معركة الزّواج

معركة الزّواج

الالتزام في الزّواج هو معركةٌ يوميّةٌ يعيشها الشّريكان، يحاربان فيها كلَّ ما يُفسد وحدة الحبّ بينهما ويزعزع أساساته. وهذه المعركة ليست معركةَ لحمٍ ودم، بل معركةٌ داخليّةٌ وروحيّةٌ، يخوضها الزّوجان بالخفاء من دون أن يراها العالم الخارجيّ. تتطلّب هذه المعركة محاربة الأفكار السّامّة الّتي يزرعها النّاس في عقلنا، كالزّؤان بين القمح، من أفكارِ شكٍ وغيرةٍ وحسد، وأفكارٍ خاليةٍ من كلِّ تقديرٍ وتشجيعٍ تقودنا إلى تحطيم الآخر والحكم عليه. تلك هي الأفكار الّتي ينبغي على الزّوجين محاربتها كيلا تُظلم حياتهما لأنّه وبحسب قول الرّبّ يسوع المسيح: "إذا كان النّور الموجود فيك ظلامًا، فيا له من ظلام" (متّى 6، 23). 

وكما يجب على كلّ محاربٍ أن يتحصّن ويتجهّز للمعركة، هكذا يجب على الزّوجين أن يتحصّنا ويتجهّزا. تكون الحصانةُ أوّلًا بالاحترام المتبادل والتّقدير بين الزّوجين اللّذين ينبعان من الحبّ الصّادق المبنيّ على التّواضع والاستعداد لخدمة الآخر. ويتحتّمُ علينا أن نصارع ونحارب كلّ يوم، أي أن نجدّد حبّنا وتقديرنا لشريك حياتنا يوميًّا، لنبقيَ على التّواضع فينا، كيلا يعمينا الكبرياء والعناد فنختلف ونتنازع من دون جدوى، أو نتّخذ قراراتٍ متهوّرة ومتسرّعة، بحقِّ بعضنا، قد نندم عليها فيما بعد. 

وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى عنصرٍ مهمٍّ جدًّا في الحياة الزّوجيّة، ألا وهو الصّمت البنّاء. فالصّمت يساعد المرء على الإصغاء إلى حاجة الآخر، حتّى من دون أن يتكلّم: حاجة الزّوج والزّوجة والأولاد. وعلى الزّوجين، أن يُتيحا لنفسيهما يوميًّا، الوقت الكافي لاختبار الصّمت الدّاخليّ، لينتبها، في ظلّ ضغوطات الحياة، إلى حاجاتهما من جهة، وليتعلّما الصّبر وعدم الانفعال أمام أخطاء الشّريك وضعفه، وأمام تصرّفات الأولاد المتهوّرة، فلا يأتي الكلام إلّا بعد طول أناة، لئلّا يجرّح أحدهما بالآخر. وهذا ما نسمّيه بالذّخيرة الّتي يدّخرها المحارب في قلب المعركة، فحين يحتاج إليها يجدها بقربه. وهذا ما يحتاج إليه شريكُ حياتك في مشاكله وصعوباته المتراكمة: أن يشعرَ بأنّك تحبّه، وتعرفه، وتقف إلى جانبه. إذ يكفي أن يشعر بحبّك، حتّى من دون أن تتكلّم. فكم وكم من الأزواج الّذين يشعرون بالوحدة والضّجر في قلب عائلاتهم. لماذا؟ لأنّ حضورهم لبعضهم البعض أصبح، في كثيرٍ من الأحيان، حضورًا فارغًا من الحبّ والاندهاش والبساطة والحوار. 

وبالتّالي، من الضّروريّ أن يحذر الزّوجان أيضًا من العلاقات الاجتماعيّة غير السّليمة، تلك المليئة بالأكاذيب والألاعيب والحسد والنّميمة وحبّ التّسلّط وحبّ المال والفضول غير اللّائق، والّتي تهدّد ثبات الحبّ في الزّواج. فهي كالفخّ المنصوب للفريسة، تأخذك إليها من دون علمكَ، وفي لحظةٍ غير متوقّعة، تقع فيها. فهذا الأمر يزعزع التزام الزّوجين ويقتل فيهما روح المثابرة ويُغمض عيناهما عن حقيقة الواقع، فتغشّهما الأكاذيب وتنشأ الخلافات، وتصبح الحياة الزّوجية مريرة ولا تطاق، فتصل بالزّوجين إلى اتّخاذ القرار بالانفصال. 

لذلك، يمكن التّأكّد أنّ أهمّ التزامٍ في الزّواج، هو الالتزام الرّوحيّ، حيث أنّ الله هو الطّرف الثّالث بين الزّوجين، هو الّذي جمعهما ليتّحدا به معًا بسرّ الزّواج المقدّس. وهنا، يتوجّب على الزّوجين الوعي لأهمّيّة الصّلاة في العائلة. فعائلة لا تصلّي، هي عائلة تعيسة، تثقلها الهموم والمشاكل ويرعبها الالتزام، لا تثبت ولا تتوحّد. فبالصّلاة، ينمو الحبّ المجّانيّ والعطاء الباذل والتّواضع البسيط في قلب العائلة.