إصعد على الكرسي

إصعد على الكرسي

لماذا قد أتقدّم يومًا من كرسيّ الاعتراف؟

ربّما لم تدخل كرسي الاعتراف منذ ليلة تقرّبك من القربانة الأولى؛ يومها أجبرتك الراهبة المسؤولة على ذلك. دخلت وأنت لا تعرف ما تقول، فتمتمت بعض العبارات التي ما سمحت لك سنواتك الثمانية أن تفهم معناها، وسمعت الكاهن يتلو الحلّة، وغادرت... ولم تعد أبدًا. أو ربّما حاولت العودة، وكان اختبارك سيّئا، وقرّرت حينها ألّا تعود.

كثيرةٌ هي الأسباب التي تمنعك من التقرّب اليوم من هذا السرّ: منها ما يرتبط فيك، كونك لا تشعر أنّك خاطئ، أو أنّ خطاياك صغيرة، أو أنّك غير جاهز بعد لتترك ماضيك خلفك. قد ترى أنّ الله قد لا يرحمك لما قد أسأت وفعلت، أو أنّك ستعاود الكرّة حتمًا. وبالطبع، تقول أحيانًا أنّ الله يسمعك، وأنّك تعترف له مباشرةً ولست بحاجةٍ لوسيط، وكلينا نعلم، أنّك لم ولن تعترف لله مباشرةً حتّى، بل كانت حجّةً تقف خلفها آلاف الأسباب. ومن الأسباب ما يرتبط بالكاهن، الذي قد يحكم عليك، أو يقسو بتأنيبه، أو يستهترُ بك، كما تعتقد. أو أنّه هو أيضًا خاطئ، وليس ما يسمح له بأن يسمع ما تحملُ في قلبك من ألمٍ. وإن كنت ترى فيه الكاهن القدّيس، تخشى أن يعرف حقيقتك، وأن تنكسرَ صورتك في عينيه.

فلتعرف أوّلاً يا صديقي، أنّ خطاياك غُفرت بالكامل، وبارتفاعه على الصليب رفع المسيح وزرها عنك. كلّ ما خطئت به في الأمس وتخطأ به اليوم، أو قد تسقط به غدًا عل الرغم من جهادك المتواصل، قد غُفر سابقًا. لكنّك تشبه من فاز بأعظم جائزة على الأرض ولم يذهب بعد للحصول عليها. فبالاعتراف، أنت تقبض الجائزة الكبرى التيّ دفعها يسوع بالكامل.

أمّا الكاهن، فهو يعطي الحلّة باسم يسوع وليس بسلطانه الشخصي. وسرّ التوبة غير مرتبط بحال الكاهن، الذي قد نراهُ قدّيسًا أو لا. فالله يحقّق خلاصه فينا نحن البشر، بغضّ الطرف عن ضعفنا وخطيئتنا. والاعتراف أمام الكاهن هو السبيل الأفضل لكي ننمو. فهو تهذيبٌ للنفس لما فيه من اتّضاع، وانسحاقٍ كاملٍ أمام الله. هو الفرصة كي نستشفّ منه النصح كي لا نعاود ما فعلنا. فكيف لي أنا الذي أخطأ آلاف المرّات في النهار، وأعاود أخطائي ذاتها، أن أناضل وأحارب، ما لم أتّكّئ على من هو أكثر منّي خبرةً وتأمّلاً. 

لذلك قد يكون الاعتراف عند كاهنٍ نتّخذه لنا مرشدًا روحيًّا هو الأفضل. فالمرشد يرافقني بصعودي وهبوطي، يعرف قوّتي وضعفي. بدل أن يكون الاعتراف حدثًا عابرًا، أمرُّ عليه في الأعياد، يضحي مسيرة تقدّمٍ إلى أعلى، نحو حياةٍ أفضل، يرافقني فيها أبٌ وصديق. وبدل البحث عن كاهنٍ في منطقةٍ بعيدة لا أعرفه ولا يعرفني، لأتلو أمامه ما خطئت، يصيرُ التزامًا حياتيًّا، أعيشه أمام كاهن رعيّتي، أو المرشد الذي أختاره. 

قد تختار لنفسك موعدًا شهريًا ثابتًا، تتحضّر له طيلة أيام الشهر، وتراجع ضميرك في الليلة التي تسبقه. التزامك هذا سيُثمر ثمارًا صالحة، ربّما في القريب العاجل، أو بعد سنواتٍ طويلة من الجهاد والنضال في سبيل حياةٍ أفضل.

هيّا يا صديقي، إن كانت الرغبة تُشعل قلبك، فلا تتردّد أن تقترب من كرسي الاعتراف، كلّ ما اقتربت منها، ارتفعت أكثر إلى فوق!