"الشفاء من ألم الذكريات أي الشفاء من جرح الماضي"

"الشفاء من ألم الذكريات أي الشفاء من جرح الماضي"

كثيراً ما نتعرّض بالحياة إلى جروحات عديدة، تحطّمنا، تقتلنا من الداخل في وقتها. ولكن للأسف عندما نستيقظ في كل صباح، هذه الذكرى تأتي من جديد على فكرنا، ويأتي معها الألم والوجع... 

صحيح الذكرى ستبقى وهذا طبيعي جداً، ولكن لا يجب أن يبقى الألم! فكيف يكون الشفاء؟ يجب أن يكون الواضح، الذكرى لن ننساها أبداً، ولكن الألم، لا يجب أن يستيقظ معنا، يومياً... 

أمام الجروحات القاسية بالحياة، كخيانة حبيب أو طعنة صديق أو موت شخص... هناك مراحل خمس يجب أن يمر بها "المجروح" لكي يصل إلى الشفاء:

- المرحلة الأولى: "الرفض". 

على سبيل المثال، خيانة الحبيب: لماذا فعل بي ذلك؟ لا أصدّق أنه خانني؟ لا أصدّق بأنه بعد كل ما قدّمت له قد فعل ذلك بي؟ لا أصدّق بأن هذا هو الإنسان الذي أحببته؟ لا، كل هذا ليس بحقيقة! 

أما بالنسبة للموت: لا اصدّق أن إبني مات؟ لا أصدّق بأنه رحل؟ لا أصدّق، بالأمس لم يكن به شيء؟ وتبقى الأم كل يوم منتظرة بأنّ إبنها سيدخل من البيت.

تنتهي هذه المرحلة، عندما يقف "المجروح" ويقول "نعم، لقد خانني الحبيب" أو عندما تقول الأم "نعم، لقد مات إبني". عندما يعترف "المجروح" بحقيقة ما حدث.

(الخطورة أن يبقى المجروح عالقاً في مرحلة الرفض، فيصبح هذا الإنسان معقّد من شيء ما، على سبيل المثال لا يحبّ أبداً في حياته، لأن الكل خائن، أو تبقى الأم محافظة على غرف إبنها، ترتبّها لأن إبنها آتٍ).

- المرحلة الثانية: "الغضب".

لأن "المجروح" قد اقتنع بأن الحبيب مثلاً قد خانه، فيبدأ يصبّ الغضب عليه، آه إني اكرهه أتمنى لو أستطيع قتله، إذا رأيته لا أعرف ماذا أفعل؟ هو لم يعرف من أنا بعد؟ لن أدعه يتهنّى بحياته أبداً... 

أمام الموت، يصبّ المجروح غضبه على من سببّ الموت لإبنه، مثلاً على الشخص الذي قتل إبنه، أو على الحكيم الذي قتل إبنه، أما إذا كان الموت طبيعي، من دون سبب، فيصبّ "المجروح" غضبه على الله، لماذا أخذته؟ لماذا؟ أكرهك يا الله، فنرى الأم أمام نعش إبنها تصرخ على الله وتلومه.

تنتهي هذه المرحلة عندما يقول لن "أعامله بالمثل بل سأبقى أحسن منه" (الخيانة)، أو هذه الحياة، إبني مات، والحياة يجب أن تستمرّ.

(الخطورة أن يبقى الإنسان عالقاً في هذه المرحلة، فيكون "آلة قاتلة" قد يصل إلى وقت يقتل به الشريك الذي خانه، أو أن يعرّضه لأذى ما، أو أن ينتقم من حاله، أو أن يصبح غير مؤمن لأن الله قاتل). 

- المرحلة الثالثة: "المساومة". 

يقرّر "المجروح" في هذه المرحلة أن يمضي كل واحد في حياته. فيقول، "نعم هذا الحبيب الخائن لديه حياته وأنا لدي حياتي ولا أريد أي تواصل". أمام الموت والغضب على الله، "لا أريد الله من بعد اليوم أن يتدخل في حياتي أو هذه الحياة، والحياة يجب أن تستمرّ". 

(الذي يقتل الشريك عادة، هو الإنسان الذي رفض "المساومة"، أي "هو لي أو لا يكون لأحد، فيقتل الخطيب مثلاً الخطيبة الخائنة ويقتل ذاته من بعدها)

- المرحلة الرابعة: "الحزن واليأس والفراغ". 

لأن المجروح مضى في طريقه، وبعد مضي كم يوم، يشعر المجروح بحزن كبير، بيأس كبير، بفراغ كبير جداً، يشعر بروتين يومي قاتل، يشعر وكأن حجر كبير على قلبه، يشعر بأنه يفقد المعنى لكلّ شيء... لماذا؟ 

لأن غياب الشريك، أو الإبن أو... خَلَقَ فراغ كبير جداً، فراغ من العاطفة والأحساسيس وشعور الحبّ، والفراغ يقتل الإنسان ويخنقه. الإنسان لا يستطيع أن يعيش في غرفة "فارغة"، فكيف إذا كان الفراغ في داخل الإنسان؟! أمام هذا الفراغ، يبادر "المجروح" إلى ملء الفراغ.

هذه المرحلة هي المرحلة الأساسية والحاسمة، لذلك يجب الإنتباه على كيفية التعامل مع هذا الفراغ. لأن عادة يرتكب "المجروح" خمسة أخطاء، تكون قاتلة بعض الوقت، فما هي هذه الأخطاء؟!

أ‌- الخطأ الاول، "أن لا يملء المجروح الفراغ بشيء"، والإنسان لا يقدر أن يعيش بالفراغ، فيفقد المعنى بكل شيء، ويخيّم على حياته حزن كبير جداً، فيفكّر بالإنتحار دائماً، فإمّا أن ينتحر أو يدخل في دوامة كبيرة وهي عيش المراحل الأربعة دائماً، أي يرجع من جديد إلى الرفض فالغضب فالمساومة فالفراغ، ويعيشهم في حالة تكرار دائماً تدفع بالناس الذين يعيشون بقربه إلى الهروب منه وعدم الإستماع إليه من جديد.

ب‌- الخطأ الثاني، "أن يملء الفراغ بسموم"، فيبدأ بالشراب لكي ينسى أو تعاطي المخدرات، فينتهي به الأمر، بالإدمان على لعب القمار، أو على الكحول، أو على عادات سيئة، أو يموت من جراء تناوله المفرط للمخدرات أو الكحول، لأنه يزيد الجرعة من المخدرات على أمل البقاء لمدة أطول بعيد عن الفراغ الذي يعيشه. لأن هذه السموم، تساعده على الهروب من واقعه ورسم واقع جديد خيالي، ولكنّه يبقى واقع خيالي. فتتدهور حالة "المجروح" يخسر عائلته، أو تتفكك، أو يحصل طلاق ما، أو يدخل السجن و...

ت‌- الخطأ الثالث، "أن يملء الفراغ ببديل مشابه لما فقده". مثلا، يدخل المجروع بعلاقة جديدة سريعة بعد تركه للشريك الخائن. فيرمي جميع عواطفه ومشاعره التي عمرها سنين طويلة على الشريك الجديد الذي هو ما زال صغير أمام كبر هذه المشاعر، فيأتي يوم ما ويقول الشريك الجديد للمجروح لقد خنقتني، لقد قتلتني بمشاعرك القوية، لا أريد هذه العلاقة، فيكون هذا جرح ثاني للمجروح. الأخطر أن يلتقي هذا "المجروح" بمجروح آخر بالحبّ، ويملء هذا الشخصان فراغهما من بعضهما البعض، فعيشان علاقة حب قويّة ويقرران الزواج وتتطور إلى علاقات جنسية قويّة، وبعد مضي من الوقت، يتخانقان ويتركان بعضهم البعض، لأنهم قتلوا بعضهم البعض من جراء هذا الفراغ، ويعيشان كراهية كبيرة لبعضهم البعض. أو على سبيل مثال آخر، تنغرم تلميذة بمعلّمها الذي هو أكبر سنّاً منها، لأنها رأت به صورة الأب (المائت) والحبيب أو أن ينغرم التلميذ بمعلمته، أو أن تتعلّق المعلّمة بتلميذ ما لأنها رأت فيه صورة إبنها (الذي مات) و.....

ث‌- الخطأ الرابع، "أن يكون المجروح مشغول بتعبئة الوقت وليس الفراغ". مثلاً، مع فقدان الشريك، قد فقد الحنان والعطف و التقدير و... فبدأ يقوم بنشاطات عديدة، ولكن هذه النشاطات تملء الوقت وليس الفراغ. وكل ما يعود إلى غرفته من جديد، يبدأ بالحزن من جديد ويعود إلى فراغه. يكره الوقت، يكره الجلوس بمفرده، ويكره أن يجلس من دون أن يقوم بشيء ما. فيملء الوقت، ولكن هذا لا يعني أنّه يملء الفراغ.

- المرحلة الخامسة: "الشفاء". (سنتوسّع في عرضها لاحقاً).