الأخت دولّي شعيا (ر.ل.م)
مقالات/ 2022-02-05
7 أَمَّا الـخُرَافَاتُ التَّافِهَة، حِكَايَاتُ العَجَائِز، فَأَعْرِضْ عَنْهَا. وَرَوِّضْ نَفْسَكَ عَلى التَّقْوَى.
بقَولِه لطيموتاوس ألَّا يعمل شيئًا مع "الخرافات التافهة وحكايات العجائز"، عيَّن بولس طريقَتَين بارعَتيَن:
الأولى، طلب من طيموتاوس أن يرفضَ التّدنيس، أي الممارسات غير المقدَّسة الَّتي تؤثّر على حياة الانسان إلى الأبد (راجع 2 قور 6: 17 – 7: 1). ويمكن أن تكون هذه الممارسات كلامًا دنسًا أو استفسارًا عن السلوك بحسب منطق هذا العالم (راجع غل 5: 15؛ طي 1: 9-11؛ 1 قور 10: 31-33)؛
الثانية، حذَّر بولس طيموتاوس من خرافات الزوجات العجائز. تلك كانت حكايات يهوديَّة نادرة وفارغة يقوم بها بعضُ المخطئين بمحاولةِ زخرفةِ الشَّريعةِ. فيعودون إلى حقل الخرافات السَّخيفة الَّتي تحاول بعضُ العجائزِ، في بعضِ الأوقاتِ، سردَها على الجيران أو على الأحفاد. مع احترامِه للعجائزِ وكبارِ السّنّ، كان بولس يعلم أنَّ هذه الممارسات قد تكون مشكلةً للمبشّرِ الشَّابّ، لذا حذَّر طيموتاوس منها.
8 فإِنَّ الرِّيَاضَةَ الـجَسَدِيَّةَ نَافِعةٌ بعْضَ الشَّيء، أَمَّا التَّقْوَى فَهِيَ نَافِعَةٌ لكُلِّ شَيء، لأَنَّ لَهَا وَعْدَ الـحَيَاةِ الـحَاضِرَةِ والآتِيَة.
الطريقة الَّتي تجعل طيموتاوس يتجنَّب السقوط هي أن يبقى نشيطًا صحيًّا وفي توازنٍ سليمٍ في نشاطه. إضافةً إلى التهذيب الجسديّ، أوصى بولس طيموتاوس بالحفاظ على التقوى. الصورة الَّتي رسمها بولس بالتكلّم على الرياضة الجسديّة كانت عاديَّةً في تلك الأيَّام. بعض المعلّمين الكذبة مارسوا "التهذيب القاسي" (راجع قول 2: 20-23)، وكان بولسُ يشيرُ بصورةٍ متكرّرة إلى المنافسةِ الرياضيَّة لتمثيل الحقيقة الروحيَّة (روم 9: 16؛ 1 قور 9: 24-27؛ غل 2: 2؛ 5: 7؛ فل 2: 16؛ 2 طيم 2: 5). وضع بولس الكلمة اليونانيَّة gumnasía في الزَّمن المضارعِ (المترجَمة هنا "رياضة" أو في ترجماتٍ أخرى "تمرين")، ليكون لها تأثير الفعل المستمرّ، مؤكّدًا لطيموتاوس أنَّ هذا التمرين إن امتدَّ سَرَيَانُه إلى التقوى يكُنْ مُربحًا لكلّ وجوده. فالله يطلب من الخادم عنايةً صحيَّة (راجع 1 قور 6: 19-20)، وروحيَّة (1 طيم 4: 8)، ونفسيَّة (راجع 1 قور 2: 11-12؛ عب 4: 12-13؛ فل 1: 27-28؛ روم 8: 2-15؛ 12: 11)، والتمرين الروحيّ ليس مكافأةً في هذه الحياة وحسب، بل يؤكّدُ للخادمِ "الحياةَ الآتيةَ".
9 صادِقَةٌ هيَ الكَلِمَةُ وجَدِيرَةٌ بِكُلِّ قَبُول:
10 إِنْ كُنَّا نَتْعَبُ ونُجَاهِد، فذلِكَ لأَنَّنَا جَعَلْنَا رجَاءَنا في اللهِ الـحَيّ، الـَّذي هُوَ مُخلِّصُ الـنَّاس أَجْمَعِين، ولا سِيَّمَا الـمُؤْمِنِين.
الآيةُ العاشرةُ مليئة بالمقاييس القويَّة. فكلُّ كلمة فيها "صادقة...وجديرة بكلّ قبول" (1 طيم 4: 9). تشتمل كلمة "نتعب" (kopiômen) على الأحمال، والأحزان، والأفراح الَّتي تملأ النهار "في وقته وفي غير وقته" (راجع 2 طيم 4: 2). هنا تأتي كلمة "نجاهد" (agonizómetha) لتكون مقياسًا للهدف. لأنَّ للخادم نظرةً تفاؤليَّةً تجعلُ رجاءه حيًّا بالرغم من الصُّعوبات والأحزان: "لأنَّنا جعلنا رجاءنا في الله الحيّ، الَّذي هو مخلّصُ النَّاسِ أجمعين، ولا سيَّما المؤمنين" (1 طيم 4: 10).
11 فأَوْصِ بِذلكَ وعَلِّمْهُ.
12 ولا تَدَعْ أَحَدًا يَسْتَهِينُ بِحَداثَةِ سِنِّكَ، بَلْ كُنْ مِثَالاً للمُؤْمِنِين، بِالكَلام، والسِّيرَة، والـمَحَبَّة، والإِيْمَان، والعَفَاف.
يوصي بولس طيموتاوس بما معناه: لا تسمح للتَّعليم الباطل، والخرافات في العالم، وشبابِك، أو أيَّ شيءٍ آخر أن يمنعك من أن توصي الآخرين وتعلِّمهُم؛ إنّها الفكرة الَّتي سيطوّرُها بولس لاحقًا (راجع 1 طيم 3: 14، 15؛ 4: 1-12).
ينتهي الفصل الرابع من الرسالة الأولى إلى طيموتاوس في ذروة التحدّي للمبشّر الشابّ: فيما يفكّر النَّاس بأنَّ الحكمة تُنسَب إلى العمر، على المبشّر الشابّ أن يستعملَ الحذرَ والاحترامَ. شجّعَ بولسُ طيموتاوس على أن يتابع هذا النموذج لئلَّا يحتقره أيُّ شخصٍ أو ينظر إليه بطريقةٍ تقلّل من شأنِه بسببِ صِغَرِ سنِّهِ، و"حداثةِ السِّنّ" (1 طيم 4: 12) هنا، يمكن أن تعني أيَّ شخصٍ بعمرِ أربعين سنة أو أقلّ.
على طيموتاوس أن يكون "مثالًا للمؤمنين" في خمس طرائق: الكلام (كلماته)، والسّيرة (سلوكه وخدمته)، والمحبَّة (روحه في الخدمة)، والإيمان (ثباته في كلّ حين)، والعفاف (نقاوته).
الكلام: يُعلَن بهدف الحياة الأبديَّة؛
السّيرة: تعكسُ ما يعيشه المبشّر وتسبق كلماته.
والمحبَّة: تفضّل الله على كلّ شيء وتعطي كلَّ ما عندها.
الإيمان: ليطلَّع بثقةٍ أبعد من التجارب.
العفاف: يلخّصُ كلَّ الصفات السابقة. فلو كان كلام المبشّر، وسيرته، ومحبَّته، وإيمانه توقفه، جميعها، عن أن يكون نقيًّا، لفسُدَتْ شخصيَّته وضاع مثاله.
13 وَاظِبْ عَلى إِعْلانِ الكَلِمَةِ والوَعْظِ والتَّعْلِيم، إِلى أَنْ أَجِيء.
يعطي بولس هنا لطيموتاوس ثلاثة تعاليم تناسبُ سلوك المبشّر وتكتمل بفعل "المواظبة":
(1) إعلان الكلمة: فلكي يعلنها عليه أن يقرأها يوميًّا، لأنَّه بالنسبة إلى الرَّسول بولس، على المبشّر أن "يتعب في الكلمة
والتَّعليم" (راجع 1 طيم 5: 17)؛
(2) الوعظ: يشتمل على التشجيع، والتوجيه، والنُصح؛
(3) التعليم: أن يُعلّم بحسب التَّعليم الصحيح الَّذي تلقَّاه.
14 لا تُهْمِلِ الـمَوْهِبَةَ الَّتي فِيك، وقَد وُهِبَتْ لَكَ بالنُّبُوءَةِ معَ وَضْعِ أَيْدِي الشُّيُوخِ عَلَيك.
هذا الواجبُ في سلوكِ المبشّرِ وتعليمه يحمّله مسؤوليَّةً جسيمةً: "لا تُهمِل"! في الإهمال نجدُ أربعَ حالاتٍ لفشل المبشّر: لا يراقب، لا يصغي، لا يهتمّ، لا يحضر. الإهمال الَّذي يعنيه بولس هنا يعود إلى "الموهبة الروحيَّة" الَّتي "توهَب بالنبوءة" (راجع أيضًا 2 طيم 1: 6)، وتبيّن صدق الدعوة الإلهيَّة، الَّتي تحقَّقت بوضع "أيدي الشيوخ عليه"، علامة قبول الكنيسة (راجع أعمال 13: 1-3؛ 1 طيم 5: 22).
15 إِهْتَمَّ بِتِلْكَ الأُمُور، وكُنْ مُواظِبًا عَلَيهَا، لِيَكُونَ تَقَدُّمُكَ واضِحًا لِلجَمِيع.
التعليم والسيرة المطلوبان من المبشّر يجعلانه "يحترس جدًّا" و"يهتمّ بتلك الأمور (المبادئ)". حالة الفعل اليونانيّ المضارع (isthi) المترجَم هنا "كُنْ"، يؤكّد على ضرورة استمرار طيموتاوس بالعمل بهذه المبادئ، وصيغة الأمر تُصرُّ على أنَّ هذه المبادئ يجب أن يُعمَل بها وأن يُحافَظ عليها. لا بل معنى الجملة في اللغة اليونانيَّة هو أن يعتني طيموتاوس بهذه الأمور وأن يكون فيها، أي أن يعطي ذاته كليًّا لها، أو أن يكرّس ذاته كليًّا لهذه الخدمة.
عندما يُنجز طيموتاوس ذلك، يكون "تقدُّمُه واضحًا للجميع"، لأنَّ الجهد الأصيل هو الدليل. فلا يبحث عن الشهرة بتقديم الفكرة الَّتي "تهيّج السَّمعَ" على الحقيقة الَّتي تحوّل الحياةَ (راجع 2 طيم 4: 1-5).
16 إِنْتَبِهْ لِنَفْسِكَ وَلِتَعْلِيمِكَ، وَاثْبُتْ في ذلِك. فإِذا فَعَلْتَ خَلَّصْتَ نَفسَكَ والَّذِينَ يَسْمَعُونَكَ.
هذا التقدُّم يجب أن يُفحص لا من النَّاس وحسب، بل من الله، لأنَّ الهدف هو "الخلاص". إنَّها خطَّة كاملة يطرحها بولس على طيموتاوس، لا بل قاعدة حياة تؤكّد الخلاص لطيموتاوس ولأولئك "الَّذين يسمعونه".