لماذا لا تتوحّد الكنيسة؟

لماذا لا تتوحّد الكنيسة؟

لا يمكن لكاتبٍ أن يعبّر عن فكره لو أنّ للأبجديّة حرفٌ واحد، ولا يمكن لفنّانٍ أن يُبدع مشهدًا وعلى لوحته لونٌ واحد، ولا لموسيقيٍّ أن ينظم لحنًا من نوطةٍ واحدة. فالجمال بالتنوّع. طبعًا ليس بالفوضى، أو في تنافر الألوان والحروف والنوطات، إنّما بتجانسها. واللّه يوم أبدع الكنيسة، أبدعها كثيرة الألوان، مختلفة اللغات، متعدّدة الألحان. نحن إذن أمام منظومةٍ أخّاذة، إذا ما تأمّلّنا جمالها، زادت في نفوسنا الدهشة، وعظُم في قلوبنا حّبُّ الخالق المبدع.

وحدة الكنائس لا تعني إلغاء عاداتنا وتقاليدنا، ولا تعني أن نوحّد طريقة احتفالنا وطريقة تعبيرنا عن إيماننا. هي لا تعني أن تسقط عن جدران كنائسنا تعابيرنا الفنيّة الخاصّة، ولا أن تتشابه أنغام موسيقانا ووقعها. ليست الوحدة أن نوحّد اللغّات واللباس والعادات. فكلّ هذا التنوّع هو نعمةٌ من الربّ.

منذ زمنٍ ونسمع في شرقنا مطالبة الناس بتوحيد تاريخ الاحتفال بعيد الفصح. فمن المتعب أن نحضّر العيد مرّتين في العائلات المختلطة. فقد نُضطرُّ أحيانًا أن نشتري شمعة الشعانين مرّتين، وأن نسجد للصليب في جمعتين عظيمتين، وأن نمضي ساعات طوال في تجهيز "معمول العيد" مرّتين في السنة، والأصعب، أن نُضطرّ العودة إلى الصوم حتّى بعد الاحتفال بقيامة الربّ يسوع، بانتظار أن تُعيّد الكنائس الشرقيّة يوم الربّ.

لكنّ وحدة الكنائس ليست بتوحيد الأعياد، وما طلبه يسوع من الآب السماوي ليلة سُلّم إلى الموت، لم يكن وضع تاريخٍ محدّدٍ لتصنع نساء العالم معًا المعمول فيه وتستريح بعده. بل هو وحدة قلوبٍ أعمق بكثير من أي شيءٍ آخر. هو وحدة أبناء الكنيسة الواحدة، على اختلاف عاداتهم وتقاليدهم. هو وحدة أبناء الطائفة الواحدة، ووحدة أبناء الرعيّة الواحدة، ووحدة أبناء الجماعة الواحدة. هي أن يبقى لكلّ عضوٍ في جسد المسيح كرامته، وأن يبقى لكلّ واحدٍ هُويّته وفرادته.

غيرتنا على وحدة الكنيسة لا تتجسّد بمطلبٍ ضيّق أن تتوحّد الأعياد. قد يتحقّق مطلبنا بتدبيرٍ كنسيٍّ يومًا ما، أو قد لا يتحقّق. لا يهمّ! إنّما الوحدة هي تحوّل قلبيّ يجعل منّا متّحدين مع سائر أعضاء جسد المسيح. هو أن يتبدّل قلبك أنت أوّلاً، وأن تصير عضوًا فاعلاً في الكنيسة، وأن تقبل الآخر، الأقرب إليك أوّلاً، هُويّةً وتاريخًا وتقليدًا.

أخيرًا، لا نخافنّ على الكنيسة، فالوحدة آتية لا محال. ليس بعملٍ بشريٍّ، إنّما الله هو من يصنعها، وصلاة يسوع لا بدّ أن تستجاب.