كَسر الكلمة -13- الأحد الأوّل بعد الدنح

كَسر الكلمة -13- الأحد الأوّل بعد الدنح

إعتلان سرّ المسيح ليوحنّا المعمدان
(يو 1/ 29-32 )
29. في الْغَدِ رأى يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ، فَقَالَ: «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ
30. هذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ فيهِ: يَأْتِي ورائي رَجُلٌ قج صَارَ قُدَّامِي، لأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي
31. وَأَنَا ما كنتُ أَعْرِفُهُ. لكِنّي جئتُ أعمِّدُ بالماءِ لكي يظْهَرَ هوَ لإِسْرَائِيلَ » .
32. وَشَهِدَ يُوحَنَّا قَائلاً: « رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلاً كحَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاءِ، ثمّ اسْتَقَرَّ  عَلَيْهِ.
33.  وَأَنَا لَمْ أكنتُ أَعْرِفُهُ، لكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي أُعَمِّدَ بِالْمَاءِ هو قَالَ لِي: مَن تَرَى الرُّوحَ ينزلُ ويستقّرُ عَلَيْهِ، هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ.
34. وَأَنَا رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هذَا هُوَ ابْنُ اللهِ»

مقدّمة
إنَّ الذي لا حاجةَ لهْ  الى شهادةِ إنسان، يأتي الى العمادِ ليشهدَ لهُ يوحنّا المعمدان. فيقولُ: هذا هو حَمَلُ الله الذي يرفعُ خطيئةَ العالم. وكأنّ الكلَّ ينتظرُ حَمَلاً! نعم، في الحقيقةِ، كان يوحنّا وتلاميذُه ينتظرونَ الحَمَل، حملَ الله؛ فقد أدركوا أنَّ الحملان الكثيرةَ التي قدَّموها عن الخطايا لا تُجدي وأنّه لا خلاصَ لهم إلّا في حَمَلِ الله. وبذلك يُوجِّه يوحنّا الأنظارَ الى شخصِ المسيح على انّه المُخلّصُ الوحيدُ، الّذي لا خلاصَ إلّا بِهِ!
من بعد مقدّمةِ إنجيلِ يوحنا (يو1/ 1-18)، التي تُميّزُ كلَّ لاهوتِ الإنجيلِ الرّابع، تأتي الآيات 19 وما بعدَها وكأنّها ترجمةٌ تاريخيّةٌ، من خلالِ بعضِ الأحداثِ والمشاهد، لما جاء في الُمقدّمة. على مثالِ مرقُس، فيوحنّا لا يسردُ أخبارًا عن طفولةِ يسوع ونشأتِه، لكنّه يبدأ بشهادةِ يوحنا المعمدان عن يسوع، دونَ التوّسُع في شرحِ  فحوى أقوالِ المعمدان كما يفعلُ الإزائيون . بالنسبةِ للإنجيليّ يوحنّا، دعوةُ المعمدانِ تقتصِرُ  على الشهادةِ بأنّ يسوعَ هو حملُ الله الذي يحملُ خطيئةَ العالمِ والذي يُعمّد بالروحِ القدس. تبقى حقيقةُ يسوع العميقة محجوبةً عن إدراكِ الجموع، ولكنّ بالنسبةِ للشّخصِ المستنيرِ والمسوقِ من الروحِ مثل المعمدان، هذه الحقيقةُ تنكشِفُ لعيونِ قلبِه فيُدرِكُها ويشهدُ لها ويُبشّرُ بها. 

شرح الآيات
29  في الْغَدِ رأى يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ، فَقَالَ: «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ.
"وفي الغَدِ" عبارةٌ تُفيدُ المعنى الزمنيّ لتسلسلِ الأحداث، وهي ترِدُ ثلاثَ مراتٍ في المشهدِ الذي يُكوّنُ الفصلَ الأوّل من إنجيل يوحنّا من الآياتِ 29 وما بعد (1/ 29. 35. 43). وهي بارتباطها بعباراتٍ زمنيةٍ أخرى مثل "في اليومِ الثالث"، قد تَحمِلُ معنًى أعمقَ كإشارةٍ الى أيّامِ الخلق، أو الأيّامِ التي أُعطيَت فيها الوصايا على جبلِ سيناء ( في اليومِ الثالث).
أوّلُ إعترافٍ يقولُه المعمدان على يسوعَ في إنجيلِ يوحنا هو: "هوذا حَمَلُ الله الذي يرفعُ خطيئةَ العالمِ". هذه العبارةُ تذكّرُ القارئَ بالأقوال البيليّة المتعلّقةِ بالوحيّ الإلهيّ وتنصيبِ الملوك. عندما اختارّ الربُّ شاولَ ملكاً توجَّه إلى صموئيل بهذه الكلمات: "هُوَذَا الرَّجُلُ الَّذِي كَلَّمْتُكَ عَنْهُ. هذَا  يَضْبِطُ شَعْبِي" (1صم 9/ 17). كذلك الإعلانُ الإلهيّ الذي كان يحدّدُ مصيرَ الشخصِ المُختارِ ورسالتِه، يُختصرُ أيضًا بنداءٍ مشابهٍ لما قاله يوحنّا المعمدان على يسوع، فنجِدُ في أشعيا مثلًا: "هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَم"(أش42/ 1).
في قولِ المعمدان، نلاحظُ أنّ التركيزَ هو على عبارة: "حَمَلُ الله"، التي نراها أيضًا في يو 1/ 36. إنّ رمزَ "الحمل" كوصفٍ لدورِ أو رسالةِ شخصٍ مُعيّن لا نجدُ لهُ تطابُقًا في أيّ نصٍّ بيبليٍّ آخر. قد نجدُ في بعض المراجع مقارنةً بين شعبِ إسرائيل وصورةِ الحَمَلِ الذي يرعاهُ الله، كما وأنّ النبيَّ (العبد المتألّم والمقتول) قد شُبّهَ بالحَمَل الذي اقتِيدَ الى الذبحِ (هو4/ 16؛ أش53/ 7؛ إر11/ 19)، ولكن في التقليدِ البيبليّ، لا يوجدُ شخصٌ يُدعى بشكلٍ مباشرٍ وعلنيّ بال"حَمَل"
إرتباطُ كلمةِ "الحَمَل" بلفظِ "الله" يُشير بشكلٍ واضحٍ الى العلاقةِ الوثيقةِ بين الكلمتين. هذا الحَمَلُ يخُصُّ الله مباشرةً، فهو مختارٌ منهُ ولهُ. هذا ما يعودُ بنا إلى إطارِ العبادةِ حيثُ ذبيحةُ الحملِ مع باقي الذّبائح كانت تُقدّمُ للهِ في طقسِ التّطهيرِ والكفّارة (لا14/ 1-32)، أو في طقسِ تكريسِ المذبحِ (عد7/ 10-89)أو في طقس التقدمة اليوميّة(خر29/ 38-42؛ لا6/ 2-6؛ عد28/ 3-8؛ حز46/ 13-15). ومِن المُلفت أنّنا لا نجدُ في كلّ هذه الطقوسِ عبارةً صريحةً ومُباشِرةً تُفيدُ بأنَّ الحَمَلَ المُقدّمَ للهِ "يرفعُ خطيئةَ" الجماعة. أمّا في التقليدِ اليوحانويّ، فدورُ الحملِ مُغايرٌ تمامًا، إذ جوهرُ دعوةِ الحَمَلِ تكمُنُ في رفعِ خطيئةِ العالمِ كلّه.  وما استعمالُ كلمةَ "خطيئة" بالمفُرد إلّا دلالة على خطيئةِ كلِّ إنسان (الإنسانية بأجمعها) والتي نجِدُ جذورَها في أولى صفحاتِ الكتابِ المقدّس حيثُ الرّغبةُ في الإستقلالِ عن الله والعصيانِ قد أفسدَت كلَّ شيء. لذلك هذا الحَمَلُ ومن خلالِ ذبيحةِ الصليبِ"هُو كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا" (1 يو2/2). هذا الدورُ الخلاصيّ والشاملُ يربطُه يوحنّا بشكلٍ واضحٍ بالمسيح الإبنِ البارّ الذي أرسلَه الآبُ كفارّةً عنّا جميعًا (1 يو4/ 10. 14). هذه هي صورةُ الحَملِ الفصحيّ الذي كان بالنسبة للشعبِ اليهوديّ، حاميًا بدمِه أبناءَ اسرائيل. كما وأنّ إنجيلَ يوحنّا قد قاربَ بين موتِ يسوع والفصح (يو 19/ 14).  لذلك لا يُمكن أن يوجدَ في التاريخِ الخلاصيّ، شخصًا يُمكن أن يُطلَقَ عليه إسم "حمل" غيرَ يسوعَ البارّ الذي يستطيع وحدَه أن يرفعَ على الصليبِ خطيئةَ الإنسان. 

30 هذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ فيهِ: يَأْتِي ورائي رَجُلٌ قج صَارَ قُدَّامِي، لأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي
الإعلانُ الكريستولوجي (حَملُ الله) الذي نطقَ به المعمدان يُكمّلُه من خلال شهادةٍ جديدةٍ تَحملُ حقيقةً ثابتة وهي أزليّةُ هذا الحَمَل. هو الأزليُّ، السرمديُّ الكائنُ قبل أن يكون يوحنّا، وليس فقط يوحنّا بل قبل أن يكونَ العالم كلّه. وهذا ما يطابقُ، ويشرحُ، ويُبسّطُ كلماتِ مقدمةِ الإنجيل: "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ" (يو1/1)

31  وَأَنَا ما كنتُ أَعْرِفُهُ. لكِنّي جئتُ أعمِّدُ بالماءِ لكي يظْهَرَ هوَ لإِسْرَائِيلَ
يُعلنُ يوحنّا أنّه لم يكن يعرفُ المسيح، لكنّه مدعوٌّ من الله لكي يعمّدَ الشّعبَ بالماء فيجعلُ الّلقاءَ عندها بين الشعبِ والمسيح ممكنًا. دورُه إذاً هو دورٌ تحضيريّ وهو يجعلُ للمعموديةِ التي كان يقومُ بها رسالةً مرتبطةً بظهورِ المسيح. هو يُعلنُ مرتينّ أنّه لم يكن يعرفُ المسيح (يو 1/ 31. 33)، وهذه العبارةُ يُمكنُ ربطَها بالتقليدِ الرؤيويّ حيث صورةُ "إبن الإنسان" التي تحملُ دلالاتٍ مسيحانيّةً خلاصيّةً، تبقى مخفيّةً إلى الوقتِ الذي يُعلنُها اللهُ فيه (كتاب أخنوخ 39/ 7-8؛ 48/ 3. 6؛ 52/ 9؛ 62/ 7).

32-33 وَشَهِدَ يُوحَنَّا قَائلاً: « رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلاً كحَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاءِ، ثمّ اسْتَقَرَّ  عَلَيْهِ. وَأَنَا لَمْ أكنتُ أَعْرِفُهُ، لكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي أُعَمِّدَ بِالْمَاءِ هو قَالَ لِي: مَن تَرَى الرُّوحَ ينزلُ ويستقّرُ عَلَيْهِ، هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ.
يُعطي يوحنّا كذلك مكانًا كبيرًا للروحِ القدسِ في تقديمِه لرسالةِ يسوع. وفي هذا الإطار تلعبُ حادثةُ الأردّن دورًا أساسيًّا في كشفِ هويّةِ يسوع (يو 1/ 29-34). فنزولُ الروحِ القدس الذي يكشفُ للمعمدان هويّةَ المسيح، هو أساسٌ يبني عليه شهادتَه. في يو 1/ 32 يُوضحُ الإنجيليُّ ما يقدّمُه الإزائيون حولَ نزولِ الروح، فيُحدد أنّه "استقرّ عليه" وهذا ما يكررُه في الآية 33. وعلى خلافِ ما نجدُ عند الإزائيين حيث يدفعُ الروحُ يسوعَ (مر 1/ 12) أو يقودُه (لو4/ 1)، يؤكّدُ يوحنّا أنّ الروحَ قد استقرَّ على يسوع وفي هذا عودةٌ الى أش 11/ 2: "وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ". كما يُمكنُ أن نقرأ تشابهًا بين الرّوحِ الّذي يستقرُ على يسوع وبين مجدِ الربّ الذي كان يستقرُّ على خيمةِ الإجتماع (عد14/ 10). مما يعني أنّ يسوعَ هو الهيكلُ الاسكاتولوجيّ، مكانُ حضور الروح النهائيّ، وهذا ما سيؤكدُّه بوضوحٍ كامل يو 2/ 21. لكنّ يسوع ليس مركزَ حضورِ الروحِ وحسب، إنمّا هو مَن يعطي الروحَ للبشر، لكي يولدوا ولادةً روحيّةً جديدةً ويُصبحوا بدورهم هياكلَ للروحِ وأبناءً للآب بالإبن.  

32-33 وَشَهِدَ يُوحَنَّا قَائلاً: « رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلاً كحَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاءِ، ثمّ اسْتَقَرَّ  عَلَيْهِ. وَأَنَا لَمْ أكنتُ أَعْرِفُهُ، لكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي أُعَمِّدَ بِالْمَاءِ هو قَالَ لِي: مَن تَرَى الرُّوحَ ينزلُ ويستقّرُ عَلَيْهِ، هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ.
يُعطي يوحنّا كذلك مكانًا كبيرًا للروحِ القدسِ في تقديمِه لرسالةِ يسوع. وفي هذا الإطار تلعبُ حادثةُ الأردّن دورًا أساسيًّا في كشفِ هويّةِ يسوع (يو 1/ 29-34). فنزولُ الروحِ القدس الذي يكشفُ للمعمدان هويّةَ المسيح، هو أساسٌ يبني عليه شهادتَه. في يو 1/ 32 يُوضحُ الإنجيليُّ ما يقدّمُه الإزائيون حولَ نزولِ الروح، فيُحدد أنّه "استقرّ عليه" وهذا ما يكررُه في الآية 33. وعلى خلافِ ما نجدُ عند الإزائيين حيث يدفعُ الروحُ يسوعَ (مر 1/ 12) أو يقودُه (لو4/ 1)، يؤكّدُ يوحنّا أنّ الروحَ قد استقرَّ على يسوع وفي هذا عودةٌ الى أش 11/ 2: "وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ". كما يُمكنُ أن نقرأ تشابهًا بين الرّوحِ الّذي يستقرُ على يسوع وبين مجدِ الربّ الذي كان يستقرُّ على خيمةِ الإجتماع (عد14/ 10). مما يعني أنّ يسوعَ هو الهيكلُ الاسكاتولوجيّ، مكانُ حضور الروح النهائيّ، وهذا ما سيؤكدُّه بوضوحٍ كامل يو 2/ 21. لكنّ يسوع ليس مركزَ حضورِ الروحِ وحسب، إنمّا هو مَن يعطي الروحَ للبشر، لكي يولدوا ولادةً روحيّةً جديدةً ويُصبحوا بدورهم هياكلَ للروحِ وأبناءً للآب بالإبن.

34 وَأَنَا رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هذَا هُوَ ابْنُ اللهِ»
يختِمُ يوحنّا شهادتَه الكريستولوجيّة في استخدامِ ما  يُعتبرُ أساسَ وجوهرَ الإيمان في إنجيلِ يوحنّا : "هذا هو  إبن الله" (يو 1/ 34؛ 11/ 27؛ 20/ 31). هو رأى الروح يأتي من السماءِ ويُعطى بملئه ليسوع. على الرغم من أنّ المؤمنينَ يُمكن أن يُدعوا بالمعنى الضّيّق "أولادَ الله" (يو 1/ 12؛ مت5/ 9؛ رو 8/ 14)، فإنّ يوحنّا يستخدمُ هذه العبارة بقوّةٍ كلقبٍ يُشيرُ الى الوحدانيّة الفريدة التي تربِطُ يسوعَ "الإبن" بالآب. فالتعبيرُ يحملُ فكرةَ ألوهيّةِ يسوع بصفتِه المسيّا ( يو 1/ 49؛ 5/ 16-30). 
يوحنا رأى، أي إختبرَ، لذلك يستطيعُ أن يشهدَ. الذي إختبر، الذي إلتقى بالمسيح يستطيعُ أن يُخبر عنهُ. بدون هذا اللقاء الشّخصيّ بالمسيح، تبقى الشّهادةُ ناقصةً، ويبقى المسيحُ شخصيّةً يمكنُ أن نُخبِرَ عنها أو نَسمعَ عنها. والفرقُ شاسعٌ بين أن نعرفَ المسيحَ كشخصيّةِ سمعنا عنها، وأن نعرفَه كشخصٍ حيٍّ إلتقينا به. يسوعُ شخصٌ حيٌّ يمكنُ أن نلتقيَ به اليومَ وكلَّ يوم.

خلاصة روحيّة
تبقى شهادةُ المعمدان مثالَ الشهادةِ الحقيقيةِ ليسوع. فقد عرفَ أن يدلَّ على يسوع وجعلَ نفسَه شاهدًا حقيقياً عندما قال: ينبغي لي أن أنقصَ وله أن يزيد. قد نجدُ صعوبةً في توجيه الانظارِ الى يسوع بهذه الشفافية، وأن ندُلَّ عليه كمخلّصٍ وحيدٍ في حين ما زلنا معرَّضينَ لنبحثَ  فينا وحولنا وفي الآخرين عن "مُخَلِّصين" آخرين، يقدمون لنا خلاصًا من الكثير من الأمور، إلا من الخطيئةِ العميقةِ السّاكنة فينا والتي لا يُنقذُنا منها إلا معرفةُ يسوع والاتحادُ به، فيموتَ إنسانُنا العتيقُ ويحيا الإنسانُ الجديدُ على صورةِ مخلّصِه. 


تحميل المنشور