الشمّاس إيلي سمعان
مقالات/ 2020-06-08
تسير الحياة ولا تسأل عن أحد. فمنذ البدء إلى اليوم، ومع كلّ لحظةٍ تمرّ، يخطف الموت المئات لا بل الملايين. ولا يذكر التاريخ سوى البعض، لا يذكر سوى من ربح سباق الحياة، أي من تحدَّى وتبارى وربح. فهل سنخلّد اسمنا في تاريخ البشريّة؟
يعتقد بعضهم، معتبرين أنّهم على حقّ، أنْ يكفي أن تكون أسماؤنا مخلّدةً في فكر الله. بيد أنّ الله يدعونا إلى أنْ نعيش حياتنا الإنسانيّة بملئها؛ فيكون تخليد أسمائنا في تاريخ البشريّة، علامةً على عيشنا ملء دعوتنا المسيحيّة: فمن ذا الذي يقدر أن يمحوَ اسم الأمّ تيريزا من تاريخ البشريّة؟
إذًا، فلنتبارَ ولنتنافس بجدارة. فالحياة سباقٌ صعب على الجميع، ولكنّ صعوبته على المتفرّجين الجالسين على قارعة الطريق، أكبر ممّا هي عليه بالنسبة إلى المتبارين. وليس الرابح الحقيقيّ، من يصل وحده إلى خطّ النهاية، بل من يوصّل أكبر عدد من الأشخاص معه إلى هذا الخطّ الذي نتوق إليه! إذ ليست المنافسة أمرًا سيّئًا، إن كانت منافسة على الخير. فهَلُمّ بنا، إذًا، نتبارى في سباق الحياة!
هلمّ بنا نتبارى على خدمة المحتاج، لا من أجل أنْ نجمّل صورتنا، أو أنْ نضئ هالة قداستنا بيدنا؛ بل من أجل خدمة أكبر عددٍ ممكن من المحتاجين.
هلمّ بنا نتبارى لنُطعِم الجياع، لا لنشبع جوعنا إلى الشهرة، ولا لنُتخَم بكلمات الشكر، بل من أجل تحقيق عدالة الربّ الذي يرزق كلّ ذي جسدٍ طعامه من خلالنا.
هلمّ بنا نتبارى على الصلاة، لا لنتحوّل إلى فرّيسيّي العهد الجديد، ولا لنظهر بصورة جذّابة أمام النّاس، بل من أجل التقرّب من الربّ أكثر فأكثر، فنميّز ما يريده منّا طيلة "مسار" السباق.
هلمّ نتبارى على التبشير، لا لنغسل أدمغة الناس ونحوّلهم إلى أتباعٍ لشخصنا، ولا لنتفاخر بمعلوماتنا منصِّبين أنفسنا معلّمين، بل من أجل أنْ نعلن بشارة الخلاص لكلّ الأمّم، فنتمّم ما دعانا الله إلى عيشه.
هلمّ بنا نتبارى على المسؤوليّة، لا بهدف التسلُّط على المراكز والتفرُّد في القرارات، بل من أجل أنْ نضع طاقاتنا كلّها لنجدِّد معًا وجه الأرض والكنيسة، على حسب هديِ الرّوح.
هلمّ بنا نتبارى على الحبّ، لا لكيّ نُحَب ونزيد "شعبيّتنا"، بل لأنّ الله أحبّنا أوّلًا ودعانا إلى أنْ نحبّ بعضنا بعضًا كما هو أحبّنا.
في الختام، قد تكون صورة المباراة مشوّهة: إذ قد نعتقد أنّ الرابح واحدٌ، وأنّ الباقين خاسرون. غير أنّ الرّابح الوحيد في مسيرة قداستنا، هو دائمًا "الآخر". فإن استطعنا أن نرى في "الآخر" المسيح، فلا يمكننا عندها إلّا أن "نخسر" كلّ شيء من أجله؛ فالحبّ لا يقدر إلّا أن يعلّمنا البذل.
عسى أن نعيش في كنيستنا هذه المحبّة الصادقة، محبّة المسيح، فنتبارى "معًا" لكي يصل المسيح إلى الجميع، لا لكي نصل نحن إلى خطّ النهاية وحدنا. فمن وصل وحيدًا، بقيَ وحيدًا، وخسر المسيح و"المتفرّجين الجالسين على قارعة الطريق".