الأحد السادس عشر من زمن العنصرة
مثل الفرّيسي والعشّار
(لوقا 18/ 9-14)
9. قالَ الربُّ يَسوعُ هذَا المَثَلَ لأُنَاسٍ يَثِقُونَ في أَنْفُسِهِم أَنَّهُم أَبْرَار، وَيَحْتَقِرُونَ الآخَرين:
10. "رَجُلانِ صَعِدَا إِلى الهَيْكَلِ لِيُصَلِّيَا، أَحَدُهُما فَرِّيسيٌّ وَالآخَرُ عَشَّار.
11. فَوَقَفَ الفَرِّيسِيُّ يُصَلِّي في نَفْسِهِ وَيَقُول: أَللّهُمَّ، أَشْكُرُكَ لأَنِّي لَسْتُ كَبَاقِي النَّاسِ الطَّمَّاعِينَ الظَّالِمِينَ الزُّنَاة، وَلا كَهذَا العَشَّار.
12. إِنِّي أَصُومُ مَرَّتَينِ في الأُسْبُوع، وَأُؤَدِّي العُشْرَ عَنْ كُلِّ مَا أَقْتَنِي.
13. أَمَّا العَشَّارُ فَوَقَفَ بَعِيدًا وَهُوَ لا يُرِيدُ حَتَّى أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ إِلى السَّمَاء، بَلْ كانَ يَقْرَعُ صَدْرَهُ قَائِلاً: أَللّهُمَّ، إِصْفَحْ عَنِّي أَنَا الخَاطِئ!
14. أَقُولُ لَكُم إِنَّ هذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّرًا، أَمَّا ذاكَ فَلا! لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يُوَاضَع، وَمَنْ يُواضِعُ نَفْسَهُ يُرْفَع."مقدّمة
نحنُ في القسْمِ الثَّاني من إنجيلِ لوقا (9: 51 – 19:28) وهو صعودُ يسوعَ الى اورشليمَ. في هذا القسمِ من إنجيلِهِ، يؤسِّسُ لوقا لزمَنِ الكنيسة ويُورِدُ فيه نصائحَ وإرشاداتٍ للمسيحيِّ المؤمنِ ومن ضمنِ هذه الارشاداتِ يأتي مَثَلُ الفرِّيسيِّ والعشَّارِ ليرينا مثلَ عيشِ المسيحيِّ ومثلًا معاكسًا له. لهذا السّبب لا تُذكرُ الأسماءُ لكي يَرى كلُّ مؤمنٍ نفسَه في الشَّخصيتَيْن فيتوبَ إن كان يشبِهُ الفريسيَّ ويتشجَّعُ إن كانَ كالعشَّارِ.
شرح الآيات
9. قالَ الربُّ يَسوعُ هذَا المَثَلَ لأُنَاسٍ يَثِقُونَ في أَنْفُسِهِم أَنَّهُم أَبْرَار، وَيَحْتَقِرُونَ الآخَرين:هدفُ يسوعَ واضحٌ، إنّه يتوجَّهُ إلى الّذين يعتبرون أنفسَهم ابراراً ويريدون أن يظهروا أنقياءَ للعالمِ، فيدعوهم يسوعُ فيهذا المَثلِ إلى التَّواضعِ. كما ويكشِفُ أنَّ الاكتفاءَ بالذَاتِ وبالأعمال الّتي نقومُ بها يحرِمُنا من نعمةِ اللهِ.
10. "رَجُلانِ صَعِدَا إِلى الهَيْكَلِ لِيُصَلِّيَا، أَحَدُهُما فَرِّيسيٌّ وَالآخَرُ عَشَّار.
ليصلّيا: اعتادَ اليهودُ على الصَّلاةِ في الصَّباحِ والمساءِ، ساعةَ تقدِمَةِ الذَّبيحةِ ولكن هذا لا يمنَعُ الصَّلاةَ في أيِّ وقتٍ من النَّهار، في الهيكلِ (أع 3 : 1). ويأتي هذا المثلُ ليشدِّدُ على الإلحاحِ في الصَّلاةِ فيُظهِرَ كيفيةَ الصَّلاةِ بعدَ أن أظهر أهميّتها.
12. إِنِّي أَصُومُ مَرَّتَينِ في الأُسْبُوع، وَأُؤَدِّي العُشْرَ عَنْ كُلِّ مَا أَقْتَنِي.
صلاتُه هي صلاةُ شكرٍ في الظَّاهرِ يعدِّدُ فيها الخطايا الّتي لم يفعلْها والوصايا التي حَفِظَها ويحقِّقُ فيها المطلوب منه شرعًا. هي ممارساتٌ يقومُ بها الفرِّيسيُّ (5: 33، 11: 42) فيجدَ فيها براءته ولكنَّه بتبريرِه لذاتِه يدلُّ على أنَّه لا ينتظِرُ شيئًا من اللهِ. كما وأنَّ نبْذَه للخاطئ هو ترجمةٌ للمزمور 26 لكنَّ اللّافتَ أنَّ هذه التَّرجمةَ الحرفيَّةَ أدّتْ به إلى نبْذِ صلاتِه.
13. أَمَّا العَشَّارُ فَوَقَفَ بَعِيدًا وَهُوَ لا يُرِيدُ حَتَّى أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ إِلى السَّمَاء، بَلْ كانَ يَقْرَعُ صَدْرَهُ قَائِلاً: أَللّهُمَّ، إِصْفَحْ عَنِّي أَنَا الخَاطِئ!
على عكسِ الفريسيّ يقرُّ العشَّارُ بخطيئتِه وبطلبِهِ الرَّحمةِ ينفتِحُ على اللهِ وعلى نعمتِهِ. ومِنَ المُلفِتِ أيضًا أنّه على عكسِ زكّا لا يعِدُ بالقيامِ بأيِّ إصلاحاتٍ او أيِّ فعلِ تعويضٍ.
14. أَقُولُ لَكُم إِنَّ هذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّرًا، أَمَّا ذاكَ فَلا! لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يُوَاضَع، وَمَنْ يُواضِعُ نَفْسَهُ يُرْفَع."
البِرٌّ الّذي اعتبرَ الفرّيسيّ أنّه ينالُه بأعمالِهِ هو في الحقيقةِ عطيّةُ اللهِ (فل 3: 9) وعلى الانسانِ أنْ يتجاوبَ معه في العطاءِ. ينتهي المَثَلُ بقلبِ الادوارِ فالَّذي صعَدَ ليُبْرِّرَ نفسَه علنًا نَزِلَ وهو يجهلُ أنَّه مرذولٌ أمَّا الَّذي صعِدَ علنًا على أنَّه خاطئٌ نزل مبرَّرًا سرِّا. وهذا الحُكمُ الّذي يطلقُه يسوعُ انما يطلِقُه من وُجْهَةِ نظرِ اللهِ، كونه ابن اللهِ.
خلاصة روحيّة
يأتي هذا المثلُ ضمنَ ارشاداتٍ يوجِّهُها لوقا للمؤمنِ عن العيشِ والصَّلاةِ. ويدعونا للتّواضعِ والتّمثلِ بالعشَّارِ والارتماءِ بين أحضانِ الرِّحمةِ الالهيَّةِ. ولكنه بالتّألي هو دعوةٌ لفهمِ المنطقِ الالهيِّ الّذي هو الحبُّ غيرُ المشروطِ والغفرانُ الّذي يسبِقُ اعمالَنا ويتخطّى خطيئتنا. بهذا يأتي هذا المثلُ فيبررّ طريقةَ تعاملِ المسيحِ مع الخطأةِ فهو الّذي نزَلَ إلينا وأحبَّنا أولًا وبدونِ شروطٍ وبذلكَ عرَّفَنا على رحمةِ اللهِ. وبهذا المنطقِ نتشجَّعُ لنعْتَِفَ بخطايانا وتقبُّلِ رحمةِ اللهِ وغفرانِهِ.