الخوري إميل هاني
مقالات/ 2020-03-14
نظرت من حولي وراقبت مجريات الأحداث من أوّل يوم "لاداعي للهلع" وسجّلت البيانات والمتناقضات، صلّيت، تأمّلت، فاستنتجت: الكورونا مرضٌ عصريّ متطوّر حديث سريع الانتشار أسرع من الإنترنت. الكورونا مرضٌ مُعدي ينتقل من إنسانٍ إلى إنسانٍ آخر:
الكورونا يقتل. الكورونا يمنعك من اللقاء بالآخر (عزل منزلي / حجر صحي / وفاة...) الكورونا يمنعك من المصافحة والقُبَل واللّمس للإنسان والأشياء، حتّى ثيابك أصبحت تخاف منها. أغراضك الشخصية أصبحت غريبة! لم تكن تطهرهّا وتعقّمها سابقًا وكانت تلازمك طول الوقت، أمّا الآن فأصبحت تخاف من نفسك على نفسك. الكورونا عزلت العالم عن العالم لا ليرتبط بالشبكة العنكبوتيّة (الإنترنت) بل ليُعيد لحمة الشبكة الإنسانيّة والبشريّة والعائليّة.
الكورونا أرغمتني على البقاء في البيت. الكورونا ذكّرتني بأهميّة النظافة الشخصيّة والعامّة بشكلٍ بتُّ أهتمّ بنفسي وبغيري. الكورونا دفعتني إلى حبّ زوجتي وأولادي وأهلي من جديد. الكورونا ذكّرتني بأهميّة الجلوس معًا والطعام معًا والصلاة معًا. الكورونا أحيَت فيّ الإحساس بإنسانيّتي وجعلتني أعيش مجدّدًا وأشعر بالدِفء العائلي وروح التعاون والتعاضد. الكورونا جعلتني أصغي للآخر وأخاف عليه. الكورونا علاجٌ لا وباء! هي علاجٌ:
زمنُ الكورونا هو زمنٌ للتفكير وللعودة إلى الذات والقيام بفحص عميق وجدّي للضمير ومحاسبة النفس واتّخاذ القرارات والمبادرات والخطوات التي فيها خيرٌ لغيري ولنفسي.
زمنُ الكورونا هو زمنُ الندامة عن الخطايا والاعتراف بمحدودّيتي وضعفي وعدم استحقاقي والعزم على الابتعاد عن الخطيئة وتصحيح ما تهدّم من علاقاتٍ مع الله، مع الذات ومع القريب.
زمنُ الكورونا هو زمنُ الإنتباه لحاجات الآخرين ونقائصهم ووجعهم وحزنهم وألمهم وضعفهم. هو زمن الإهتمام بالصحة والنظافة والأكل والشرب والسهر وتجنّب المعاشرات الرديئة.
"عريانًا خرجتُ من بطن أمّي وعريانًا أعود" يقول أيّوب الصدّيق.
نعم زمنُ الكورونا هو زمنٌ تفيض فيه النِّعم السماويّة لتذكّرنا بالجوهر: أن ليس لنا على الأرض مدينةٌ ثابتة إنّما مدينتنا الحقيقيّة في السماء. هي دعوةٌ من الله لنبحث عن الشفاء، لا الجسديّ فقط ، إنّما من جميع أمراضنا النفسيّة والروحيّة ونعود إلى ذواتنا متشوّقين للقاء وجه يسوع المسيح ينبوع الحياة وطبيب السماء، مخلّصنا الوحيد الذي يمنحناالحياة الأبديّة.