كَسر الكلمة - الرسائل -21- أحد الموتى المؤمنين

كَسر الكلمة - الرسائل -21- أحد الموتى المؤمنين

أحد الموتى المؤمنين
(1 تس 5: 1-11)
1 أَمَّا الأَزْمِنَةُ والأَوقَات، أَيُّهَا الإِخْوَة، فلا حَاجَةَ بِكُم أَنْ يُكْتَبَ إِلَيْكُم في شَأْنِهَا؛
2 لأَنَّكُم تَعْلَمُونَ جَيِّدًا أَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ يأْتي كَالسَّارِقِ لَيْلاً.
3 فحِينَ يَقُولُون: سَلامٌ وأَمْنٌ! حِينَئِذٍ يَدْهَمُهُمُ الـهَلاكُ دَهْمَ الْمَخَاضِ لِلحُبْلى، ولا يُفْلِتُون.
4 أَمَّا أَنْتُم، أَيُّها الإِخْوَة، فَلَسْتُم في ظُلْمَةٍ لِيُفَاجِئَكُم ذلِكَ اليَومُ كالسَّارِق.
5 فأَنْتُم كُلُّكُم أَبْنَاءُ النُّور، وأَبْنَاءُ النَّهَار؛ ولَسْنَا أَبْنَاءَ اللَّيلِ ولا أَبْنَاءَ الظُّلْمَة.
6 إِذًا فلا نَنَمْ كَسَائِر الـنَّاس، بَلْ لِنَسْهَرْ وَنَصْحُ؛
7 لأَنَّ الَّذِينَ يَنَامُونَ فَفي اللَّيلِ يَنَامُون، والَّذِينَ يَسْكَرُونَ فَفي اللَّيلِ يَسْكَرُون.
8 أَمَّا نَحْنُ أَبْنَاءَ النَّهَار، فَلْنَصْحُ لابِسِينَ دِرْعَ الإِيْمَانِ والـمَحَبَّة، ووَاضِعِينَ خُوذَةَ رَجَاءِ الـخَلاص.
9 فإِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْنَا لِلغَضَب، بَلْ لإِحْرَازِ الـخَلاصِ بَرَبِّنَا يَسُوعَ الـمَسِيح،
10 الَّذي مَاتَ مِنْ أَجْلِنَا، لِنَحْيَا مَعَهُ سَاهِرِينَ كُنَّا أَمْ نِائِمِين.
11 فَلِذلِكَ شَجِّعُوا بَعضُكُم بَعْضًا، وَلْيَبْنِ الوَاحِدُ الآخَر، كَمَا أَنْتُم فَاعِلُون.

مقدّمة
في تذكارِ الموتى المؤمنين، تذكّرُنا الكنيسةُ من خلال قراءة الرسالة (1 تس 5: 1-11) بوجوب الاستعدادِ الدَائم، لأنَّ الانسانَ معرَّضٌ في كلّ لحظةٍ لأن تنتهي حياته الأرضيَّة الآنيَّة المحدودة، ليدخلَ في حياةٍ أبديَّةٍ غيرِ محدودةٍ خارجَ المكانِ والزَّمانِ، "في أورشليم العليا بيعة الأبكار" حيث يجعل الرَّبُّ له "أطيب التذكار" (نشيد الدخول في خدمة قدَّاس أحد الموتى المؤمنين).
ظنَّتِ الكنيسةُ في تسالونيكي أنَّ مجيءَ الرَّبّ وشيكٌ، وأنَّ المسيحَ سيأتي في مجدِهِ بين لحظةٍ وأخرى. لذلك، توقَّفَ المؤمنون عن أشغالِهم وعن الاهتمامِ بحاجاتٍ عيالهم من أجلِ البقاءِ في حالةِ تأهُّبٍ تامّ، استعدادًا لمواكبةِ الرَّبّ في موكبِ الظَّافرين. حيال تفشّي حالةِ الكسلِ في صفوفِ المؤمنين، وتأفُّفِ البعضِ من مَلَلِ الانتظارِ، وجَّهِ القدّيسُ بولسُ رسالتَه الأولى إلى هذه الجماعة، ليحثَّها على السَّهرِ حتَّى مجيءِ الرَّبَّ. لكن، ليس كمن أُغْمِضَتْ عيناه في اللَّيلِ، إِنْ مِنَ النَّعسِ أو من السُّكْرِ، بل كأبناءِ النَّهارِ، لأنَّ الكنيسةَ ماضيةٌ في مسيرتِها بوضوحٍ النُّورُ الحقيقيُّ، يسوعُ المسيحِ، الَّذي انتشلها من ظلمةِ اللَّيلِ إلى النَّهارِ الدَّائمِ، فحيْثُ "يطويها ليلُ الموتِ" يهديها "وجهُ المرجوُّ الحبيبُ" (مزمور القراءات في خدمة قدَّاس أحد الموتى المؤمنين).

شرح الآيات
1 أَمَّا الأَزْمِنُ والأَوقَات، أَيُّهَا الإِخْوَة، فلا حَاجَةَ بِكُم أَنْ يُكْتَبَ إِلَيْكُم في شَأْنِهَا؛
كان بولسُ قلقًا حولَ موقفِ أهل تسالونيكي المتعلّقِ بأحبَّائهم الَّذين ماتوا، ولكنَّه كان أكثرَ قلقًا بخصوصِ فهمِهم لمجيءِ المسيحِ الثَّاني. لذا نجدُه يحضُّهم على أن يبقوا جاهزين. فيقول: "أمَّا الأزمنة والأوقات... فلا حاجةَ بكم أن يُكتبَ إليكم في شأنها" (راجع العبارة الَّتي تشبهها في 1 تس 4: 9)، لأنَّ المعلوماتِ عن المجيءِ الثَّاني حُجِزَت للهِ نفسِهِ.
في الأصلِ، إنّ الأزمنةَ تتفوّقُ على الأوقاتِ، وهي أهمّ منها: فكلمةُ "أزمنة" مأخوذةٌ من الكلمةِ اليونانيَّةِ kairós، وهي تعبّرُ عن حدثٍ مميَّز – داخلَ إطارِ الوقتِ (chrónos) – أو خبرة مغيّرة للحياة، وغالبًا ما تُترجم باللغة العربيَّة "اللَّحظة المؤاتية"، أو "الوقت المقبول". أمّا كلمة "الأوقات" فهي مأخوذة من الكلمة اليونانيَّة chrónos، وتشير إلى "فترةٍ محدودة ومعيَّنة من الزَّمن"، وتعبّرُ عن مرورِ الدَّقائقِ والسَّاعاتِ والأيَّامِ (راجع المصطلحات اليونانيَّة نفسها الَّتي استُخدمت في أعمال 1: 7).

2 لأَنَّكُم تَعْلَمُونَ جَيِّدًا أَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ يأْتي كَالسَّارِقِ لَيْلاً.
عبارة "لأنَّكم تعلمون جيّدًا" تشيرُ على ما يبدو إلى أنَّهم عرفوا ذلك من التَّعليم المباشر لبولس، عندما كان حاضرًا. فهم يعلمون التَّعليم جيّدًا أمَّا "الأزمنةُ والأوقاتُ" فلم يعرفوها لأنَّها من شأن الله فقط.
ذُكِر "يوم الرَّبّ" كثيرًا في العهد القديم، بخاصَّةٍ في نبوءة عاموس، حيث يشير إلى "يوم النُّور" أو "البركة" ولكنَّ النبيَّ حذَّر من شرور الشَّعب، وأنَّه سيكون يوم "ظلامٍ" أو "إدانة" (عا 5: 18). أحيانًا يكون "يوم الرَّبّ" من ضمن وقت الوجود البشريّ على الأرض، مثل دمار أورشليم عام 70 ب.م.، ولكن هذه الأيَّام وَصَفَتْ يومًا عظيمًا، وهو "يوم الرَّبّ" النِّهائيّ العظيم، الَّذي يتكلَّم عليه بولسُ هنا.
كلّ ما عرفه أهلُ تسالونيكي هو أنَّ "يوم الرَّبّ يأتي كالسَّارق ليلًا". يأتي اللِّصُّ فجأةً من دونِ توقُّعٍ ولا سابقِ إنذارٍ (راجع أيضًا متَّى 24: 43-44؛ 2 بط 3: 10). سيكون المجيءُ أكيدًا في وقتٍ ما، لهذا يجب أن نكونَ مستعدّين (راجع عب 10: 31؛ رؤ 16: 15).

3 فحِينَ يَقُولُون: سَلامٌ وأَمْنٌ! حِينَئِذٍ يَدْهَمُهُمُ الـهَلاكُ دَهْمَ الْمَخَاضِ لِلحُبْلى، ولا يُفْلِتُون.
في القرنِ السّابعِ قبلَ المسيحِ، عندما تنبأ إرميا النَّبيّ بدمارِ أورشليم (راجع إر 6: 1)، كان هناك أنبياء كذبة وآخرون قد عارضوه، متنبّئين كذبًا "بالسَّلام" وواثقون ممَّا قالوا (راجع إر 6: 14). استمرَّ ذلك حتَّى وقتِ مجيءِ المسيحِ، حين ظهر بعضُ المعلّمين الَّذين "استهزأوا استهزاءً" (2 بط 3: 3).
كما أنَّ الأنبياءَ الكذبةَ في زمنِ إرميا كانوا مخطئين، عندما دمَّر البابليُّون أورشليم عام 586 ق.م.، هكذا سيكونون مخطئين أيضًا في هذا العصر. في الواقع، "سيدهَمهم الهلاك". "الهلاك" من الكلمة اليونانيَّة ólethros، ولا يعني الاختفاء من الوجود، إنَّما الاستمرار في الوجود في حالة دمارٍ. الكلمات نفسها استخدمها بولس في الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي لأولئك "الَّذين لا يُطيعون إنجيلَ ربّنا يسوعَ المسيحِ" (2 تس 1: 8؛ قارَنَ ذلك مع "الهلاكِ السَّريعِ" الَّذي يأتي به المعلّمون الكذبةُ، حسْبَ ما يقولُه القدّيسُ بطرسُ في 2 بط 2: 1).
سيأتي الهلاك "دهمُ المخاضِ للحُبلى". قد تبدو المرأة في لحظةٍ ما بأنَّها على ما يُرام، لكنَّ آلامَ المخاضِ قد تأتي فجأةً لدرجةٍ أنَّه لا يكون هناك وقتٌ حتَّى للوصوِل إلى المستشفى. كذلك، لا يمكنُ لأحدٍ أن يتنبأ بوقت مجيءِ الرَّبِّ. أمَّا الأمرُ المؤكَّدُ، فهو أنَّه سيأتي جالبًا معه "الهلاك" للعصاةِ. لذا، وكالمخاضِ للحبلى الَّذي يأتي في أيّ وقتٍ، سيأتي الرَّبُّ يسوع؛ والعصاةُ غيرُ الأمناءِ سيأتون بالهلاكِ على أنفسِهم في ذلك الوقتِ، لأنَّهم سيحصدون نتيجةَ ما اختاروه.

4 أَمَّا أَنْتُم، أَيُّها الإِخْوَة، فَلَسْتُم في ظُلْمَةٍ لِيُفَاجِئَكُم ذلِكَ اليَومُ كالسَّارِق.
ضميرُ المخاطَبِ الجمعِ humeîs "أنتم" مؤشّرٌ يقارِن بين مصيرِ الَّذين قبلوا الخلاصَ والَّذين لم يقبلوه. نجِدُ بولسَ هنا يعبّر عن حبِّه لهم بتسميتهم "أيُّها الإخوة" (وردت كلمة "أخ" و"إخوة" عشرين مرَّةً في 1 تس 1: 4؛ 2: 1، 9، 14، 17؛ 3: 2، 7؛ 4: 1، 6، 9، 10 ]مرَّتين[، 13؛ 5: 1، 4، 12، 14، 25، 26، 27).
هؤلاء الإخوة "ليسوا في ظلمة"، أي ليسوا في الشرّ، لأنَّهم قرَّروا اتّباع يسوع؛ والَّذي يتبعُ يسوعَ "لا يمشي في الظَّلام، بل يكون له نورُ الحياةِ" (يو 8: 12). فإنَّ كان لهؤلاء "لن يفاجئَهم ذلك اليوم كالسَّارقِ"، هل هذا يعني أنَّه بالمقارنةِ مع "غيرِ المطيعين" سيعرفون اليومَ والسَّاعةَ؟ لا! لأنَّه "ما مِن أحدٍ يعرفُ اليومَ والسَّاعةَ" (مر 13: 32). فالإنجيلُ يصوّرُ المطيعين وهم يقومون بأعمالِهِم اليوميَّةِ بطريقةٍ عاديَّةٍ عندَ مجيءِ الرَّبِّ، مثلَ الشَّخصِ الَّذي "أُخِذَ" من الحقلِ (راجع متَّى 24: 39-41). لذا سيكونون غيرَ متوقّعين مجيءَ الرَّبِّ.
إذًا، بأيّ معنًى "لن يفاجئَهم ذلك اليومَ كالسَّارقِ"؟ سيكونون مستعدّين "روحيًّا"، لذا لن يفاجئَهم مجيئُه، بل سيكونون في انتظارِهِ في أيّ وقتٍ كانَ.

5 فأَنْتُم كُلُّكُم أَبْنَاءُ النُّور، وأَبْنَاءُ النَّهَار؛ ولَسْنَا أَبْنَاءَ اللَّيلِ ولا أَبْنَاءَ الظُّلْمَة.
كلمة "كلُّكم" تشيرُ إلى شموليَّةِ كلّ أعضاءِ الكنيسةِ الأقوياءِ والضُّعفاءِ معًا. كان أهل تسالونيكي من "أبناء النُّور" لأنَّهم يعيشون في العلَنِ، لا في الخفاءِ – حيْثُ السُّكْرِ والاختباءِ تحتَ جِنْحِ الظَّلامِ – وينتمون إلى النَّهارِ. في اللُّغةِ العبرانيَّة عندما تُستخدمُ عبارةُ "إبنًا لـــ" يعني أنْ يُعزَى إلى الانسان أو يوصف بذلك الشَّيءِ. فكَونُ الانسانِ "ابنُ النُّورِ"، يعني أنَّه يتَّسِمُ بصفاتِ النُّورِ.

6 إِذًا فلا نَنَمْ كَسَائِر الـنَّاس، بَلْ لِنَسْهَرْ وَنَصْحُ؛
"سائرُ النَّاس" هم غير المستعدُّين والَّذين "سيفاجئهم ذلك اليومِ". فبالمعنى الرُّوحيّ هم "نائمون"، ومتجاهلون بالكامل وصايا الرَّبّ. هذا النَّوم الرُّوحيّ متوقَّعٌ من أبناءِ الليلِ، لكن يجبُ ألَّا يوصفَ به "أبناءُ النُّورِ، وأبناءُ النَّهارِ"، لأنَّ عليهم أن يبقوا ساهرين روحيًّا بما يتناسَبُ مع ما ينتمون إليه.
لكلمة اليونانيَّة gregoréo "لنسهرَ"، هي عكسُ النائمين أو المترنّحين (السّكرانين)، وتشملُ التَّصميمُ على البقاءِ في اليَقظةِ، بسببِ معرفةِ خطورةِ النَّومِ. وإذا سمحَ المسيحيُّ لنفسِه بأن يغفو، فيجب أن "يفيقَ" من غفوتِه، ويصحو ثانيةً. هنا يأتي معنى الفعل الثَّاني الَّذي يستخدمُه بولس néphomen "لنَصْحُ" والَّذي يُستخدمُ بالعادةِ لــ "غير السكران". لكنَّ له معنىً أكثرُ شموليَّةٍ، أي أن يستعملَ الانسانُ حواسَهُ (بمعنى ضبط النَّفس)، لأنَّه من دونِها لا يمكنُه أن يسهرَ بطريقةٍ فعَّالةٍ. وهذا هو المعنى المقصودُ هنا.

7 لأَنَّ الَّذِينَ يَنَامُونَ فَفي اللَّيلِ يَنَامُون، والَّذِينَ يَسْكَرُونَ فَفي اللَّيلِ يَسْكَرُون.
"النَّومُ"، كما وردَ سابقًا (1 تس 5: 6) هو تشبيهيٌّ، وهو نومٌ روحيٌّ. أمَّا هنا فينتقلُ بولسُ إلى ما هو وراءِ التَّشبيهِ، أي "النّومُ العاديُّ"، و"السِّكْرُ" بالمعنى الحرفيّ.

8 أَمَّا نَحْنُ أَبْنَاءَ النَّهَار، فَلْنَصْحُ لابِسِينَ دِرْعَ الإِيْمَانِ والـمَحَبَّة، ووَاضِعِينَ خُوذَةَ رَجَاءِ الـخَلاص.
يستعيدُ بولسُ العباراتِ الَّتي ورَدَتْ سابقًا (1 تس 5: 6)، ولكنَّه يوضحُ كيف يستطيعُ الانسانُ ضبطَ النَّفسِ بلبْسِهِ، الإيمان، والمحبَّةِ، والرَّجاءِ. * الإيمان: أو الثقةُ باللهِ حتَّى عندما تبدو الأمورُ على غيرِ مار يُرام. * والمحبَّة: أي الرَّغبة في مساعدةِ الآخرين بالرُّغمِ من الاستهزاءِ، وتكونُ كدرعٍ، أي القطعة الَّتي ترمز إلى الدفاع الروحيّ ضد إبليس. والجزءُ الآخرُ من اللّباسِ هو خوذة * الرجاء الَّتي تحافظُ على الخلاصِ وتتوقَّعُه.

9 فإِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْنَا لِلغَضَب، بَلْ لإِحْرَازِ الـخَلاصِ بَرَبِّنَا يَسُوعَ الـمَسِيح،
على أولئك الإخوةِ أن يضعوا الفضائلَ المسيحيَّةَ المذكورةَ أعلاه ليحموا أنفسَهم. لأنَّ اللهَ "لم يجعلْهم للغضَبِ". لا يوجدُ في تدبيرِ اللهِ أنَّنا سنواجه "غضبه". فالغضبُ في تلك الأيَّام يعني الدَّينونةَ. والخلاصُ أصبحَ ممكنًا بربِّنا يسوعَ المسيحِ.

10 الَّذي مَاتَ مِنْ أَجْلِنَا، لِنَحْيَا مَعَهُ سَاهِرِينَ كُنَّا أَمْ نِائِمِين.
نحن مخلَّصون بيسوع المسيحِ، وذلك أصبحَ ممكنًا لأنَّه "ماتَ من أجلِنا"، بغيةَ أن "نحيا معه"، أي إنَّ يسوعَ تألَّمَ لكي يمحوَ الخطيئةَ الَّتي تفصِلُنا عنه حتَّى نتصالَحَ معه (راجع 2 قور 5: 18، 19)، وأن نحيا معه إلى الأبدِ (راجع 1 تس 4: 17).
"ساهرين كنَّا أم نائمين": "ساهرين" تعني أن نكون أحياءَ بالجسد، و"نائمين" تعني أن نكون أمواتًا بالجسد. عرف بولس في حياته الطريقَتَين، وهو يتشارك مع كلّ المسيحيّين هذا الاختبار، لذا لم يكنْ عند التسالونيكّيين أيُّ سببٍ للقلقِ بشأنِ أحبَّائهم الَّذين رقدوا.

11 فَلِذلِكَ شَجِّعُوا بَعضُكُم بَعْضًا، وَلْيَبْنِ الوَاحِدُ الآخَر، كَمَا أَنْتُم فَاعِلُون.
بوجودِ الحقائقِ عن مجيءِ المسيحِ، قال بولسُ: "شجّعوا بعضُكم بعضًا، وليبنِ الواحدُ الآخرَ، كما أنتم فاعلون". كانوا يفعلون هذا، ولكن أرادَ بولسُ منهم إبرازَ ذلك بطريقةٍ أكثر (راجع 1 تس 4: 1). والفعل اليونانيّ oikodomeîte الَّذي يعني "ليبنِ"، قد يُطبَّقُ على بناءِ البيوتِ، لكنَّ بولسَ استخدمَه هنا بالمعنى المجازيَّ لبناءِ الحياةِ المسيحيَّةِ.
هكذا يختمُ بولسُ تشجيعَه بِحَثِّ المؤمنين على مساندتِهم بعضِهم لبعضِ، لِما للجماعةِ من دورٍ أساسيٍّ في نموّ أعضائها، حيْثُ لا يمكنُ لأحدٍ أن يتقدَّسَ لوحدِه من دونِ الآخرين.

خلاصة روحيَّة
من يقرأُ هذا المقطعَ من الرّسالةِ (1 تس 5: 1-11) بتمعُّنٍ، يلاحِظُ بأنَّ كلامَ الرَّسولِ بولسَ لا يتوجَّهُ إلى الموتى، بل إلى الأحياءِ ليدلّهم إلى السُّبُلِ الأفضلِ للاستعدادِ ليومِ الرَّبِّ.
يحذّرُ بولسُ المؤمنين من عنصرِ المباغتةِ، لأنَّ المؤمن مزوَّدٌ بكلّ ما يلزمُ كي لا يتفاجأ. فمن لديه الإيمانُ بالمسيحِ الَّذي قهَرَ الموتَ بالقيامةِ، لا يتعاملُ مع الموتِ من منطقِ الخوفِ، بل من منطقِ الاستعدادِ والانتظارِ للانتقالِ من حياةٍ أرضيَّةٍ ماديَّةٍ، فيها يحيا بالرُّوحِ حياةَ الأسرارِ، إلى حياةٍ روحيَّةٍ يعيشُ فيها بالعيانِ أمامَ اللهِ بكليَّتِه. ومن لديه الرجاءُ بالمسيحِ وبتعاليمِه، يعلمُ بأنَّ يومَ الرَّبِّ ليسَ يومَ انتقامٍ، بل يومٌ لجمعِ الشّملِ مع الأحبَّاءِ لأنَّ "اللهَ لم يجعلْنا للغضَبِ، بل لإحرازِ الخلاصِ بربِّنا يسوعَ المسيحِ" (1 تس 5: 9). ومن لديه المحبَّةُ يستطِعْ أن يبدأ بعيْشِ الأبديَّةِ وهو بَعْدُ على الأرضِ، لأنَّ المسيحَ سبَقَ وحدَّدَ في الإنجيلِ أنَّ مقياسَ الدَّينونةِ هو المحبَّةُ: "كلَّ ما عملتموه لأحدِ إخوتي هؤلاء الصِّغار، فلي عملتموه" (متَّى 25: 40).
فالتّذكيرُ بالسَّهرِ واليقظةِ لا ينفعُ الـمَيتَ، لأنَّه ماتَ وانتقلَ، لكنَّه ينفعُ الحيَّ الَّذي يستطيعُ الآنَ أنْ يغيِّرَ في ذاتِه ما يُخالفُ شروطَ الانتقالِ الهادئِ والآمنِ إلى ميناءِ الحياةِ الأبديَّةِ. فالانسانُ الَّذي يرْغَبُ بالسَّفَرِ يبدأُ بتحضيرِ أوراقِهِ ومستلزماتِ السَّفَرِ قبلَ الوقتِ بكثيرٍ، كي لا يدركُه موعدُ السَّفَرِ وهو غيرُ جاهزٍ، فكم بالأحرى مَن سيَنْتَقِلُ إلى الحياةِ الأبديَّةِ من دونِ عودةٍ، حيثُ وجهةِ سفَرِهِ باتّجاهٍ واحدٍ؟


تحميل المنشور