صونيا السمراني
مقالات/ 2016-11-02
الأوَّل من شهر تشرين الثاني، تاريخ تحتفل فيه معظم البلدان حول العالم، بعيدٍ ينتظره الأطفال كلّ سنة لتناول الحلوى والتنكّر بشخصيّتِهِم الكرتونيّة أم التلفزيونيّة المفضّلة. هو عيدُ هالوين الّذي يجمع الكبير بالصغير ويُخفي هويّة الشخص الحقيقيّة واضعًا على وجهِهِ قناعًا يرمز إلى من يحبّ أن يكون أو من يتمثّل به.
تتضارب الآراء حول طبيعة هذا العيد، فالبعض يزعم أنّه عيد جميع القدّيسين، والبعض الآخر يقول أنّه عيد الشياطين...وِجهتا نظر متناقضتين، فما معنى هالوين، وكيف بدء؟
بالعودة إلى صفحاتِ الإنسانِ الأولى وتحديدًا إلى الفترة البرونزيّة أي إلى آلافِ السنين قبل المسيح، وهي فترة الأساطير والروايات. تبدأ القصّة بمهرجان إعتادت هذه الشعوب على الإحتفال به في مثل هذه الفترة من السنَّة ويُدعى مهرجان Samhain ويُمكن تفسيره: الإحتفال بإنتهاء فصل الصيف وبدء فصل الشتاء.
تقول الأساطير، أنّ تعريفَ فصل الشتاء في تلك الأيّام كان: الفترة الزمنيّة الّتي يُطارد خلالها الأموات الأحياء، وهي الفترة المُظلِمة من العام. وكانت الشعوب القديمة تحتفل بالـ31 من تشرين الثاني، (كما يُقَدِّر العلماء لأن بذالك الزمن كانت السنة مختلفة عن حاضرنا) مؤمنين أنّ في هذه الّليلة يَجتَمِعُ الأموات والأحياء.
وهنا، تنقسم التقاليد إلى قسمين: واحدة تقول أنّ من فقد حبيبًا أم فردًا من العائلة، يُكرِّمُهُ في هذه اللّيلة من خلال مائدةِ طعامٍ فاخرة، حيث يجلس الميت معهم فيشعرون بوجوده من جديد. أمّا الرواية الأخرى تقول أن الأرواح الشريرة تأتي من الجحيم لتأخذ الأرواح الحسنة، لأن الشتاء كان يمثّل لهم موسم الأشباح.
أمّا عن إرتداء الأزياء، فتُخبِرُ الأساطير، أنّهم كانوا يتنكّرون لسببين: الأوّل كي يختبؤوا من الأشباحِ والأرواحِ الشريرة، والثاني لإخفاءِ هُويِّة المتوسِّل الّذي يقرع الأبواب للمال أم الطعام مقابل تلاوة الصلاة لراحة نفس الموتى.
سنة 609 م.، حدَّدَ البابا فريروري السادس عشر، الأوَّل من تشرين الثاني عيدًا كاثوليكيًّا رسميًّا لتكون ليلة العيد في الـ31 من الشهر عينه. تُحيِي الكنيسة من خلاله ذكرى جميع القدّيسين، الشهداء، الرسل والمؤمنين، تعويضًا عن أي نقصٍ في الصلاة لراحة نفس هؤلاء المؤمنين.
فلنفتح صفحة الحاضر ونُكمل الرواية الحقيقيَّة لهذا العيد منذ إعلان الكنيسة عيد جميع القديسين حتى كتابة هذه الأسطر. ففي القرون الـ18 والـ19، كان الأولاد يتنكَّرون بأزياءِ القدّيسين متجوّلين في الشوارع طالبين الحلوى، ثم يحتفلون سويًّا بالكنيسة.
في القرن العشرين، ظهر وجه آخر لهذا العيد وبدلاً من التَنَكُّر بأزياء القدّيسين والمشاركة بالإحتفالات الدينيّة، طَغَت الأزياء الغريبة الشبيهة بالأشباح والشخصيِّات الشريرة وأصبح الإحتفال داخل المقاهي اللّيليّة وعلى وقع موسيقى صاخبة مزيّنة برسومِ الأشباح والعقارب وأزياء الساحرات والجنّ. سنة 2014، وتزامنًا مع هذه الأحداث، طلب الفاتيكان تغيّير إسم هذا العيد من “Halloween” الى “Holyween”، أي العيد المقدّس، شارحًا أنّه من خلال هذه الإحتفلات يشوِّه الإنسان قداسَةَ العيد.
وللتوضيحِ، إنَّ الكنيسة لا تمنع المؤمنين من الإحتفال، ففي السنة عينها، نظّم البابا فرنسيس حفلًا تنكريًّا في ساحة مار بطرس في الفاتيكان، تَكَلَلَّت بحشودِ الشباب المتنكّرِة بشتّى أنواع الأزياء. لكن مع التركيز على الأخلاقيّة المسيحيّة الروحيّة لهذا العيد، مؤكّدًا أنّ الطقوس الشيطانيّة الّتي تُمارَس في هذه اللّيلة مرفوضة وهي لا تعكس جوهر العيد المقدّس.
فلنحتفل بـالأوّل من تشرين الثاني، عيدًا كاثوليكيًّا بعيدًا عن التقاليد الوثنيّة، متمسّكين بالآب السماوي الّذي بذل إبنه الوحيد كي يُحيينا. فلنصلّي معًا لراحة نفس موتانا من خلال المشاركة بالذبيحة الإلهيّة، ولنحتفل بقيامة نفوس الموتى المؤمنين.