الخوري شربل الخراط
مقالات/ 2020-04-12
من القبر الفارغ، انتشرت في المسكونة كُلِّها بشرى قيامة الربّ يسوع المسيح من بين الأموات، هو الّذي أطاع مشيئة أبيه حتّى الموت مرفوعًا على الصليب، فكان أن أثمرت طاعته قيامةً وحياةً للإنسان، كلّ إنسان.
وها إنّي اليوم أقف مُتأمِّلًا بهذا المشهد المهيب، مشهد القبر الفارغ الّذي تنبعث منه أنوار القيامة وبُشرى السّلام. ويأخذني التأمّل إلى الواقع المرير الّذي تعيشه الكنيسة اليوم في هذه الأزمنة العسيرة. فقد أعلنت الكنيسة اليوم أن قام الربّ حقًّا قام، فيما رعايانا التّي اعتادت في مثل هذا اليوم أن تغصّ بالمُعيّدين، بقيت فارغة، خالية إلّا من الكهنة الّذين ؛ أمانةً لخدمتهم، أحيوا اليوم الخدم الكنسيّة ولو مُنفردين، احتفالًا بهذا العيد العظيم، وهُم يحملون في صلواتهم وطِلباتهم كلّ أبناء رعاياهم الّذين تعذّر عليهم المُشاركة في الكنيسة كما هي العادة!
أمام القبر الفارغ، أعلن الملاك في مثل هذا اليوم للمريمات اللواتي أتين فجرًا ليُطيّبن جسد الربّ قائلًا: "أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ النَاصِرِيَّ المَصْلُوب. إِنَّهُ قَام، وَهُوَ لَيْسَ هُنَا"، ومن هناك انطلقت بُشرى القيامة فما بقيت محصورة ضمن قبرٍ فارغٍ، بل عمّت المسكونة وعبرت التاريخ والأزمنة.
واليوم أمام مشهد كنائس رعايانا الفارغة من المؤمنين أنا أشهد أنّ المسيح القائم الحاضر حضورًا فعليًّا في الكنيسة بواسطة الأسرار، قد انتشرت بُشرى قيامته انتشارًا فعليّا في قلب العالم، وباتت شهادة مُعاشة في حياة الكثير من المؤمنين الّذين هم انعكاس لحضور الربّ القائم في العالم.
فالمسيح الإله القائم من بين الأموات، إنّما هو حاضر أيضًا حضورا حقيقيًّا في قلب كلّ عائلةٍ حوّلت بيتها إلى كنيسة صغيرة كي تعيش فيها اللقاء مع القائم من بين الأموات. إنّهُ حاضر في كلّ راعٍ يبذل نفسه جاهدًا كي يبقى بالقرب من رعيّته الموكلة إليه، بكلّ ما أوتي من إمكانات، بعيدًا عن كلّ روحٍ عالميٍّ أو حبٍّ للظهور! إنّ المسيح القائم من بين الأموات حاضر في كلّ مؤمنٍ مُحبٍّ للمسيح ولكنيسته، وها هو يشهد عن حبِّه هذا بقبوله تدابير رُعاتِها في هذه المرحلة الإستثنائيّة، بروح الطاعة والتواضع، رافضًا أن "يشيطنهم"، وحاملًا الكنيسة إلى بيته حيث يعيش إيمانه بصمتٍ أشبه بصمت القبر الفارغ، وبشهادةٍ ثابتةٍ ثبات البيت المبنيّ على الصخر.
إنّ المسيح القائم حاضرٌ في كلّ طبيبٍ وممرضةٍ وناشطٍ في المجال الطبّي يبذل نفسه في سبيل من هم له أحبّاء في الانسانيّة، خدمةً للحياة، هذه الدرّة الثمينة التّي هي عطيّة لنا، لا بل أمانة وضعها الله بين أيدينا. إنّه حاضر في كلّ مسؤولٍ مدنيٍّ يعمل ليل نهار لتدبير شؤون حياتنا الزمنيّة في هذه الأزمة الصعبة...
حضور القائم يظهر جليًّا اليوم وكلّ يوم في كلّ من يتقاسم الخيرات أكانت ماديّة أو معنويّة مع كلّ من هو في ضيقٍ وعوز...
أمام هذه المشاهد كلّها لا يمكنني إلّا أن أشهد أنّ بشرى القيامة التّي هذّت بها كنائسنا عبر الأجيال، لا تقتصر على كونها شعارًا عقائديًّا محدّدًا في شعائر كنسيّة مُتقنة، ومصحورًا ضمن جدرانٍ أربعة. بل إنّها حقيقة إيمانيّة، نُغذّي يقيننا بها من خلال الشعائر والممارسات الكنسيّة – هذا لا شكّ فيه، إنّما ذلك كي نحملها معنا فيما بعد من الكنيسة إلى العالم، فنطبع العالم بها ونعيش في روحها، ونَثبت فيها متى ضاقت بنا الأيّام، وحالت دون أن نعيشها بالصيغة الّتي اعتدنا عليها. حينها نشهد كلّ ما نشهده اليوم من تجلّيات حضور القائم في عالمنا المتألّم على رجاء القيامة.
أنا أشهد أنّ إلهي ومخلّصي يسوع المسيح ابن الله الحيّ، لم يكن للموت قدرة عليه، ولا للقبر إمكانيّة على احتواء عظمة جبروته. وأرجو كمؤمنٍ ألّا أسمح لوباءٍ لو مهما اشتدّ، ولا لأزمةٍ لو مهما قست أن يزعزع ثقتي بإلهي القائم، ولا أن يحدّ شهادتي بأنّ المسيح قام حقًّا قام!