. نمجّده بهذا المجد من خلال الكنيسة والرَّبّ يسوع المسيح (راجع أف 3: 21). عمل الله يجعل عمل الانسان ممكنًا. لكنَّ استجابة الانسان بالطَّاعة لنعمة الله أمرٌ مطلوبٌ أيضًا. يوفّر لنا الله كلَّ شيءٍ "صالح" نحتاج إليه. إنَّه يساعدنا على أن يسود "الصَّلاح" حتَّى في الحالات الَّتي يسبّبها الأشرار بسوء نيَّة (راجع روم 8: 28).
الصلاة الواردة هنا هي من أجل أن يحقّق الله فينا، ومن خلالنا، كلَّ ما هو ضروريٌّ لجعل المؤمنين يمجّدونه "بيسوع المسيح". وكلمة آمين الختاميَّة تؤكّد على الحقائق الَّتي قالها الكاتب قبلًا.
22 وأُنَاشِدُكُم، أَيُّهَا الإِخْوَة، أَنْ تحْتَمِلُوا كَلامَ التَّشْجِيع، فَإِنِّي كَتَبْتُ إِلَيْكُم بإِيْجاز!
تمَّ الإدلاء بتصريحاتٍ قويَّة في الرسالة إلى العبرانيّين تتعلَّق بالديانة اليهوديَّة. لذلك طُلِبَ من القرَّاء أن "يحتملوا كلام التشجيع". هذا يعني أنَّه ينبغي لهم أن يُصغوا إلى كلّ كلمةٍ، وليس أن يحتملوا طولها فقط. فعبارة "كلام التشجيع" تشمل كلًّا من التعزية، والإنذار، والتشجيع. تُستخدم هذه العبارة أيضًا للإشارة إلى الكرازة علنًا (راجع 1 تس 2: 3)، أو في كنيسةٍ محليَّة (راجع روم 12: 8؛ 1 طيم 4: 13). العظات الواردة على امتداد الرسالة إلى العبرانيّين تدعم هذه الفكرة (راجع عب 2: 1-3؛ 3: 12-14؛ 4: 11، 14؛ 5: 11 – 6: 8؛ 10: 19-25؛ 13: 1-7).
23 إِعْلَمُوا أَنَّ أَخَانَا طِيمُوتَاوُسَ قد أُخْلِيَ سَبِيلُهُ. فَإِنْ أَسْرَعَ في مَجِيئِهِ، سَأَذْهَبُ مَعَهُ وأَرَاكُم.
لم يَرِد أيُّ ذكرٍ لسجن "طيموتاوس" هنا ولا في رسائل القدّيس بولس. لكن لا شكَّ في أنَّ الشخص الَّذي كان أمينًا في خدمة الله قد خاطر بسلامته من أجل البشارة. الكلمة اليونانيَّة apolúô الـمُترجَمة هنا "أُخلِيَ سبيله"، قد تعني "أُذِن له"، كما في "إذن السَّفر للقيامة بمهمَّةٍ ما" أو حتَّى "الإعفاء" عن شخصٍ ما. أمَّا فكرة أنَّه قد "أُخلي سبيل" طيموتاوس من السجن فهي غير معروفة. معاونته للرسول بولس في البشارة قد تؤدّي تلقائيًّا إلى احتمال مواجهة مصيرٍ كرفيقه؛ ولكن كونه لم يكن مواطنًا رومانيًّا، كان يُفقده الحقوق الَّتي كانت لبولس.
24 سَلِّمُوا عَلى جَمِيعِ مُدَبِّرِيكُم وجَمِيعِ القِدِّيسِين. يُسَلِّمُ عَلَيكُم الإِخْوَةُ الَّذِينَ في إِيطالِيا.
لم يتمّ توجيه هذه الرسالة إلى شيوخ الكنيسة أو الكنائس، بل إلى جزءٍ من أعضائها. كان أولئك الإخوة يسلّمون "على جميع مدبّريهم وجميع القدّيسين" بأطيب تحيَّات الكاتب. إذا كانت هذه المجموعة في داخل الكنيسة تتألَّف من الكهنة واليهود السابقين (راجع أعمال 6: 7)، فربّما كانوا يجدون صعوبةً في احترام "مدبّريهم" الَّذين كانوا من عامَّة الناس. وكان عليهم أن "يخضعوا" (hegéomai) لمدبّريهم، وأن "يثقوا بهم" (عب 13: 17). تدلُّ كلمة hegéomai اليونانيَّة على القدرة على القيادة وإصدار الأوامر.
كان عليهم أيضًا أن يسلّموا على "جميع القدّيسين"، أي جميع المسيحيّين. إنَّه من الواضح أنَّ "القدّيسين" كانوا أناسًا على قيد الحياة، وليس مجرَّد أفرادٍ صالحين ماتوا منذ زمنٍ بعيد.
عبارة "الَّذين من إيطاليا" قد تعني "الَّذين هم في إيطاليا" أو "الإيطاليُّون" الَّذين كانوا مع الكاتب في مكانٍ آخر. لا يمكن تحديد مكان الكاتب على وجه التحديد من هذه العبارة. وبالتَّالي، فإنَّ معظم الترجمات غير واضحة، وكذلك أيضًا النصُّ اليونانيّ. قد تكون هذه تسمية خاصَّة بالمسيحيّين الإيطاليّين الَّذين يُرسلون تحيَّاتٍ من الخارج. الأكثر احتمالًا هو أنَّ تحيَّة الإخوة الإيطاليّين هذه موجَّهة إلى مُستَلِمي هذه الرسالة الَّذين كانوا في مكانٍ بعيد. ربَّما لم تكن هاتَان المجموعتَان قد التقت إحداهما الأخرى.
25 النِّعْمَةُ مَعَكُم أَجْمَعِين!
كانت الكلمة اليونانيَّة charis الـمُترجَمة هنا إلى "نعمة" دعاءً ختاميًّا شائعًا في المراسلات المسيحيَّة. وتدلُّ ضمنًا على الرغبة في منح بركةٍ إلهيَّة إلى الشخص الَّذي يستَلِم الرسالة. وأكثر من مجرَّد تحيَّة متعارف عليها، غالبًا ما كانت هذه البركة تأتي بالسُّلطة الرسوليَّة. ما يحتاج إليه كلُّ شخصٍ أكثر من غيره هو نعمة الله. ومع العذاب الَّذي كان يواجه المسيحيّين في منطقةٍ يهوديَّة، كانت هناك حاجةٌ خاصَّة إلى هذه البركة.