جيلٌ فاسدٌ يطلب آية...

جيلٌ فاسدٌ يطلب آية...

لا يهدفُ مقالنا هذا إلى تحديد قدرة الربّ التي لا حدّ لها، ولا يشكّك بالآيات التي ما زال يفعلها إلى اليوم. فالكتاب المقدّس مليءٌ بالأعمال القديرة، وتاريخُ الكنيسة شاهدٌ على ظهورات وآيات، أكّدت على عقائد كثيرة، وأيّدت بنيان الكنيسة وعملها التبشيري.

لكنّنا اليوم نشهد ما سأسمّيه "فوضى الخوارق". فلا يمضي أسبوعٌ إلّا ونسمع خبرًا عن أعجوبةٍ لقدّيسٍ ما، أو ظهورٍ لآخر. هنا تمثالٌ يرشحُ زيتًا، وآخر يبكي دمًا، وصورةً تبصق البخور وسقوف بيوتٍ تنزُّ ماء الورد. هنا امرأةٌ تتكلّمُ بصوتٍ غليظٍ، على أنّ الربّ يتكلّم بها، وهناك رجلٌ هو بطرسَ أو بولس في جسدٍ آخر، ينبئان بالمستقبل لأصحاب القلوب الضعيفة، لشحّاذي الغيب، لقلقي الإيمان والوجود. وفوضى الخوارق هذه ضربت وسائل الإعلام، لدرجة أنّنا نصادفها ونحن نتصفّح الإنترنت أكثر ما نصادف آيات الإنجيل مثلًا.

الكنيسة بنفسها تميّز كثيرًا قبل البتّ بأيّ شفاءٍ أو ظهور، لأنّ القول بصحّة آية وظهور كثير الدقّة. فعمل التمييز يتطلّب سنوات كثيرة، وتدخّل اللجان المختصّة واللاهوتيّين والأطبّاء وعلماء النفس والشهود... وهي تدعونا بدورها لتمييز ما يجري من حولنا، وألّا نتسرّع بإطلاق الأحكام ونشر الصور وتأكيد ما لم تثبت صحّته بعد. لذلك، أقدّم لكم بعض المعايير التي تساعدنا في تمييز الحقائق:

معنى الظهور: من الأكيد أنّ اللّه لا يتكلّم بالأحجيات، فهو كلّمنا بالطريقة الأكثر وضوحًا، بابنٍ رأيناه وسمعناه. فكلّ ما فيه تضليل للمؤمنين ليس من اللّه هو. لنتخيّل مثلًا تمثال العذراء يرشحُ زيتًا في إحدى الكنائس، ولنسأل الشهود المصدّقين معنى المعجزة. أحدهم يقول "سلامٌ" وآخر "حربٌ"، وهناك من يقول العذراء فرحة، وآخرٌ يؤكّد عل سخطها أو حزنها أو غضبها. فهل العذراء تحبّ ممازحتنا مثلًا؟ وإذا أرادت السماء أن تعطينا رسالة، ألن تجد طريقةً أفضل؟

صحّةُ التعليم: تخالف رسائل بعض الظهورات تعليم الكنيسة بشكلٍ فاضحٍ وهو ما يؤكّد عدم صحّتها. تخيّلوا مثلًا ظهور أحد القدّيسين في ضيعةٍ لبنانيّة مسيحيّة، يؤكّد فيها أنّه سيسحق كلّ أبناء الطوائف الأخرى في القرى المجاورة. فهل أصبح اللّه صاحب مجزرةٍ يوظّف فيها القدّيسين، أم إنّنا نحمّلهم أمنيات نفوسنا المريضة بالتعصّب؟

الانتماء الكنسيّ: لا شكّ أنّ يسوع أراد الكنيسة واحدة، وهو ما زال يتألّم لانقسامها، ولن يزيدها انقسامًا وتشرذمًا. وما يثيرُ العجب أنّ بيوت الظهورات تتحوّل فجأةً إلى كنائس مستقلّة يرأسها أبطال العجائب وقرّاء الغيب، منفصلةّ عن الرعيّة المحليّة، تحاربها أحيانًا، وتدعو المؤمنين إلى الخروج عنها أحيانًا أخرى.

الثمار الصالحة: لا بدّ أنّ عمل اللّه يُثمرُ ثمارًا صالحة، تزيّنُ حياة الشهود أوّلًا وأتباعهم ثانيةً. فكيف يُمكن لشاهدٍ يكلّم العذراء يوميًّا، ألّا يذهب للمشاركة بالقدّاس والتناول لسنواتٍ طويلة، وقد سخّر التفاف الناس حوله لتسييرهم وابتزازهم ماديًّا بأبشع الطرق وأحقرها، وأكثرها مكرًا وخداعًا؟

جميع تلك المعايير تساعدنا على تمييز ما يجري حولنا. فلا نسارعنّ كلّ ما ذاع الخبر عن أيّ شيءٍ غريب كمن فقد صوابه، وعلّق إيمانه، منتظرًا خوارق كاذبة لوضعه حيّز التنفيذ. فلنذكر ما قاله يسوع يوم جاءه الفرّيسيون يطلبون آية، أنّهم لن يُعطَوا إلّا آية يونان، مشيرًا إلى موته وقيامته. الآية الأعظم أنّ ابن اللّه صار إنسانً ومات وقام من أجلك، وخلاصه للبشر فوق كلّ زمانٍ وكلّ مكان. فأنت تعيش الآن آية خلاص الربّ يسوع لك، فلا تضلّلك الخرافات الصغيرة، عن رؤية مجد الربّ وجبروته.