يقع هذا العيد في الرابع من شهر كانون الأوّل. اختلف الرواة في موطن الشهيدة بربارة، فجعلها كلّ منهم من بلاد: يقول البعض إِنّها وُلِدَت في قرية "دلسن" من أعمال "هليوبوليس" فينيقيا الَّتي هيّ بعلبك مدينة الشمس، والبعض الآخر من نيقوميديا أو من مصر.
كان أبوها غنيًّا وثنيًّا فأحسن تربيتها بالعلوم والآداب. تأثّرت بخادمتها المسيحيّة وراحت تسأل عن المسيح. إتّصلت بالمعلِّم فالنتيانوس الَّذي أخذ يشرح لها أسرار الإيمان المسيحيّ، فآمنت بالمسيح وقبلت سرّ العماد ونذرت بتوليّتها للربّ يسوع. حطَّمَت ما حولها من أصنام، الأمر الَّذي أغضب أباها فشكاها إلى الوالي وما كان من هذا الأخير إلاّ أن أذاقها مرّ العذاب، وسجنها، وأمر بقطع رأسها سنة 235م.
اشتهر استشهاد بربارة في الشرق، وأُعجِبَ الناس بثباتها وبسالتها. وفي عهد قسطنطين الملك، أخذ المسيحيّون يرفعون ذِكرَها، ويشيدون بفضائلها، ويزورون ضريحها، فينالون منه النِعَم، فأقاموا لها عيدًا خصّوه بطواف إعداديّ كانوا يمثِّلون فيه مأساة استشهادها.
ولعيد البربارة تقاليد عائليّة متوارثة منها:
1- القمح: يسلقونه ويأكلونه مُحلًّى بالسكّر، مطيَّبًا بالقلوبات. وحبّة القمح ترمز إلى تجسّد الربّ يسوع (مثل حبّة القمح في أرض (مريم) الخصبة، صرتُ فوق المذبح قوتًا للبيعة وخبز حياة) كما ترمز إلى موته وقيامته (حبّة الحنطة الَّتي وقعت في الأرض وماتت، وبموتها أتت بثمر كثير (يو 12: 24)).
ونحن نرجو أن نكونَ مثل الشهيدة بربارة، نقبلُ أن يُنقّيَنا الربّ، ونثبُتُ فيه، لنحملَ ثمرًا كثيرًا.
2- الحلويات: يأكلون الحلويات كالزلابية والعوّام والقطايف إشارة إلى ما ظَفَرَت به بربارة من حلاوة الفرح السماويّ بعد مرارة العذاب. والشهيدة بربارة إسوةً بباقي الشهداء، تبنّت كلام الربّ. ولفهم كلمة الله والتبشير بها، حلاوة ومرارة في آنٍ معًا. أمّا الحلاوة فهي لمن يغتذي بها، وأمّا المرارة فهي الالتزام بها وإعلانها، وتحمّل الاضطهاد حتّى الموت في سبيلها (رؤيا 10: 9-10).
نطلب من المسيح الكلمة نعمة الشهادة له في حياتنا ومماتنا على مثال القدّيسة بربارة.
3- الشموع: في مساء العيد، يوقد ربّ البيت شموعًا على عدد أفراد أسرته، والشمعة العسليّة الأصليّة ترمز إلى ميزات ثلاث: من حيث مصدر تكوينها، هي صورة للاجتهاد (والنحلة الَّتي تمتصّ العبير لتصنع منه العسل معروفة بالحشرة المجتهدة)، ومن حيث شكلها هي صورة للاستقامة (فالشمعة المعوجّة لا تصلح للاستعمال) ومن حيث وظيفتها، هي صورة لبذل الذات (تذوب لتعطي النور).
نجتمع للصلاة العائليّة في هذا المساء، ونوقد الشموع، ونطلب من الربّ، بشفاعة القدّيسة بربارة، هذه النعم، فينقص الأنا فينا لينمو المسيح.
4- التبرقط والاكتحال والثياب التنكريّة: عادة اجتماع الصبايا والنسوة، ليلة العيد، للتبرقط أو الاكتحال، ترمز إلى ما كان للشهيدة من جمال العينين وإلى ما كانت تشاهده في عذابها من الأنوار السماويّة مصدر كلّ شفاء ونعمة سماويّة. أمّا الثياب التنكريّة فما كانت إلّا لباس الشخصيّات الَّتي تجسّد أدوارًا محدّدة في مأساة استشهادها: ديوسقورس، الوالي، فالنتينوس، الخادمة، الجنود…
نأخذ على عاتقنا، بشفاعة القدّيسة بربارة، أن نعكس في حياتنا وجه الربّ يسوع، وجه الجمال والفرح والحبّ والرجاء، ونتنكّر لسلطان هذا العالم، فنبقى أمناء للأمين الَّذي لا يقدر أن ينكر نفسه (2 طيم: 13).
5- الحجارة: يتّخذ عمّال البناء وقلع الحجارة الشهيدة بربارة شفيعة لهم، ويلجأ إليها أيضًا أصحاب الأعمال الخطرة كالعاملين بالبارود والمتفجّرات بناءً على ما نُسِب إليها من القوّة على اجتياز المخاطر.
في وسط همومنا والعراقيل الَّتي تعترضنا، نصرخ معها ومع صاحب المزمور: خالقي هو وخلاصي، ملجأي فلا أتزعزع، عند الله خلاصي ومجدي، وفي عزّة الله صخرتي ومعتصمي (مز 62 (61): 7-8).