الأخت دولّي شعيا (ر.ل.م)
مقالات/ 2022-03-05
13 وَلا تَجْعَلُوا أَعْضَاءَكُم سِلاَحَ ظُلْمٍ لِلخَطِيئَة، بَلْ قَرِّبُوا أَنْفُسَكُم للهِ كَأَحْيَاءٍ قَامُوا مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات، واجْعَلُوا أَعْضَاءَكُم سِلاحَ بِرٍّ لله.
أضاف بولس: "ولا تجعلوا أعضاءكم سلاحَ ظلمٍ للخطيئة". الكلمةُ اليونانيَّة paristáno المترجَمةُ هنا "تجعلوا" تعني "أن يُعطي" أو "يكرَّسَ". فإن كانت كلمة "أعضاءكم" تشيرُ إلى أعضاءِ الجسدِ: العينين، والأذنين، والفمِ، واليدين، والرِّجلَين، من الممكِنِ تكريسُها للشَّرِّ. لكن يجبُ أن لا نسيءَ الظَّنَّ بأنَّنا نخطئُ بأجسادِنا فقط، ولكن أعمالَ الخطيئةِ تتأصَّلُ في قلوبنا (راجع لو 6: 45). لا يكفي الامتناعُ عن عملِ الشَّرّ، بل ينبغي فعلُ الخيرِ أيضًا. لذا، أضافَ بولس قائلًا: "قرّبوا أنفسكم لله كأحياءٍ قاموا من بين الأموات، واجعلوا أعضاءكم سلاح برٍّ لله". فقدان الهويَّة هو معضلة كبيرة يعاني منها الانسان اليوم. فالّذين آمنوا بالرَّبّ يسوع وحملوا اسمه في العماد، ودخلوا معه في حياة الثَّالوث، كيف يمكنهم أن يتصرَّفوا كما لو أنَّهم بلا هويَّة؟ هم أبناء القيامة، أبناء الحياة، أبناء الله.
عبارة "سلاح برّ لله" مجازيَّة وتشير إلى أنَّنا في حربٍ روحيَّةٍ (راجع أيضًا أف 6: 1-17). نكونُ في هذه الحربِ إمَّا إلى جانبِ الرَّبّ أو إلى جانبِ إبليسَ. كما وقد نستخدمُ أجسادَنا وكلّ قدراتِنا العقليَّةِ كأسلحةٍ مكرَّسةٍ للشرِّ أو للخيرِ.
14 فلا تَتَسَلَّطْ عَلَيْكُمُ الـخَطِيئَة، لأَنَّكُم لَسْتُم في حُكْمِ الشَّرِيعَةِ بَلْ في حُكْمِ النِّعْمَة.
تشكّلُ هذه الآيةُ صلةَ وصلٍ بين ما سبقَ وما سيأتي في النصَّ. كلمة "فلا" هنا لا تعني أنَّه من المستحيلِ للخطيئةِ أن تسيطرَ على حياةِ المسيحيّ. ففي اللغةِ اليونانيَّةِ تُستخدمُ صيغةُ المضارع "تتسلَّط" لإصدارِ أمرٍ ما. بعبارةٍ أخرى، قد تقول لشخصٍ ما: "إنَّك تفعل ذلك"، بينما ما تقصدُه هو "يمكنك أن تفعل هذا، ولكنَّك ستكون في مشكلة كبيرة إذا ما فعلته". لذا، عندما قال بولس: "فلا تتسلَّط عليكم الخطيئة"، كان يؤكّد لقرَّائه أنَّه يجب أن لا تسود عليهم الخطيئة لأنَّهم قد مُنحوا النَّصر على الخطيئة، ويناشدهم أيضًا ألَّا يجعلوا الخطيئةَ تسيطرُ على حياتِهم. ثمَّ يشرحُ بولسُ لماذا ينبغي أن لا "تتسلَّط عليهم الخطيئة": "لأنَّهم ليسوا في حكم الشَّريعة بل في حكم النّعمة". كان من الصَّعب، تحت حكم الشَّريعة، ألَّا تسودَ الخطيئةُ، لأنَّه لم تكن هناك طريقةٌ للفرج. قد تصنع الشَّريعة أتباعًا وعبيدًا، ولكنَّها لا تلطّف القلوب الغليظة، ولا ترخي العناد ولا تؤدّي إلى التَّعبيرِ بعرفانِ الجميلِ ولا المحبَّةِ. والشَّيءُ الأهمُّ هو أنَّ الشَّريعةَ لا تبرّرُ الخاطئَ. تفعل النّعمة كلّ ما لا تستطيع الشَّريعة عمله. وبهذا نجد إجابةً على السُّؤالِ: "أنستمرُّ في الخطيئةِ، لكي تكثر النّعمة؟" (روم 6: 1)؛ النعمة تُثبط عزمَ الخطيئة بدلًا من تشجيعِها. فالطَّريقةُ الَّتي يحيا بها المؤمنُ حياتَه، تبيّنُ ما الَّذي يملِكُه في قلبه.
15 فَمَاذَا إِذًا؟ هَلْ نَخْطَأُ لأَنَّنَا لَسْنَا في حُكْمِ الشَّرِيعَة، بَلْ في حُكْمِ النِّعْمَة؟ حَاشَا!
حكم الشَّريعة هو الحكمُ الَّذي فيه يتَّكلُ المؤمنُ على حفظ الشَّريعة حفظًا كاملًا، بينما حكمُ النّعمةِ هو الحكمُ الَّذي فيه يكون الخلاصُ عطيَّةً من الله. عندما استخدم بولس هذا المفهوم، توقَّع اعتراضًا من نوعٍ ما: "فماذا إذًا؟ هل نخطأ لأنَّنا لسنا في حكمِ الشَّريعة، بل في حكم النّعمة؟". يبدو أنَّ بعض النَّاس توصَّلوا إلى خلاصةٍ أنَّهم إن لم يكونوا تحت حكم الشَّريعة، يكونوا أحرارًا من الالتزام بحفظ أيَّة شريعة. يعيشون حياتهم كما لو كانوا يقولون: "نحن أحرارٌ لنعمل كلَّ ما شئنا، بما في ذلك أن نحيا بطريقةٍ خاطئة". كان جواب بولس على هذا الكلام نفيًا قاطعًا: "حاشا!" (راجع أيضًا الجواب المماثِل في روم 6: 2). وقدَّم في الفصلَين السَّادس والسَّابع من الرسالة إلى أهل روما عدَّة أسبابٍ لماذا يجبُ على المسيحيّين أن لا يخطأوا. السَّببُ المُعطى في القسمِ الأوَّلِ من الفصلِ السَّادسِ (روم 6: 1-14)، هو أنَّنا قد متنا عن الخطيئةِ (روم 6: 2) عندما تعمَّدنا اتّحادًا بموت المسيح (روم 6: 3). عندما متنا عن الخطيئةِ تحرَّرنا من عبوديَّةِ الخطيئةِ (روم 6: 7، 9، 14). استأنفَ بولسُ استخدامَ التَّشبيهِ بالعبوديَّةِ في القسمِ الثَّاني من الفصلِ السَّادسِ (روم 6: 15-23) وتوسَّع فيه. كانت حجَّتُه الأساسيَّةُ هي أنَّه ينبغي أن لا نخدمَ الخطيئةَ لأنَّنا لسنا بعدُ عبيدًا للخطيئة، بل نحن الآن "عبيدٌ لله" (روم 6: 16)، أصبحنا في "حياةٍ جديدة".
16 أَلا تَعْلَمُونَ أَنَّكُم عِنْدَمَا تَجْعَلُونَ أَنْفُسَكُم عَبيدًا لأَحَدٍ فَتُطيعُونَهُ، تَكُونُونَ عَبيدًا للَّذي تُطيعُونَه: إِمَّا عَبيدًا لِلخَطِيئَةِ الَّتي تَؤُولُ إِلى الـمَوت، وإِمَّا لِلطَّاعَةِ الَّتي تَؤُولُ إِلى البِرّ.
"تجعلون أنفسَكم عبيدًا لأحد فتطيعونه...تكونون عبيدًا للَّذي تطيعونه". كان الَّذين كتبَ إليهم بولس في القرنِ الأوَّلِ يعرفون العبوديَّةَ حقَّ المعرفةِ. كانت هناك نسبةٌ كبيرة من سكَّان روما والإمبراطوريَّة الرومانيَّة عبيدًا. كان الكثيرون، وربَّما معظمُ الَّذين كتبَ إليهم بولس، أحرارًا قانونيًّا وسياسيًّا؛ ولكنَّه أرادَ لهم أنْ يعرفوا أنَّ كلَّ إنسانٍ عبدٌ لشيءٍ ما – حتَّى وإنْ كان ذلك الشَّيءُ من نزواتِه أو رغباتِه – بهذا يكون مُستَعبدًا لذلك الشَّيءِ. فقد سبقَ بولسُ وصوّرَ خطايا أهلِ روما بكلِّ بشاعتِها في بدايةِ الرِّسالةِ: "امتلأوا بأنواعِ الإثمِ والشّرِّ والطَّمعِ والفسادِ..." (روم 1: 29). كانوا عبيدًا للخطيئةِ والشَّهواتِ، يقيمونَ فيها ولا يُبدون أيَّ استعدادٍ للتَّحوُّلِ. مع أنّ اللهَ يقولُ لهم بفمٍ نبيّهٍ: "عودوا إليّ فأعود إليكم" (زك 1: 3). اعتادوا سماعَ صوتِ النّاسِ وما يقدّمُه العالمُ من "مبادئ" سعادةٍ، ما هي في النهاية سوى شقاءٍ، ومبادئ حريَّةٍ تُقَيّد الانسان فتجعله طائعًا للشرّ الذي لا يريده. هذه العبوديّة، تجعلُ أعضاءَه في خدمةِ الخطيئةِ ليتركَ خدمةَ اللهِ. هذا يعني أنَّه صارَ عابدَ وثنٍ، عابدًا لذاتِهِ ولما يقدِّمُه العالمُ له من الإغراءاتِ، وما أكثرها.
17 فَشُكْرًا للهِ لأَنَّكُم بَعْدَمَا كُنْتُم عَبيدَ الـخَطيئَة، أَطَعْتُم مِنْ كُلِّ قَلْبِكُم مِثَالَ التَّعْلِيمِ الَّذي سُلِّمْتُمْ إِلَيْه.
ينتقل بولس هنا من المبدأ العامِّ الَّذي عرضَه في الآيةِ السَّابقة، إلى حالةِ مستمعيه الخاصَّةِ. يذكِّرُهم بتعهُّدهِم السّابقِ: "فشكرًا لله لأنَّكم بعدَما كنتُم عبيدَ الخطيئةِ، أطعتُم من كلِّ قلبِكُم مثالَ التَّعليمِ الَّذي سُلّمتُم إليه". كانوا في الماضي "عبيدًا للخطيئةِ"، ولكنَّهم فضَّلوا أن يغيّروا وَلاءَهم وأطاعوا الرَّبّ. كلمة "طاعة" هنا تتألَّف باللغة اليونانيَّة من كلمة مركَّبة (hupakoé) وتعني حرفيًّا "يسمعُ" (akoúo) "تحت" (hupó)، أي إنَّها تشير إلى استجابةٍ إيجابيَّة لما قد سُمِعَ (راجع يع 1: 22). فالَّذين يعلمون أنَّ الخلاصَ هبةٌ مجَّانيَّةٌ من اللهِ يتضايقون ممَّا شرحَه بولسُ عن الطَّاعةِ (روم 6: 16-17أ)، وبخاصَّةٍ أنَّ الطَّاعةَ وردَتْ قبلَ التَّحرُّرِ من الخطيئةِ (روم 6: 17ب-18). لكنَّ كلامَ بولسَ هنا يتوافق تمامًا معَ هدفِه "طاعةً الإنجيلِ" بين جميع النَّاس (راجع روم 1: 5؛ 16: 26).
18 وَبَعْدَ أَنْ حُرِّرْتُم مِنَ الـخَطِيئَة، صِرْتُم عَبيدًا لِلبِرّ.
العالمُ عبوديّةُ، واللهُ حرّيّةٌ. فأيَّ طريقٍ نختارُ؟ ومن نريدُ أن نطيعَ؟ أنسمعُ صوتَ الخطيئةِ من خلالِ تجربةِ في داخلِنا أو من حولِنا؟ أو نسمعُ صوتَ البرِّ والطَّاعةِ للهِ والرَّدِّ على محبّتِه لنا بمحبّتِنا له؟ ولكن لا حاجةَ للعودةِ إلى الوراءِ. حينَ آمنّا وقبلنا العمادَ، تحرّرنا. لم نعدْ عبيدًا وخدّامًا للخطيئةِ، بل عبيدًا للبرِّ، وما أجملَها عبوديّةً تصلُ بنا إلى العبادةِ، وإلى حبِّ اللهِ كما العروسُ تحبُّ عريسَها.
لماذا يعودُ بولسُ إلى الكلامِ على عبوديّةِ الخطيئةِ، بعدَ أن تخطَّى المؤمنون هذا الوضعَ؟ لكي يحذّرَهم. كانوا عبيدًا للإثمِ، فصاروا عبيدًا للبرِّ والقداسةِ. لكنْ من الممكنِ أن يرتدّوا عن اللهِ (راجع عب 3: 12)، وعن الإيمانِ (راجع 1 طيم 4: 1). والَّذي يعتبرُ نفسَه واقفًا، فليحذُرِ السُّقوطَ (راجع 1 قور 10: 12). أجل، من تحرَّرَ فقد يحِنُّ إلى العبوديَّةِ، على مثالِ الشَّعبِ العبرانيّ، الَّذي ظلَّ يحنُّ إلى بصلِ مصرَ وسَمَكِها (راجع عد 11: 5)، حتَّى إنَّه ولو كانَ عبدًا هناك، يودُّ العودةَ!
19 وأَقُولُ قَوْلاً بَشَرِيًّا مُرَاعَاةً لِضُعْفِكُم: فَكَمَا جَعَلْتُم أَعْضَاءَكُم عَبيدًا لِلنَّجَاسَةِ وَالإِثْمِ في سَبِيلِ الإِثْم، كَذلِكَ اجْعَلُوا الآنَ أَعْضَاءَكُم عَبيدًا لَلبِرِّ في سَبيلِ القَدَاسَة.
كان بولس يعلم أنَّ العبوديَّة مصدرُ شقاءٍ عظيم، لهذا استخدم مثلًا توضيحيًّا: "أقول قولًا بشريًّا مراعاةً لضعفكم"، يشرح فيه لماذا قارن المسيحيَّة بالعبوديَّة: من يكون عبدًا لله، يفعل ذلك اختياريًّا وليس عن إكراه، لأنَّ الرَّبَّ ليس سيِّدًا مستبدًّا.
عندما أطاع الَّذين كتب إليهم بولس الله "من القلب"، تعهَّدوا بذلك بكامل الولاء للرَّبّ. ويشجّعهم بولس الآن على أن يعيشوا حياتهم وفقًا للتعهُّد الَّذي تعهَّدوا به: "فكما جعلتم أعضاءكم عبيدًا للنجاسة والإثم في سبيل الإثم، كذلك اجعلوا الآن أعضاءكم عبيدًا للبرّ في سبيل القداسة". عندما كانوا في الماضي عبيدًا للخطيئة، كانوا قد كرَّسوا أجسادهم ونفوسهم تكريسًا تامًّا للنجاسة وللإثم، ولم يكتفوا بذلك، بل غاصوا في الخطيئة أكثر فأكثر. أمّا الآن وقد أصبحوا "عبيد الله" فيجب أن يحوّلوا هذا التَّكريس الشديد للرَّبّ: "إجعلوا الآن أعضاءكم عبيدًا للبرّ في سبيل القداسة".
20 فَلَمَّا كُنْتُم عَبيدَ الـخَطِيئَة، كُنْتُم أَحْرَارًا مِنَ البِرّ.
ما دمنا عبيدًا للخطيئةِ، فلسْنا مُلزَمين بأنْ نخدُمَ البِرَّ، ولا أنْ نعملَ ما هو قويمُ. والعكسُ صحيحٌ أيضًا: حالما نُصْبِحُ "عبيدًا لله" (مكرَّسين له كليًّا)، نتحرَّرُ من الخطيئةِ، ولا نعُودُ ملزمين بإطاعةِ أوامرِها. شجّعَ بولسَ المسيحيّين على الاستمرارِ بتكريسِ حياتِهم للرَّبّ. وقد يظنُّ الكثيرون أنَّه لا يبقى هناك أشياء ليقرّروا بشأنها بما يختصُّ بالخطيئة لأنَّهم كانوا قد قرَّروا في وقتٍ ما أن يطيعوا الرَّبَّ، فتحرَّروا من الخطيئة. ولكنَّ الأمر ليس كذلك، لأنَّ كلَّ يومٍ هو يومُ صنع القرار. نقفُ كلَّ يومٍ على مفترقِ الطَّريقِ لنختارَ بين الاستمرارِ في الطَّريقِ الضَّيّقِ "الَّذي يؤدّي إلى الحياةِ" أم نتَّجهُ إلى الطَّريقِ الرَّحبِ "الَّذي يؤدّي إلى الهلاكِ" (متَّى 7: 13، 14).
21 فأَيَّ ثَمَرٍ جَنَيْتُم حِينَئِذٍ مِنْ تِلْكَ الأُمُورِ الَّتي تَسْتَحُونَ مِنْهَا الآن؟ فإِنَّ عَاقِبَتَهَا الـمَوْت.
ما الَّذي يحثُّنا على صنع القرار الصحيح عندما نقف عند مفترق الطَّريق؟ يعطينا بولس نصيحةً في هذه الآية أن ننظر إلى كلّ طريقٍ لرؤيةِ المكانِ الأخيرِ الَّذي يؤدّي إليه. لذا يطرحُ علينا السُّؤالَ: "فأيَّ ثمرٍ جنَيتم حينئذٍ من تلك الأمور الَّتي تستحون منها الآن؟ كان بعض المسيحيّين ينظرون إلى حياتهم السَّابقة بتلهُّف. مثلُهم مثلُ الإسرائيليّين الَّذين نظروا باعتزازٍ في ماضيهم ناسين العبوديَّةَ في مصرَ. لكن ما هو إيجابيّ عن الَّذين كتب إليهم بولس هو أنَّهم كانوا يخجلون من حياةِ الخطيئةِ السَّابقةِ. لذا، سألهم بولسُ أن يفكّروا بجديَّةٍ في "الثَّمرِ الَّذي جنَوهُ" من حياةِ الخطيئةِ، الَّذي لم يكنْ سوى ضميرٍ مُذْنِبٍ، والإخفاقِ في أن نكونَ ما أرادَ اللهُ لنا أن نكونَ، وعدمِ التنعُّمِ بالبركاتِ الَّتي يريدُ اللهُ أن يمنحَنا إيَّاها. لذا النَّتيجةُ الأسوأُ الَّتي يسميّها بولس هي "الموتُ". لا تشيرُ كلمةَ "الموت" هنا إلى الموتِ الجسديّ، بل إلى الموتِ الروحيّ، أي الانفصالِ عنِ اللهِ (راجع أش 59: 1-2). وبما أنَّها في تباينٍ مع "الحياةِ الأبديَّةِ" (روم 6: 22)، يتَّضحُ أنَّ بولسَ كانَ يقصدُ بها "موتٌ أبديٌّ"، أي الانفصالُ عن اللهِ إلى مدى الأبديَّةِ (2 تس 1: 8).
22 أَمَّا الآن، وقَدْ صِرْتُم أَحرارًا مِنَ الـخَطِيئَةِ وعَبيدًا لله، فإِنَّكُم تَجْنُونَ ثَمَرًا لِلقَدَاسَة، وعَاقِبَتُهَا الـحَيَاةُ الأَبَدِيَّة.
عندما يستمرُّ المسيحيُّ في طريقِ البرِّ، فإنَّه بذلك يحيا حياةَ القداسةِ. وبهذا تكون إحدى النتائجِ هي "التَّقديسُ". الأكثرُ أهميَّةً هي أنَّ السَّيرَ في ذلك الطَّريقِ يقودُ أخيرًا إلى "الحياةِ الأبديَّةِ"
23 لأَنَّ أُجْرَةَ الـخَطِيئَةِ هِيَ الـمَوت. أَمَّا مَوْهِبَةُ اللهِ فَهيَ الـحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ في الـمَسيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.
هذه الآيةُ هي الخلاصةُ الَّتي توصَّلَ إليها بولسُ. يعتقدُ الكثيرُ من النَّاسِ أنَّ أجرةَ الخطيئةِ تتكوَّنُ من المتعةِ، والشُّهرةِ، والنَّجاحِ. أمَّا بولسُ فيقول: "أجرةُ الخطيئةِ هي الموتُ"، الموتُ الرُّوحيُّ. تُشيرُ الكلمة اليونانيَّة المترجمة هنا إلى "أجرة" (opsónion) إلى دفعِ أجرةِ الخدمةِ العسكريَّةِ، أي ما استحقَّه الجنديُّ نتيجةَ المخاطرِ الجسديَّةِ الَّتي تعرَّضَ لها. إذًا، ما الَّذي يستحقُّه الانسانُ نتيجةً لحياةِ الخطيئةِ؟ إجابةُ بولسَ هي "الموتُ"! بالمقارنة مع ذلك، قال بولس إنَّ "موهبةَ اللهِ هي الحياةُ الأبديَّةُ في المسيحِ يسوعَ ربّنا". للخطيئةِ أجرةٌ، ولكنَّ اللهَ يمنحُ هبةً. شدَّدَ بولسُ في الفصلِ السَّادسِ من الرِّسالةِ إلى أهل روما على أهميَّةِ الطَّاعةِ الَّتي هي تعبيرٌ عن الإيمانِ. لكن هذا لا يعني أنَّ الانسانَ بالإيمانِ والطَّاعةِ يستحقُّ الخلاصَ أو يحصلُ عليه بجدارةٍ، لأنَّ الخلاصَ يبقى هبةً دائمةً من نعمةِ اللهِ. أمَّا الإيمانُ والطَّاعةُ فيبقيان مجرَّدَ الطَّريقةِ الَّتي اختارَها اللهُ لمسؤوليَّةِ الانسانِ في قبولِ عطيَّتِه المجَّانيَّةِ.