المشروع الكهنوتي للخوري إدي أبي يونس

المشروع الكهنوتي للخوري إدي أبي يونس

"عَبِيدًا لَكُمْ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ" (2 كور 4/ 5)
إِنّي قد وصلْتُ بِنعمةِ اللهِ إِلى عتبةِ سيامتي الكهنوتية؛ لذا سأُقدِّمُ لسيادتِكُم المشروع الكهنوتي الَّذي يُعبِّرُ عن رَغبتي وَنظرتي لِلحياةِ المكرسةِ في الخدمةِ الكهنوتيَّةِ الَّتي تنتظرُني.
لَفتني اختياركم يا صاحبَ السِّيادةِ عبارةَ "الحلم الكهنوتيّ" عند طَلبكم منَّا كتابة هذه الأَسطر، لأَنّ هذه العبارة تعكِسُ رغبةً عميقةً في داخلي. فلا تصبحُ هذه الرَّغبة مَشروعةً ولا تُتَرجمُ مشروعًا إِلّا لأَنَّها متجذِّرة في رغبةِ الله وَمشيئته لي الَّتي أُميِّزها مع الكنيسة عبر شَخصِكُم.
هذا الحُلم – المَشروع - أُلخِّصُهُ بعباراتٍ ثلاث : حلمي أَن أَكونَ خادمًا مصغيا، حلمي أَن أَكون خادمًا فقيرًا، حلمي أَن أَكون خادمًا يُصلّي. 

1- حلمي أَن أَكون خادمًا مصغيًا:
"فقال الرَّبُّ لموسى نظرتُ إِلى مُعاناة شعبي الَّذين في مصر، وَسمعتُ صُراخهم من ظُلم مُسخّريهم وعلمتُ بعذابهم، فنزلتُ لأُنقذهم ."(خر 3 : 7)
تَتجلى رَحمة الله بِسماعِهِ صُراخنا وَانحناءه علينا، بِأنبياءٍ وَقضاةٍ وَشريعةٍ "وفي مِلءِ الزَّمنِ بابنه الوحيد"(عب 1:1). وَأَنا المدعو إِلى الكهنوت الخدميّ، على مثال الكاهن الأَوحد يسوع المسيح، أَسمع الرَّب يدعوني لأَكون تجلِّيًا لِرحمته من خلال تكريس خدمتي للإصغاء لشعبه، اصغاءً فعّالًا فأَكونُ حاضرًا في رعيَّتي مُتفرِّغًا لها، عارِفًا بمعاناةِ إِخوتي وَأَخواتي، عالمًا بعذاباتِ أَبنائي وَبناتي، فرحًا لِفرحهم وَباكيًا لبكائهم (رو 12 : 15). حِلمي أَن أَعيشَ الإِخلاء الكلّي (kénose) لأَنزل إِلى واقع شعبي كما نزل الرَّبُ إِلى واقعنا وأَرضنا وَاتَّخَذَ جَسدنا. سأَسعى لأَكون علامةً لِحضورِ الرَّب ورحمتِهِ وَسْطَ شعبي. حِلمي أَن أَكون الفقيرَ بينَ الفُقراءِ، المرافقَ المصغي في الإِرشاد، الكاهنَ الرحوم في سرِّ التَّوبة، النَّبي الَّذي يُعلنُ كلمةَ اللهِ فَيجعلها الكلمة الأَقوى وَسْطَ الشَّعبِ. 

2- حِلمي أَن أَكونَ خادمًا فقيرًا:
الفقر الكهنوتيّ هو أَوَّلاً فُقرٌ روحيٌّ لا افتقارٌ، أَيّ التَّجرُّد من كلِّ شيء وَالتَّعلُّق باللهِ وحدِهِ وطلب مشيئته ساعيًا للتَّحَرُّرِ من مَنطقِ العالمِ وَمكاسِبِهِ وَغنائمِهِ، كانِزًا كُنوزي حيثُ لا يفسد سوس (مت 6 : 20). مِثالي في هذا الفَقرِ هو المسيح الَّذي أَخلى ذاتَه "وَافتقر لِأَجلنا وَهو الغنيُّ لنغتني بهِ وَنحن فقراءُ" (2 كور 8 : 9)، عندها يتحوَّلُ فَقري الرُّوحيّ إِلى الله وعطشي إِليه غِنىً وَغذاءً لي وَللمؤمنينَ الَّذين سأُؤتَمَنُ عليهم.
ثانيًا: الفقر الرُّوحيّ سيعطِني الشَّجاعة وَيكون حافزًا لي كي أَعيش الفقر الماديّ الاختياريّ تضامُنًا مع إِخوة يسوع الصِّغار. فيصبِحَ كلّ ما هو لي عطيَّةٌ مجَّانيَّةٌ منَ الله، وَمِمَّا لهُ أُقدِّم لهُ، كالسَّامريّ الصّالح، عبر انحنائي على كلِّ عطشانٍ وَمريضٍ وَسجينٍ لأَنّ كلّ ما أَفعله لأَحد هؤلاء الصِّغار فلَهُ أَفعله.(مت 25) 

3- حلمي أَن أَكون خادمًا يُصلّي:
لعلَّ التَّجربة الأَصعب هي الاعتداد بالنَّفس وَخوض غِمار الخِدمةِ الكهنوتيَّة مُتَّكِلاً على قواي الشَّخصية عندها سأُحْبَطُ وسأسْقُطُ لا مَحال. لذلك إِن كُنتُ أَحسَبُ نفسي قادرًا على الإصغاء للناسِ وَالحضورِ أَمامهم وتعزيتهم فهو لأَنّني سأَكونُ دومًا حاضرًا أَمامَ الرَّبِّ، أَلتمس وجهَهُ، أُصغي إِلى كلمتِهِ،أَسجُدُ أَمام القربانِ وَأَتغذّى مِنه، وَأَتعزّى بِحضورِ الرُّوح القدس. وَإُن كنتُ أَحسَب نفسي قادرًا على الوقوف جانب المهمّشين وَالمتأَلِّمين، فهو لأَنَّ "الرَّب صخرتي وَمُنقذي وَحِصني" (مز 18 : 2)، "عَصاهُ وَعكازهُ يعزِّيانني" (مز 23 : 4).
صلاتي أيضًا هي صلاةٌ عقليَّةٌ قِوامها القِراءات الرُّوحيَّة وَالَّلاهوتيَّة وَالتَّنشئة المُستدامة الَّتي مِن خلالها سأُقدِّمُ كامل شخصي، عقلًا وَقلبًا، روحًا وَجسدًا ذبيحةً حيَّةً ( رو 12 : 1).
بغيتي الوحيدة أَن أُرضي الله وَأَن أُكرِّسَ لَهُ ذاتي وَيتكون فيَّ فكرُ المسيح وَمشاعرِهِ (فل 2 : 5).    

ختامًا، وَقد اخترت شعارًا لخدمتي الكهنوتيَّة هذه الآية " عَبِيدًا لَكُمْ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ." (2 كور 4 : 5) أَراها ترسًا لي في وجه تجربةٍ تنتظرني وهي السَّعي لإِرضاء النَّاس لا الرَّب. لذا أَصرَّيتُ على التَّرجمة الحرفيَّة "عبيدًا" لأَتذكَّر دائمًا بأَنّني "عبدًا باطًلا لا نفع لي" (لو 17 : 10)، وأَنَّ خدمتي ستتطلَّبُ منِّي عدم المساومة لإِرضاء النَّاس. لن أُساوم حتَّى وَلو أَدَّى ذلك إِلى إِحزان شعبي لحين فلن أَندم إِن كان حزنهم سيؤول بهم للتَّوبة (2 كور 7 : 8) وَإِلى العودةِ إِلى حضنِ الكنيسة وَمعرفةِ ربَّنا، فكلُّ ما سأَعمَلهُ هو "مِن أَجلِ يسوع" "الَّذي بِهِ نحيا وَنوجدُ وَنتحرَّكُ"(اع 17 : 28).   
إِنّي وَإذ أَضع بينَ يديكُم هذا الكتاب أَسأَلَكم أَن تُصلّوا من أَجلي لأَثبُت في مَقاصدي وَأَكون أَمينًا لهذا الحُلم وَلخدمتي الكهنوتيَّة. كما وَأَطلب منكم أَن تكونوا لي الصَّوت الصَّارخ الَّذي سيدعوني دومًا للتَّوبة إِذا ما أهملتُ خِدمتي وَالأَبُ السَّاهرُ على أَن تكونَ كلُّ لحظةٍ مِن حياتي لِتمجيدِ الثَّالوثِ الأَقدسِ وَلِبنيانِ الكنيسة.