الخوري جان الجرماني
مقالات/ 2019-11-04
"فَأَجابَ سِمْعانُ بُطْرُسُ وَقالَ: " أَنْتَ هُوَ المَسيحُ ابْنُ اللهِ الحَيّ! " (متّى 16 / 16)
نَفْتَتِحُ سَنَةً طَقْسِيَّةً جَديدَةً، بِحَسَبِ اللّيتورْجِيَّةِ المارونِيَّةِ، بِأَحَدِ تَقْديسِ البيعَةِ، وَنَتَأَمَّلُ في مَقْطَعٍ مِنْ إِنْجيلِ مَتّى بِعُنْوانِ "إيمانُ بُطْرُسَ أَساسُ الكَنيسَةِ" (متّى 16 / 13 – 20).
يُعْلِنُ الرَّسولُ بُطْرُسُ إيمانَهُ بِيَسوعَ المَسيحِ مُعْتَرِفًا، بِنِعْمَةٍ خاصَّةٍ مِنَ الآبِ السَّماوِيِّ، بِأَنَّهُ " ابْنُ اللهِ الحَيّ ". وَمَعَهُ سَنَعْتَرِفُ كَكَنيسَةٍ، مِنْ كُلِّ قَلْبِنا وَفِكْرِنا وَجَسَدِنا، أَنَّ يَسوعَ المَسيحَ، هُوَ القُدُّوسُ الّذي تَجَسَّدَ، وَصارَ إِنْسانًا وَسَكَنَ فينا.
طيلَةَ السَّنَةِ الطَّقْسِيَّةِ، سَنَتَأَمَّلُ في أَهَمِّ المَراحِلِ الّتي عاشَها رَبُّنا يَسوعُ المَسيحُ مَعَنا عَلى الأَرْضِ، بِدْءًا مِنْ زَمَنِ الميلادِ حَيْثُ سَنَنْدَهِشُ أَمامَ سِرِّ تَجَسُّدِهِ مِنَ الرّوحِ القُدُسِ وَمَرْيَمَ العَذْراءِ، وَوِلادَتِهِ في مِذْوَدٍ حَقيرٍ. ثُمَّ سَنَتَوَقَّفُ في زمنِ الدّنحِ عِنْدَ نُزولِهِ في مِياهِ الأُرْدُنِّ وَتَلَّقيهِ المَعْمودِيَّةَ عَلى يَدِ يوحَنّا المَعْمَدانِ، لِكَيْ يَتِمَّ كُلُّ بِرٍّ، إِذْ جَعَلَ نَفْسَهُ خاطِئًا، هُوَ القُدّوسَ البارَّ الّذي شابَهَنا في كُلِّ شَيْءٍ بِاسْتِثْناءِ الخَطيئَةِ.
بَعْدَ ذلِكَ سَنَذْهَبُ مَعَهُ خلال زمنِ الصّوم إِلى البَرِّيَّةِ لِكَيْ نَصومَ عَلى مِثالِهِ وَنَخْتَبِرَ مَعْنى عَدَمِ التَّعَلُّقِ بِأُمورِ هذِهِ الدُّنْيا وَالتَّخَلّي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَجْلِ أَنْ نَكونَ في رِفْقَتِهِ. سَنَغْطُسُ في آلامِهِ الخَلاصِيَّةِ في أُسْبوعِ الآلامِ، حَيْثُ سَنَراهُ يَتَعَذَّبُ وَيُضْرَبُ وَيُهانُ وَيُصْلَبُ وَيَموتُ. لكِنَّهُ هُوَ الإِلهُ العَظيمُ الّذي لا يَموتُ، وَحَيْثُ لا يُمْكِنُ لِلْمَوْتِ أَنْ يَسْتَوْعِبَهُ، فَيُحَطِّمَ القَبْرَ وَيَخْرُجَ مِنْهُ قائمًا وَيَرْتَفِعَ إِلى السَّماءِ وَيَجْلِسَ إِلى يَمينِ الآبِ السَّماوِيِّ.
في أَحَدِ العَنْصَرَةِ، سَنَدْخُلُ العُلِّيَةَ حَيْثُ الرُّسُلُ وَمَعَهُمْ والِدَةُ الإِلهِ مَرْيَمُ العَذْراءِ، حَيْثُ سَنَشْهَدُ حَدَثَ حُلولِ الرّوحِ القُدُسِ عَلى التَّلاميذِ بِشِبْهِ أَلْسِنَةٍ مِنْ نارٍ، وَانْطِلاقَتِهِمْ في أَرْبَعَةِ أَقْطارَ العالَمِ، لِيُعْلِنُوا البُشْرى السّارَّةَ " يَسوعَ المَسيح هُوَ ابْن اللهِ الحَيّ ". وَنَخْتُمُ السَّنَةَ الطَّقْسِيَّةَ بِزَمَنِ الصَّليبِ حَيْثُ نَتَذَكَّرُ الغايَةَ الّتي مِنْ أَجْلِها خَلَقَنا الرَّبُّ وَعادَ وَجَدَّدَ خَلْقَنا بِخَلاصِ ابْنِهِ يَسوعَ المَسيحِ، فَرَغْبَةُ قَلْبِ اللهِ أَنْ نَكونَ مَعَهُ في الشَّرِكَةِ الإِلهِيَّةِ في رِفْقَةِ المَلائِكَةِ، وَمَرْيَمَ العَذْراءِ وَالأَبْرارِ وَالصِّدّيقينَ.
سَتَدورُ السَّنَةُ الطَّقْسِيَّةُ إِذَنْ حَوْلَ شَخْصِ المَسيحِ، وَسَنُعيدُ مِنْ جَديدٍ كُلَّ المَراحِلِ الّتي عاشَها رَبُّنا يَسوعُ المَسيحُ حُبًّا بِنا وَمِنْ أَجْلِ خَلاصِنا. في هذا التَّكْرارِ، سَنَخْتَبِرُ أَنَّ " يَسُوعَ المَسِيحَ هُوَ هُوَ أَمْسِ وَاليَوْمَ وَإِلى الأَبَدِ " (عب 13 / 8)، لا يَتَغَيَّرُ وَلا يَتَبَدَّلُ. التَّغْييرُ المَطْلوبُ هُوَ في مَعْرِفَتِنا لَهُ وَاخْتِبارِ العَلاقَةِ مَعَهُ، الّتي تُعَمِّقُ إيمانَنا بِهِ وَتَزيدُ حُبَّنا لَهُ. نَتَأَمَّلُ في سِرِّ الأُلوهَةِ الّتي أَصْبَحَتْ قَريبَةً مِنّا وَسَكَنَتْ فينا لِكَيْ تُحَوِّلَنا وَتُصَيِّرَنا ما هِيَ عَلَيْهِ كَما يَقولُ آباؤنا القِدّيسونَ وَخُصوصًا القِدّيس إيريناوس حَيْثُ يُعْلِنُ وَيَقولُ: " فَهذا هُوَ السَّبَبُ الّذي مِنْ أَجْلِهِ صارَ الكَلِمَةُ بَشَرًا، وَابْنُ اللهِ ابْنَ الإِنْسانِ: لِكَيْ يَصيرَ الإِنْسان ابْنَ اللهِ بِدُخولِهِ الشَّرِكَةِ مَعَ الكَلِمَةِ وَبِنَيْلِهِ هكذا البُنُوَّةِ الإِلهِيَّة " (الرّدّ عَلى الهَرْطَقاتِ 3، 19، 1).