كَسر الكلمة - الرسائل -51- الأحد الثاني عشر من زمن العنصرة

كَسر الكلمة - الرسائل -51- الأحد الثاني عشر من زمن العنصرة

إيمان المرأة الكنعانيَّة
الآيات (أف 3: 1-13)
1 لِذلِكَ أَنَا بُولُس، أَسِيرَ الـمَسيحِ يَسُوعَ مِنْ أَجْلِكُم، أَيُّهَا الأُمَم...
2 إِنْ كُنْتُم قَدْ سَمِعْتُم بِتَدْبِيرِ نِعْمَةِ اللهِ الَّتي وُهِبَتْ لي مِنْ أَجْلِكُم،
3 وهوَ أَنِّي بِوَحْيٍ أُطْلِعْتُ على السِرّ، كَمَا كَتَبْتُ إِلَيكُم بإِيْجَازٍ مِنْ قَبْل،
4 حِينَئِذٍ يُمْكِنُكُم، إِذَا قَرَأْتُمْ ذلِكَ، أَنْ تُدْرِكُوا فَهْمِي لِسِرِّ الـمَسِيح،
5 هـذَا السِّرِّ الَّذي لَمْ يُعْرَفْ عِنْدَ بَنِي البَشَرِ في الأَجْيَالِ الغَابِرَة، كَمَا أُعْلِنَ الآنَ بِالرُّوحِ لِرُسُلِهِ القِدِّيسِينَ والأَنْبِيَاء،
6 وهُوَ أَنَّ الأُمَمَ هُم، في الـمَسِيحِ يَسُوع، شُرَكَاءُ لَنَا في الـمِيرَاثِ والـجَسَدِ والوَعْد، بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيل،
7 الَّذي صِرْتُ خَادِمًا لَهُ، بِحَسَبِ هِبَةِ نِعْمَةِ اللهِ الَّتي وُهِبَتْ لي بِفِعْلِ قُدْرَتِهِ؛
8 لي أَنَا، أَصْغَرِ القِدِّيسِينَ جَمِيعًا، وُهِبَتْ هـذِهِ النِّعْمَة، وهِيَ أَنْ أُبَشِّرَ الأُمَمَ بِغِنَى الـمَسِيحِ الَّذي لا يُسْتَقْصى،
9 وأَنْ أُوضِحَ لِلجَمِيعِ مَا هُوَ تَدْبِيرُ السِّرِّ الـمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ في اللهِ الَّذي خَلَقَ كُلَّ شَيء،
10 لِكَي تُعْرَفَ الآنَ مِن خِلالِ الكَنِيسَة، لَدَى الرِّئَاسَاتِ والسَّلاطِينِ في السَّمَاوات، حِكْمَةُ اللهِ الـمُتَنَوِّعَة،
11 بِحَسَبِ قَصْدِهِ الأَزَلِيِّ الَّذي حَقَّقَهُ في الـمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا،
12 الَّذي لَنَا فيهِ، أَيْ بِالإِيْمَانِ بِهِ، الوُصُولُ بِجُرْأَةٍ وثِقَةٍ إِلى الله.
13 لِذلِكَ أَسْأَلُكُم أَنْ لا تَضْعُفَ عَزِيْمَتُكُم بِسَبَبِ الضِّيقَاتِ الَّتي أُعَانِيهَا مِنْ أَجْلِكُم: إِنَّهَا مَجْدٌ لَكُم!

مقدّمة
تركّز قراءات الأحد الثَّاني عشر من زمن العنصرة (أف 3: 1-13؛ متَّى 15: 21-28) على ثمر الرسالة بين الوثنيّين، من خلال إيمان المرأة الكنعانيَّة الـمُطلق بيسوع. لقد استجاب الرَّبُّ لإيمانها العظيم وشفى ابنتها في الحال، وقال لها كلمةً لم يقُلها لأحدٍ سواها: "أيَّتها المرأة، عظيمٌ إيمانكِ! فليكن لكِ كما تُريدِين" (متَّى 15: 28).
في الإطار نفسه، يُخاطب بولس الرَّسول "الأمم" الَّذين صاروا مسيحيّين، مُركّزًا على نعمة الرسالة في وسطهم، وقد جُعلَ بولس "أسيرَ المسيح يسوع من أجل الأمم" (أف 3: 1). ويستعمل بولس عبارة "السرّ المكتوم" (أف 3: 9)؛ إنَّه قصد الله الأزليّ، وتدبيره الخلاصيّ، الَّذي ظهر في شخص المسيح يسوع، ثمَّ في الكنيسة، من خلال تبشير الرسل. جوهر هذا السرّ، هو دعوة الشُّعوب الوثنيَّة كلّها إلى الخلاص، ومصالحتها مع اليهود، واتّحادها معهم في جسدٍ سريٍّ واحد.

شرح الآيات
لقد اختارت اللجنة البطريركيَّة للشؤون الطقسيَّة أن تكون رسالة أحد إيمان المرأة الكنعانيَّة (أف 3: 1-13) هي الرسالة نفسها الَّتي شرحناها في زمن الميلاد المجيد: أحد البيان ليوسف (أف 3: 1-13). لذلك، نعود ونضع بين أيديكم الشَّرح نفسه للآيات، مع تغييرٍ في المقدّمة والخلاصة الروحيَّة اللَّتين تناسبان موضوع الأحد الثَّاني عشر من زمن العنصرة: إيمان المرأة الكنعانيَّة؛ وقد اقتضى التنويه والتوضيح، تفاديًا لأيّ تساؤلٍ عن تكرار آياتٍ سبق شرحها، ولا سيّما أنّ الشرح اللَّاهوتي هو نفسه، ولا يمكن أن يتبدَّل ويتعدَّل.  

1 لِذلِكَ أَنَا بُولُس، أَسِيرَ الـمَسيحِ يَسُوعَ مِنْ أَجْلِكُم، أَيُّهَا الأُمَم...
من المحتمل أنَّ بولس استخدم كلمة "أسير" هنا، للإشارة إلى الحقيقة أنَّه في الوقت الَّذي كان يكتب فيه هذه الرّسالة كان في السّجن. إنَّه كان "أسير المسيح يسوع"، أي في القيود من أجل الشهادة للمسيح. كان المسيح قد تنبّأ أنَّ بولس سيتألَّم كثيرًا من أجل اسمه (راجع أعمال 9: 16). وقال بولس في وقتٍ لاحق: "يُضيَّق علينا من كلّ جهة...نُسلَم دومًا إلى الموت، من أجل يسوع" (2 قور 4: 8، 11).
تذكّرنا عبارة "من أجلكم، أيُّها الأمم" أنَّ عمل بولس كان، بصفةٍ أساسيَّة، التبشير بالإنجيل للأمم. بما أنَّه كان قد سجن بسبب التبشير بالإنجيل، فإنَّه كان سجينًا "من أجل منفعة الأمم". 

2 إِنْ كُنْتُم قَدْ سَمِعْتُم بِتَدْبِيرِ نِعْمَةِ اللهِ الَّتي وُهِبَتْ لي مِنْ أَجْلِكُم،
كان بولس مُدركًا أنَّ أهل أفسس قد سمعوا رسالة الإنجيل، لأنَّه بشَّرهم بها. لذلك افترض أنَّه على الرّغم من مرور حوالي أربع سنوات منذ أن كان عندهم، إلَّا أنَّهم يتذكَّرون ما كان قد قاله لهم. نال بولس "نعمة التَّدبير" إذ أصبح مسيحيًّا ومبشّرًا (راجع أف 3: 8)، ومدبّر نعمة الله المقدَّمة في الإنجيل الَّذي كان يكرز به. 

3 وهوَ أَنِّي بِوَحْيٍ أُطْلِعْتُ على السِرّ، كَمَا كَتَبْتُ إِلَيكُم بإِيْجَازٍ مِنْ قَبْل،
أكَّد بولس أنَّ رسالة النّعمة الَّتي كان يكرز بها للأمم جاءت من عند الله. فكلمة "وحي" (apokálypsis) تعني "الكشف عن"، بينما كلمة "سرّ" (mystérion)، فتعني "الحقَّ الإلهيّ المكشوف للعلَن"، وتشير إلى "الإنجيل الَّذي هو قصد الله لخلاص الناس من الخطيئة بموت المسيح وقيامته".

4 حِينَئِذٍ يُمْكِنُكُم، إِذَا قَرَأْتُمْ ذلِكَ، أَنْ تُدْرِكُوا فَهْمِي لِسِرِّ الـمَسِيح،
هذا "السرّ" لم يكن متعذّرَ الفهم. أراد بولس لأهل أفسس أن "يقرأوا بفهم". فعندما يقرأون ما قاله بولس "بإيجازٍ من قبل" (أف 3: 3)، في هذه الرّسالة، عن قصد الله هذا، يفهمون أنَّ له "فهمًا لسرّ المسيح"؛ هذا السرّ الَّذي كان مكتومًا منذ وقتٍ طويل، ولكن تمَّ إعلانه الآن بوحيٍ إلهيّ.

5 هـذَا السِّرِّ الَّذي لَمْ يُعْرَفْ عِنْدَ بَنِي البَشَرِ في الأَجْيَالِ الغَابِرَة، كَمَا أُعْلِنَ الآنَ بِالرُّوحِ لِرُسُلِهِ القِدِّيسِينَ والأَنْبِيَاء،
في كلّ الأيَّام الَّتي سبقت مجيء المسيح، كان قصد الله مخفيًّا "في الأجيال الغابرة". تحدَّث عنه "الأنبياء" بلغةٍ غامضة، ولكنَّهم لم يفهموا السرَّ بالكامل. هذا ما عبَّر عنه القدّيس بطرس بشكلٍ واضح قائلًا: "عن هذا الخلاص فتَّش الأنبياء وبحثوا فتنبّأوا بالنّعمة المعدَّة لكم، وبحثوا عن الزَّمان والأحوال الَّتي كان يدلُّ عليها روح المسيح الَّذي فيهم، حين سبق فشهدَ على الآلام المعدَّة للمسيح، والمجد الَّذي يتبعها. وقد أُوحيَ إليهم أنَّهم ما كانوا يخدمون تلك الأمور من أجل أنفسهم، بل من أجلكم أنتم، وقد بشَّركم بها الآن المبشّرون، يؤيّدهم الرُّوح القدس الـمُرسَل من السَّماء، وهي أمورٌ يشتهي الملائكة أن ينظروا إليها وهم مُنْحَنُون." (1 بط 1: 10-12).
وفقًا لبولس، فقد أُعلنَ هذا السرّ "الآن بالرُّوح لرسله القدّيسين والأنبياء". الرسل والأنبياء المذكورون هنا هم رسل العهد الجديد وأنبياؤه. ما يدلّ على ذلك هو التباينات الثلاثة في هذه الآية:
لم يُعْرَف                         أُعلِنَ
في الأجيال الغابرة                 الآن
بنو البشر                         رسله القدّيسين والأنبياء

لو لم يتدخَّل الله بروحه، لكان قصده الأزليّ مكتومًا. ولكن الآن، بوحي روح الله للرسل والأنبياء يمكننا أن نعرف قلب الله!

6 وهُوَ أَنَّ الأُمَمَ هُم، في الـمَسِيحِ يَسُوع، شُرَكَاءُ لَنَا في الـمِيرَاثِ والـجَسَدِ والوَعْد، بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيل،
بعدما تكلَّم بولس على سرّ قصد الله أوضحه جليًّا: أصبح "الأمم شركاء في الميراث والجسد والوعد". هذه الامتيازات العظيمة لم تعد لليهود فقط. يمكن للأمم أن يكونوا أولاد الله وأعضاء جسد المسيح، وأن ينالوا كلَّ موعدٍ وعد به الله بالمسيح. كان بولس قد شرح ذلك قبلًا في الرسالة قائلًا بأنَّ الأمم قد أصبحوا شركاء، عندما مات يسوع على الصَّليب: "أنتم الَّذين كنتم من قبل بعيدين، صرتم بدم المسيح قريبين.... ويصالحهما مع الله، كليهما في جسدٍ واحدٍ، بالصَّليب، قاتلًا فيه العداوة بينهما..." (أف 2: 13، 16).عبارة "بواسطة الإنجيل" هي
 طريقة بولس للتأكيد على الكيفيَّة الَّتي أصبح بها الأمم شركاء مع الوارثين، عندما تمَّت الكرازة بالإنجيل للأمم واستجابوا له بطاعة الإيمان (راجع غل 3: 26-27)، وصاروا أعضاء متساوين مع اليهود الَّذين كانوا في المسيح يسوع.

7 ألَّذي صِرْتُ خَادِمًا لَهُ، بِحَسَبِ هِبَةِ نِعْمَةِ اللهِ الَّتي وُهِبَتْ لي بِفِعْلِ قُدْرَتِهِ؛
كان بولس يؤمن بأنَّ "نعمة الله" وُهبت له ليساهم في خلاص المسيح (راجع 1 طيم 1: 12-17)، وجعلته يكون ما أصبح عليه في المسيح (راجع 1 قور 15: 10)، وأن يكرز بالإنجيل (راجع غل 3: 2). النعمة الَّتي وُهبت لبولس غيَّرته، وحمَّلته الإنجيل، لتجعله "خادمًا" ورسولًا "بفعل قدرته (الله)". لم يصبح بولس رسولًا للأمم بقوَّته الخاصَّة، بل كان ذلك بقوَّة الله.
تكلَّم بولس قبلًا على قدرة الله بذكر قيامة المسيح من الأموات، ورفْعِه عن يمين الله، وجَعْله رأسًا للكنيسة (راجع أف 1: 19-23). بهذه القوَّة عينِها أصبح بولس "خادمًا" لله في الإنجيل.

8 لي أَنَا، أَصْغَرِ القِدِّيسِينَ جَمِيعًا، وُهِبَتْ هـذِهِ النِّعْمَة، وهِيَ أَنْ أُبَشِّرَ الأُمَمَ بِغِنَى الـمَسِيحِ الَّذي لا يُسْتَقْصى،
في الآيات 1-7 تكلَّم بولس على خدمته الشخصيَّة للأمم. وهنا في الآيات 8-13 يواصل هذه الفكرة مُخبرًا عن الكيفيَّة الَّتي أُعلنَت بها حكمة الله. عندما تكلَّم بولس على نفسه بأنّه "أصغر القدّيسين جميعًا" لم يكن يعبّر بذلك عن تواضعٍ مزيَّف، بل كان ذلك ما يشعر به حقًّا عن نفسه. ففي الرسالة الأولى إلى تلميذه طيموتاوس (راجع 1 طيم 1: 12-17) يشكر بولس يسوع المسيح على الرَّحمة والنّعمة والمحبَّة الَّتي أُظهِرَت نحوه، هو الَّذي يعتبر نفسه أوَّل الخطأة.

9 وأَنْ أُوضِحَ لِلجَمِيعِ مَا هُوَ تَدْبِيرُ السِّرِّ الـمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ في اللهِ الَّذي خَلَقَ كُلَّ شَيء،
كان بولس قد صلَّى في بداية الرسالة (راجع أف 1: 18) من أجل استنارة أهل أفسس. ويُظهر هنا أنَّ تلك الصَّلاة تُستجاب، من قِبَل الله بواسطة المهمَّة الَّتي أُسنِدَت إليه بنعمة الله، "لإيضاح ذلك السرِّ الَّذي كان مكتومًا منذ الدُّهور". 

10 لِكَي تُعْرَفَ الآنَ مِن خِلالِ الكَنِيسَة، لَدَى الرِّئَاسَاتِ والسَّلاطِينِ في السَّمَاوات، حِكْمَةُ اللهِ الـمُتَنَوِّعَة،
كان بولس قد أعطي مهمَّة إعلان قصد الله للأمم. ولكن في هذا النصّ، يُعلن بولس أنَّ رسالة الكنيسة كلّها هي إعلان هذا القصد. فهدف بولس إذًا أن يبشّر بين الأمم (أف 3: 8) وأن يتَّضح سرّ الله هذا (أف 3: 9) "لكي تُعرف الآن من خلال الكنيسة... حكمة الله المتنوّعة".
كلمة "متنوّعة" هنا هي ترجمة للكلمة اليونانيَّة polipoikilos والَّتي استُخدمَت هنا في هذه الآية فقط، في كلّ العهد الجديد، وتدلُّ عادةً على تنوُّع غنىً من الألوان في القماش أو الزُّهور أو النقوش. بمعنى أنَّ "حكمة الله" (أي تدبير السرّ الَّذي تكلَّم عليه بولس) قُدّمَت بطرائق متنوّعة وغنيَّة، إذ إنَّ الله أعلن هذا السرّ تدريجيًّا حتَّى أصبح وحيًا كاملًا.

11 بِحَسَبِ قَصْدِهِ الأَزَلِيِّ الَّذي حَقَّقَهُ في الـمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا،
تذكّرنا عبارة "قصده الأزليّ" بما سبق وعبَّر عنه بولس، عندما تكلَّم على المختارين في المسيح "قبل إنشاء العالم" (أف 1: 4). لـمَّح بولس أيضًا إلى طبيعة "قصد الله الأزليَّ" عندما قال: "السرّ المكتوم منذ الدهور في الله" (أف 3: 9).
قصد الله هذا الَّذي "تحقَّق في المسيح يسوع ربّنا" ينبغي أن تعلنه الكنيسة (أف 3: 10). ولكي تعلنه، هذا يعني أنَّ الكنيسة كانت في فكر الله منذ الأزل، وليست فكرة طارئة أو حدثًا عرضيًّا جاء في ما بعد. 

12 الَّذي لَنَا فيهِ، أَيْ بِالإِيْمَانِ بِهِ، الوُصُولُ بِجُرْأَةٍ وثِقَةٍ إِلى الله.
عندما ذكر بولس "قصد الله الأزليّ الَّذي حقَّقه في المسيح يسوع"، فكَّر حالًا بالامتيازات الَّتي أصبحت لليهود والأمم الَّذين كانوا في المسيح: "الجرأة والثقة". بما أنَّ الجميع في المسيح، فإنَّهم على يقين من أنَّه يجب عليهم ألَّا يخافوا أو يخجلوا من الله. 

13 لِذَلِكَ أَسْأَلُكُم أَنْ لا تَضْعُفَ عَزِيْمَتُكُم بِسَبَبِ الضِّيقَاتِ الَّتي أُعَانِيهَا مِنْ أَجْلِكُم: إِنَّهَا مَجْدٌ لَكُم!
يختتم بولس كلامه بكلمة تشجيعٍ. كان لا بدَّ من أن يشرح "تدبير السرّ"، بسبب الآلام الَّتي تحمَّلها من أجل تتميم خدمته، بما فيها سجنه في الوقت الَّذي كتب فيه هذه الرسالة إلى أهل أفسس. مهمَّة بولس، في إيصال الإنجيل إلى الأمم، جلبت له مشقَّات (راجع 2 قور 11: 23-28). لم يُرِد أن "تضعف عزيمة" أهل أفسس بسبب "الضيقات الَّتي كان يعانيها". لذلك، ذكَّر بولس جماعة أفسس بأنَّ آلامه كانت "مجدًا لهم".

خلاصة روحيَّة
حدَّثنا الرسول بولس، في رسالة هذا الأحد (أف 3: 1-13)، عن السرّ الَّذي مفاده أنَّ "الأمم هم، في المسيح يسوع، شركاء لنا في الميراث والجسد والوعد، بواسطة الإنجيل" (أف 3: 6). لم تكن علاقة اليهود مع الأمم في عصر الرسول علاقةً طيّبة، بل كانت تحكمها اعتباراتٌ ومنها الخوف والمصلحة؛ الخوف من الاختلاط بهم، لأنَّهم عبدة أوثان، وهذا ما جعل اليهود يشدّدون على مفهوم النجاسة الناجمة عن العلاقات اليوميَّة معهم، وصولًا إلى التشدُّد في مسائل تجنُّب الزواج بهم وما شابه. والمصلحة كانت في بناء علاقاتٍ تجاريَّة موقَّتة ومحدودة، أو في استرضائهم في أوان الاحتلال، من دون إخفاء مشاعرهم غير الوديَّة تجاههم، ولا سيَّما في ما يختصُّ بمسائل الطهارة والنجاسة.
لكن، مع تجسُّد الرَّبّ يسوع، ومع ما نقله الرسل من تعاليمه ومن لقاءاته مع الأمم، ومنهم المرأة الكنعانيَّة، الَّتي يتحدَّث عنها إنجيل هذا الأحد (متَّى 15: 21-28)، ومع توصية الرَّبّ يسوع الختاميَّة، في إنجيل متَّى، "إذهبوا إذًا فتلمذوا كلَّ الأمم" (متَّى 28: )، فهِمَت الكنيسة تدريجيًّا أنَّ رسالتها شاملة وليست محصورة بشعبٍ، أو ببلدٍ، أو بلغة.


تحميل المنشور