كَسر الكلمة -56- الأحد السادس بعد عيد الصليب

كَسر الكلمة -56- الأحد السادس بعد عيد الصليب

الأحد السَّادِس بعدَ عيدِ الصَّليب 
مثل الوزنات
(متّى 25/ 14-30)
14 يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَمَاوَاتِ رَجُلاً أَرَادَ السَفَر، فَدَعَا عَبِيدَهُ، وسَلَّمَهُم أَمْوَالَهُ.
15 فَأَعْطَى وَاحِدًا خَمْسَ وَزَنَات، وآخَرَ وَزْنَتَين، وآخَرَ وَزْنَةً وَاحِدَة، كُلاًّ عَلى قَدْرِ طَاقَتِهِ، وسَافَر.
16 وفي الحَالِ مَضَى الَّذي أَخَذَ الوَزَنَاتِ الخَمْس، وتَاجَرَ بِهَا فَرَبِحَ خَمْسَ وَزَنَاتٍ أُخْرَى.
17 وكَذلِكَ الَّذي أَخَذَ الوَزْنَتَينِ رَبِحَ وَزْنَتَينِ أُخْرَيَين.
18 أَمَّا الَّذي أَخَذَ الوَزْنَةَ الوَاحِدَةَ فَمَضَى وحَفَرَ في الأَرْض، وأَخْفَى فِضَّةَ سَيِّدِهِ.
19 وبَعْدَ زَمَانٍ طَويل، عَادَ سَيِّدُ أُولئِكَ العَبِيد، وحَاسَبَهُم.
20 ودَنَا الَّذي أَخَذَ الوَزَنَاتِ الخَمْس، فَقَدَّمَ خَمْسَ وَزَنَاتٍ أُخْرَى قَائِلاً: يَا سَيِّد، سَلَّمْتَنِي خَمْسَ وَزَنَات، وهذِهِ خَمْسُ وَزَنَاتٍ أُخْرَى قَدْ رَبِحْتُهَا!
21 قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: يَا لَكَ عَبْدًا صَالِحًا وأَمِينًا! كُنْتَ أَمِينًا على القَليل، سَأُقِيمُكَ على الكَثِير: أُدْخُلْ إِلى فَرَحِ سَيِّدِكَ!
22 ودَنَا الَّذي أَخَذَ الوَزْنَتَينِ فَقَال: يَا سَيِّد، سَلَّمْتَنِي وَزْنَتَين، وهَاتَانِ وَزْنَتَانِ أُخْرَيَانِ قَدْ رَبِحْتُهُمَا.
23 قَال لَهُ سَيِّدُهُ: يَا لَكَ عَبْدًا صَالِحًا وأَمينًا! كُنْتَ أَمينًا على القَليل، سَأُقِيْمُكَ على الكَثِير: أُدْخُلْ إِلى فَرَحِ سَيِّدِكَ!
24 ثُمَّ دَنَا الَّذي أَخَذَ الوَزْنَةَ الوَاحِدَةَ وقَال: يَا سَيِّد، عَرَفْتُكَ رَجُلاً قَاسِيًا، تَحْصُدُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَزْرَع، وتَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَبْذُر.
25 فَخِفْتُ وذَهَبْتُ وأَخْفَيْتُ وَزْنتَكَ في الأَرض، فَهَا هُوَ مَا لَكَ!
26 فَأَجَابَ سَيِّدُهُ وقَالَ لَهُ: يَا عَبْدًا شِرِّيرًا كَسْلان، عَرَفْتَ أَنِّي أَحْصُدُ مِنْ حَيْثُ لَمْ أَزْرَع، وأَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ أَبْذُر،
27 فَكَانَ عَلَيْكَ أَنْ تَضَعَ فِضَّتِي عَلى طَاوِلَةِ الصَيَارِفَة، حَتَّى إِذَا عُدْتُ، أَسْتَرْجِعُ مَا لِي مَعَ فَائِدَتِهِ.
28 فَخُذُوا مِنْهُ الوَزْنَةَ وَأَعْطُوهَا لِمَنْ لَهُ الوَزَنَاتُ العَشْر.
29 فَكُلُّ مَنْ لَهُ يُعْطَى ويُزَاد، ومَنْ لَيْسَ لَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ حَتَّى مَا هُوَ لَهُ.
30 وهذَا العَبْدُ الَّذي لا نَفْعَ مِنْهُ أَخْرِجُوهُ وأَلْقُوهُ في الظُلْمَةِ البَرَّانِيَّة. هُنَاكَ يَكُونُ البُكَاءُ وصَرِيفُ الأَسْنَان

مُقَدِّمَة
مَعَ مَثَلِ الوَزَنَاتِ، تَدْعُونَا ليتُورْجِيَّتُنَا الـمَارُونِيَّةُ لِلتَّعَرُّفِ عَلَى كَرَمِ اللهِ وَمَحَبَّتِهِ اللاَّمُتَنَاهِيَةِ لَنَا. هُوَ يَعْلَمُ بِضُعْفِنَا وَبِطَبِيعَتِنَا الإِنْسَانِيَّةِ الهَشَّة وَالـمُتَقَلِّبَة، وَلَكِنْ هَذَا لا يُؤَثِّرُ عَلَى مَحَبَّتِهِ لَنَا، بَلْ يُشَجِّعَنَا، يَعْضُدَنَا، يَثِقُ بِنَا وَيَغْمُرَنَا بِنِعَمِهِ. مَاذَا نَفْعَلُ نَحْنُ بِالـمُقَابِلِ، لِنُظْهِرَ لَهُ مَحَبَّتَنَا وَإِكْرامَنَا؟ هَذا الـمَثَلُ يُقَدِّمُ لَنَا صُورَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ عن عَلاقَةِ العَبيدِ بِسَيِّدِهِم، فَأَيَّةَ صُورَةٍ تُشْبِهُ عَلاقَتَنا بِالرَّبِّ يَسُوعَ سَيِّدِنَا؟ 

تَفْسيرُ الآيات
14 يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَمَاوَاتِ رَجُلاً أَرَادَ السَفَر، فَدَعَا عَبِيدَهُ، وسَلَّمَهُم أَمْوَالَهُ.
15 فَأَعْطَى وَاحِدًا خَمْسَ وَزَنَات، وآخَرَ وَزْنَتَين، وآخَرَ وَزْنَةً وَاحِدَة، كُلاًّ عَلى قَدْرِ طَاقَتِهِ، وسَافَر.

الآيَتَانِ الأُولتان تُقَّدِّمَانِ لَنا وَصْفًا مُوجَزًا عَنِ الـمَوضُوع الَّذي يَدُورُ حَولَهُ هَذا الـمَثَل. أَلأَشْخَاصُ هُم: رَجُلٌ وَعَبِيدُهُ الثَلاثَةُ. أَلرَّجُلُ هُوَ تَاجِرٌ غَنِيٌّ، مِعْطَاءٌ وَكَرِيمٌ، يَحْتَرِمُ عَبِيدَهُ وَيَثِقُ بِهِم كَأَبْنَاءٍ لَهُ، فَيَأْتَمِنَهُم عَلى كُلِّ أَموالِهِ. وَأَيْضًا، عَلاقَةُ هَذا السَّيِّدُ بِعَبِيدِهِ تَتَخَطَّى الأَوامِرَ وَالسُّلْطَةَ، إِذ هِيَ عَلاقَةُ مَعْرِفَةٍ عَمِيقَةٍ، فَهُوَ يَعْرِفُ قُدُرَاتِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم، فَوَزَّعَ أَمْوَالَهُ عَلَيْهِم "بِالتَّسَاوِي" لِكَي يُتَاجِرُوا بِهَا فِي غِيَابِهِ. عَامَلَهُم بِالـمُسَاوَاةِ وَالعَدْلِ وَلَم يُمَيِّزُ بَيْنَهُم، إِذ يَقُولُ النَّصُّ "كُلاًّ عَلى قَدْرِ طَاقَتِهِ". فَالقَادِرُ أَن يُتَاجِرَ بِخَمْسِ وَزَناتٍ أَعْطَاهُ خَمْسًا، فَلَو أَعْطَاهُ أَقَلَّ مِنْ طَاقَتِهِ لَكَانَ غَيْرَ عَادِلٍ (لِلْتَّوْضِيح: الَّذي لَم يَتَعَلَّم قَطُّ التِّجَارَةَ لا يَسْتَلِمُ مَهَامَ الشَّخْصِ الـمُتَخَصِّصِ بِالتِّجَارَة). وَسَافَرَ هَذا السَّيِّدُ تَارِكًا أَمْوالَهُ وَكُلَّ مَا لَهُ بَيْنَ يَدَي عَبِيدِهِ، لِيَقُومُوا هُم بِعَمَلِ سَيِّدِهِم أَيْ بِالتِّجَارَةِ بِالوَزَنَات.         

16 وفي الحَالِ مَضَى الَّذي أَخَذَ الوَزَنَاتِ الخَمْس، وتَاجَرَ بِهَا فَرَبِحَ خَمْسَ وَزَنَاتٍ أُخْرَى.
17 وكَذلِكَ الَّذي أَخَذَ الوَزْنَتَينِ رَبِحَ وَزْنَتَينِ أُخْرَيَين.
18 أَمَّا الَّذي أَخَذَ الوَزْنَةَ الوَاحِدَةَ فَمَضَى وحَفَرَ في الأَرْض، وأَخْفَى فِضَّةَ سَيِّدِهِ.

في هَذِهِ الآيَاتِ، يُخْبِرُنَا الإِنْجِيلِيُّ مَتَّى عَن تِجَارَةِ كُلِّ عَبْدٍ بِوَزَنَاتِ سَيِّدِهِ. فَالعَبْدَانِ الأَوَّلانِ ذَهَبَا "حَالاً" وَابْتَدَآ بِالعَمَلِ فَأَثْمَرَت تِجَارَتَهُمَا. أَمَّا العَبْدُ الثَّالِثُ فَطَمَرَ وَزْنَةَ سَيِّدِهِ تَحْتَ الأَرْضِ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَبْدٌ كَسْلانٌ، لا رَغْبَةَ لَهُ بِالعَمَل. تَصَرُّفَهُ هَذا يُظْهِرُ كَرَمَ سَيِّدِهِ لَهُ، وَهُوَ الَّذي رُغْمَ عِلْمِهِ بِكَسَلِ عَبْدِهِ هَذا، أَعْطَاهُ وَزْنَةً واحِدَةً فَعَامَلَهُ بِالتَّسَاوِي مَعَ الآخَرِين. فَوَثِقَ بِهِ كَمَا وَثِقَ بِالآخَرَيْنِ، بِأَنَّهُم قَادِرونَ جَميعًا عَلى التِّجَارَةِ. وَالوَزْنَةُ هي صَفيحةٌ مِنَ الفِضَّةِ (أَو الذَّهَبْ) تُسَاوِي قِيمَتُها سِتَّةَ آلاَفِ دِينَارٍ، وَالدِّينَارُ يُوَازِي أُجْرَةَ عَامِلٍ فِي النَّهَارِ.
فَمَنْ هُوَ إِذًا هَذا الرَّجُلُ الغَنِيُّ وَالأَكْرَمُ مِن كُلِّ أَسْيَادِ العَالَم؟ مَنْ هُوَ هَذا السَّيِّدُ الشَّرِيفُ الَّذي لا يَبْخُلُ بِعَطَايَاهُ، حَتَّى عَلى الَّذِينَ لا يَسْتَثْمِرُونَها؟ هَذا الـمَثَلُ يُخْبِرُنا عَنْ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ: فَالرَّجُلُ يُمَثِّلُ صُورَةَ اللهِ الآب، وَالعَبِيدُ هُم نَحْنُ أَبْنَاؤهُ، وَالوَزَنَاتُ تُمَثِّلُ نِعَمَ اللهِ الغَزيرَةِ عَلَى كُلِّ إِنْسَان إِذِ اللهُ أَعْطَى لِجَميعِنَا كُلَّ شَيءٍ، أَعْطَانا مَحَبَّتَهُ اللاَّمُتَنَاهِيَة، وَهَبَنا مَلَكْوتَهُ وَجَعَلَنا عَلى صُورَتِهِ وَمِثَالِهِ.

19 وبَعْدَ زَمَانٍ طَويل، عَادَ سَيِّدُ أُولئِكَ العَبِيد، وحَاسَبَهُم.
20 ودَنَا الَّذي أَخَذَ الوَزَنَاتِ الخَمْس، فَقَدَّمَ خَمْسَ وَزَنَاتٍ أُخْرَى قَائِلاً: يَا سَيِّد، سَلَّمْتَنِي خَمْسَ وَزَنَات، وهذِهِ خَمْسُ وَزَنَاتٍ أُخْرَى قَدْ رَبِحْتُهَا!
21 قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: يَا لَكَ عَبْدًا صَالِحًا وأَمِينًا! كُنْتَ أَمِينًا على القَليل، سَأُقِيمُكَ على الكَثِير: أُدْخُلْ إِلى فَرَحِ سَيِّدِكَ!
22 ودَنَا الَّذي أَخَذَ الوَزْنَتَينِ فَقَال: يَا سَيِّد، سَلَّمْتَنِي وَزْنَتَين، وهَاتَانِ وَزْنَتَانِ أُخْرَيَانِ قَدْ رَبِحْتُهُمَا.
23 قَال لَهُ سَيِّدُهُ: يَا لَكَ عَبْدًا صَالِحًا وأَمينًا! كُنْتَ أَمينًا على القَليل، سَأُقِيْمُكَ على الكَثِير: أُدْخُلْ إِلى فَرَحِ سَيِّدِكَ!

غِيَابُ السَّيِّدِ دَامَ لِفَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ مِنَ الزَّمَن، لَكِنَّهُ في النِّهَايَةِ عَادَ وَطَلَبَ حِسَابًا عَمَّا فَعَلَ عَبِيدَهُ الثَّلاثَةُ بِالوَزَنَاتِ. أَلعَبْدَانِ اللَّذانِ تَاجَرا وَرَبِحَا، تَقَدَّما إِلى سَيِّدِهِمَا بِثِقَةٍ وَبِأَكُفٍّ مَلأَى بِثَمَرِ تِجَارَتِهِمَا. فَجَاءَتْ مُكَافَأَتَهُمَا عَلَى مُسْتَوَى كَرَمِ سَيِّدِهِما وَأَكْثَرَ بِكَثِيرٍ مِمَّا كَانَا يَتَوَقَّعَان. فَبِالإِضَافَة إِلَى التَّهْنِئَةِ عَلى صَلاحِهِمَا وَأَمانَتِهِمَا عَلى الـمَالِ وَالوَعْدُ بِمِيرَاثٍ كَثيرٍ، نَالاَ أَيْضًا مُكَافَأَةَ الدُّخُولِ إِلى فَرَحِ السَّيِّدِ، مَا يَعْنِي مُشَارَكَتِهِ في مُلْكِهِ وَخَيْرَاتِهِ، كَجِزْءٍ مِنْ عَائِلَتِهِ. باخْتِصَارٍ، هَذَانِ العَبْدَانِ الصَّالِحَانِ أَصْبَحَا أَبْنَاءً. وَلِـمَرَّةٍ جَدِيدَةٍ، يَظْهَرُ كَرَمُ هَذا الرَّجُلُ وَعَطَاءَهُ اللاَّمَحْدُود، إِذ لَم يَسْتَغِلَّ تَعَبَ عَبْدَيْهِ لِـمَصْلَحَتِهِ الشَّخْصِيَّةِ وَلَم يَسْتَرِدَّ أَمْوالَهُ، بَل تَرَكَ لَهُمَا كُلَّ الرِّبْح وَأَضَافَهُمَا في مَلَكُوتِهِ وَنَعِيمِهِ كَأَبْنَاءٍ يُشَارِكُونَهُ الميرَاثَ.
أَلرَّبُّ صَعِدَ إِلى السَّمَاءِ تَارِكًا بَينَ أَيْدِينَا نِعَمَهُ وَعَطَايَاهُ وَأَثْمَنَ مَا لَدَيْهِ، ذَاتَهُ في القُرْبَانِ. وَمَهْمَا أَطَالَ في العَوْدَةِ، فَفِي النِّهَايَةِ سَيَعُودُ وَيُطَالِبُنَا، وَكُلُّ واحِدٍ سَيُحَاسِبُ نَفْسَهُ بِذَاتِهِ. فَإِذا كَانَتْ تِجَارَتُهُ رَابِحَةً سَيَتَقَدَّمُ بِثِقَةٍ وَيَنَالُ مُكَافَأَةَ الدُّخولِ إِلى الـمَلَكُوتِ وَمُشَارَكَةِ الرَّبِّ بِالفَرَحِ الأَبَدِيِّ.

24 ثُمَّ دَنَا الَّذي أَخَذَ الوَزْنَةَ الوَاحِدَةَ وقَال: يَا سَيِّد، عَرَفْتُكَ رَجُلاً قَاسِيًا، تَحْصُدُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَزْرَع، وتَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَبْذُر.
25 فَخِفْتُ وذَهَبْتُ وأَخْفَيْتُ وَزْنتَكَ في الأَرض، فَهَا هُوَ مَا لَكَ!

مَعَ وِجْهَةِ نَظَرِ العَبْدِ الثَّالِثِ الكَسْلانِ، تَتَشَوَّهُ صُورَةُ السَّيِّدِ صَاحِبِ الوَزَنَاتِ. هَذا العَبْدُ يَصِفُ سَيِّدَهُ بِالرَّجُلِ القَاسِي الأَنَانِيِّ الَّذي يَسْتَغِلُّ أَتْعَابَ الآخَرِينَ لِـمَصْلَحَتِهِ الشَّخْصِيَّةِ. لَقَدْ صَوَّرَ سَيِّدَهُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ جَاعِلاً مِنْهُ طَاغِيَةً وَمُسْتَبِدًّا. فَغَرِقَ في أَفْكَارِهِ السَّلْبِيَّةِ هَذِهِ وَسَيْطَرَ عَلَيْهِ الرُّعْبُ وَالخَوْفُ، فَكَانَ قَرَارُهُ، عُصْيَانَ أَمْرِ سَيِّدِهِ وَالتَّـمَرُّدَ عَلَيْه. يَدْعُونَا هَذا العَبْدُ، صَاحِبُ الوَزْنَةِ، لِلْتَّسَاؤُل: مَا الأَمْرُ الَّذي جَعَلَهُ يُصَوِّرُ سَيِّدَهُ بِهَذِهِ الصُّورَةٍ السَّلْبِيَّةِ فِي ذِهْنِهِ؟ لِـمَاذَا العَبْدَانِ الأَوَّلاَنِ لَمْ يَرَيَا سَيِّدَهُمَا كَسَّيِّدٍ مُسْتَبِدٍّ؟ مُنْذُ بِدَايَةِ النَّصّ حَتَّى الآيَةِ 23، كُلُّ مَا قِيلَ عَنْ سَيِّدِ هَؤُلاَءِ العَبِيدِ يَخْتَلِفُ تَمَامًا عَنْ الوَصْفِ الَّذي أَعْطَاهُ العَبْدُ الكَسْلاَنُ. فَمَاذَا يَرِيدُ الإِنْجِيلِيُّ مَتَّى أَنْ يُحَذِّرَنَا مِنْ مَثالِ العَبْدِ الكَسْلاَنِ هَذا؟ لِنَنْتَبِهْ مِنْ أَحْكَامِنَا عَلَى الآخَرِين! لِنَنْتَبِهْ مِنَ "الكَسَل" الَّذي يُشَوِّهُ الحَقيقَةَ وَيَجْعَلُنا نَغْرَقُ في ظُلْمَةِ الأَفْكَار!
يَقُولُ العَبْد: "يا سَيِّد، عَرَفْتُكَ رَجُلاً قَاسِيًا"، بِاسْتِعْمَالِهِ صِيغَةَ الأَنَا "عَرَفْتُكَ" يُعَبِّرُ هذَا العَبْدُ عَن وِجْهَةِ نَظَرِهِ الخَاصَّة،  كَاشِفًا عَمّا في دَاخِلِهِ مِن أَفْكَارٍ سَوْدَاوِيَّةٍ وَمَشَاعِرِ رَفْضٍ يَكُنُّهَا لِسَيِّدِهِ. إِنَّ هَذا العَبْدَ قَد عَبَّرَ بِصِدْقٍ عَن مُحْتَوَى قَلْبِهِ الخَبِيثِ. وَلَكِن، أَمَّا يَدْعُو تَصَرُّفَهُ لِلْغَرَابَة؟ فَكُلُّ زَمَنِ مُكُوثِهِ مَعَ سَيِّدِهِ، لَم يَكْتَشِفْ أَنَّهُ يَغْرَقُ كُلَّ مَرَّةٍ، أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ في أَفْكَارِهِ السَّوْدَاوِيَّةِ وَالخَاطِئَة؟ وَكَرَمُ سَيِّدِهِ لَهُ وَثِقَتُهُ بِهِ لِيَتَصَرَّفَ بِأَمْوالِهِ وَالـمُعَامَلَةُ الطَّيِّبَةُ، كُلُّهُم، لَم يَسْتَطِيعُوا خَرْقَ أَفْكَارِهِ الخَاطِئَةِ وَالظُّلْمَةِ الَّتي يَعِيشُ فيهَا؟ بَيْدَ أَنَّ هَذِهِ هِيَ ثِمَارُ الكَسَل، أَي الغَرَقُ في ظُلْمَةِ الأَنانِيَّة.
"فَهَا هُوَ مَا لَكَ": بِهَذِهِ العِبَارَةُ أَدَّى العَبْدُ الكَسْلاَنُ حِسَابَهُ لِسَيِّدِهِ، بَعْدَمَا شَوَّهَ صُورَتَهُ بِالكَامِل. عِبَارَةٌ تُعَبِّرُ عَنْ رَفْضٍ تَامٍّ لِأَيَّةِ صِلَةٍ مَعَ سَيِّدِهِ، مُفْتَكِرًا أَنَّهُ بِفِعْلِهِ هَذا يُبَرِّرُ كَسَلَهُ وَيَنْجُو مِنَ العِقَاب.

26 فَأَجَابَ سَيِّدُهُ وقَالَ لَهُ: يَا عَبْدًا شِرِّيرًا كَسْلان، عَرَفْتَ أَنِّي أَحْصُدُ مِنْ حَيْثُ لَمْ أَزْرَع، وأَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ أَبْذُر،
27 فَكَانَ عَلَيْكَ أَنْ تَضَعَ فِضَّتِي عَلى طَاوِلَةِ الصَيَارِفَة، حَتَّى إِذَا عُدْتُ، أَسْتَرْجِعُ مَا لِي مَعَ فَائِدَتِهِ.

نُلاَحِظُ أَنَّ جَوَابَ السَّيِّدِ يَبْدَأُ بِعِبَارَاتِ العَبْدِ الكَسْلاَن " تَحْصُدُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَزْرَعْ، وتَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَبْذُرْ"، مَعَ أَنَّهَا لا تَـمُتُّ بِأَيِّةِ صِلَةٍ إلى حَقيقَتِهِ كَسَيِّدٍ كَرِيمٍ صَالِحٍ وَمِعْطَاءٍ شَرِيف. وَلَكِنَّهُ اسْتَعْـمَلَ كَلِمَاتِ العَبْدِ لِيَقُولَ لَهُ بِعِبَاراتٍ أُخْرَى: "أَقْبَلُ بِالطَّرِيقَةِ الَّتي عَرَّفْتَنِي بِها أَنَّني أَحْصُدُ مِنْ حَيْثُ لَمْ أَزْرَعْ، وأَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ أَبْذُرْ، رُبَّمَا تَصَرَّفْتُ هَكَذا وَهَذا لَيْسَ مِنْ شَأْنِكَ. وَلَكِنْ، هَذا لَيْسَ بِالأَمْرِ الـمُهِمِّ وَلَنْ أُحَاسِبَكَ عَلَيْه، بَلْ أُحَاسِبُكَ عَلى كَوْنِكَ عَبْدًا كَسُولاً، لَمْ تُحَاوِلْ التِّجَارَةَ وَلَوْ بِوَزْنَةٍ وَاحِدَة. لَقَد عَامَلْتُكَ بِثِقَةِ الآبَاءِ بِبَنِيهِم وَلَكِنَّكَ طَمَرْتَ ثِقَتِي بِكَ تَحْتَ التُّرابِ في الظُّلْمَةِ، فَأَظْهَرْتَ أَنَّكَ عَبْدٌ كَسْلانٌ وَشِرِّيرٌ". وَيُكْمِلُ السَّيِّدُ جَوابَهُ، مُبَيِّنًا لِلعَبْدِ الكَسْلانِ الطَّرِيقَةَ الَّتي كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَن يُتَاجِرَ بِهَا، لِكَي لا يَتْعَبَ هُوَ مِنْ أَجْلِ سَيِّدِهِ، بَلْ يَتْرُكُ الـمَهَمَّةَ لِلصَّيَارِفَةِ لِتَحْصِيلِ أَرْبَاحِ الوَزْنَةِ. وَهَكَذَا، يَكُونُ قَدْ خَلَّصَ نَفْسَهُ مِن تَأْنِيبِ الضَّمِيرِ وَلا يَكُونُ مُشَارِكًا بِخِدْمَةِ سَيِّدٍ مُسْتَبِدٍّ يَغْتَنِي عَلى حِسَابِ الآخَرِين.

28 فَخُذُوا مِنْهُ الوَزْنَةَ وَأَعْطُوهَا لِمَنْ لَهُ الوَزَنَاتُ العَشْر.
29 فَكُلُّ مَنْ لَهُ يُعْطَى ويُزَاد، ومَنْ لَيْسَ لَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ حَتَّى مَا هُوَ لَهُ.
30 وهذَا العَبْدُ الَّذي لا نَفْعَ مِنْهُ أَخْرِجُوهُ وأَلْقُوهُ في الظُلْمَةِ البَرَّانِيَّة. هُنَاكَ يَكُونُ البُكَاءُ وصَرِيفُ الأَسْنَان.

بَعْدَ تَتْمِيمِ الحِسَاب مَعَ العَبْدِ الكَسْلاَن، يَصْدُرُ الحُكْمُ عَلَيْه. أَصْدِقَاؤُهُ في الخِدْمَةِ نَالاَ الـمُكَافَآتِ وَالـمَواعِيدَ لِأَجْلِ تِجَارَتِهِمَا الرَّابِحَة وَهَا هُمَا يَتَنَعَّمَانِ بِفَرَحِ سَيِّدِهِمَا، أَمَّا العَبْدُ الكَسْلاَنُ فَتُؤْخَذُ مِنْهُ الوَزْنَةُ وَيُلْقَى به في الظُّلْمَةِ الأَبَدِيَّةِ. مَا أَقْسَى العِبَارَةَ الَّتي يُوصَفُ بِهَا العَبْدُ الكَسْلانُ: "هذَا العَبْدُ الَّذي لا نَفْعَ مِنْهُ"! فَحَتَّى الَّذي يَـمْلِكُهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ لِيُصْبِحَ عُرْيَانًا أَيْضًا مِنْ نِعْمَةِ اللهِ، لِأَنَّهُ لَم يُجَاهِد قَطُّ لِلحِفَاظِ عَلَيْهَا بَل اسْتَسْلَمَ لِلكَسَلِ وَالخُمُول القَاتِلَينِ.

خُلاصَة روحِيَّة
أَلكَسَلُ آفَةٌ خَطِيرَةٌ عَلى الـمُجْتَمَعَاتِ وَعَلى الحَياةِ الرُّوحِيَّةِ، لِأَنَّها بَابٌ مَفْتُوحٌ لِلرَّذَائِلِ عَلى أَنْواعِها. ألإِنْسَانُ الكَسْلانُ مُعَرَّضٌ لِلغَرَقِ في أَنانِيَّتِهِ وَكِبْرِيائِهِ وَهُوَ إِنسَانٌ مَائِتٌ لا حَيَاةَ فيهِ، تَسْكُنُهُ الظُّلْمَةُ وَالظُّلْمَةُ هيَ نُورُهُ. نُلاَحِظُ كَيْفَ تَصَرَّفَ العَبْدُ الكَسْلاَنُ بِفِضَّةِ سَيِّدِهِ "حَفَرَ في الأَرْضِ وَأَخْفَاهَا"، لَقَد وَضَعَهَا في الظُّلْمَةِ حَيْثُ تَفْقِدُ قِيمَتَهَا وَتَبْقَى عَقِيمَةً لاَ فَائِدَةَ مِنْهَا. كَمَا نُلاَحِظُ أَفْكَارَهُ تُجَاهَ سَيِّدِهِ، فَقَد صَوَّرَهُ كَسَيِّدٍ مُسْتَبِدٍّ وَظَالِمٍ. أَلْكَسَلُ يُعْمِي البَصيرَةَ عَنِ الحَقيقَةِ، فَيُصْبِحَ الإِنْسَانُ فَريسَةَ الخِدَاعِ وَالأَوْهَام. فَالكَسْلاَنُ لا يُمْكِنُهُ أَنْ يَدْخُلَ الـمَلَكُوتَ بِسَبَبِ أَفْكَارِهِ الخَاطِئَة وَنُكْرَانَهُ لِلحَقيقَة.
وَنَحْنُ، مَاذا نَفْعَلُ بِنِعَمِ اللهِ وَعَطَايَاهُ؟ هَلْ الخَوفُ يُفْقِدَنَا الثِّقَةَ بِقُدُرَاتِنا وَبِـمَواهِبِ الرُّوحِ القُدُس الَّذي يَعمَلُ فينَا، فَنَطْـمِرَ وَزَناتِنا في الظُّلْمَة؟ أَلتِّجَارَةُ فَنٌّ كَمَا أَنَّ الحَيَاةَ فَنٌّ؛ فيهِ تَشْتَرِكُ الـمُغَامَرَةُ وَالشَّجَاعَةُ وَالرَّغْبَةُ بِالحَياةِ نَفْسِهَا. أَمَّا الكَسَلُ فَهُوَ سُمٌّ قَاتِلٌ يَتَغَلْغَلُ في الحَيَاةِ وَيَنْشُرُ فيها الـمَخَاوِفَ وَالظُّلْمَةَ وَالـمَوتَ.


تحميل المنشور