كَسر الكلمة - العهد القديم -27- الأحد الرابع من زمن القيامة

كَسر الكلمة - العهد القديم -27- الأحد الرابع من زمن القيامة

الأحد الرابع بعد القيامة
سفر التكوين: 1 / 20 - 23
20 وقالَ الله:"لِتَعِجَّ المِياهُ عَجًّا مِن ذَواتِ أَنفُسٍ حَيَّة ولْتَكُنْ طُيورٌ تَطيرُ فَوقَ الأَرضِ على وَجهِ جَلَدِ السَّماء"
21 فخَلَقَ اللهُ الحِيتانَ العِظام وكلَّ مُتَحَرِّكٍ مِن كُلِّ ذي نَفْسٍ حَيَّةٍ عَجَّت بِه المِياهُ بِحَسَبِ أَصْنافِه وكُلَّ طائرٍ ذي جَناحٍ بِحَسَبِ أَصْنافِه. ورأَى اللهُ أَنَّ ذلك حَسَن.
22 وبارَكَها اللهُ قائلًا: "اِنْمي وٱكْثُري وٱمْلإِي المِياهَ في البِحار وَلْتكْثُرِ الطُّيورُ على الأَرض".
23 وكانَ مَساءٌ وكانَ صَباح: يَومٌ خامِس.

مقدّمة
لِاخْتيارِ قِراءَةِ العَهدِ القَديمِ، تُسَلِّطُ كَنيسَتُنا المارونيَّةُ الضَّوءَ عَلى فِكرَةِ "كَثرَةِ السَّمكِ" (يو 21 / 6). (وَهِيَ عَلامَةٌ كَانَ الرَّبُ قَد أَعطَاهَا لِتلميذِهِ بُطرُسَ في لِقَائِهِما الأَوَّلِ بِحسَبِ إِنجيلِ (لوقا 5 / 1 – 11)، عَلى بُحيرَةِ جنَّاسَرِت أَي طَبريَّة). بِهَذِهِ العَلامَةِ، تَعرَّفَ التَّلاميذُ عَلى الرَّبِ يَسوعَ، لأَنَّهُ سَيِّدُ الخَليقَةِ وَنَبْعُ كُلِّ عَطَاءٍ وَخَيرٍ غَيرِ مَحدُودٍ.
إِنَّ رِوايَةَ الخَلقِ الأُولَى تُنسَبُ إِلى الـمَصدَرِ الكَهنوتيِّ الَّذي يُنَظِّمُ مَشروعَ خَلقِ العَالَمِ، عَلى مَدارِ أُسبُوعٍ وَيَنتَهي بيَومِ السَّبتِ الّذي جَعَلهُ الرَّبُ لِلرّاحةِ. فَالرَّبُ يَخلُقُ بِأَمرٍ من فَمهِ، بِكَلِمَتِهِ "قَالَ الله"، فَهوَ الكَائِنُ قَبلَ العَالَمِ وَهوَ الخَالِقُ.

تفسير الآيات
20 وقالَ الله : "لِتَعِجَّ المِياهُ عَجًّا مِن ذَواتِ أَنفُسٍ حَيَّة ولْتَكُنْ طُيورٌ تَطيرُ فَوقَ الأَرضِ على وَجهِ جَلَدِ السَّماء".
إِنَّ لُغَةَ الكَاتِبِ الكَهنوتيِّ تَتميَّزُ بِالفَيضِ وَالكَثْرَةِ، لِيَدُلَّ عَلى كَرَمِ الرَّبِ وَمحبَّتهِ اللاَّمتناهِيَةِ لِخَليقَتِهِ. فَالتَّركيبَةُ الثُّنائِيَّةُ لِلفِعلِ عَجَّ "لِتَعِجَّ عَجًّا"، تَدُلُّ عَلى وَفْرَةِ الحَياةِ وَالخَيرِ. هَذا اليَومُ الخَامِسُ لِلخَلقِ، وَهوَ اليَومُ الـمِحوَرُ، مَعهُ تَتغيَّرُ لُغةُ الكَاتِبِ، وَفيهِ يُعطي الرَّبُ نِعمةَ الحَياةِ لِلكَائِنَاتِ، في البِحارِ وَفي الجَلَدِ، لِتُشَارِكَهُ بِنعمَةِ الخَلقِ وَالحَيَاةِ. في هَذا اليَومِ الـمِحوَرِ من قِصَّةِ خَلقِ الكَونِ، يَملأُ اللهُ الـمَسَاحَةَ الَّتي خَلقَها في الأَيّامِ السّابِقَة بِالحيَاةِ وَالحَرَكة.

21 فخَلَقَ اللهُ الحِيتانَ العِظام وكلَّ مُتَحَرِّكٍ مِن كُلِّ ذي نَفْسٍ حَيَّةٍ عَجَّت بِه المِياهُ بِحَسَبِ أَصْنافِه وكُلَّ طائرٍ ذي جَناحٍ بِحَسَبِ أَصْنافِه. ورأَى اللهُ أَنَّ ذلك حَسَن.
إِنَّ اللهَ الخَالِقَ يَهَبُ الحَياةَ مَجَّانًا لِجَميعِ مَخلوقَاتِهِ، وَأَعمَاقُ البِحَارِ تَشهَدُ على جَمالاتِ الـمَخلوقَاتِ الَّتي تَعِجُّ فيها، كَما أَيضًا أَنواعُ الطُّيورِ الـمُختَلِفَةِ الّتي تَملأُ الجَلَدَ. يَومَ ظُهورِ الرَّبِ يَسوعَ على بُطرُسَ وَالتّلاميذِ الَّذينَ خَرَجُوا لِلصَّيدِ، بِحسَبِ إِنجيلِ يوحنّا، امْتلأَتِ الشَّبَكةُ منَ السَّمكِ، كثيرًا "مئةً وثلاثًا وَخَمسين" (يو 21 / 11)، عَددًا كَانَ يُنسَبُ إلى مُختَلفِ أَنواعِ الأَسماكِ. "ورَأى اللهُ أَنَّ ذلكَ حَسَن"، أللهُ الـمُهندِسُ يَنظُرُ عَملَهُ وَيُبدي فيهِ رَأيَهُ، فَهوَ راضٍ عن ما صَنعَهُ في هَذا اليَوم.

22 وبارَكَها اللهُ قائلًا: "اِنْمي وٱكْثُري وٱمْلإِي المِياهَ في البِحار وَلْتكْثُرِ الطُّيورُ على الأَرض".
23 وكانَ مَساءٌ وكانَ صَباح: يَومٌ خامِس.

يَتميَّزُ هَذا اليَومُ بينَ الأَيَّامِ السَّابِقَةِ في قِصَّةِ الخَلقِ الأُولَى، لِأَنَّ فيهِ، اللهُ خَلقَ وَبَارَكَ الأَسماكَ وَالطّيورَ وَالكَائِناتِ الحَيَّةِ، وَأَعطَاهَا أَمرَ التَّكاثُرِ وَإِعطَاءَ الحَياةِ لِأَجيالٍ جَديدَةٍ. هَذهِ البَركةُ تَظهرُ لِلمرَّةِ الأُولى هُنا، بعدَ أَيَّامِ الخَلقِ السَّابِقَة. بَركةُ الرَّبِّ أَسَاسِيَّةٌ، بِها تَستطيعُ الكَائِناتُ أَن تَتكَاثَرَ وَتَنمو. فَفي نصِّ إِنجيلِ يوحنَّا الرَّسولِ، عَلِمَ هذا الأَخيرُ أَنَّ الّذي أَمرَهُم بِرَميِ الشَّبَكةِ عن يَمينِ السَّفينَةِ، هوَ الرَّبُ القَائِمُ منَ الموتِ، لِأَنَّهُ بِكَلِمتِهِ مَلأَ الشَّبكَةَ بِالسَّمكِ الكَثيرِ. بَرَكةُ الرَّبِ تُكَثِّرُ الخَيرَ وَتَهبُ بِفَيضٍ.

خُلاصَةٌ روحِيَّةٌ
إِنَّ قِصَّةَ خَلقِ اليَومِ الخَامِسِ تُخْبِرُنا عَن كَرَمِ إِلَهِنا وَمحبَّتهِ لِخلائِقِهِ. فَهوَ يَهَبُ بَرَكتَهُ لِمخلوقَاتِهِ وَيُعطيهِم أَن يَكونُوا مِثلَهُ، يَهَبونَ الحَياةَ وَيُشَارِكوهُ مَشروعَ خَلقِهِ الـمُتجَدِّدِ دَائِمًا. هَذا يَنفِي قَوانِينَ الشُّعوبِ الّتي تَأمُرُ بِتَحديدِ النَّسْلِ وَبِتَضيِيقِ مَسَاحَةِ الحَياةِ من كُلِّ الجِهَاتِ، فَاللهُ أَمَرَ المِياهَ أَن تَعِجَّ عَجًّا بِالأَسمَاكِ وَأَن تَمتَلئَ السَّماءُ بِالطُّيور.
كمَا يُعلِّمُنا اللهُ من خِلالِ هذا اليَومِ الخَامِسِ، أَن نَنظُرَ إِلى أَعمَالِنا الّتي نُتَمِّمُها خِلالَ نَهارِنا، وَنَحكُمَ عَلَيها. فَاللهُ بَعدَ أَن أَنْهَى خَلقَ الكَائِناتِ البَحريًّةِ أَو الـمَائِيَّةِ وَالطَّائِرَةِ، نَظَرَ إِلى عَمَلِهِ وَرَضِيَ عَنْهُ. فَهَلْ نحنُ رَاضِينَ عَن أَعمَالِنا؟ هَلْ نَستَطيعُ أَن نُرَدِّدَ معَ كَاتِبِ الرِّسَالةِ إلى العِبرانيِّينَ: " فَإِنَّنا واثِقُونَ أَنَّ ضَميرَنَا صَالِح، ونَحْنُ نُرِيدُ أَنْ نَسْلُكَ مَسْلَكًا حَسَنًا في كُلِّ شيء " (عب 13 / 18)؟


تحميل المنشور