ميغال قنبر
تأملات/ 2017-02-04
تجري أحداث هذه الحكاية في مصنعٍ للحياكة. هومصنعٌ مجهزٌ بآلاتٍ لا مثيل لها، يديره حائِكٌ اشتهر بدقّة عمله وإتقانه له. أمّا مكان المصنع فهو اللّا مكان، وزمان الأحداث فهو اللّا زمان.
هي حكايةُ مصمّمٍ ابتدع خيطانه واتّخذ من روحه نولًا له. فأبدع صنعه...
هو الحائكُ الأوّل. أخذ نوله وراح يُدخل في فتحاته خيطًا من نور، وآخر من جلد، وغيره من سماء، من قمرٍ ومن شمسٍ ومن كواكب، من أشجارٍ ومن حيواناتٍ وزواحف... أمّا الخيط الأخير فكان من تراب!
جلس الحائك في كرسيّه وبدأ يتأمّل ما صنعه... بدأ يتأمّل تفاصيل حياكته، فوجد أنّ لكلّ "قطبةٍ" حكاية. "فقطبُ" الشمس تتداخلُ و"قطب" القمر فتُبرز مفاتن نهارٍ وليل. أمّا "قطبُ" الجلد أتت خطًا مستقيمًا تفصل بين "قطب" السماء و"قطب" اليبَس، فتُظهِرُ إبداعًا في فنّ الحياكة. ومع "قطب" السماء أدخل الحائك خيطًا رفيعًا من نجوم، ومع اليبَس أدخل خيطَ أشجارٍ وحيواناتٍ وزواحف....
أمّا لمسته الأخيرة ... فجاءَت من تُراب. جاءت لحَبكِ كلّ "القطب" مع بعضها. جاءت تتمّم ما أوكل إليها من تحقيق تماسك "القطب" ليكتمل المشهد. هي حبكة الحكاية التي تتضمن كلّ المعنى!
ألبس الحائكُ قطعته هذه لمن أحبّه كثيرًا... ألبسها لمن تتماسك به ومن أجله كلّ "القطب"... ألبسها لمن هو من ترابٍ... للإنسان.
أحبّ الإنسان ما هو عليه... لكنه لم يكتفي. أراد أن يغيّر في مشهيّدة القطعة، وأخذ يبدّل "قطب" الحائك ليصنع هو قطعةً جديدةً تناسبه حسب ما يدّعي...
أخذ يقلبُ النور ظلمة، والحبّ حقد، والسلام حرب، والحُرّ عبد، والأخ عدوّ، والأنثى رجل، والجنين ضحيّة... أخذ يحوّل المشهديّة، "ففتق القطب" وأعاد الحياكة بأدواته... فأصبحت القطعة على غير مقاسه... أصبحت لا تشبهه ولا تناسبه...
كلّ هذا والحائك جالسٌ في مقعده ... يتأمّل!
وبعد أن "اخترب" المشهد، وبعد تناسي الإنسان أنه هو من يتمّم تماسك القطعة وليس من يصنعها، عاد الحائك وتدخّل من جديد... عاد فأدخل خيطًا جديدًا أعاد به تماسك كلّ القطب... عاد فأدخل في فتحات نوله خيطًا من خشب.
هذه المرّة أوكل مهمّة الحياكة لابنه... فأتى وتمّم الحكاية!