الخوري بول ناهض
مقالات/ 2021-07-24
23. فَدَهِشَ الجُمُوعُ كُلُّهُم وقَالُوا: "لَعَلَّ هذَا هُوَ ٱبْنُ دَاوُد؟".
24. وسَمِعَ الفَرِّيسِيُّونَ فَقَالُوا: "إِنَّ هذَا الرَّجُلَ لا يُخْرِجُ الشَّيَاطِيْنَ إِلاَّ بِبَعْلَ زَبُول، رئِيسِ الشَّيَاطِين."
تساؤلُ الجموعِ عن إمكانيّةِ أن يكونَ يسوعَ هو إبن داود أزعجَ الفريسيين الّذي يسعون دومًا الى معارضةِ الإعلانِ الإنجيليِّ والشهادةِ للربِّ. من المحزنِ جدًّا أن نرى موقفَ القادةِ الدّينيّين الّذين كان يجبُ أن يعلّموا النَّاسَ ويوضّحوا لهم من خلالِ الشريعةِ والأنبياءِ ما يتعلّقُ بإبنِ داود. ولكن، على العكسِ من ذلك، فهم يسعَون، فقط، إلى حَرْفِ النُّفوسِ عن الحقيقةِ وجَعْلِ النَّاسِ يعتقدون أنَ "هذا الرجلَ يُخْرِجُ الشَّيَاطِيْنَ بِبَعْلَ زَبُول، رئِيسِ الشَّيَاطِين". الفريسيّون هم عميانٌ لأنَّ عدمَ الإيمانِ يجعلُ المرءَ أعمى دائمًا (2 قور 4/ 3-4، يو 9/39-41). يعتقدُ البعضُ أنّهم يرَون بوضوحٍ، لكنّهم في الحقيقةِ هم عميانٌ كليًّا عن أمورِ اللهِ إذا لم يسمحوا لنعمةِ الرُّوحِ أن تلمسَ قلوبَهم.
25. وعَلِمَ يَسُوعُ أَفْكَارَهُم فَقَالَ لَهُم: "كُلُّ مَمْلَكَةٍ تَنْقَسِمُ على نَفْسِها تَخْرَب، وكُلُّ مَدِينَةٍ أَو بَيْتٍ يَنْقَسِمُ على نَفْسِهِ لا يَثْبُت.
26. فَإِنْ كانَ الشَّيْطَانُ يُخْرِجُ الشَّيْطَان، يَكُونُ قَدِ ٱنْقَسَمَ عَلى نَفْسِهِ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَمْلَكَتُهُ؟
يمتلكُ الشّيطانُ، أميرُ الظّلامِ، السُّلطةَ والقدرةَ على التأثيرِ على البعضِ من النَّاسِ، ولكنْ إذا قامَ بهدمِ إنجازاتِه الخاصّةِ، فلن تبقى هذه السّلطةُ فاعلةً وموجودةً. إذا كان هو الذي، بعدَ أنْ جعلَ الرَّجلَ أعمًى وأخرسًا، حرَّرَه وشفاه فسيكونُ ذلك سخيفًا جدًّا وضارًّا بالنِّسبةِ لمشروعهِ! بجوابِه وطريقتِه يفكّكُ الرَّبُّ يسوع تحليلَ الفريسيّين الّذين، بالحقيقةِ، ليس لديهم إلاّ هدفُ واحدٌ وهو معارضةُ أيةِ شهادةٍ ليسوعَ، وذلك بكلِّ الوسائلِ المُتاحةِ كي يتمكنوا من وضعِ أيديهم عليه.
27. وإِنْ كُنْتُ أَنَا بِبَعْلَ زَبُولَ أُخْرِجُ الشَّيَاطين، فَأَبْنَاؤُكُم بِمَنْ يُخْرِجُونَهُم؟ لِذلِكَ فَهُم أَنْفُسُهُم سَيَحْكُمُونَ عَلَيْكُم.
سؤالُ يسوعَ هذا يُظهِرُ أنّ إخراجَ الشّياطين كان أمرًا شائعًا عندَ اليهود (لو 9/ 49، أع 19/ 13). لكنّ هذه الآيةَ تشرحُ لنا أيضًا كيف تَجَاوَبَ الرَّبُّ يسوعَ مع متّهميه. فهو يقودُهم الى أن يعودوا لذواتِهم ويفكّروا في تصرّفاتِهم الهادفةِ الى منْعِ قيامِ ملكوتِ اللهِ.
28. أَمَّا إِنْ كُنْتُ أَنَا بِرُوحِ اللهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطين، فَقَدْ وَافَاكُم مَلَكُوتُ الله.
لا يتردّدُ يسوعُ عن إعلانِ حضورِه المسيحانيِّ بقوةِ وسلطانِ كبيرَين. إذ أنَّ اللهَ الآبِ وحدَه هو الّذي يقودُ خطاه كي يُظهِرَ من خلالِه قوّةَ روحِه بين النّاسِ. لكنَّ حضورَ المسيحِ وسلطانَه كانا مصدرَ قلقٍ ورفضٍ لأولئك السّاعين إلى مجدِهم والّذين يريدون إبقاءَ النّاسِ تحتَ نيرَ العبوديّةِ واليأسِ والأمراضِ المختلفةِ.
29. أَمْ كَيْفَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ القَوِيِّ ويَنْهَبَ أَمْتِعَتَهُ، إِنْ لَمْ يَرْبُطِ القَوِيَّ أَوَّلاً، وحِينَئِذٍ يَنْهَبُ بَيْتَهُ؟
قبلَ أن يتمَكَّنَ مِنْ فَرْضِ قوةِ روحِ اللهِ، كانَ على الرّبّ أنَ "يربطَ القويَّ أولاً". لقد اختبرَ يسوعُ سلطاَن الشَّيطانِ الّذي سعى دونَ كللٍ الى ممارسةِ سلطتِه على النّاسِ، لكنَّه فشِلَ بمحاولتِه مع يسوعَ بعد أنْ نجحَ مع آدمَ الأوّلِ. فالمسيحُ، آدمُ الجديدُ، إنتصرَ عليه بطاعتِه الكاملةِ لكلمةِ اللهِ مُبيّنًا أنَّ إعتمادَه الأوَّلَ والأخيرَ هو على أبيه فقط. هكذا ربطَ الرَّجلَ القويَّ!
30. مَنْ لَيْسَ مَعِي فَهُوَ عَلَيَّ. ومَنْ لا يَجْمَعُ مَعِي فَهُوَ يُبَدِّد.
مع يسوعَ لا يمكنُنا أنْ نكونَ حيادييّن. إذا آمنَّا به فنحنُ حتمًا معه وإلّا فنكون ضِدَّه. هذا الأمرُ يتطلّبُ إلتزامَ القلبِ تجاهَ يسوعَ.
31. لِذلِكَ أَقُولُ لَكُم: كُلُّ خَطِيئَةٍ سَتُغْفَرُ لِلنَّاس، وكُلُّ تَجْدِيف، أَمَّا التَّجْدِيفُ عَلى الرُّوحِ فَلَنْ يُغْفَر.
32. مَنْ قَالَ كَلِمَةً عَلى ٱبْنِ الإِنْسَانِ سَيُغْفَرُ لَهُ. أَمَّا مَنْ قَالَ عَلى الرُّوحِ القُدُسِ فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ، لا في هذَا الدَّهْر، ولا في الآتِي".
إنّ مهمّةَ الرُّوحَ القُدُسِ في عالمِنا هو إكمالُ بنيانِ الملكوتِ السَّماويِّ فكلُّ تجديفٍ على الرُّوحِ هو رفضٌ لهذه المهمّةِ وبالتَّالي محاولةٌ لمنْعِ قيامِ الملكوتِ وهذا ما لا يسْمَحُ به اللهُ، لا في هذا الدَّهرِ ولا في الآتي.